انتصار الثورة في إيران شكل نصراً لقضية فلسطين


نايف حواتمة
الحوار المتمدن - العدد: 3818 - 2012 / 8 / 13 - 15:10
المحور: مقابلات و حوارات     

حاوره: مختار برتو
مسؤول الصفحات الدولية في صيفة الوفاق
ورئيس ادارة العلاقات العامة والشؤون الدولية في مؤسسة ايران الاعلامية والثقافية
بمناسبة ذكرى انتصار المقاومة في لبنان عام 2006 وتزامن هذه المناسبة مع يوم القدس العالمي التقت صحيفة الوفاق المناضل الفلسطيني الكبير الاستاذ نايف حواتمة الأمين العام للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين حيث سألته عن أهمية انتصارات المقاومة ومستقبل الكيان الصهيوني وأهمية يوم القدس العالمي وفيما يلي نص هذه المقابلة:
س) كيف تقيمون أهمية انتصار المقاومة في لبنان عام 2006، ومن ثم انتصار المقاومة في غزة، وتأثير هذه الانتصارات على المقاومة، وكذلك مستقبل الكيان الصهيوني ؟
ج) المقاومة في حرب عدوان 2006 بنت على المقاومة الفلسطينية واللبنانية الوطنية للعدو التوسعي الصهيوني منذ عام 1967، والتي بلغت القمة في ردع الاحتلال الصهيوني في حرب 1978 في جنوب لبنان، وحرب الغزو الشامل للبنان 1982، وحصار بيروت 88 يوماً، وامتداد المقاومة من بيروت إلى آخر شبر في جنوب لبنان حتى إرغام العدو على الانسحاب من بيروت المقاومة اللبنانية والفلسطينية وكل لبنان والانحسار في الشريط الحدودي المحتل عام 1978 الذي انسحب منها مرغماً عام 2000، وتنفيذ القرار الأممي 425، ووصول قوات الأمم المتحدة ورسم خط الحدود (الأزرق) على امتداد خط حدود لبنان عام 1948. لقد كَتَبَتْ مراكز البحث الدولية الكثير عن حرب العدوان الصهيوني على لبنان (تموز/ يوليو 2006)، لكن الأهم هو أن نأخذ التقرير الصهيوني ذاته حول الحرب ومجرياتها ويومياتها، في الجانب العلني المنشور منه فهو (شاهد من أهلها)، حيث يظهر (تقرير فينوغراد) أزمة النظريات الإرهابية الصهيونية في (نقل الحرب إلى ساحة العدو) وسلامة (جبهته الداخلية)، فمع وضع حرب العدوان أوزارها مباشرةً توالت الاستقالات لرموز العدوان في قيادة الحكومة الإسرائيلية، بدءاً من استقالة وزير الحرب عمير بيرتس ورئيس أركان جيشه دان حالوتس ورئيس الوزراء ايهود أولمرت، والتقرير يقدم وصفاً صريحاً لحالة الفشل بما تعني كلمة فشل من هزيمة، بعد 32 يوماً من العدوان بكل صنوف الأسلحة البريّة والجويّة والبحريّة، وصفاً واضحاً للانكسار الذي أصاب الصهاينة، وحالة الدهشة والجدل واللوم وإلقاء التهم والتقصير الذي وصلت أصداؤه إلى الخارج، ثم في التغييرات الجذرية في الهيكلية القيادية العسكرية الصهيونية بعد إصدار التقرير.
ويمكن الاطلالة أيضاً على ذلك، من خلال المؤتمر الذي عقده (معهد أبحاث الأمن القومي الصهيوني) حول حرب تموز/ يوليو، والذي أقرَّ به أولمرت ذاته (بأن ساحة الميدان المستقبلية للحرب ستكون داخل مدننا وليس فقط على خط بعيد عن أماكن سكننا وهذا ينبغي أن نفهمه)، والأهم إقراره بـ (عجز قدرات الجيش البري ودباباته)، ويقصد هنا (مفخرة الميركافا) التي حولتها الدعاية الصهيونية إلى (مفخرة صهيون)، بل قال محذراً الذين يبنون حساباتهم على القتال البرّي الواسع واحتلال الأراضي: (إن القدرات يجب ألا تقوم على احتلال الأرض، إن أي محاولة للاحتلال البرّي الواسع لم تعد تجدي، إن أي محاولة تقدم برّي لما بعد ثلاثة كيلو مترات عن الحدود تعتبر حماقة)، ذات الاستخلاص أكده في المؤتمر ذاته رئيس الأركان الذي قدم استقالته كنتيجة لفشل الحرب والعدوان، حيث قال في كلمته محذراً: (الذين يبنون حساباتهم على القتال البرّي الواسع المدى نحذرهم بأن الصواريخ ستصل بسرعة أسرع من الدبابة).
