نبيلة منيب في حوار مع جردة الشرق الاوسط : هناك-هناك - حكومة نهار - وليس - حكومة ظل - هي التي تتخذ القرار


نبيلة منيب
الحوار المتمدن - العدد: 3774 - 2012 / 6 / 30 - 18:56
المحور: التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية     

أنت من سعيت لأن تكوني أول امرأة تنتخب لتقود حزبا يساريا في المغرب أم أن الموقع هو من جاء إليك؟
- دعني أقل لك بكل صراحة، إنه يوم انتخابي لم يكن أي أحد يعلم في اليوم الذي سبقه أنني سأكون رئيسة للحزب الاشتراكي الموحد، ولكني أود أن أقول إنه ليس لدي حب الزعامة أو أن أكون رئيسة، والأساس عندي هو العمل مع الكوكبة التي تعمل، لكنني أظن أنه حتى داخل عقلية النساء هناك استبطان للدور الثاني، ونجد ذلك في بعض الأمثلة السائدة مثل «وراء كل رجل عظيم امرأة»، والنساء يتحملن مسؤوليات كبيرة في الخفاء، لكن عندما تريد أن تحملها مسؤولية في الواجهة فإنها تتراجع وتفضل أن يكون غيرها، وهذه هي الثقافة السائدة. ولكي أجيبك بسهولة، ربما تولي رئاسة الحزب الاشتراكي الموحد كانت مفاجأة بالنسبة لي.
* هل الحزب إذن هو من وضعك في هذا الموقع؟
- الحزب الاشتراكي الموحد لديه تجربة متميزة في الحقل السياسي، وفي عقد الثمانينات من القرن الماضي كانت مناضلات الحزب هن الرائدات، فهن اللواتي جمعن مليون توقيع من أجل تغيير مدونة الأحوال الشخصية، وهن اللواتي أصدرن جريدة «8 مارس» كما أسسن اتحاد العمل النسائي، بعد ذلك دخل الحزب تجربة تجميع مدارس اليسار وإقرار تيارات داخل الحزب والدفاع عن مشروعه المجتمعي، الذي يحمل عنوان «الديمقراطية الكاملة بالمعايير الدولية».
إذن لم تكن رئاستي للحزب مفاجأة كبيرة، وكان ذلك أمرا عاديا، ولو أنها تحدث لأول مرة في المغرب، أي تنتخب امرأة لقيادة حزب. وأظن أن هذه معركة بدأت منذ عشرات السنين، وأن الحزب الاشتراكي الموحد استطاع أن يعطي إشارة إيجابية لكي يقول إنه يمكن للمرأة أن تقود حزبا، كما يمكن لها أن تقود حكومة أو أي مؤسسة، لأننا نجسد ما نؤمن به، أي المساواة الكاملة.
أن يقود رجل أو امرأة الحزب لا يطرح لدينا إشكالا، بل الأكثر من ذلك نحن نعتمد على القيادة الجماعية عبر المكتب السياسي، ولا توجد عندنا ثقافة الشيخ والمريد. ولهذا أقول إني كنت أعمل بتفان وبنضالية واستماتة من أجل التعريف بالحزب ومواقفه، وأظن أن أفضل طريقة ليعرف بها الإنسان عن مشروعه هو أن يعيشه ويحمله.
* ما الأمور التي ساعدت على انتخابك أمينة عامة للحزب؟
- بالطبع كانت هناك أمور كثيرة مساعدة، أولا الحراك الذي عرفته بلادنا عبر حركة «20 فبراير»، وما عرفته المنطقة العربية والمغاربية كذلك، ثم إنه داخل الحزب كان هناك مرشح ومناضل معروف هو محمد الساسي لهذا المنصب، وكان مرشحا له منذ أكثر من سنة، لكن الساسي اختار أن يبقى عضوا في المجلس الوطني وألا يكون داخل المكتب السياسي، وهو اختيار احترمناه، بعد ذلك بدأ النقاش حول من سيخلف محمد مجاهد الذي كان أمينا عاما لولايتين، حيث إن القانون الداخلي للحزب يسمح بولايتين فقط. ولهذا تم الاتفاق من قبل الأعضاء على أن يرشحوني لهذه المسؤولية الكبيرة، التي أتمنى أن أتوفق فيها، وهي مسؤولية كبيرة لأن المشروع الذي أمامنا كبير أيضا.
