رد على تصورات الرفيق رزكار عقراوي - الشيوعية العمالية، الحكمتية، الى اين؟!


توما حميد
الحوار المتمدن - العدد: 3783 - 2012 / 7 / 9 - 19:02
المحور: التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية     

قبل ايام نشر الرفيق رزكار عقراوي مقالا باسم "الشيوعية العمالية، الحكمتية، الى اين؟!. كان من المؤمل ان يصدر الجزء الثاني، تاخرت في ردي لاطلع عليه، ولكن نظرا لعدم اصداره لحد الان قررت ان ارد على القسم الاول منه.
ان مناقشة كل ماورد في الموضوع الذي طرحه بخصوص الشيوعية العمالية ودور منصور حكمت ياخذ الكثير من الكلام والوقت. ان المواضيع التي يتحدث عنها تستلزم الكثير والكثير من الرد. بنظري ان طرح رزكار لايمثل طرح شخصي، بل هو منظومة فكرية سياسية معينة معروفة وليس بجديدة.
الفكرة والمبنى الاساسي لنقد الرفيق رزكار
قبل كل شيء دعني اتعامل مع الفكرة والمبنى الاساسي لنقده ، قبل ان ارد على تصوراته المحددة. انه يرى ان السبب الاساسي في التشرذم و ضعف الشيوعية بما فيها الشيوعية العمالية واليسار بشكل عام يكمن في "غياب الديمقراطية" والقيادة الجماعية" و "سيادة عبادة الشخصية"، و "غياب النقد والنقد الذاتي". لقد انتقد الشيوعية العمالية واليسارعدة مرات ولكن بقى هذا جوهر نقده. انه بنظري نقد ديمقراطي لا اشتراكي معجون بليبرالية يسارية واضحة. ان مثل هذا النقد لايرد على ضعف اليسار والشيوعية العمالية ولا الانشقاقات التي حدثت داخل الشيوعية العمالية، ولااعتقد انه سيتقدم بالشيوعية واليسار خطوة واحدة.
كما ان الانتقادات الاخرى للشيوعية العمالية التي جاءت في بحثه بنظري هي ليست مبنية على اساس سياسي علمي، ومن الناحية المنهجية ليست ماركسية، ناهيك عن ان الكثير منها بعيدة عن واقع الامور. بنظري هذا النوع من السرد والنقد ليس لايوثق تاريخ الشيوعية واليسار فحسب، بل انه يوثقها بابعد الاشكال عن المادية والعلمية والواقعية، ذلك انه يتعامل مع ظاهر وقشور الامور كما تبدوا من السطح ومن بعيد ولايرى اطلاقا محتوى الامور. عندما اقول من بعيد اقصد كشخص غير منهمك في مهمة بناء حزب سياسي الذي هو امر لاغنى عنه لاي تغيير جدي في المجتمع، وهذا امر مهم جدا.
هناك منظمات يسارية حول العالم ليست لاتمتلك قائدا فحسب، بل ان كل قراراتها تتخذ عن طريق التصويت الذي يشترك فيه كل الاعضاء ورغم ذلك تمر بسلسلة مستمرة من الانشقاقات وقضت عمرها في هامش المجتمع تفشل حتى ان تتحول الى جماعة صغط في قضية واحدة، ناهيك عن حزب سياسي متدخل في الاوضاع وليرسم مستقبل اخر للمجتمع. من جهة اخرى ترى ضعف الممارسة الديمقراطية في ارقى الاحزاب البرجوازية الغربية و نادرا ما تجد حزب برجوازي يحكم حتى في الدول الغربية لاتكون القرارات المهمة في يد شخصية او شخصيتين. فجون هاورد رئيس الحزب الليبرالي الذي حكم استراليا من 1996-2007 قال مرة في سياق الحديث عن صحة ماكان يتردد عن ان كيفن راد رئيس وزراء استراليا من حزب العمال الذي اعقبه في الحكم كان يتخذ كل القرارات بنفسه ويعمل بشكل فردي دون اخذ اراء اقرب وزرائه. قال نعم، القرار في عهدي كان مركز في يد عدد قليل من الاشخاص، ولكن القرار في عهد كيفن مركز بشكل اكبر، انه يتخذ كل القرارات بنفسه. لذا ليست القرارات المتعلقة بالمجتمع الاسترالي لاتاخذ من قبل حزب العمال كله او من قبل الكابينة الوزارية او مجموعة من الوزراء الاساسيين، بل من قبل رئيس الوزراء في احسن الاحوال بعد التشاور مع مستشاره او وزير او وزيرين. مثل هذه المركزية في اخذ القرار يصبح مشكلة فقط عندما تفشل سياسات الحكومة او تتراجع في استطلاعات الرأي. عندما تمشي الامور بمايرام لايرى احد في الحزب او الحكومة اي مشلكة في هذا. وانا متأكد ان هذا الامر ينطبق على الكثير من الاحزاب الحاكمة في اوربا الغربية.
ومن جهة اخرى، عندما يقوم قائد حزب برجوازي بتشكيل حكومة بعد الفوز بالانتخابات يختار الوزراء على اساس تأييدهم لسياساته، ولايعطي اي اعتبار لمسالة احترام الاراء والديمقراطية، لان عمل الحكومة وحتى حكومات الظل يتطلب هذا الامر. لن يقوم رئيس حكومة او حكومة ظل باختيار شخص ليس على استعداد لتأييد سياساته مهما كان اقتداره السياسي. واذا نظرنا الى عملية اختيار قائد اي من احزاب السلطة في الدول الغربية قبل لحظة اجراء الانتخابات سنجد حجم المساومة، والضغط ولي الاذرع والصراع بين الاجنحة المختلفة داخل تلك الاحزاب الى ان تؤدي الى لحظة الانتخابات. وحتى مسالة اللوبيات او مجاميع الضغط المعترف بها في الدول الغربية يعتمد عملها على الكثير من الاكراه والضغط وباشكل مختلفة. رغم هذا فان تلك الاحزاب نادرا ما تنشق. ولهذا لايصلح هذا النمط من البحث كدلالة على قوة او ضعف احزاب. ان هذا الامر مرهون بعوامل اخرى اتطرق لها في الجزء الثاني.
هل ثمة احزاب في العالم كله بقدر الحزب الشيوعي العمالي العراقي والكردستاني مثلا تسود فيها الممارسة الديمقراطية والحوار وقبول برأي المخالف. ان نظرة عابرة على النظام الداخلي للحزب الشيوعي العمالي العراقي تبين مدى سعة حرية الراي والتعبير في الحزب . نحن من دوّنّا في نظامنا الداخلي مفهوم "تعدد الاراء ووحدة الارادة"، و"حق تشكيل الكتل السياسية"، منصور حكمت هو من كتب عن حق الكوادر في اصدار بيانات شخصية باسمائهم وصورهم لان هذا حقهم المرتبط بصلتهم كبشر بالمجتمع! والذي هو انعكاس للخطوات التي قطعناها في هذا المجال.