يدفعنا هذا إلى استخلاص نوعية المعركة والتكتيك العسكري لدى المقاومة، حيث جرى تحول عميق، ففي حرب العدوان هذه عاش قرابة مليون نسمة في الشمال، إما في الملاجئ أو هاجروا بحثاً عن أماكن يتوفر لهم بها الأمن، بعد أن وصل التهديد حينها إلى المستوطنات ومدن المجاميع الكبرى، في حالة من الهلع والاندهاش، فالحرب تمسّ مدنهم وشوارعهم ومنازلهم.
هكذا؛ سقطت أساطير صهيونية لها علاقة بفلسفة عدوانهم، وسقطت أسطورة: (كَيّ الوعي - الصدمة والترويع) ونقل الحرب بعيداً عن ميدان الساحة الصهيونية الداخلية، فـ (كي الوعي كان معاكساً، أي في المجتمع الصهيوني بينما المقاومة في يقين الثقة بالنفس، كما سقطت معها أسطورة الميركافا، ويمكن الاطلالة على يوميات الحرب، والخلاصة هي أنه رغم التفوق العسكري الصهيوني، والمدجج بأحدث الأنياب التوسعية والاستيطانية الإمبريالية، فقد فشل في تحقيق أهدافه التي أعلنها لدخوله الحرب، واضطر نحو مليون مستوطن إسرائيلي إلى الاحتماء في الملاجئ أو الهجرة إلى الجنوب).
كما أدت هذه الحرب التي استمرت من 16 تموز/ يوليو إلى 14 آب/ أغسطس 2006، والتي تميزت كالعادة بالهمجية الصهيونية كما كان يجري في الحروب العربية النظامية عموماً، ومسارعة المقاومة إلى قصف صاروخي لمنشآت ومواقع عسكرية ومدنية حيوية وصل مداها إلى حيفا وعكا وطبريا، فضلاً عن الخسائر الاقتصادية والمعنوية نتيجة هذا الاهتزاز.
أخيراً؛ لقد شكلت هذه الحرب محطة للدراسات العسكرية المتخصصة، في سياق بناء إستراتيجية مواجهة عسكرية، وكمرتكز أساس في التكتيك والإستراتيجية العسكرية.
في قطاع غزة المحاصر، فإن صمود الشعب الفلسطيني أمام المحارق، ومنها محرقة (الدايم) الفوسفوري شكلت بطولة كبيرة إبان العدوان الهمجي على قطاع غزة مع نهاية عام 2008 وطوال كانون الثاني/ يناير 2009، مع الفارق عن حرب العدوان على لبنان صيف 2006، من حيث العوامل العديدة المحيطة، بل والجغرافية في طبيعة الأرض والمنطقة، وعليه فقد بادرنا وشددنا في اللقاءات الميدانية حينها للرد على العدوان، بتشكيل غرفة عمليات موحدة لفصائل المقاومة، وقدمنا مؤخراً (إستراتيجية دفاعية موحدة) لقطاع غزة، عبر بناء جبهة مقاومة موحدة، وتشكيل غرفة عمليات مشتركة بمرجعية سياسية واحدة، مقدمةً لرص الصفوف واستعادة الوحدة الوطنية وإنهاء الانقسام.
س) نظراً لهزائم إسرائيل خلال السنوات الأخيرة؛ هل يجرؤ هذا الكيان على شنّ حرب جديدة؟! ...