* ما حجم هذه المسؤولية التي تتقلدينها اليوم؟
- هذه المسؤولية ليست سهلة لأنها أمانة قبل كل شيء، ثم إن هذا الحزب لم يخرج من فراغ، حيث كان يعمل في البداية في السرية، وبعد ذلك كان هناك اجتهاد على المستوى الفكري حتى وصلنا إلى أن يكون حزبا يساريا عقلانيا، يعمل من أجل الديمقراطية الكاملة، وهذا الحزب بني بتضحيات جسام ولديه شهداء، ولهذا شعرت بثقل هذه المسؤولية وعبرت لرفاقي ورفيقاتي عن أنني في حاجة إلى دعمهم ومساندتهم من أجل توحيد جهودنا جميعا، وجعل الحزب تكون لها مكانة بارزة في المشهد السياسي المغربي، حيث إننا نسعى إلى توحيد اليسار وتقوية الجبهة اليسارية والديمقراطية في البلاد، وهذه مسؤولية كبيرة، وهناك معوقات كبرى، منها ما هو موضوعي وما هو ذاتي، ونحن بحاجة أيضا إلى تقوية الحزب، وكل هذا يتطلب مجهودا مضاعفا، وبالفعل أشعر بجسامة هذه المهام لكنني غير متخوفة لتحملي إياها؛ لأن معي رفاقي ورفيقاتي، وعندي بالخصوص قناعاتي واستماتتي في الدفاع عن المشروع الذي نحمله.
* جرت العادة أن يستقبل الملك قادة الأحزاب السياسية، فلماذا لم يحدث ذلك معك؟
- سألت محمد بن سعيد أيت يدر ومحمد مجاهد (الأمينين العامين السابقين للحزب) إذا كانوا قد تلقوا رسالة تهنئة أو تم استقبالهم، وقالا إن ذلك لم يحصل أبدا مع حزبنا.
المشهد السياسي المغربي مشهد متنوع، فيه الأحزاب التي أتت من رحم الحركة الوطنية ونحن نعرف المسار الذي عرفته، وفيه أحزاب أغلبية نحن نطلق عليه «أحزاب الإدارة»؛ إذ تأسست من أجل ميزان قوى معينة. وبالتالي فمسألة عدم استقبالنا ليست قضية، ومن خلال الصحف قرأنا أن الأمناء العامين الذين يستقبلهم الملك هم الذين يطلبون ذلك، في حين أننا ندعو إلى أحزاب مستقلة عن الدولة، لأن الحزب الذي ليست له استقلالية عنها يجب أن لا يكون.
* هل مقاطعتكم الدستور الجديد هي السبب في عدم استقبالكم؟
- نحن لم يتم استقبالنا حتى من قبل، وكنا دائما وأبدا ضد الدساتير الممنوحة.
* لكن اليوم ربما نتحدث عن سياق استثنائي عرف إقرار دستور جديد وحكومة جديدة في ظل الحراك الذي عرفته المنطقة؟
- إذا أردنا أن نتحدث عن الدستور الجديد والحراك العربي، فنحن لدينا قراءتنا الخاصة. اليوم يعرف العالم أزمة مالية واقتصادية غير مسبوقة، وحتى المحللون السياسيون والخبراء في المجال المالي لم يستطيعوا أن يجدوا حلا لهذه الأزمة، نظرا لارتباطها بالبنية الرأسمالية، ورأينا العالم يتغير أمام أعيننا، حيث تطورت القطبية الأحادية إلى قطبيات متعددة، والمنطقة العربية أصبحت تعرف مخاضا غير مسبوق، لأول مرة الشعوب تنتفض ضد الاستبداد والفساد، فلماذا لم تنتفض من قبل؟ هذا سؤال عريض يجب الإجابة عليه.