يجدر بالرفيق رزكار أن يعلم إن التوقيع الشخصي أسفل المقالات السياسية الصادرة في صحافة اليسار الراديكالي في أيران، خصوصاً اليسار الذي كان يمارس النشاط السري، بدأه منصور حكمت، هو الذي كان يؤمن و يدعو إلى استقلالية العمل النظري و الكتابة النظرية للكوادر، لاننا بشر، متنوعون و مختلفون، ليس لأحد منا أن يتقيد حرفيا بما يتفق عليه الجميع، و ليس للحزب أن يتقيد بتصورات كوادره القيادية. الحزب يقرر في أجتماعاته على الوثائق، و لا يمكن لبحث نظري أن يتم التصويت عليه و إصداره بأسم الحزب و المنظمات. وهل بإمكان الرفيق رزكار أن يدلنا على مثال واحد لطرد عضو في الاحزاب الشيوعية العمالية بسبب أرائه و تصوراته السياسية كما يدعي؟
نحن حزب نريد ان نغير، ولكي نغير نحتاج القوى، وسعينا باسناننا واظافرنا من اجل عدم التفريط برفيق. من الممكن ان ارتكبنا اخطاء، ولكن هذه الاخطاء هي نتاج تقاليد اخرى موروثة ومن تاريخنا وسعينا وسنسعى بكل قوانا من اجل الخلاص منها. ولهذا فان اتهامنا بدفع الاخرين الى الانشقاق او الاستقالة بعيد كل البعد عن الحقيقة. ولكننا نريد ان نبني حزب وليس نادي. حزب في اوضاع العراق، حزب في عصر اصبح محاربة الشيوعية فن. حزب منضبط وفي الوقت ذاته يوفر اوسع اشكال الحرية. بالليبرالية غير الشيوعية لن نستطيع ان نصل الى مكان . ان لدى رزكار تصور اخر وفهم اخر للحزب والحزبية والحزبية الالكترونية، فهذا حقه، ولكنه ليس تصورنا، ونقول ان هذا هو بالضبط ليبرالية غير حزبية. ان نظرته لاهمية الحزب كوسيلة الحركات والطبقات الاجتماعية لاحداث تغيرات جوهرية في المجتمع، وللتحزب و لتركيب والية عمل الحزب هلامية. ومايصفه بالتقاليد الشمولية هي الحزبية والالتزام الحزبي بعينه التي هي ضرورية لكل الحركات السياسية الاجتماعية الجدية. ان يكون لرفيق او مجموعة رفاق رأي مخالف عن راي خط الحزب او مجموعة اخرى من الرفاق داخل الحزب ليس بجريمة بل شيئ ايجابي وبامكان الكل الترويج لافكارهم داخل الحزب ومحاولة اخذ زمام قيادة الحزب ولكن في حال حسم الامور لصالح خط معين من خلال الانتخابات يجب على الاقلية القبول بالنتيجة والدفع بسياسات الحزب. قد يختار احدا ان لايكون فعالا بالدفع بتلك السياسات ولكن لايحق له الوقوف بوجه الدفع بتلك السياسات. هذا تقليد راسخ في الاحزاب السياسية الجدية، وهو الامر الذي لايفهمه رزكار لان منطقه السياسي منطق جماعة ضغط وليس حزب سياسي. دون الالتزام بهذا التقليد لن يعد الحزب حزبا بل مقهى لتبادل واشهار الاراء والاختلاف. هناك فرق كبير بين حزب سياسي اجتماعي وملتقى فكري، حلقات نقاشية، و دور الدعاية والترويج. ما يمكن ان يكون مقبولا لملتقى او حلقة او دار نشر لايكون مقبولا بالنسبة للحزب. شئنا او ابينا تاتي التغيرات الاجتماعية الكبيرة والمهمة من خلال الاحزاب و الاحزاب هي التي تحسم الصراعات و مصير المجتمع والاحزاب لها قادتها وشخصياتها وقادتها. و اذا اردنا ان نحدث تغيير لصالح الطبقة العاملة والمجتمع في العراق يجب ان نؤسس حزب. فالاف الحلقات و دور الدعاية ومنظمات المجتمع المدني رغم اهمية بعضها لن تستطيع القيام بهذه الوظيفة. فهناك شيئ خاص يميز الحزب عن بقية التجمعات هذه.
كما لااعتقد هناك تيار شيوعي واضح الرؤية من الناحية السياسية بقدر الشيوعية العمالية. لذا ارجو ان يكون الرفيق رزكار اكثر دقة في تشخيص المسائل التي يعتقد بان الشيوعية العمالية هي غير واضحة تجاهها. نأمل بان يوضح ماتعنية بقية العبارات ويدعمها بامثلة في القسم التالي من مداخلته. يرجى الكشف عن سبل خلق خط سياسي منسجم وقيادة اجتماعية منسجمة وتراكم في الخبرة السياسية والتنظيمية. ان الكلام هو شيئ ولكن العمل على ارض الواقع هو شيئ اخر. الشيوعية هي تبيان سبيل. (والديمقراطية وغيرها من عبارات ليس بوسعها ان ترسم افق شيوعي تجاه متطلبات عالمنا المعاصر).

دور القائد والفرد
لا احد يشك في اهمية دور القائد والفرد بالنسبة للاحزاب والحركات البرجوازية.حتى في الدول الغربية، تكون احزاب السلطة سواءا في الحكم او المعارضة في مشكلة عندما لايكون لها قائد يلفها حوله. لم يقل احد ان ماركريت تاتشر او رونالد ريكان او ملكة اليزابيث الثانية او نيلسون مانيدلا او غاندي قد احتكروا القرار في يدهم او تم عبادة شخيصاتهم ولكن عندما يتعلق الامر بماركس او لينين او منصور حكمت وغيرهم من القادة الشيوعيون تكون هذه التهمة حاضرة. هذا الامر هو جزء من هجمة البرجوازية على الشيوعية. وعندما ياتي هذا الرأي من شخص يساري مهتم بتطور اليسار والشيوعية انما يدل على وقوع هذا الشخص تحت تاثير هجمة البرجوازية. ان البرجوازية حريصة جدا على تعظيم وحتى تقديس قادتها. فليس من العبث بان تقوم بريطانيا مثلا ببناء تمثال لرونالد ريكان او تقديس تشرتجل و ماركريت تاتشر و الملكة الحالية. كما تقوم البرجوازية بتعظيم منظريها رغم ان ليس لها منظريين معاصرين لهم افكار قيمة للبشرية لتعفن النظام البرجوازي. في المقابل تقوم بحملة منظمة ومدروسة لتشوية سمعة القادة الشيوعيين بدأ من ماركس ولينين الى القادة المعاصريين. كما انها تعمل كل ما في وسعها لتهميش المنظريين والمفكريين الشيوعيين والتقدميين والتقليل من اعتبارهم. عندما يبرز قائد عمالي وشيوعي هناك تهمتين جاهزتين ،احدها هي العمالة والاخرى هي الدكتاتورية و عبادة الشخصية وحتما منصور حكمت لن ينجو منها.
