الأصول الأربعة ( ٢ ٤)


جمال البنا
الحوار المتمدن - العدد: 3785 - 2012 / 7 / 11 - 09:08
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات     


ثانيًا: صفة المرأة كأنثى:

المرأة المسلمة تفخر بصفتها كأنثى وتعتبر أنها من المزايا التى تفضل بها المرأة الرجل، والتى أشارت إليها الآية: «وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمًا» (النساء:٣٢)، فلا يستطيع الرجال بقضهم وقضيضهم أن يحملوا، أو يلدوا كما تحمل وتلد أى امرأة عادية من غمار النساء، ولا يستطيعون أن يعطوا الحياة لهذا الوليد من صدورهم كما تفعل المرأة، وهذه ميزة رائعة كافأها الله عليها بأن جعل الجنة تحت أقدامها، وأى فخر أعظم من هذا.

لهذا فإن المرأة ترى أن إنسانيتها تصل إلى القمة عندما تقدم الحياة لإنسان ضعيف ــ عاجز ــ لا يستطيع لولا عنايتها أن ينمو ويكبر، وهى ترى أن الأمومة، وإن كانت السمة العظمى للأنوثة، أعلى قمة إنسانية للمرأة.

من أجل هذا فإن المـرأة المسلمة لا تعدل بالأمومة وظيفة أخرى، وترى أن قيامها بنفسها بتربية الوليد حتى الثانية أو الثالثة من العمر هو المهمة الأولى التى يجب أن تفرغ لها، فتأخذ إجازة من عملها سواء كانت بنصف أجر أو دون أجر حتى تقوم بهذه المهمة المقدسة، وترى المرأة المسلمة أن الأم ــ والأم وحدها ــ هى التى يمكن أن تقوم بهذه المهمة بالصورة المثلى، وأن المحاضن لا يمكن أن تقوم بهذا الدور وإن جاز إدخال الأطفال بعد سن الثالثة دور الحضانة تحت إشراف الأم.

تؤمن المرأة المسلمة بأن تعبيرات من نوع الفتنة والعورة.. إلخ، التى تمتلئ بها كتب التراث والتى تنسب إلى بعض الأحاديث إنما أريد بها عصر انتهى وانقضى وأصبحت هذه التعبيرات مفردات غير ذات موضوع فى العصر الحديث، ولهذا فهى تطوى صفحتها ولا تدعها تلوث مجتمعنا، وقد يشفع لنا أن نقول إن هاتين الكلمتين ــ الفتنة والعورة ــ لم تردا فى القرآن الكريم بمعنى الاشتهاء الجنسى، وليعودوا إلى القرآن الكريم وليحكموا بسياق الآيات على مضمون كل كلمة من هاتين، وقد امتدح القرآن الزينة.. والجمال: «قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِى أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنْ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ» (الأعراف:٣٢).

لما كان الزواج بالنسبة للمرأة قضية حيوية بكل معنى الكلمة، فلا بد أن يتم بناء على رغبة واقتناع تام منها وبعد تفكير طويل من كل من المرشحين واتفاق ما بينهما، وتعد هذه هى الخطوة الأولى، وليس للأب أو الأم إلا رأى استشارى لأنهما ليسا هما اللذين سيتزوجان.

ويجب أن تتولى المرشحة للزواج كل هذا بنفسها وإن كان لها أن تستعين بأهلها، ويجب أن تحضر عقد الزواج وتوقعه بنفسها وتستبعد تماماً فكرة الولى.

ومن حقها أن تعقد اتفاقاً مع زوجها يكون جزءًا من عقد الزواج يتناول الإجراءات والحـلول والقرارات للقضايا التى تطرأ على الحياة الزوجية، مثل السـكن، والنفقة، والعمل أو الدراسة.

وهذا أقرب إلى توجيه القرآن الذى يشترط الكتابة فى الالتزامات المؤجلة «وَلا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا».