في المغرب، نحن قدمنا تضحيات جساما منذ الاستقلال، وتغيبنا عن مواعيد كثيرة مع الديمقراطية ومع التأسيس الحقيقي لها في بلادنا، وفي سياق هذا المخاض العربي كنا ننتظر أن ينتقل المغرب من اللاديمقراطية إلى الديمقراطية الحقيقية، يعني الملكية البرلمانية بالمعايير الدولية بشكل سلمي، لأن حركة «20 فبراير» حركة سلمية انطلقت بمطالب محددة، لكن منذ البداية رأينا أن النظام حاول أن يلتف على مطالبها، وبعدها كان خطاب الملك في التاسع من مارس (آذار) 2011 الذي صفق له الجميع. ونحن نلاحظ أن هناك عددا كبيرا من «الأحزاب الإدارية» لم تطالب قط بإصلاح الدستور، وكانت تخشى أن تنطق بهذه الكلمة. نحن قاطعنا الاستفتاء على الدستور وقاطعنا الانتخابات، لأنهما لم يتوفرا على الشروط الديمقراطية ومبدأ فصل السلطات وما إلى ذلك، وبالطبع كنا دائما نقترح، لكن اقتراحاتنا لم تكن لتقبل، وبالنسبة لي المغرب أضاع فرصة ذهبية للانتقال إلى الديمقراطية، لأن حكومة عبد الإله ابن كيران سلطتها السياسية محدودة جدا، ورأينا أنها منذ اليوم الأول بدأت تفقد مصداقيتها وشعبيتها كذلك، لأن رئيس الحكومة تخلى حتى عن صلاحيات كثيرة لصالح الملك، سواء على مستوى التعيينات أو الاختيارات الاقتصادية وغيرها، وحتى اليوم عندما نفاجأ بالزيادة في أسعار المحروقات فهذا في إطار اختيارات خارجة عن نطاق هذه الحكومة، مع الأسف لدينا اليوم رئيس حكومة لا يحكم، ونحن كنا نقول إنه يجب أن ننتقل إلى الملكية البرلمانية، بحيث تكون هناك حكومة تحكم ويمكن مساءلتها عن كل صغيرة وكبيرة.
* ما هي الصلاحيات التي ترون أن رئيس الحكومة تنازل عنها لصالح الملك؟
- هناك تعيين الولاة والعمال (المحافظين) وتعيين السفراء، والأكثر من هذا تعيين شخصيات وازنة في الحكومة السابقة كمستشارين، ونحن نعرف والكل يعرف أن في المغرب «حكومة ظل» هي التي تفعل كل شيء، وأنا أقول إنها «حكومة نهار» لأنها بادية للعيان وهي التي تحكم.
وهذه الحكومة هي استمرارية للحكومة السابقة من دون تخطيط استراتيجي، ولم تأت بأي جديد؛ لأن هناك حكومة ظل مهيمنة على كل القرارات، وهذا نلمسه في كل القضايا والملفات.
* هناك نقاط عدة تعتبر إشارات إيجابية لهذه الحكومة، مثل الزيادات في الأجور ووضع اليد على ملفات فساد كثيرة، إضافة إلى خطوات اعتبرت سابقة وجريئة، فهل كل ذلك هو استمرار للحكومة السابقة؟
- عندما نتحدث عن الاستمرارية، أقصد بها الاستمرارية في الاختيارات اللاديمقراطية وفي التوجهات العامة على كل المستويات، فهذه الحكومة صرحت بأن وتيرة النمو ستصل إلى 4.5 في المائة، لكن منذ أيام انحدرنا إلى 2.5 في المائة، وهذا يبين أن هذه الحكومة لا تضع تخطيطا، لأن الأزمة المالية بدأت منذ عام 2008، فكانت أسعار البترول ترتفع والطاقة غير المتجددة تنخفض كميتها. كما أن هذه الحكومة قالت إنها ستخلق وظائف، وأنها وضعت برامج لتوظيف 50 ألف عاطل من الجامعيين، لكنها اليوم تتحدث عن 19 ألف وظيفة فقط وهذه نفسها مبهمة.