الفرد القائد مهم جدا لكل حركة او حزب اجتماعي سؤاءا كان يساريا او يمينيا. ان التاريخ مليئ بالامثلة على هذه الحقيقية من لينين وثورة اكتوبر الى مصدق وحركة تاميم النفط في ايران الى غاندي وحركة استقلال الهند عن بريطانيا ونلسون مانديلا وحركة النضال ضد النظام العنصري الى ريكان وتاتشر بالنسبة لليبرالية وعشرات الامثلة الاخرى. قد لايكون محفل فكري او مؤسسة بحثية او دار نشر بحاجة الى قائد وقد يكون بامكانها تمشية امورها من خلال منسق او مدير ولكن لايمكن لحزب او حركة اجتماعية ان تتقدم دون قائد او قادة و دون شخصيات تتجسد وتتشخص من خلالها. ان بحث الشخصيات بالمعنى الذي طرحه منصور حكمت هو احد اهم ابحاث الماركسية المعاصرة. انا لااقصد الفهم المبتذل لهذا البحث. ان ربط هذا البحث بالشكل الذي طرحه منصور بتقديس وعبادة الشخصية هو ابتذال سياسي واضح.
ثمة تهم جاهزة لايعرف المرء كيف يجيب عليها. ولكن اي نظرة عابرة على كتابات منصور حكمت واطلاع بسيط على ممارسته السياسية، ستبين للمرء باجلى الاشكال مدى تفاهة تهم مثل: "النزعة الاقصائوية"، "احتكار الحقيقة"، "عبادة الشخصية" وغيرها التي لها اهمية ومكانة مهمة في منظومة البرجوازية وهجمتها على الشيوعية، ورزكار وامثاله كثر يذوقون هذا الطعم دون تمحيص.
لايسع من تعرف على منصور حكمت الا ان يقول بانه كان قائدا وانسانا من طراز خاص. ان مكانته داخل حركة الشيوعية العمالية لم تاتي لانه شجع الاخرين على عبادة شخصيته او استخدم اسلوب الضغط او الترغيب لكسب ولاء الاخرين. فهو لم يكن بحاجة الى هذا الامر. ان مكانته كانت نابعة من قدرته السياسية والشخصية وانسانيته. يجب ان ان لاننسى انه مؤسس الشيوعية العمالية. ان من استطاع جمع الاف الشيوعيين في تنظيم في وقت اعلن موت الشيوعية و كانت الهجمة على الشيوعية على مستوى العالم في اشدها لابد ان يكون له امكانات خاصة. بامكان ايا منا ان يدعي مايشاء بخصوص منصور حكمت ولكن يمكننا ان نحكم عليه من خلال كتاباته ومواقفه و اسلوب تعامله مع الاخرين بما فيهم مخالفيه. ان تاريخ منصور حكمت والشيوعية العمالية هو تاريخ فصل الصف عن الحركات الاخرى ولكن رغم هذا تجد الرقي في كتاباته والطريقة التي قاد عملية الفصل هذه. لم يتهم منصور حكمت يوما من الايام احدا بالتحريفية مثلا. ليس لم يقل يوما من الايام اني امتلك كل الحيقية فحسب بل حتى لم يقول ان احدا على خطأ بل تحدث عن اي طبقة وحركة وتقليد تمثل التصورات والتحاليل والمواقف المعينة . اذهب الى اختلافاتنا وانظر كيف لايتفق منصور حكمت مع مفهوم التحريفية.
"احتكار الحقيقة"؟!. يقول منصور حكمت اننا حركات اجتماعية مختلفة. ليست لدينا حقيقة نتصارع مع الحزب الشيوعي العراقي من اجل احتكارها. اننا حركات اجتماعية مختلفة، باهداف وممارسة سياسية وطبقية مختلفة. ليس بيننا ما نسعى لاحتكاره عن بعض. كل وحركته. فاي احتكار للحقيقة. المشكلة في منطق رزكار السياسي. ذلك انه يرى ان هذه التيارات هو فصيل واحد مع اختلافات، وعلى كل طرف ان يكون ديمقراطياً مع الاخرين. نحن لسنا في سلة واحدة، واهدافنا مختلفة. النوايا الطيبة وحب خير المجتمع على العموم هي صفة موجودة عند اليساريين، لكن العالم هو عالم خطوط سياسية وتصورات ومناهج سياسية.
لقد عرف منصور حكمت بانه حريص كل الحرص ويسعد لسماع ان لرفيق راي ما في مسالة ما، راي مخالف، يفتح اوسع ابواب النقاش معه، بروح سياسية ورفاقية خاصة. ان تقليده هو عدم اللجوء لاستخدام صلاحياته التنظيمية وعدم الاستفادة من منصبه السياسي والتنظيمي في العمل الحزبي، ان سلاحه قلمه ولسانه وبحثه ومنطقه لا اكثر. انه يريد حزبا منسجما من الناحية السياسية، قبل ان يكون حزب قرارات ومقررات. ولهذا ان يخلق منه رزكار ستالين اخر، هو موضوع عديم القيمة اساساً.
بالعكس عما يقوله عن انه تعامل مع الذين تركوا الحركة باستهزاء تجد ان نظرته لمسالة ترك الحزب كانت راقية ومتمدنة الى ابعد الحدود. لقد شكر في اغلب الاحيان الرفاق المستقيلين وتمنى لهم الموفقية في حياتهم السياسية المقبلة. ("وداعاً رفيق!" عنوان رسالته الى جعفر رسا)، (اختتم رسالته لبهمن شفيق: رفيق بهمن احببتك بالامس كرفيق، وسابقى احبك كصديق) ام العديد من الرسائل التي تعكس روحية اخرى تستند الى ان الاستقالة هو حق الافراد غير المشروط. انه جزء من حقوق وحريات الفرد. الشيوعية بالنسبة لمنصور حكمت مسالة حياتية وليست فكرية.
اذا كان منصور قد اخذ 70% من وقت المؤتمر فهذا لم يكن شيئا سلبيا، ولم يكن على حساب احد ولم يغبن حق احد بهذا. انه امر ناشئ عن امكاناته السياسية. و قد كان الجميع بما فيهم الرفيق رزكار الذي حضر هذا المؤتمر سعداء إلى حد الغبطة بمداخلات الرفيق. اطلع على ابحاث والانتاج النظري والعملي لمنصور حكمت الذي عاش 51 سنة لكي تعرف كم كانت امكانات هذا الشخص. نفس الشيئ ربما ينطبق على لينين وماركس. هناك اشخاص في كل ميدان لهم قدرات تفوق قدرات الاخرين وليس المطلوب منهم تقليل نشاطهم الى حدود نشاط الاخرين، لان هذا غبن بحقهم.
