«لو» كان الرئيس الفريق شفيق


جمال البنا
الحوار المتمدن - العدد: 3771 - 2012 / 6 / 27 - 09:17
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

أحمد الله أن «لـو» حرف امتناع، وبهذا فيمتنع على الفريق أن يكون رئيسًا لمصر.

إن العجب يكاد يصل بى إلى شفا الجنون، لقد استطاعت مجموعة من الشباب المثقف البصير بوسائل الاتصال أن تحشد الجماهير فى ميدان التحرير من يوم ٢٥ يناير سنة ٢٠١١م، وأن يواصلوا هذا الحشد حتى وصلوا به إلى ٢ مليون فى جمعة الميدان يحملون جميعاً كلمة واحدة «الشعب يريد إسقاط النظام»، وظلت الحشود ١٨ يومًا لم يشتك فيها من حادثة نشل أو تحرش جنسى، وكانت المرأة المسيحية ترفع الماء للشيخ المسلم لكى يتوضأ حتى استسلم الطاغية فى النهاية وتنحى مبارك عن الحكم تاركاً للمجلس الأعلى للقوات المسلحة، واستسلم الجميع لفرحة غامرة فقد تنازل أخيراً الحاكم الذى حكم ثلاثين عامًا بالمؤامرات وأمن الدولة وغيره من الوسائل الوبيلة.

كان من المنتظر بعد ذلك أن تبدأ الثورة الجديدة عملها فتقبض على رؤوس النظام وتتحفظ على أموال عشرة آلاف من المنتفعين من هذا النظام، وأن تحل الحزب الوطنى واتحاد العمال ومجلسى الشعب والشورى والمحليات وتقيم لهم محاكم عادلة ولكن ناجزة، حتى تؤمن الثورة نفسها من كيد هؤلاء وعملهم ضدها، وكان هذا هو أقل الإيمان، لأن الثورة الفرنسية قضت على «البوربون»، ولأن الثورة البلشفية أعدمت القيصر وأسرته وخادمته وممرضته.. إلخ، وحتى محمد على فإنه نصب للمماليك مذبحة القلعة حتى يأمن كيدهم، لم تفعل هذا حكومة الثورة، بل لم تقم بمحاولة جادة لاستعادة الأموال المهربة فى الداخل وفى الخارج، وهى تقدر بالبلايين، والذى حدث كان عكس ذلك على خط مستقيم، فقد أبقت السلطة الحاكمة على الحزب ومجلس الشعب وقادة المحليات ودستور ١٩٧١ فى حين نصبت محاكمات هزلية، لأن أحد قيادات النظام القديم استولى على قطعة أرض وآخر استحوذ على مبنى وأمثال ذلك، واتبعت الوسائل التقليدية فى المحاكمة والسؤال والرد والتأجيل، وما إلى هذا كله وتركت المجموعات التى أطلق عليها الثوار لقب «الفلول» بحيث واصلت البقاء ولم تعد فلولاً ولكن «فحولاً» استحوذت على الاقتصاد، بينما مضت الحكومة فى تصفية الثورة من ثوريتها حتى كاد الناس ينسون أنه كانت هناك ثورة ٢٥ يناير.

وهكذا ظهرت المفارقة، فعندما أعلن عن انتخابات الرئاسة سنة ٢٠١٢م تقدم الفريق شفيق للترشيح، وبهذا تمت دورة فقد الثورة وأصبحنا نقف فى الساعة التى اقترح الطاغية فيها نفسه ترشيح الفريق شفيق ليكون رئيساً للوزراء ورفضه الشعب، الأمر الذى يحدث اليوم بعد أن صفيت الثورة واستأسد الفلول أو الفحول واستطاعوا أن يعيدوا مرة أخرى ترشيح شفيق لرئاسة الجمهورية.

كدت أصاب بالجنون عندما علمت أن شفيق ترشح رئيساً للجمهورية، وهو على أقل تقديركان يجب أن يكون منزوياً فى منزله بحكم العزل السياسى الذى يحرمه وأمثاله من أعداء الثورة من ممارسة النشاط السياسى.

قلت لنفسى هذا المجنون لن ينال من الأصوات إلا عائلته أو عشيرته، ثم أين له من أن ينفق على مصاريف ترشيح الرئاسة؟

ولكن الحقيقة كانت غير ذلك فقد ظهر أن تحت يده ميزانية بعدة ملايين قدرها البعض بـ ٧٠ مليوناً، وظهرت صوره تشغل صفحات كاملة من الصحف اليومية وعلى شاشات التليفزيون وهو يقرأ كلماته كلمة كلمة لأنه لا يحسن الإلقاء وقبيل النهاية أخذ أنصاره يؤكدون أنه هو الفائز حتى فصلت الهيئة المسؤولة الأمر، وقالت أن الدكتور مرسى نال أغلبية ١٣٢٣٠١٨١ صوتاً بنسبة ٥١.٧% فيما حصل منافسه الفريق شفيق على ١٢٣٤٧٣٨٠ صوتاً بنسبة ٤٨.٣%.