وحتى مشروع الجهوية لم نر فيه أي جديد، علما بأن الجهوية إذا كانت متضامنة ومتكاملة فستعطي نموا محليا يمكن أن يؤدي إلى نمو عام للبلاد، وهي مرتبطة أيضا بحل قضية الصحراء، التي دخلت اليوم إلى مأزق جديد، وليست المسؤولية في ذلك على الحكومة فقط، ولكن أيضا على الدولة التي انفردت بهذا الملف.
* أصدر حزبكم بيانا أكد فيه أن حل ملف الصحراء مرده بالأساس إلى الاختيار الديمقراطي، فما هو تصوركم لهذا الاختيار؟
- هذه المسألة نقولها باستمرار، أن وصلنا إلى بناء ديمقراطية حقيقية وسرنا قدما في تطبيق هذا الحل الذي اقترحته البلاد (الحكم الذاتي) بشكل صارم وحازم، وأن نعطي لكل جهة إمكانيات النهوض والنمو في احترام تام لخصوصية كل جهة، وأنا لا أتحدث هنا عن الصحراويين، لأن هناك كتابا كتبه محمد الشرقاوي تحدث فيه عن أكثر من 300 ألف عائلة مؤثرة ما بين الشمال والجنوب، فلا يمكن أن نتحدث عن شعب صحراوي بهذا المفهوم المطلق الإثني. لهذا يجب التعامل اليوم مع جميع المناطق في المغرب سواء في الشمال أو الجنوب أو الشرق بنفس التعامل، وأن تعطى إمكانيات للنهوض الاقتصادي والاجتماعي لتحقيق العيش الكريم، وأيضا النهوض عبر المدخل الأساسي، وهو التكوين والتعليم الأساسي والجامعي، فلا يعقل أن تكون الجامعة المغربية التي تقع في أقصى الجنوب في أكادير. واليوم هناك أزمة فيما يخص تدبير هذا الملف، حيث كان هناك تسرع بشأن سحب الثقة من المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة للصحراء كريستوفر روس، المشكلة ليست في عدم قبولنا بروس، ولكن السياسة المتبعة لحل هذا الملف منذ سنوات يجب أن تتغير.
* ماذا بعد قرار سحب الثقة من كريستوفر روس؟
- هذه هي المشكلة بعينها، لأنه عندما يكون هناك تخطيط استراتيجي يجب تقييم أي لحظة وما يمكن أن يترتب عليها، فلا يكفي أن نرفض روس لأن ذلك ليس حلا، ولكن الحل يكمن في نهج سياسة جديدة ومقاربة جديدة في ملف الصحراء. نحن قلنا بالسير في الحل المتوافق عليه، لكن موازاة مع ذلك يجب النهوض بالمنطقة على مستوى الديمقراطية وحقوق الإنسان وما إلى ذلك.
* هل انتهى زمن اليسار في العالم العربي؟
- منذ بضع سنين، وخاصة منذ انهيار جدار برلين عام 1989، أحدث ذلك زلزالا قويا على المستوى الدولي، وبالطبع كانت هناك أخطاء ليس في النظام الاشتراكي أو مشروع اليسار، بل في التطبيق، وصدرت كتابات كثيرة تؤكد أنه لبناء العدالة الاجتماعية يجب أن نعتمد على الإنسان ونبتعد عن الاستبداد، وأن نفتح المجال للتعددية الحقيقية وما إلى ذلك. وقبل الحديث عن العالم العربي هناك رجوع إلى الفكر التقدمي وعودة إلى اليسار، لكن يجب مراجعة اليسار فكرا وأداة وجسورا، مراجعة تامة سواء في الخطاب أو المضمون.