حول الانشقاق
ان مسالة الانشقاق هي ليست مسالة سلبية او ايجابية بحد ذاتها . يمكن الحكم على الانشقاق من خلال الاسباب والنتائج التي يؤدي لها. ان نظرة رزكار وتصوراته للانشقاق هي اقرب للاخلاقية منه للسياسية. الانشقاق بحد ذاته مذموم! ان هذه المنهجية خاطئة من الاساس. ليس الانشقاق بالضرورة هو امراً سلبياً. ان انشقاق البلاشفة والمناشفة هو اقرب نموذج واوضحه. قرر منصور حكمت الاستقالة الفردية من الحزب الشيوعي الايراني لانه كان قد اقتنع بان الخروج من الحزب وبناء الحزب الشيوعي العمالي كان افضل من هدر طاقات ووقت اكبر في صراع داخلي في مواجهة التيار القومي الكردي داخل الحزب الشيوعي الايراني. كما تمكن بعد خروجه من هذا الحزب من بناء الحزب الشيوعي العمالي الايراني، وارتقت الحركة الشيوعية العمالية على جميع الاصعدة الفكرية والسياسية والتنظيمية بشكل سريع جاذبة القوى لا على صعيد ايران، بل العراق وكردستان . فخروجه من الحزب الشيوعي الايراني كان لخلافات سياسية وطبقية واجتماعية حقيقية، كما ان هذا الخروج لم يؤدي الى تشتيت القوى بل ادى الى انشاء حزب قوى في ايران اضافة الى بناء الحزب الشيوعي العمالي العراقي.
يقول رزكار عن منصور حكمت: "قام بالانشقاق عن - الحزب الشيوعي الإيراني - الذي كان احد الأحزاب اليسارية القوية في المنطقة، ومع تأييد معظم قيادة وأعضاء ذلك الحزب لأطروحاته ، وشكل - الحزب الشيوعي العمالي الإيراني- وتوج ذلك بطرح ضرورة خروج المئات بل ألوف من قادة وكوادر وأعضاء - الشيوعية العمالية - في العراق وإيران إلى الدولة الغربية وبحجج مختلفة، مما الحق ضربة كبيرة جدا بهم وبعموم اليسار العراقي والإيراني".
لاحظ هذا التصوير للامور!! (انشق، واخرج الكوادر خارج ايران والعراق والحق ضربة بالحركة). لماذا؟! جنون؟ نزق؟! عدم اهلية سياسية؟ ديكتاتوري؟! ماهو الموضوع؟! لماذا انشق عن الحزب الشيوعي الايراني، من الواضح ان رزكار لم يعرف لحد الان لماذا انشق منصور حكمت. بوسعه ان يذهب الى الحوار المتمدن نفسه ويقراً "ارضية نشوء الحزب" في بحث منصور حكمت "اسس وافاق الحزب الشيوعي العمالي"، http://www.ahewar.org/m.asp?i=51 ليعرف لماذا انشق. السؤال الاول الذي اوجهه لرزكار لماذا انشق عام 1992 وليس في 1987 مثلا، في اية اوضاع انفصل منصور حكمت عن الحزب الشيوعي الايراني؟! رزكار يصور مسالة الانشقاق وكانها امر داخلي صرف، نتاج صراعات ،ولكن ماهي الاوضاع التاريخية العالمية لاشتداد هذه الصراعات والانفصال؟ ان انهيار الكتلة الشرقية وتصاعد التيارات القومية على الصعيد العالمي، جعل التيارات القومية (التي الان بعد 20 سنة اصبح اغلبهم مستشارين عند جلال الطالباني ورفاق له) داخل الحزب تنتفض و"ترمي نفسها على كوكاكولاها" القومية. جرى في اوضاع خلعت اغلبية الشيوعيين رداء الشيوعية والماركسية اللذان كان موضة لعقود لترجع الى حركاتها الاجتماعية الاساسية. هم ذهبوا الى كوكا كولاهم القومية، فيما هرع منصور حكمت لتاسيس حزب شيوعي عمالي في قمة العاصفة المعادية للشيوعية والمستهزئة بالشيوعية والعمل الشيوعي والمعادية لكل افكار الحرية والمساواة. انفصل كفرد من الحزب، وترك كل ممتلكات الحزب، وقال ساترك الحزب بقلمي لاشكل حزب شيوعي عمالي صرف ولست مجبرا على انفاق العمر مع هذه التيارات. ولاذكر رزكار بالاسطر الاخير لكراس "حول الانفصال عن الحزب الشيوعي الايراني"-لاحظ ان منصور حكمت يتحدث عن "انفصال" وليس "انشقاق" لانه كان قرارا فرديا ولم يحث اي شخص على ترك الحزب السابق والانضمام لحزبه الجديد. يقول منصور حكمت: "اذا ما سالني غدا احد ما عما كنت افعله في تلك السنوات الكالحة التي كان فيها الهجوم على الشيوعية ومعها الكرامة الانسانية قد بلغت اوجها، في تلك السنوات التي كانت كلمة العامل فيها مرادفة للحرمان، فانني لا استطيع ان ارد عليه بالقول "باني كنت منهمكا باصلاح حزبنا"، فيما ان ابواب العالم على سعته مفتوحة على مصراعيها لاستقبل تلك الشيوعية العازمة والمدركة لاهدافها التي تنشد الشروع اليوم"! هذه هي الاسطر الاخيرة لكراس كان رزكار من وزعه علينا في وقتها ومدافع قح عن مضمونه. لماذا الحديث يختلف الان، المسالة بسيطة، ان جوابها في التحولات العالمية والتحولات الطارئة على اليسار وليس امرا شخصيا.
ويقول رزكار ومع ذلك قرر منصور حكمت تشكيل الحزب الشيوعي العمالي العراقي من تلك المنظمات بشكل إرادي ذاتي تكملة لتجربة الحزب الإيراني، وتم تقسيم المناصب القيادية بين تلك المنظمات وفق المحاصصة السياسية والتنظيمية , وللأسف نقلوا صراعاتهم معهم إلى داخل الحزب واستمر ذلك لسنوات عدة وصرفت طاقات هائلة عليها.
انه ينتقد منصور حكمت لانه خرج من الحزب الشيوعي الايراني الذي احتوى على تيار قومي وتيارات يسارية غير عمالية حتى النخاع الى جانب الشيوعية العمالية ولكنه ينتقده ايضا لانه قرر تشكيل الحزب الشيوعي العمالي العراقي من اربع منظمات كلها تتبنى الشيوعية العمالية! منصور حكمت كان حريصا على بناء الحزب الشيوعي العمالي العراقي، و لانه كان يعلم جيدا بان بدون حزب سياسي لايمكن القيام بتغير جوهري سياسي واجتماعي على صعيد مجتمع، العراق، الذي تحول الى بؤرة للصراعات الامبرياليات العالمية والقوى الاقليمية والقوى القومية والدينية البرجوازية المحلية. ان تاسيس الحزب العراقي كان ضرورة تاريخية من اجل فصل جبهة العامل والمدنية والتحرر والمساواة عن هذه التيارات المتكالبة على نحر التحرر والمدنية والمساواة على مذبح مصالحها الخاصة.