ويمكن أيضًا أن ينص فى عقد الزواج على تسوية الطلاق وأن هذا يمكن أن يتم بناء على طلب أحد الفريقين بعد فشل محاولة التوفيق والتحكيم، وآثار انعكاسات ذلك على الطرف الآخر وكيفية تسويتها، وتلحظ فى تقرير ذلك مقتضيات العدالة ومصلحة الأبناء، ويقع ملغى كل طلاق يمارسه الرجل منفردًا أو خارج إطار هذه الشروط، فإذا لم توضع شروط الطلاق فى وثيقة الزواج يكون من المبادئ المقررة أن لكل من الزوجين طلب الطلاق، على أن يتم بالتسوية والتراضى بين الطرفين، ولا يجوز إجراء طلاق من طرف منفرد، فلا يجوز التحلل من اتفـاق غليظ، إلا بمثل الوسائل التى عقد بها هذا الاتفاق، وأبرزها التراضى والشهود والعلانية.. إلخ.

قد يقول قائل هذا ليس دستورًا للمرأة المسلمة، إنه دستور للمرأة الحديثة فى أرقى الدول، وليس فيه ما يميز المرأة المسلمة بوجه خاص.

ونقول...

أولاً: ليس مما يؤخذ على الباحث أو المفكر المسلم أن يقتبس من المعارف والعلوم والخبرات والتجارب من دول أو نظم أخرى، لأن الحكمة أصل إسلامى كالكتاب، وهى طلبة المسلم وعليه أن ينشدها أنى وجدها، فاذا وجدها فى أوروبا أو أمريكا أو الصين فلا غضاضة عليه أن يأخذ بها ولا يجرمننا شنآن بيننا وبينهم أن نعدل ونفيد منهم.

ثانيًا: أن الأصول التى بنى عليها الدستور لها أسانيد من القرآن الكريم، إما صراحة، وإما ضمنا، وما زدناه يدخل فيما أورده القرآن ضمناً عندما وضع المبادئ العامة وقرر المساواة بين الرجل والمرأة، وجعل العدل أساسًا وحكمًا فى العلاقات الاجتماعية، وليس فيما جاء فى الدستور إلا إعمال لذلك، والخلاف فيما قلناه ليس مع القرآن الكريم لأنه يفسح لنا السبيل أو الصحيح الثابت من السُـنة، ولكن مع الفقهاء، ونحن لا نرى الالتزام ضرورة بآرائهم.

على أنه لو فرض أن كان هناك خلاف فليسعنا ما وسع عمر بن الخطاب عندما أوقف مصرف المؤلفة قلوبهم المنصوص عليه فى القرآن الكريم لانتفاء العلة، وهناك من الفقهاء الأقدمين من رأى أن المصلحة هى المقصد الأسمى للشارع ويجب الأخذ بها حتى لو تعارضت مع النص.

ثالثاً: أن ما يميز المرأة المسلمة عن غيرها هو إيمانها الإسلامى، أى الإيمان بالله واليوم الآخر والثواب والحساب يوم القيامة واتخاذها الرسول أسوة وقدوة. فهذا هو ما يميز المرأة المسلمة، وهو ما يحميها ويرعاها، ويهديها سواء السبيل، وليس الزى، وليس القوانين، وليس التقاليد.

رأيت صورة على إحدى نشرات «النت» وقف لها شعر رأسى، رأيت الإمام الشهيد حسن البنا وهو يمد وجهه نحو الملك عبد العزيز آل سعود الذى أسلمه يده يقبلها، ولم أتردد لحظة فى أن هذه إحدى صور الكيد الرخيص التى يلجأ إليها أحط الخصوم، ليظهروا أعداءهم فى مواقف مخجلة بما توفر لهم من فقه فى التلاعب.

فأولاً ليس تقبيل اليد من عادات «السعوديين» فلهم طرقهم الخاصة، وبالنسبة للإمام الشهيد فمن المعروف أنه حرم على الإخوان تقبيل يده.

إن موقف السعودية من الإمام الشهيد منشور فى «من وثائق الإخوان المسلمين المجهولة»، فبعد الحديث عن لجنة الإخوان للحج جاء فى خطاب الأمير عبد الله بن سليمان وزير المالية الآتى: «وبهذه المناسبة نحب أن نرجو فضيلتكم إذا كان لكم عزم للقدوم إلى هذه البلاد المقدسة للحج أن يكون نزولكم لدينا بدارنا لكى نتمكن من الاجتماع بكم والائتناس بحديثكم وما دارنا إلا داركم، وحبذا لو تلقينا الموافقة على ذلك ليحصل لنا بذلك مزيد السرور، وفى الختام تقبلوا أحسن تحياتنا».