وعلى مستوى العالم العربي، نقول إن الأنظمة العربية فشلت، إذ بعد هذه الثورات الديمقراطية التي طالبت من خلالها الشعوب بالحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والكرامة، رأينا أن الغرب تدخل بشكل قوي بعد المفاجأة الأولى في تونس ومصر، من أجل إجهاض هذه الثورات، وشجع على انتخابات سابقة لأوانها وسريعة، وهو يدرك أن التيارات الإسلامية هي الأكثر تغلغلا وتنظيما داخل المجتمع، وبالتالي هي التي ستفوز، وليس قوى اليسار التي تخيفهم، ولاحظنا جميعا كيف أعطت صناديق الاقتراع الشرعية لهذه التيارات في عدد من البلدان حتى وصلت إلى الحكم. القوى التي كانت تحارب في الأمس القريب التيارات الإسلامية بسبب الإرهاب والتطرف، نرى اليوم أنها تتعايش معها وتمهد لها الطريق إلى الحكم؛ لأنها لا تهدد مصالحها وستسعى إلى السيطرة عليها وخلق تناقضات فيما بينها.
وبالطبع هناك تيارات إسلامية محافظة سعيدة بهذا الوضع؛ لأنها وصلت إلى السلطة ولم تكن لتحلم بها، بعد معاناتها من قمع الأنظمة السابقة. وهناك قوى تتدخل من أجل الحد من هذه الثورات حتى لا تقطف ثمارها.
* في ظل هذا السياق، كيف تفسرين تراجع اليساريين في المنطقة وصعود الإسلاميين؟
- صعود التيارات الإسلامية هو نتيجة القرب، وجاء أيضا نتيجة أننا نعيش ردة فكرية.
* لكن كيف نفهم هذا «القرب»؟ هل هو قرب الإسلاميين من الشعب؟
- أولا، نجد أن الشعب مضطهد وفقير ومن دون إمكانيات، لكن الإسلاميين لديهم إمكانيات مادية. ثانيا، إنهم يعملون على وتيرة لها حساسية بالنسبة لمجتمعاتنا ألا وهي وتيرة الدين، حيث أصبحت أماكن العبادة أمكنة يجتمعون فيها مع الناس ويستقطبونهم، ثم إن هناك قوى أخرى تقود مشروعا كبيرا من أجل أن يصل الإسلاميون إلى السلطة، هذا أيضا كان موجودا. لكن لماذا الفكر اليساري ليس هو السائد؟ الجواب بسيط، لأننا لم نر في تاريخ البشرية أن يعمل المستبد على تنوير العقول، فهناك اليوم تنميط للفكر سواء على مستوى المناهج التعليمية أو على مستوى ما يتم نشره في وسائل الإعلام، وهذه الأمور خدمت أكثر التيارات الإسلامية، لأنها لا تساهم في تكوين فكر نقدي وثقافة عامة، وتكرس للموروث التاريخي والثقافي.
واليوم لكي تنجح ثوراتنا كلها لا بد من ثورة ثقافية تحرر الإنسان من كل أشكال الاستبداد، والاستبداد لا يرتبط فقط بالحكم، بل حتى بالأفكار.
* كانت هذه هي الأسباب التي ساعدت الإسلاميين على الصعود لكن ما أسباب تراجع اليسار؟
- كان اليسار موجودا وبقوة في المغرب، مثلا في الجامعات أثناء السبعينات وبداية الثمانينات، كان موجودا كفكر يعتمد على مركز العلم والمعرفة قبل مركزية الهوية، لكنه كان محاربا من قبل قوى داخلية وخارجية، فتم خلق حركات إسلامية لتتواجه وجها لوجه مع قوى اليسار من أجل اجتثاثه واستبداله بفكر أصولي رجعي، لكن بعد أحداث 11 سبتمبر (أيلول) 2001 تغيرت الأمور، ووجدت الأنظمة نفسها أمام مد إسلامي لا تعرف كيف توقفه، تجاوز صلاحياته وأصبح يهددها، فحصلت على فرصة ذهبية لإخراج قوانينها المناهضة للإرهاب، وباسم الإرهاب تم ضرب الحريات وضرب كل من لا يسير وفق الطريق الذي رسم له. فكان بعد ذلك تراجع للإسلاميين بقوة في الجامعات بعد أن اكتسحوا كل شيء، لكن هذه الردة أصابت المجتمع بكامله. كل هذا يتطلب منا ومن اليسار أن يقوم بثورته السلمية التي مدخلها الأساسي هو المدخل الثقافي.