لايستطيع المرء ان يفهم معايير رزكار في تقييمه للامور. ان منصور حكمت انشقاقي (والانشقاق مذموم وفق منظومة رزكار) حين يتعلق الامر بالحزب الشيوعي الايراني، ولكن حين يجمع منصور حكمت 4 منظمات ويؤسس حزب في العراق يصبح "ارادوي" و"ذاتي"؟!! ان هذا بالمعنى العراقي العامي هو "حرشة!!"
يقول رزكار ان هذا تم بشكل "ارادي وذاتي". عليه ان يوضح كيف؟! كيف تم "بشكل ارادي وذاتي"؟! ان مجرد الوصف ليس بدليل وبرهان. ان عملية تاسيس الحزب كانت صيرورة امتدت الى اكثر من سنة ونصف. كانت مسالة تاسيس الحزب العراقي مطروحة داخل المنظمات، وهناك تصورات مختلفة حولها، واشتد هذا الموضوع (اي تاسيس الحزب) بعد الهبة الجماهيرية وظهور منظمات وناشطي الشيوعية العمالية كطرف اساسي في اوضاع مابعد حرب الخليج الثانية وبالاخص الانتفاضة وبروز الحركة المجالسية ومنظمة اتحاد العاطلين بعشرات الالاف من الاعضاء، هنا تدخل الحزب الشيوعي الايراني ومنصور حكمت وردوا على تصورات واوهام اليسار في العراق، وطرحوا امامهم في رسالة واسئلة وجهت الى قيادات هذه المنظمات وكوادرها حول مسالة تاسيس الحزب، واستلم الحزب الشيوعي الايراني عشرات الردود من الكوادر المتقدمة، وحسب ما اعتقد كان من بينهم رزكار نفسه، وكلها تقريبا كانت تؤكد على ضرورة الحزب. حتى ان رسالة منصور حكمت كانت تستفسر: تاسيس حزب او منظمة، على صعيد العراق او كردستان؟ الجميع تقريبا اجاب: على صعيد العراق، وحزب وليس منظمة!! ان وثائق كل هذه الامور موجودة وعلنية، وان يكن للاسف بالفارسية. وبالتحديد وثيقتي: الشيوعية العمالية بحاجة الى حزب في العراق، بالعربية ومنشورة في سايت منصور حكمت، ومهامنا تجاه اليسار في العراق. (بالفارسي، وفي وقتها كانت مترجمة للعربية) انها تبين باجلى الاشكال عملية تاسيس الحزب وكيفية مشاركة كوادر الحركة في وصول منصور حكمت والهيئة التنفيذية للحزب الشيوعي الايراني الى اقرارهم بامكانية تاسيس الحزب في العراق استنادا الى قوى هذه الحركة ومساهمتهم في هذه العملية. وان تخويل 10 اشخاص من الكوادر القيادية في الحركة بتاسيس الحزب قد تم من قبل اكثر 400 من كادر، فاي ارادوية وذاتية يتحدث عنها! ان تفسيرات اليوم لخدمة مصالح اليوم.
ان وجود صراعات سياسية وحتى شخصية بين قادة المنظمات الاربعة التي شلكت الحزب الشيوعي العمالي العراقي كانت مشكلة، ولكن بوصفه قائد شيوعي واممي بين بالدليل الواضح على ان الخلافات الموجودة بين المنظمات هي خلافات تستند الى التاريخ وصراعات وحساسيات المراحل الاولى لانبثاق اليسار في كردستان وليس لها ربط باختلاف سياسي حول مسائل اليوم في حينه، وان الاختلافات السياسية هي اختلافات عادية في كل حركة اجتماعية وحزبية. وقد ذلل العقبات امام تاخير عملية تاسيس الحزب، وقد كان على حق. وهذا ما اقره الجميع وبالاخص قادة المنظمات وكوادرها بعد ذلك. ان تصوير رزكار لعدم الثقة المتقابل بين قادة المنظمات في تلك المرحلة هو اخلاقي، وليس سياسي. اذ من حق اي قيادة منظمة ان تستاثر بقيادتها للحزب في حينه "لا من اجل ان تشيد قصورا لها على البحر، بل من اجل الدفع بتصورها ورؤيتها السياسية، وهذا حق سياسي بديهي لكل ناشط سياسي. ان هذا حق مشروع. "ولكن لنثبت صحة مسار معين وحقانيتنا السياسية بالصراع السياسي والجدل السياسي داخل الحزب وبالحزبية"، (مداخلة لمنصور حكمت في الاجتماع الموسع الثاني للحزب الشيوعي العمالي الايراني-اكتوبر 1994- ترجمة عن حديث شفاهي- ترجمة جلال محمد) وهذا هو الدرس الذي علمه منصور حكمت القائد الشيوعي والاممي لحزبنا وحركتنا ولقيادته وكوادرها بالدرجة الاولى.
إن مهاجمة الارادوية يراد منها في معظم الاوقات سد الطريق على تيار شيوعي ثوري لأجل طرح سياساته و المبادرة الخلاقة. التيار المقابل للأرادوية تشكل في حالات عديدة من "يسار" سلم أمره للقوانين و الجبرية التأريخية، و حساب الظروف الموضوعية، فتجدهم لا يجرؤن على مد الرجل سنتيمتر واحد خارج الدائرة المرسومة من قبل القوى و الأحزاب الأخرى. منصور حكمت لم يكن من هؤلاء و لم يكن ليتمدد تحت شجرة التين فاتحاً فمه بأنتظار سقوط الثمرة الناضجة.
انه لامر مفهوم في منظومة رزكار ان ينسب الارادوية والذاتوية الى منصور حكمت، لان تصوراته انعكاس لمنظومته الفكرية والسياسية الليبرالية، غير الحزبية، الديمقراطية، ان هذه الكلام هو بصراحة اهانة لكوادر حركة الشيوعية العمالية ولرزكار نفسه بوصفه من كوادر الحركة في وقتها قبل ان يكون لمنصور حكمت. والا اتمنى ان يعطينا نموذج واحد واضح يثبت ويبرهن على ادعائاته.

لايفهم مرة اخرى المرء لماذا عندما ينشق عن او يترك احد الحزب، يجب ان نرمي المسؤولية اوتوماتيكيا على كاهل منصور حكمت؟! لماذا يكون منصور حكمت مسؤول عن خروج ايرج اذرين بعد 5 سنوات من الصمت المطبق داخل الحزب او رضا مقدم من الحزب او استقالة عدد من اعضاء الحزب في 1999؟! وحتى لو كان اؤلئك الشخصين من مؤسسي الحزب. كل امرء لديه ذرة اطلاع على تاسيس الحزب الشيوعي العمالي الايراني واولهم رزكار نفسه يعرف ان منصور حكمت هو من اسس الحزب وليس اذرين او رضا مقدم او كورش مدرسي.