ج) التهديدات الصهيونية ضد الشعب والأرض الفلسطينية، ومصادرة حقوقه بتقرير المصير والاستقلال وعودة اللاجئين لا تتوقف، وضد لبنان وإيران وسوريا، وقد أدرجت في قائمة التهديدات، فضلاً عن حصار قطاع غزة، كان ينبغي أولاً أن تشكل فرصة لإعادة الاعتبار لموقف إستراتيجي عربي ومسلم لمواجهة العدو، أقول هذا لأن لا أحد بمنأى عن أضرار أي حرب جديدة في هذه المنطقة، وأحدد أيضاً كان ينبغي أن تكون هناك فرصة لردم الخنادق بين العرب والمسلمين أنفسهم، وإنهاء الانقسام الذي يساعد العدو وبشكل أساسي على الاستفراد هنا أو هناك، والبطش هنا أو هناك، إن استطاع إلى ذلك سبيلاً، كما يرد في دوره ومشاريعه ومنهجه وفكره الأساسي ...
لقد استفادت (إسرائيل) كثيراً وعلى مدى قيامها من الخلافات العربية، بل سهلت الفتن وعمقت المناخات الانقسامية بما أوتيت من (مهارات) خفيّة بارتباطاتها الدولية، فلولا كامب ديفيد لما تجرأت (إسرائيل بيغن- شارون) على اجتياح لبنان وعاصمته بيروت صيف عام 1982، ولولا (المبادرة العربية) لما أقدمت حكومة شارون مباشرة على حرب السور الواقي (آذار/ مارس 2002) واجتياح الضفة الفلسطينية بحمامات من الدم، وذلك لأن (المبادرة) ذاتها؛ بتوقيتها وإعلانها دون اشتراطات واضحة رادعة؛ غذت غطرسته وإرهابه. فالسلام لا يمكن قبوله من الضعيف الذي (لا حول له ولا قوة)، بل هو يحتاج إلى القوة التي تسنده وتؤكد عليه، فانتهى الأمر في الغطرسة الصهيونية إلى (السلام مقابل السلام) أو كما يقال: (سلِّم تسلم)، بسبب من يقين الصهيونية لغياب العامل العربي الموحد والمشترك البديل، فالحالة العربية تخلو من الحصانة والتحصين. وبرز موقف (إسرائيل): (سلم تسلم وافتح صفحة كبيرة للتطبيع، طوعاً أو قسراً) في أكثر من بلد في العالمين العربي والمسلم، هذا بالضبط أيضاً ما عبّر عنه نتنياهو: (هلّموا للهرولة) بلا مقابل وافتحوا أجواءكم ومياهكم وأراضيكم لنسرح ونمرح فيها كما نشاء...
وبلغة سياسية لا يوجد سياسي مطلع في هذا العالم لا يدرك أن مَنْ يقود(إسرائيل) اليوم هم عُصبة من مجانين التطرف، وهم مجرمو حرب يطالهم القانون الدولي والقوانين والاتفاقيات الدولية المختلفة، مجرمون بحق الإنسانية، والقائمة تطول في سجلات أفراد هذه الحكومة وقيادة الكيان الصهيوني، في أكثر من مجزرة في فلسطين ولبنان وسوريا والأردن، وصولاً إلى العراق وتونس ودول العالم المختلفة، وصولاً إلى الإمارات ودبي ...
الماضي إرهابي، والحاضر إرهابي وتحت وطأة جينات الإرهاب، والمخالب والأنياب وصولاً إلى الأسلحة المحرمة دولياً، والمجربة على الشعب الفلسطيني واللبناني، أقصد بهذا نمطيات الحالة العنصرية المتوالدة، بما جرّته على المنطقة من ويلات وكوارث.. فهي عنصرية منظمة مهتاجة..
وأحدد؛ إن التهديدات المرتفعة الحدّة، ترافقت وتزامنت مع التدريبات العسكرية الواسعة شمالاً، ومع معلومات عن تسلم العدو أسلحة متطورة جديدة، وشبكات صواريخ أمريكية وعن صفقات طائرات أمريكية متطورة، وهي استعدادات فعلية ميدانية. لكن الحرب ضد إيران لا يمكن أن تقوم بها (إسرائيل) ضد إيران بمفردها، بسبب من أهمية المنطقة لمصالح الغرب، ولأن العدوان على إيران يحتاج إلى ضوء أخضر أمريكي، ليس من السهل توفره بحكم مصالح واشنطن الكبيرة في المنطقة، ولإدراكها التداخل الكبير في المنطقة إذا ما وقعت، فلن يكون من السهل توقيت مدتها ونهايتها.. وحساب خسائرها، فهي إن بدأت الحرب لا تضمن أن تنهيها وفق ما تخطط له..
