الشيوعية العمالية، الحكمتية، إلى أين؟


رزكار عقراوي
الحوار المتمدن - العدد: 3773 - 2012 / 6 / 29 - 00:00
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية     

حوار مع الرفيقات والرفاق الأعزاء في أحزاب الشيوعية العمالية العراقية: الحزب الشيوعي العمالي العراقي، الحزب الشيوعي العمالي اليساري العراقي، الحزب الشيوعي العمالي الكردستاني.

الجزء الاول

المقدمة

بعد انهيار المعسكر الاشتراكي دخل اليسار بمعظم تلاوينه في أزمة سياسية وفكرية وتنظيمية عميقة، في هذه المرحلة وفي بداية تسعينات القرن المنصرم، برز تيار - الشيوعية العمالية - كفصيل يساري ثوري جذري جريء متمسك بالماركسية، من خلال منظمات مختلفة متشتتة ومتصارعة، وأبرزها كانت منظمة - التيار الشيوعي - [1] القطب الأكبر والأكثر تنظيما. تأسست معظمها في ثمانيات القرن المنصرم في كردستان العراق، ونشطت بشكل فاعل قبيل وفي انتفاضة 1991 في كردستان العراق وطرحت المجالس الشعبية والعمالية وبل وحتى الحكومة العمالية كبديل سياسي للمجتمع. وكانت في نهاية 1991 احد قوى المعارضة الرئيسية في كردستان العراق والمناضلة ضد النظام العراقي والأحزاب الكردية الحاكمة، وقادت مظاهرات ضخمة مؤثرة ضد النظام البعثي والجبهة الكردستانية التي كانت تحكم معظم مناطق كردستان العراق آنذاك.

كان للحزب الشيوعي الإيراني[2]التأثير الكبير على نمو - تيار الماركسية الثورية ومن ثم الشيوعية العمالية - في كردستان العراق وخاصة بين أوساط اليسار القومي الكردي، والخارج وبالأخص من عباءة الاتحاد الوطني الكردستاني - حزب الطالباني - ، حيث كان للحزب الشيوعي الإيراني نوع من المرونة والعلنية في الحركة في كردستان العراق، وفقا لاتفاقيات للنظام البعثي مع معظم فصائل المعارضة الإيرانية المتواجدة في العراق، مما أتاح لهم الوصول إلى عدد كبير من يساري كردستان العراق المتذمر من - اليسار القومي الكردي-، من خلال إعلامهم وإذاعتهم والاحتكاك المباشر دون قمع أو قيود كبيرة.

بعد فشل انتفاضة 1991 وانسحاب النظام ألبعثي من كردستان العراق، نشطت منظمات الشيوعية العمالية بشكل كبير في مدن وقصبات كردستان العراق. في 1992 تأسس الحزب الشيوعي العمالي الإيراني[3] نتيجة انشقاق عن الحزب الشيوعي الإيراني، وبدا التوجه نحو تشكيل الحزب الشيوعي العمالي العراقي[4]، كانت منظمات الشيوعية العمالية العراقية آنذاك متصارعة بشكل كبير، وانعكست تلك الصراعات على الصعيد السياسي والجماهيري وحتى الشخصي، ومع ذلك قرر منصور حكمت تشكيل الحزب الشيوعي العمالي العراقي من تلك المنظمات بشكل إرادي ذاتي تكملة لتجربة الحزب الإيراني، وتم تقسيم المناصب القيادية بين تلك المنظمات وفق المحاصصة السياسية والتنظيمية , وللأسف نقلوا صراعاتهم معهم إلى داخل الحزب واستمر ذلك لسنوات عدة وصرفت طاقات هائلة عليها.

تم الإعلان عن تشكيل الحزب الشيوعي العمالي العراقي في 1993، تطورت قاعدته التنظيمية والجماهيرية في كردستان العراق وبشكل محدود جدا في وسط وجنوب العراق، وفتحت مقرات له في مدن كردستانية عدة، وكان من الممكن إن يستمر التطور وبشكل اكبر لو كان هناك خط سياسي منسجم و واقعي و وضوح اكبر في الرؤية، وتراكم ونضج في الخبرة السياسية والتنظيمية، وبقيادة اجتماعية منسجمة متواجدة في الداخل ذات توجه - عراقي -، حيث خرجت معظم قياداتهم للخارج وخاصة إلى الدول الغربية، نتيجة لتأثيرات وتوجيهات الحزب الشيوعي العمالي الإيراني، دون ان تكون هناك اي مخاطر أمنية جدية عليهم، ومازالت قيادات المتواجدة في - الخارج - المتحكمة الفعلية في أحزاب الشيوعية العمالية العراقية والإيرانية، وكما نعلم انه من الضروري جدا ان تكون قيادات أحزاب اليسار من ومع الجماهير في داخل البلد، و تتصدر وتقود نضالاتها، وتتفاعل معها على كل الاصعدة.