لايفهم المرء كذلك مفهوم "انشقاق طوعي". انه يسمي تاسيس الحزب الشيوعي العمالي في كردستان بانه "انشقاق طوعي"، ربما كي يضيف انشقاق اخر على الحركة، والا ماهو التبرير لهذا المصطلح الذي ليس له اساس واقعي ولايتمتع بذرة من العلمية؟! انه مثل "سر مفضوح"! فالسر المفضوح هو ليس سر بالضرورة، والانشقاق الطوعي هو ليس انشقاق بالضرورة.

خروج الكوادر والاعضاء الى الدول الغربية
اما حول: طرح ضرورة خروج المئات بل ألوف من قادة وكوادر وأعضاء - الشيوعية العمالية - في العراق وإيران إلى الدول الغربية وبحجج مختلفة". للدقة السياسية، كان على رزكار ان يفصل بين حالة العراق وايران. ان يفصل بين حالة كوادر الحزب الشيوعي الايراني الذين في مقراتهم داخل كردستان وبين حالة العراق. كيف يثبت كلامه حول ان منصور حكمت قد توج طرحه بدعوة كوادر العراق للخروج من كردستان؟ ان موضوع خروج الكوادر في العراق لم يكن بتوجيه من الحزب الشيوعي العمالي الايراني او منصور حكمت. ان خروج الكوادر والاعضاء كان بسبب توهمات واوهام حركتنا في العراق. وحتى الرفاق في الحزب الشيوعي العمالي العراقي انتبهوا للموضوع في وقت مبكر وكم مرة تم التاكيد بان الاممية هي تعني على قول رضا مقدم في وقته (ان اناضل انا في ايران وطاهر حسن في السليمانية!!)، وان التواجد في اوربا ليس دلالة اممية احد! وليس في الهجرة الى الغرب وكم مرة تم ايراد نموذج ياسر عرفات ووجوده في الضفة الغربية. والغريب بالامر ان رزكار يتحدث هكذا وهو من اول العناصر التي هاجرت تحت مبرر الاممية والعمل الاممي في حينه!!! هذا على صعيد الحزب، اما على صعيد المجتمع، فقد جاءت هجرة الكوادر في مرحلة هاجر فيها ملايين العراقيين الى خارج العراق جراء الجوع والحصار وغيرها، في وقت كان على كردستان لا حصار اقتصادي واحد بل 3 حصارات (حصار امريكا والغرب، حصار البعث، حصار الاحزاب القومية الكردية على بعضها البعض في وقت الصراع بينهم)، وان هجرة معظمهم جاءت بشكل غير منفصل عن وضعية المجتمع وانعدام افاقه الحياتية والهجرة المليونية التي شهدها المجتمع بعد حرب الخليج الثانية، في السنوات التي كان فيها الحزب يؤكد على البقاء في الداخل، بيد ان ليس بوسع الحزب اجبار اعضائه على اي شيئ، ان هذا يخالف مبادئنا السياسية.
اما بالنسبة لكوادر الحزب الشيوعي الايراني فقد كان الامر مختلفا، له قصة اخرى (خلطها مع الحالة العراقية فهدفها اما التشويه او غياب المنظومة العلمية عند رزكار). كان على رزكار ان يكون اكثر عمقا في تحليله للامر، اكثر امانة في البحث عن الاسباب الحقيقية لقرار كتلة الشيوعية العمالية في الحزب الشيوعي الايراني. كان للحزب مقرات في كردستان العراق، اذ سمحت الحكومة العراقية في وقتها لفصائل المعارضة الايرانية التواجد على الاراضي العراقية. ولكن ادرك منصور حكمت بنظرته السياسية الثاقبة ان المنطقة ستشهد تحولات هائلة بعد حرب الخليج الثانية. لم تبقى كردستان مجتمعا عاديا، بل تحولت فورا بعد انسحاب النظام البعثي الى مخيم عديم الهوية يعيش على صدقات الغرب وعرضة لتدخلات القوى الاقليمية، اي ساحة لتصفية الحسابات بين قوى تتسابق في رجعيتها ومعاداتها للشيوعية في عالم يشهد هجمة شديدة على الشيوعية اثر انهيار الكتلة الشرقية. ليس لدى القومية مشكلة بالتواجد مع "رفاقه" القوميين الكرد، ولكن الامر يختلف بالنسبة لتيار الشيوعية العمالية. ان بقاء معسكرات الحزب الشيوعي الايراني هو ذا تبعات خطرة على حياة الرفاق وعوائلهم واطفالهم. لا اعتقد ان من الحكمة السياسية جعل رفاق الشيوعية العمالية اسرى ومادة للمساومة بين القوى القومية الكردية وحلفائها في ايران. الم تقتل الجمهورية الاسلامية واطلاعاتها اكثر من 400 ناشط سياسي معارض لها في كردستان العراق خلال سنوات قليلة؟! الم يتحول الاتحاد الوطني الى مرشد لقوات الحرس الثوري للهجوم على مقرات الحزب الديمقراطي الكردستاني مرتين؟! هل يرضى رزكار بتحول مخيم الحزب الى "معسكر اشرف" اخر! تحت رحمة مساومات جلال طالباني الذي لايملك منفذا حدودي اخر سوى الجمورية الاسلامية، ولهذا يهرع بين فترة واخرى لتقبيل ايادي خامنئي والبكاء على قبر خميني؟! انا لا اعرف اي سياسية هذه لو عمل منصور حكمت مثلما تعمل رجوي الان؟! انه استهتار بحياة البشر. استهتار بحياة مئات الشيوعيين. ان حياة مئات من اشرف الشيوعيين مديونة لمنصور حكمت وعمقه السياسي ونظرته الثاقبة. والا لو استمع لمثل افكار رزكار هذه في حينها (وطبعا لم يكن لرزكار اي راي مخالف في حينها)، لمن المؤكد ان ظهر اليه رزكار اخرا يوما ما ليتهمه بانعدام المسؤولية بحياة رفاقه. منصور حكمت قائد شيوعي مسؤول. الرفاق الذين انفصل عنهم منصور حكمت ليس لديهم اي مشكلة. لانهم قوميين ومن اجل مقراتهم ضحوا بكل شيء برفع الراية البيضاء امام جلال طالباني بانهم لن يقوموا بشيء يؤثر على علاقته الطيبة بالجمهورية الاسلامية. هل يريح رزكار مثل هذا المصير؟! لا اعتقد. هل يبقى عمل شيوعي في قفص اسير؟!