تجري تهيئة استعداداتها وخططها وبنك أهدافها وجهوزية أنواع أسلحتها، لكن بات من الواضح لها أن أي غطرسة وحماقة جديدة إذا ما أقدمت عليها سيكون ثمنها باهظاً.
وبالإدراك أنه إذا تواصل الانغلاق السياسي وبالذات على الصعيد الفلسطيني وعدم توفير حل متوازن، من الممكن حينها الإستنتاج بأن الوضع سيذهب إلى الحرب، وكل شيء ممكن مع (إسرائيل)، وهي تعيش ذروة الهياج العنصري، مع اليقظة والحذر من أية محاولة مباشرة واضحة ضد إيران، وكما رأينا بلبنان كيف ذهبت إلى استهداف الوحدة الوطنية اللبنانية.
على الرغم من الاستبعاد المنطقي التحليلي للحرب في هذا العام، ينبغي على العرب والدول المسلمة، والأدق تعبيراً: يفرض الواجب مواجهة هذه النوايا المبيتة المسمومة، الوقوف متحدين بوجه هذا التكالب العدواني ونزعاته كما عبّرت عنه القيادة الصهيونية، التي تقرع دوماً طبول التهديد بالحرب، فهي دون وقفة واحدة، ستبقى تسير من تصعيد إلى تصعيد. كما تفيد خبرة تاريخها وعدوانها منذ أن أقيمت.. وهي لا تستطيع أن تعيش دون مشاريع حرائق جديدة، خاصةً وأنها منشغلة منذ نشأتها بخوض الحروب، أو الإعداد لها، والمطلوب رصّ الصفوف والخروج من التخندقات العربية- العربية والإقليمية، على أساس من حساسيات وحسابات ضيقة فوق مجمل مصالح المنطقة وشعوبها؛ والمخاطر العدوانية التي تشهدها؛ وإن بقيت مشاريع ولم تنفذ.
إن التسخين الصهيوني الراهن باندلاع حرب في المنطقة، هو خارج الحسابات، أن شبح الحرب لن يلوح في الأفق قبل نهاية العام الحالي، وهذا يندرج في حساب الموقف الأمريكي بوجهٍ خاص؛ وأولوية الأزمة الاقتصادية الداخلية في حسابات الإدارة الراهنة وأجندتها، وتراجع التأييد الشعبي له بالنظر لوعوده الانتخابية، من هنا لا توجد رغبات لأي عمل عسكري مادامت هذه العوامل قائمة، خاصةً وأن رد الأفعال المترتبة عليه واسعة وكبيرة ومحفوفة بالمخاطر، لكن التهديدات هي استجابة للإستراتيجيا (الإسرائيلية) التي لا ترى عن ذلك بديلاً، بما فيه المشروع النووي السلمي الإيراني، ولكنها وحدها لن تستطيع أن تفعل في مواجهته شيئاً، فهذا الملف بيد الإدارة الأمريكية وحدها، نظراً إلى حساسيته وتأثيره على مجمل المنطقة...
س) نشهد هذه الأيام حركة صحوة عربية وإسلامية أطاحت بطغاة كانت لديهم علاقة مع الكيان الصهيوني، كيف سيكون تأثير هذه الثورات على القضية الفلسطينية ؟
ج) أقول لشعبنا وللشعوب العربية ولكل دعاة السلام والحرية والديمقراطية في العالم؛ أن البلاد العربية تعيش مرحلة وطنية وثورية جديدة من أجل الوصول إلى حلول للأزمات الداخلية في كل بلد من البلدان العربية، الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، والأزمات السياسية، وأن التحولات والتطورات في الدول العربية تصب في مصلحة القضية الفلسطينية والدول العربية جميعاً.
إن الشعوب العربية تريد ديمقراطية حقيقية، فهذه الشعوب بشبابها الطليعي هم الأبطال الحقيقون للثورات، والتي هبت بشعاراتها ودمائها تحت الرايات الكبرى الثلاث (خبز وكرامة، ديمقراطية تعددية، عدالة اجتماعية)، لأهداف الديمقراطية الاجتماعية، هناك من ركب موجتها بعد تحقيق أهدافها، بشعوبية الأبطال الخلفيون من المتفرجين، وأمام الديمقراطية الشعبية الفعلية، لا نريد أن ينتهي هذا الربيع إلى (الربيع السلفي)، (ربيع التخلف التاريخي)، الشعوب الفاعلة تريد التقدم، لا العودة إلى إقطاعات القرون الوسطى.