* شاركت في مسيرة «الكرامة» التي نظمت بالدار البيضاء إلى جانب قيادات الحزب الاشتراكي الموحد، طالب فيها المتظاهرون بتوحيد اليسار، والحديث عن وحدة اليسار في المغرب لا يتوقف، لكن الانقسامات في صفوفهم لا تتوقف كذلك..
- اليسار اليوم يجب أن يعي اللحظة التي يعيشها، وأن يتجاوز الذاتية من أجل تجميع ما يمكن تجميعه حول مشروع مجتمعي بديل، ولا نعني بتوحيد اليسار أن نضيف حزبا لآخر كأننا في عملية حسابية، وإنما هي مسألة إعادة بناء وتأسيس اليسار على أسس جديدة، وذلك عبر إعادة تأسيس الخطاب وابتكار أدوات اشتغال جديدة مواكبة لعصر المعلومات والتواصل، وربط الجسور مع جميع الفئات من دون استثناء، حيث يجب على اليسار أن ينفتح على الطبقة المتوسطة والفئات المحرومة لربط جسور التعاون. ونحن اليوم نجتهد على مستوانا كيسار في الفروع والجهات وفي التنظيمات التي ننتمي إليها من غير الحزبية (الجمعوية والنقابية وغيرها) من أجل نشر الوعي، وهذه مسؤولية كبيرة تتطلب تضافر الجهود من كل القوى التي نعتبرها ديمقراطية وتقدمية ويسارية في المغرب.
* أنتم حزب نخبوي لم يستطع أن يتحول إلى حزب جماهيري، فهل السبب فكري أم تنظيمي؟
- هناك انفصام بين الخطاب والأداة، حيث نتوفر على خطاب متقدم وتحليل سياسي للوضع جد متنور، لكن الأداة الحزبية هي التي لا تزال جد ضعيفة، فالعمل التطوعي الحزبي هو عمل شاق، خاصة في غياب الدعم، ذلك أننا لا نحصل على أي دعم من الدولة، ولا نعتبر ذلك المعوق الوحيد لنا، لكن يجب علينا تقوية الأداة التنظيمية في الحزب وتقوية الجسور مع حلفائنا في تحالف اليسار الديمقراطي، لكي يكون التأثير أقوى، إضافة إلى الانفتاح على أسرة اليسار على أساس برنامج يساري.
* بخصوص الانتخابات البلدية المقبلة، هل ستشاركون فيها أم ستقاطعون كما فعلتم خلال السنة الماضية؟
- المقاطعة بالنسبة للحزب الاشتراكي الموحد هي استثناء، لذلك سنشارك في الانتخابات المقبلة لكن إذا توفرت فيها شروط المشاركة، أي أن تكون هناك هيئة مستقلة تشرف على الانتخابات، وأن يعم جو من الثقة عبر إطلاق معتقلي الرأي، لأنه لا يمكن أن نبني دولة الحق والقانون من دون حرية الرأي والتعبير، إضافة إلى ضبط الجانب التنظيمي والقانوني، الذي يخص الجهوية وقانون الانتخابات والترشيحات وتقسيم دوائر انتخابية تحترم المعايير التي نتفق عليها جميعا.
فنحن نتطلع لأن تكون في بلادنا تعددية حقيقية واستقلالية عن الدولة، لأن الحزب الذي سوف يحكم يجب أن يكون مستقلا عن الدولة، وإذا لم يكن كذلك فيجب أن يحل نفسه، وهناك الكثير من الأحزاب يجب أن تحل نفسها؛ لأننا اليوم نعيش ظروفا جديدة وربيعا ديمقراطيا وجب الاستفادة منه.