من جهة اخرى، ونظرا لكون حكمت قائد شيوعي اممي، كرر الف مرة في ابحاثه. اني لست على استعداد لابقاء معسكراتي في العراق. ثمة شيوعية عمالية ناهضة في كردستان والعراق كانت على راس الحركة المجالسية في كردستان العراق في انتفاضة اذار 1991، اني لست على استعداد للتخلي عن مهامي الاممية بالمساهمة النشطة في ارتقاء هذه الحركة في العراق من اجل مقرات!! لا استطيع ان الزم الصمت تجاه البعث والقوميين الكرد من اجل مقراتي. بوسع القوميون ان يقوموا بذلك، لكني لا استطيع ان اتخلى عن امميتي الشيوعية من اجل مقرات! ليس بوسعي ان الزم الصمت تجاه متطلبات حركتي وذلك لاني تحت شفرة سكينهم، لاسحب راسي من شفرة سكينهم واعمل بكامل ارادتي. انه نعم الموقف الاممي المسؤول. من جهة اخرى، قال ان الحركة الشيوعية على الصعيد العالمي تمر باوضاع عالمية هائلة (انهيار اوربا الشرقية، وغدت مسائل الشيوعية وماركس ولينين وحرية ومساواة الانسان واوضاع الطبقة العاملة كلها تحت طائلة السؤال)، ستصيغ ملامح البشرية لعقود مقبلة، ولهذا علي ان اتفرغ لهذه المهام التاريخية. وشكل الحزب الشيوعي العمالي، وبعدها بوسع الانسان ان يطلع بسهولة على منجزاته السياسية والفكرية مابعد تاسيس الحزب بالقاء نظرة على كتاباته فيما يخص تطورات اوربا الشرقية، الديمقراطية، القومية، بزوغ النظام العالمي الجديد، الحزبية والتحزب، البرنامج الشيوعي وغيرها.
"الولاء لمنصور حكمت والحزب الشيوعي العمالي الايراني"
يقول ان منصور حكمت "فرض نوع من الولاء الكامل على الحزب الشيوعي العمالي العراقي للحزب الشيوعي العمالي الإيراني، وشخصه، من خلال تبني أطروحاته وأفكاره، وادخل الحزب الشيوعي العمالي العراقي في مواجهات عسكرية وسياسية غير متكافئة أضعفته وأنهكته بشكل كبير، كانت علاقة الولاء والسيطرة تشابه علاقة - الاتحاد السوفيتي - مع الأحزاب الشيوعية".
اولا كيف فرض منصور حكمت الولاء على الحزب الشيوعي العمالي العراقي؟ كل انسان يعرف ان الاتحاد السوفيتي كان "نصف العالم" في وقته، كان احد طرفي قطبين، قطب اقتصادي وسياسي وعسكري بوجه الغرب، لديه حلف وارشو وفيتو في مجلس الامن، واذا لم تكون الاحزاب الموالية له في السلطة فهي معارضة قوية. لا اعرف ماذا لدى منصور حكمت غير قلمه ولسانه ومنطقه السياسي؟! ان هذا المنطق بصراحة عالم ثالثي ومتخلف، يستنكر للافراد حقها في اختيار سبيلها وهو "غير ديمقراطي" و"مناقض لحرية التعبير والراي والخيار" وهو مثلما ذكرت اهانة قبل ان يكون بحث سياسي. انه امتياز كبير لمنصور حكمت لايقتنع هو نفسه به ان لديه هذا الثقل والمكانة. اي من الوسائل استخدم منصور حكمت في فرض الؤلاء على الشيوعيين العماليين في العراق. ان وصف الامور بهذا الشكل هو استخفاف بالاف الشيوعيين في العراق.
من الجدير بالذكر انه اتهام يستلزم اثبات ان منصور حكمت ادخل الحزب "في مواجهات عسكرية غير متكافئة اضعفته وانهكته بشكل كبير"! انه اتهام خطير فعلاً. لماذا؟! الاسلاميون في كردستان يصدرون فتوى بهدر دم ريبوار احمد وتخصيص مبالغ طائلة لقتله او سعي الاسلاميين لاغلاق جريدة الحزب، جريدة الحرية والمساواة، بوبيشوة (الى الامام) وذلك لتحريضها ضد الممارسات الارهابية للاسلاميين في كردستان وتطاولهم على الحريات والحقوق وبالاخص المراة، او هجوم الاتحاد الوطني تنفيذا لسياسة الجمهورية الاسلامية باغلاق اذاعة الحزب ومحاصرة مقراته ومطالبة الحزب باخلائها، فيما يلقي رزكار كل هذه الجرائم على كاهل منصور حكمت ويبريء المجرمين والقتلة!! فاي علمية واي انصاف هذا؟! بصراحة على الطالباني وخامنئي واسلاميي كردستان ان يثنوا على رزكار. ان هذا امر مؤسف للغاية. ان منصور حكمت هو اكثر سياسية ومسؤولية من هذا وتشهد على ذلك تلال من الابحاث المدونة والمئات من المواقف السياسية.
يتصور رزكار، وطبعا كجزء من منظومته الديمقراطية، ان الانشقاق الذي جرى في 2004 في الحزب الشيوعي العمالي الايراني "كان بشكل كبير نتيجة خلافات وصراعات تنظيمية ونخبوية بين تيار حميد تقوائي وتيار كورش مدرسي"! والادهى من هذا ان اعطاه بعد قومي: فارسي-كردي!!! ويتهم الحزب العراقي انه "وبدلا ان يقوم الحزب الشيوعي العمالي العراقي بإدانة الانشقاق والدفاع عن وحدة الحزب الإيراني، انحاز بسرعة كبيرة إلى تيار - كورشي مدرسي - ودعم انشقاقه، واعتقد أن ذلك يعود إلى سيادة - التوجه الكردستاني - السائد في الحزب العراقي آنذاك، وقوة العلاقات السياسية والشخصية مع قادة تيار - كورشي مدرسي".
لقد كان الانشقاق نتيجة سيادة تقاليد اليسار الهامشي، وليس تقاليد الشيوعية العمالية في التعامل مع الخلافات السياسية. وقصدنا من ذلك انه يسار ايديولوجي، غير سياسي لايستند كاي حزب اجتماعي الى مبدأ "تعدد الاراء ووحدة الارادة في العمل". وهو امر ليس بغريب عن اليسار وتقاليد اليسار. اذ ما ان يطرأ ابسط اختلاف حتى يتخذ ابعاد غير واقعية وغير سياسية ويدفع لايجاد مبررات نظرية وفكرية والخ، والنتيجة ما ان يحدث اختلاف حتى تضع يدك على قلبك من الانشقاق. انه يسار ذا معيار ايديولوجي ولايؤمن بان الخلافات هي امر كل حزب اجتماعي حي في المجتمع وليس جماعة فكرية. ان هذا هو اهم استخلاص لحركتنا من هذه التجربة ووضعناها بقالب نظام داخلي ويمثل فقرة في نظامنا الداخلي. ولهذا فان احالة الامر الى صراعات نخبوية يتطابق مع منظومة رزكار وليس مع الوقائع. الاختلافات سياسية وجدية وواقعية، وتبين باجلى الاشكال في المواقف السياسية لما بعد الانشقاق. تحول الحزب الشيوعي العمالي، تحت قيادة جناح تقوائي، الى حزب اخر لاربط له بحزب منصور حكمت ماعدا الاسم، حزب يمثل من ناحية ممارسته ومواقفه السياسية الجناح اليساري المقاتل للنزعة القومية الموالية للغرب. وبوسع المرء ان يورد العديد من الامثلة على ذلك: الموقف من مسالة فلسطين، الموقف من تظاهرات ايران وحركة موسوي واللهاث وراء هرطقات هخا غيرها. اما اعطاء بعد قومي، والبحث في هويات الاحوال المدنية للرفاق الايرانيين هو اسذج ماقرات لحد الان. اذا كانت هناك نزعة ليس لها مكان بين صفوف الجناحين هي النزعة القومية. كم من اعضاء الجناحين يعرف او يرى نفسه ككردي او فارسي لكي يكون هذا سبب الالتحاق بهذا التيار او ذاك؟ انه اهانة بكلا الجناحين. ان استناد الى هويات الاحوال المدنية، وهذا لايليق بشيوعي اممي من جهة، ويعكس سذاجة تصور رزكار للمسالة لا اكثر. لا يستطيع إدعاء الرفيق رزكار في هذا المجال أن يميز نفسه عن الدعاية المسمومة و المغرضة للقوميين الكرد ضد الشيوعية العمالية، لو لم نرى أسم الرفيق تحت هذا المقال لتصورنا بأنه كتب من قبل احد كتاب جريدة كردستاني نوي للاتحاد الوطني الكردستاني.