ونتوقف عند الانشغالات العربية في الحِراكات الإصلاحية الداخلية، والتي تصب في مصلحة القضية الفلسطينية والمصلحة العربية المشتركة، ومصلحة شعوب الشرق الأوسط، ونستنكر (التعهدات التي تطلقها بعض الحركات الإسلامية المصرية بعدم المساس بمعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية 1979، واتفاقية كامب ديفيد واحترام الاتفاقيات الدولية).
كما نعتبر أن تصريح (حزب العدالة والحرية - الإخوان المسلمين) في مصر؛ التصريح الأخير بهذا المضمون (مرفوض شعبياً فلسطينياً وعربياً، وخطير، إزاء اتفاق ديفيد الظالم بالنسبة للشعب الفلسطيني وشعب مصر الذي ترك معظم (سيناء المصرية مجردة من السلاح المصري)، بما يتطلب تصحيحه).
س) قبل ثلاثة وثلاثين عاماً دعا الإمام الخميني الراحل في نداء لمسلمي العالم إلى إقامة (يوم القدس العالمي) في آخر جمعة من شهر رمضان، برأيكم ما هي أهمية إقامة مثل هذا الإحتفال السنوي الكبير وتأثيره على القضية الفلسطينية ؟
ج) في يوم القدس العالمي أيقظ سماحة الإمام آية الله الخميني من جديد المعنى العميق لطبيعة الصراع على المستوى العالمي، بأن يعلن وحدة المستضعفين في المنطقة عموماً؛ وكل الشعوب المستضعفة عن دورها ومواقفها وآمالها وأهدافها في مواجهة الاستكبار العالمي و(إسرائيل) التوسعية (الإمبريالية والصهيونية)، بدءاً من قضية فلسطين. من كل بقعة على هذه الأرض تواجه ظلم الإستكبار العالمي، فهي دعوة الوحدة لكل من يؤازر قضايا الحق وقضايا الضمير.
في هذه اللغة الموقظة للشعوب، وكما رآها سماحته، لم تقف المواجهة فقط في إطار العالم المسلم، حيث رأى أنهم يجب أن يستيقظوا أولاً، وأن يدركوا مدى القدرات التي يمتلكونها، سواء المادية أو المعنوية، وتعدادهم أكثر من مليار مسلم. بل حددها في لغة تبث سبيلاً إنسانياً عالمياً، لغة تمد مواهباً وسبلاً في المواجهة والكفاح والجهاد، والتفضيل والانحياز للعدالة في وجه الاستكبار والظلم على المستوى العالمي؛ بين المستضعفين أينما كانوا وطاغوت المستكبرين حيثما حلوا، في معنى عظيم لوحدة الإنسانية التي دعا إليها على الدوام، وهو المتيقن من الواجب (واجب المسلمين أن يهبوا لتحرير القدس، والقضاء على شر جرثومة الفساد..). لقد عبر عن ذلك مراراً، وهي رسالته وطموحه حين كان يقول: (نسأل الله أن يوفقنا للذهاب إلى القدس، والصلاة فيها إن شاء الله).
وها نحن نشهد كل عام في الجمعة الأخيرة من شهر رمضان، تظاهرات حاشدة تهتف للقدس وتدعو إلى تحريرها فهي في موقع الجهاد الأكبر، في مشهد يكرس حضورها في عقول الشعوب المستضعفة، ويقظة في وجدان كل من يحمل ضميراً أخضراً عنوانه الحق والعدالة العظيمة، التطلع إلى إحقاقها، إلى تحرير القدس، وبذات الوقت وعبر عنوان القدس؛ توعية الشعوب بالحال التي تعيشها، نحو تحقيق أهدافها في ترابط وتشابك هموم المستضعفين عموماً، وقد تحقق نداء سماحة الإمام.