المنهج النظري، منصور حكمت والحكمتية!

يعتبر - منصور حكمت - المنظر الفكري والروحي لتيار الشيوعية العمالية، واعتقد إن الكثير منهم اطلع على الماركسية من خلال دراسات وأبحاث منصور حكمت، بل ان البعض منهم يعتقدون انه ليس هناك مفكر ما بعد ماركس وانجلز غير منصور حكمت. ويتم ترجمة مواضيعه التي كتبت في ثمانينات وتسعينات القرن المنصرم بشكل متواصل، لتكون مرشدا للعمل وأساسا لسياساتهم المختلفة. ومع الدور النظري والفكري القيم والقدير للرفيق الخالد لمنصور حكمت، ومساهماته المهمة والكبيرة في تطوير الفكر الماركسي والدفاع عنه، ولكن من الناحية العملية فكان له دور سلبي كبير وخاصة من ناحية التعصب الفكري، التحزب، المؤسساتية، والقيادة الجماعية، حيث:

1. قام بالانشقاق عن - الحزب الشيوعي الإيراني - الذي كان احد الأحزاب اليسارية القوية في المنطقة، ومع تأييد معظم قيادة وأعضاء ذلك الحزب لأطروحاته ، وشكل - الحزب الشيوعي العمالي الإيراني- وتوج ذلك بطرح ضرورة خروج المئات بل ألوف من قادة وكوادر وأعضاء - الشيوعية العمالية - في العراق وإيران إلى الدولة الغربية وبحجج مختلفة، مما الحق ضربة كبيرة جدا بهم وبعموم اليسار العراقي والإيراني.

2. أرسى تقاليد تنظيمية شمولية وإبراز - الشخصيات - وحتى عبادتها وخاصة - إبراز وعبادة شخصه - داخل أحزاب الشيوعية العمالية وبطرق ومسميات مختلفة، وكان مجال الحوار والاختلاف ضعيف جدا، ويقابل بإجراءات تنظيمية مختلفة وكانت آلية حل الاختلافات إما الطرد أو والدفع للاستقالة أو الانشقاق!، كانت تعقد مؤتمرات شكلية يغيب عنها العقل الجماعي لأعضاء الحزب ومحتكرة من قبل مجموعة معينة، وأتذكر انه في المؤتمر الثاني للحزب الشيوعي العمالي الإيراني كان اكثر من 70% من وقت المؤتمر تقريبا لمنصور حكمت وخطاباته ومداخلاته ،

3. مما انعكس ذلك بشكل كبير على التطور الحزبي والمؤسساتي والعقل الجماعي في تلك الأحزاب، وتجسد ذلك بوضوح في الصراعات الحزبية والكتلوية والشخصية التي تسودها، وأدى إلى انشقاقات كبيرة ومتواصلة وأضعفت تلك الأحزاب بشكل كبير جدا.

4. كما رسخ نهجا - نافيا واقصائيا - تجاه القوى والأفكار الماركسية و اليسارية الأخرى داخل أحزاب الشيوعية العمالية وخارجها، واستند إلى - احتكاره للحقيقة اليسارية المطلقة - وبالتالي عدم القبول بتعدد منابر اليسار والحوار والعمل معها داخل وخارج أحزابهم.

5. فرض نوع من الولاء الكامل على الحزب الشيوعي العمالي العراقي للحزب الشيوعي العمالي الإيراني، وشخصه، من خلال تبني أطروحاته وأفكاره، وادخل الحزب الشيوعي العمالي العراقي في مواجهات عسكرية وسياسية غير متكافئة أضعفته وأنهكته بشكل كبير، كانت علاقة الولاء والسيطرة تشابه علاقة - الاتحاد السوفيتي - مع الأحزاب الشيوعية.