اما ان يتهم الحزب الشيوعي العمالي العراقي بالتشجيع على الانشقاق والمسارعة في تأييد طرف على حساب طرف اخر. فهذا اتهام يحتاج الى اثبات. لحد اليوم هذا، لايعتقد اي احد في الحزب العراقي بصحة الانشقاق ذاك ولايؤيده. لم نؤيد الانشقاق واعتبرناه ضربة جدية للشيوعية العمالية وردة للوراء عن تقاليد منصور حكمت في الخلافات السياسية. ولكن على رزكار ان يتحلى بعلمية ومنهجية اسلم في تناول الموضوع. عليه ان يفصل بين مرحلتين: مرحلة ما قبل الانشقاق، وهي المرحلة التي برزت فيها الخلافات و التي اكد الحزب الشيوعي العمالي العراقي على وحدة الحزب وقام بكل ما بوسعه لمنع الانشقاق. الايام الثلاثة الاخيرة كانت قيادة الحزب العراقي في جلسات متواصلة يومية وعلى طاولة واحدة من اجل درء الانشقاق، واكدنا ان وحدة الحزب في هذه الحالة هي خط احمر. رغم هذا حدث الانشقاق بسبب تعامل جناح حميد-علي جوادي-اذر ماجدي غير السياسي وحملهم الحزب مسؤولية هذا الانشقاق. وهناك مرحلة الثانية، وهي المرحلة التي اصبح الانشقاق واقع حال لايمكن العمل شيئ بصدده ، حيث اختار عندها حزبنا الجناح الاقرب اليه من الناحية السياسية. وهذا من حقنا. على خلاف ادعاءات رزكار، لم يرفض حزبنا تيار حميد تقوائي، بل ان تيار حميد تقوائي هو الذي اعلن باننا حزب يميني ووضعنا خارج حضيرة الشيوعية العمالية وجمع حفنة ليشكل منهم حزب شيوعي عمالي عراقي يساري، لاننا غدونا يمين!!! هكذا بجرة قلم ودون اي تغيير في سياساتنا ومواقفنا، صنفنا تقوائي في خانة اليمين. بعد الانشقاق من حق الحزب العراقي ان يقرر قربه السياسي. وهذا ماقمنا به. اما ايعاز سبب موقفنا هذا الى سيادة التوجه الكردستاني والقومي داخل الحزب او العلاقات الشخصية مع كورش مدرسي، فانه اقرب الى النكتة منه الى البحث السياسي. ان كوادر هذه الحركة اكثر سياسية من هذا! انه اهانة بعقلية مئات الكوادر. لماذا تصور رزكار عن كل هؤلاء الناس قليل وتسيرهم امور غير سياسية؟! لا اعلم. انه فعلا بحث متخلف جدا، وغير مدني، ولايقر رغم كل ادعائاته الديمقراطية ان هناك مئات والاف الاشخاص يفكرون بطريقة ما ويرون الامور بشكل ما، سياسي!
يقول "ان البعض منهم يعتقدون انه ليس هناك مفكر ما بعد ماركس وانجلز غير منصور حكمت. ويتم ترجمة مواضيع التي كتبت في ثمانينات وتسعينات القرن المنصرم بشكل متواصل، لتكون مرشدا للعمل واساسا لسياساتهم المختلفة".
السؤال المطروح هل ان ديمقراطية وحرية الراي والتعبير عند رزكار بهذه الدرجة من الضيق بحيث لا تتحمل ان يعتقد احد بان منصور حكمت هو رد ماركس ولينين على عصرنا. علما ان منصور حكمت رد من زاوية ماركس ولينين وفهمهما على عالمنا المعاصر. من جهة اخرى، ان لديه اضافات جدية على الماركسية. ولكن في المطاف الاخير هذا هو رده على العالم المعاصر ومتطلبات العمل الشيوعي، ومن حق كل انسان ان يعتقد بان هذا الرد هو صحيح. لا اعرف اين المشكلة في هذا؟ بالطبع يؤمن اعضاء وكوادر الشيوعية العمالية بابحاث منصور حكمت والا لما التحقوا بالشيوعية العمالية. ان مسالة ترجمة ابحاثه الى اللغات الاخرى لايقتصر على كوادر الشيوعية العمالية في العراق وايران بل هناك شيوعيون من فرنسا وايطاليا وروسيا وتركيا والعديد من الدول الاخرى الذين يقومون بترجمة ابحاثه. واذا لم تكن اللغة التي كتبت بها تلك الابحاث اللغة الفارسية لكانت تلك الاعمال قد ترجمت الى لغات اكثر وبشكل اوسع بعشرات المرات.
لماذا يقلب رزكار الكثير من الحقائق الواضحة كوضوح الشمس، لماذا يراها بعين اخرى اليوم؟ لانه بصراحة لقد تغيرت نظارته، تغيرت منظومته الفكرية والسياسية اصبحت ، وها هو يرى احداث الامس المطلع عليها بدقة بشكل اخر بنظارات اليوم. انها مسالة سياسية.


وفي النهاية اود ان اقول انه من المهم ان ناخذ بنظر الاعتبار بان الشيوعية العمالية لم تفصل صفها لحد الان بشكل واضح عن تقاليد اليسار الهامشي ولذا فان بعض السلبيات التي حدثت هي بسبب عدم رسوخ تقاليد الشيوعية العمالية وليس العكس. بنظري الشيوعيون والشيوعيون العماليون بحاجة الى البحث في اسباب ضعفهم وعدم قدرتهم على بناء احزاب تصارع على السلطة السياسية ولها تاثير على معادلات السلطة ولكن هذا البحث لايكمن في مسالة غياب او سيادة الديمقراطية. ساحاول في الجزء الثاني من هذا البحث ان اتطرق الى اسباب ضعف اليسار والشيوعية العمالية واسباب الانشقاقات في احزابها.

*******************
مواضيع ذات الصلة:
الشيوعية العمالية، الحكمتية، إلى أين؟
رزكار عقراوي
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=313670