لقد واصل سماحة الإمام علي الخامنئي الرسالة بجدارة، وهو يخاطب في كل عام وفي هذا اليوم المستضعفين على الأرض، تكريساً لمعاني يوم القدس العالمي، مؤكداً في خطبه ضرورة إسناد الشعب الفلسطيني بكل ما يدعم نضاله، وتحويل ذلك إلى دعوة للشعوب المستضعفة، مكرساً اليقين دوماً بأن: (فلسطين ستعود للفلسطينيين، ولا يمكن لأحد أن يقف موقف المتفرج).
لقد بث نداء سماحة الإمام روحاً جديدة في المقاومة العملاقة التي انطلقت لسلاح وشهداء الجبهة الديمقراطية وفصائل المقاومة جميعاً بعد هزيمة 4 يونيو/ حزيران 1967، ولدى الشعب الفلسطيني، الصابر المكافح، وانتقلت معانيه إلى الساحة الدولية، فهذا اليوم العالمي بالذات يواجه بمعارضة شديدة من قبل أمريكا و(إسرائيل) وتحالف الاستكبار العالمي، ممثلاً في أبرز بؤره وطواغيته.
في هذا العام، يكتسب (يوم القدس العالمي) أهمية خاصة، فالقدس مهددة، والتهويد على قدم وساق في ضوء العدوان، والأخطار التي تحيق بالقدس، وفي الظروف الدولية والإقليمية التي تمر بها المنطقة، أي التطورات في منطقة الشرق الأوسط.
ومن أجل مواجهة المخططات الأمريكية، والكيل بمكيالين، فإن اليوم العالمي للقدس في هذا العام بالذات؛ يكتسي بأهمية خاصةً بسبب من سياسة التهويد الصهيونية الممنهجة، والتي أخذت تبتلع القدس الشرقية المحتلة عام 1967، نحو كل الجهود من الأشقاء والأصدقاء بتحقيق الخيارات الديمقراطية التي تفتح الباب للوحدة الوطنية الفلسطينية بحوار وطني شامل وانتخابات شاملة مؤسسات السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير وفق التمثيل النسبي الكامل، عملاً باتفاقات الوحدة الوطنية الأربعة بين جميع الفصائل الفلسطينية بلا استثناء والرابع اتفاق 4 أيار/ مايو 2011 في القاهرة، واتفاق الدوحة في 8 شباط/ فبراير 2012، وتوفير مناخ آمن بين فصائل المقاومة ليبادر الشعب الفلسطيني بتأهيل خيار الوحدة، فالإصلاح الحقيقي فلسطينياً هو بتوحيد وتحرير إرادة الشعب الفلسطيني، وتوفير الفرصة الوطنية لكي يعبر عن هذه الإرادة وعن آماله وتطلعاته، وهذا يتطلب الجهود من كل ذوي النوايا الحسنة من الأصدقاء والأشقاء.
س) هل لديكم كلمة أخيرة ؟
ج) نقف بكل ما نملك من صمود وإرادة في وجه أي عدوان إسرائيلي في منطقة الشرق الأوسط، ومع حق إيران وأي دولة في الشرق الأوسط في التطوير النووي السلمي، وأقول:
لقد شكل انتصار الثورة في إيران، نصراً لقضية فلسطين. والآن في ظل ما يحيط بالقضية الفلسطينية والمنطقة عموماً، فإننا نولي معالجة الانقسام الفلسطيني أولوية بالغة، لإنجاح الوحدة الوطنية. وننطلق لذلك بدءاً من حوار وطني شامل لا يستثني أحداً، يستهدف حكومة وطنية مستقلة انتقالية تعمل على توحيد مؤسسات السلطة الفلسطينية، وأن يتم تفعيل المؤسسات التشريعية، وإعادة بناء مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية بالانتخاب الديمقراطي، والتمثيل النسبي الكامل. إن هذه العناوين وغيرها المشتقة منها، لا يسمح لنا الواجب الوطني ولا الحالة التي تمر بها القضية الوطنية الفلسطينية أن تؤجل أو أن تترك لتتراكم على حالها، أو أن تدرج على بوابة الانتظار، كما أنها ليست مجرد "وجهات نظر"، بل هي حقائق موضوعية تفرضها تجارب الشعوب المستضعفة في وجه الاستعمار الصهيوني التوسعي والاستكبار الإمبريالي، يفرضها قانون حركات التحرر، قانون المستضعفين وتحقيق الانتصار والأهداف.