رجعت لنفسى.. كيف حدث أن استطاع هذا المخلوق أن يحصل على الملايين من الأصوات وعدت بذاكرتى إلى السياسة التى اتبعت من اليوم الأول فى تصفية الثورة ودفع الفلول، وكانت النتيجة فى النهاية أن الطبقة الوسطى كلها هى من الفلول وأنها استطاعت أن تدعى باسم الثورة ما تشاء.

إن عملية طويلة عمدية وقصدية استطاعت أن تغير من التركيبة الطبقية للشعب بحيث أصبحت الفلول يمثلون الثورة، وفقدت الثورة حقيقتها.

ولكن كان من حُسن الحظ أن هذا التغيير الطبقى لم يمس كتلتين:

الأولى الكتلة الإسلامية ويمثلها الإخوان المسلمين وهيئات السلفيين، لأن الإسلام كان بمثابة قشرة سميكة حالت دون أن تتأثر بضغوط البورجوازية.

أما المجموعة الثانية فهم الذين يعيشون فى العشوائيات وأكواخ الصفيح والقبور والذين يشاركون الموتى فى نومهم، ولا تجد لديهم عيشاً يأكلونه ولا ماءً يشربونه ولا كهرباء تنير لهم ولا صرف صحى، فهم يعيشون عيشة أقرب إلى عيشة الأنعام ويعادلون الـ ٣٠ مليوناً.

هاتان الكتلتان لم تستطع البورجوازية أن تجذبهما أو تؤثر عليهما، إن الكتلة الإسلامية عندما اتحدت نال مرشحها الأغلبية، وبهذا أنقذ الإخوان المسلمون مصر من أن يكون رئيسها رجلاً من الفلول لا يؤمن إلا بما يؤمن به البورجوازية من قيم الفردية والكسب وانتهاز الفرص.. إلخ.

فإذا لم يحسن ممثل الإخوان أداء دور رئيس المصريين جميعاً، فعندئذ وبعد فترة من الزمن بالطبع سيحين الوقت لتظهر ثورة الجياع ولينهض هؤلاء قاطنو العشوائيات ليجربوا حظهم ويحاولوا أن يعيشوا كبنى آدمين كجيرانهم فى الوطن.

وهذا يوضح أن أمام الإخوان دوراً طويلاً صعباً لإيقاف الفلول المتطلعة لتحكم البلاد، أصبحنا نراهم ليل نهار ببدلاتهم الجديدة التى كأنما جاءت من عند الترزى ومعرض الكرافتات، فضلاً عن أجسادهم البدينة القوية ووجوههم الممتلئة، مما يدل على أنهم يعيشون فى عالمهم الخاص، وهو العالم الذى أبدعته حاشية مبارك فى شرم الشيخ وغيرها من المدن البعيدة عن الجماهير.

والسؤال الآن هل ستتمكن هذه المجموعة البورجوازية من السيطرة على الإخوان، كما سيطروا على الثورة؟

■ ■ ■

سألونى عن رأيى فى الإخوان المسلمين ومواقفهم السياسية، قلت إن الإخوان هم أقدم الهيئات السياسية المعاصرة بعد حزب الوفد، وفى الوقت الذى كان فيه كل قوى السياسة فى قبضته، وكل الشخصيات العامة والبارزة فى جعبته، كان الأستاذ حسن البنا يذرع القرى فى بحرى والصعيد ليؤسس شـُعبًا بها حتى وصل الإخوان فى الأربعينيات إلى صدارة هيئات المجتمع المصرى، ونافسوا الوفد فى تمثيل شعب مصر، ثم جاءت سنوات عبد الناصر وفتحت المعتقلات أبوابها ونال الإخوان ما لم تناله جماعة أخرى، ومع هذا ثبتت، فلم ينل منهم، حتى جاء هذا المستبد فأطلق عليهم «الجماعة المحظورة»، وسلط عليهم أمن الدولة، الذى كان دولة داخل الدولة، وله سجونه الخاصة، وكم سجن من فتيان ظلوا فى محبسهم حتى أصبحوا شيوخاً، وكم سجن من «عرسان» لم يروا أبناءهم الذين ولدوا ثم تزوجوا وولدوا، ولم يرهم أجدادهم، وقد تعرض خيرت الشاطر للموت مرارًا وتكرارًا، وتزوجت بناته وهو فى السجن، وكان هناك الألوف من هذا النوع مثل الصديق العزيز الدكتور سعد الدين إبراهيم.

صحيح أنهم فى هذا لم يلحظوا إلا أنفسهم، ولكن هذه هى السياسة، وأى حزب آخر لو استطاع لما تأخر، وقد نجح أعداؤهم فى إثارة حملة من المعارضة، والتربص والخوف والكراهية دون أى إنصاف.

أما بالنسبة لى فليس هناك شك أننى سعدت بانتصار الدكتور مرسى واتجاهه الإسلامى، وأتمنى أن يوفقه الله فى رسالته النبيلة، وأهنئ الإخوان المسلمين بانتصارهم، وأتمنى أن يوفقهم الله فى خدمة البلاد.

عتاب للصديق العزيز الأستاذ سعد الدين إبراهيم تعلم أن الأصدقاء عندما يتناجون ما بينهم فنجواهم تلك لا تكون للنشر، وأنت تعلم أنى وإن كنت أنقد الإخوان فإنى أكن لهم احترامًا وحباً.