نتيجة لهذا التوجه السياسي والتنظيمي و ضعف التحزب والمؤسساتية وسيادة - الشخصنة - و لضعف آليات إدارة الحوار والاختلاف داخل أحزابهم، تعرض تيار الشيوعية العمالية إلى انشقاقات كثيرة ومتواصلة، ومنها انشقاق عدد كبير من قيادة الحزب الشيوعي العمالي الإيراني في ،1999 بما فيهم اثنين من المؤسسين الأربعة للحزب والعشرات من القيادات والكوادر، كذلك انشقت مجموعة من الحزب الشيوعي العمالي العراقي في 1997 وشكلت تنظيما يسمى الآن - اتحاد الشيوعيين في العراق - [5].

بعد وفات - منصور حكمت - تفجرت خلافات كبيرة في - تيار الشيوعية العمالية - وانشق الحزب الشيوعي العمالي الإيراني بشكل كبير في 2004 نتيجة خلافات ولصراعات - تنظيمية و نخبوية !- بين تيار - حميد تقوائي - وتيار - كورشي مدرسي-، في الواقع اعتقد انه كان الصراع - قوميا وشخصيا- بين - الفرس - و -الكرد- داخل الحزب الإيراني على السلطة، حيث انحاز معظم -الكرد- من خلال منظمة إقليم كردستان للحزب إلى جناح كورشي مدرسي، ويشكل المنحدر القومي الكردي الآن أكثر من 95% من اعضاءه، وبدلا ان يقوم الحزب الشيوعي العمالي العراقي بإدانة الانشقاق والدفاع عن وحدة الحزب الإيراني، انحاز بسرعة كبيرة إلى تيار - كورشي مدرسي - ودعم انشقاقه، واعتقد أن ذلك يعود إلى سيادة - التوجه الكردستاني - السائد في الحزب العراقي آنذاك، وقوة العلاقات السياسية والشخصية مع قادة تيار - كورشي مدرسي - الذين شكلوا - الحزب الشيوعي العمالي الإيراني الحكمتي! - [6] وقطعوا كل العلاقات السياسية والتنظيمية مع - الحزب الشيوعي العمالي الإيراني - خط حميد تقوائي - وبل اندلع صراع فكري وتنظيمي وشخصي إقصائي بينهم وأحيانا وصل الى مستوى - صراع العشائر في الشرق - في تدنيه السياسي والشخصي والقطيعة التامة، وغاب اي نوع من الحوار او العمل المشترك، ومع أنهم جميعا من مدرسة ماركسية ضيقة هي - الحكمتية- وتستند الى برنامج حزبي موحد هو - عالم أفضل - ، وانعكس ذلك على الحزب الشيوعي العمالي العراقي الذي انشق هو أيضا، وشكل المنشقين - الحزب الشيوعي العمالي اليساري العراقي - [7]، و في 2008 حصل انشقاق طوعي متفق عليه، في الحزب الشيوعي العمالي العراقي حيث انفصلت منظمة إقليم كردستان للحزب وشكلوا الحزب الشيوعي العمالي الكردستاني [8]، وللأسف مسيرة الانشقاقات متواصلة، وخاصة في الجناح الإيراني، و كانت ذات تأثير شبه مدمر على حركتهم.

رغم التطور الفكري والتنظيمي الكبير، وكذلك في آليات الإدارة والقيادة في أحزاب الشيوعية العمالية وخاصة العراقية، فاعتقد انه حان الوقت لإعادة النظر بشكل اكبر ب- الحكمتية والشيوعية العمالية - وتقيم التجربة بشكل جذري بسلبياتها وايجابياتها ونقدها، وتوحيد وترميم البيت - الشيوعي العمالي - في العراق وإيران، وإدانة الانشقاقات المدمرة التي لم يكن لها اي اساس سياسي وفكري واجتماعي، والاعتراف العملي بتعدد منابر اليسار داخل وخارج الحزب، والانفتاح بشكل واسع على مختلف التيارات الماركسية واليسارية، والتطور المعرفي والعلمي، لكي تستطيع وقف التراجع التنظيمي والسياسي في أحزابها، وتطرح سياسات أكثر واقعية وعقلانية موائمة لواقع مجتمعاتنا ، وتعمل بشكل جدي و اكبر لتعزيز التنسيق والعمل المشترك مع القوى اليسارية الأخرى. وارى ان - كورشي مدرسي - ومع انشقاقاته المتواصلة والمدانة، فانه يطرح أراء سياسية تحديثية مهمة تتجاوز - الحكتمية - ولكن تحت اسم - الحكمتية - نفسها!، لقوة سيطرتها على مريدي هذا التيار التي وصلت أحيانا عند البعض منهم للأسف إلى مستوى - الطائفية الدينية المتعصبة- ولكن بمسميات يسارية!.

ومع ذلك كان ومازال الحزب الشيوعي العمالي العراقي والكردستاني واليساري، من ابرز المدافعين عن الحقوق المدنية والعلمانية، وحقوق العمال والمرأة، والبديل الاشتراكي،..... الخ وهم أكثر القوى السياسية نزاهة وجرأة ووضوحا، ولهم مواقف مشرفة ضد قوى الفساد والاستبداد القومية والدينية الحاكمة في العراق وإقليم كردستان. وكان لي الشرف الكبير في العمل معهم لأكثر من عشرة سنوات، من خلال منظمة - التيار الشيوعي - التي أنظمت إليها في 1990 مع معظم أعضاء - منظمة 31 آذار- التابعة للحزب الشيوعي العراقي، والتي كانت احد اكبر منظماته السرية في داخل العراق، وكنت مسئولها لسنوات عدة، عدد كبير من القيادات العربية للشيوعية العمالية كانوا اعضاءا وكوادر في - منظمة 31 آذار -، وفي 1993 التحقت بالحزب الشيوعي العمالي العراقي، ولكن باختلافات فكرية وسياسية وتنظيمية متواصلة، وقدمت استقالتي في سنة 2000، ومع ذلك ووفق مفهومي للعضوية المركبة و منهج اليسار الالكتروني المتفتح، اعتبر نفسي عضوا في الحزب واعتز كثيرا بذلك.


يتبع الجزء الثاني - البرنامج والتنظيم
****************************************************
الهوامش
[1] منظمة التيار الشيوعي: تأسست في ثمانينات القرن المنصرم في كردستان العراق، من مجموعات يسارية كردية، وكان لها أيضا نشاط محدود في وسط وجنوب العراق.

[2] الحزب الشيوعي الإيراني: هو ليس حزب - تودة -، وإنما حزب ماركسي آخر تأسس في 1983 من خلال اتحاد تنظيم - كومه له - اليساري الكردي مع منظمات يسارية إيرانية وأبرزها اتحاد المناضلين الشيوعيين.

[3] الحزب الشيوعي العمالي الإيراني: أسسه منصور حكمت،ايرج اذرين، رضا مقدم، كورس مدرسي في 1992 من خلال انشقاق عن الحزب الشيوعي الإيراني.

[4] الحزب الشيوعي العمالي العراقي: تأسس في عام 1993 من خلال اندماج 4 تنظيمات - شيوعية عمالية - وهي منظمة التيار الشيوعي، اتحاد نضال الشيوعية العمالية، نظرة العامل، وعصبة تحرير الطبقة العاملة العراقية.

[5] اتحاد الشيوعيين في العراق: تأسس في عام 1997 نتيجة انشقاق عن الحزب الشيوعي العمالي العراقي تحت اسم - حركة انبثاق حزب العمال الشيوعيين-العراق.

[6] الحزب الشيوعي العمالي الإيراني ألحكمتي: تأسس في 2004 وهو جناح - كورشي مدرسي - المنشق عن الحزب الشيوعي العمالي الإيراني وقد انشق الحزب الحكمي قبل أشهر إلى قسمين ويحملون نفس الاسم!.

[7] الحزب الشيوعي العمالي اليساري العراقي: تأسس أيضا في 2004 وهو الجناح المؤيد للخط الرسمي في الحزب الشيوعي العمالي الإيراني - حميد تقوائي - وقد انشق عن الحزب الشيوعي العمالي العراقي بعد أن أيدت معظم قيادة الحزب انشقاق - كورشي مدرسي عن الحزب الشيوعي العمالي الإيراني ودعمته.

[8] الحزب الشيوعي العمالي الكردستاني تأسس في 2008 وهو انشقاق طوعي عن الحزب الشيوعي العمالي العراقي لكي يكون حزبا خاصا بكردستان العراق، ويتمتع الحزبين بعلاقات قوية جدا.