يبقى سليم إسماعيل بيننا


ارا خاجادور
الحوار المتمدن - العدد: 3759 - 2012 / 6 / 15 - 15:02
المحور: الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية     

قبل أيام رحل عنا المناضل سليم إسماعيل ـ أبو عواطف الى مستقره الأبدي، وكان الحدث ثقيلاً على عائلته ورفاقه وأصدقائه ومحبيه، وعلى دوره في الحياة العامة، على الرغم من علم الجميع أن الرحلة الأبدية قانون الحياة.

لا يُمكن الحديث عن أبي عواطف دون الحديث عن مهد طفولته ونشأته الأولى، عن البصرة الفيحاء. تلك المدينة التي تحفر ذكريات لا تمحى في ذاكرة زوارها فكيف الحال لأبنائها. دخلت المدينة قبل نحو سبعة عقود، وأنا في بداية خطواتي الأولى الى سن الشباب، منقولاً من الحبانية الى الشعيبة، وهناك لأول مرة أحلق وجهي وإشتريت أول عدة حلاقة من سوق الهنود.

وبعد كل تلك العقود التي مرت على زيارة الأولى للبصرة ظلت تعيش في ذاكرتي الحالة الأبرز فيها، التي تتمثل بأخلاق عامة الناس في البصرة، حيث التهذيب وحسن الطباع وعذوبة المعشر. قد يكفي بهذا الصدد أن أذكر أني سألت عن عائلة بتروس هواكيميان فتبرع العديدون لأيصالي إليها بكل ود وحمية وإخلاص وكأنه واجب مقدس، ومن معايير وضرورات الأخلاق والرجولة والأخلاق العامة الطبيعية. كانت البصرة لا تعرف التمييز لأي إعتبار كان، وأقصد هنا التمييز العرقي أو الديني أو الطائفي أو العشائري أو المناطقي، وكانت البصرة تستوعب بود الوافدين إليها من داخل الوطن ومن خارجه.

لم تجمعني الحياة بالرفيق سليم في مدينة البصرة خلال زيارتي الأولى إليها، ولكن جمعتني به في بداية الخمسينات في مدرسة المناضلين العراقيين القادمين من كل العراق ومن جهاته الأربع في سجن نقرة السلمان الصحراوي، و وجودت في هذا الرجل كل الطباع الأصلية للؤلؤة العراق وتاج خليجه. وكانت الرفقة والصحبة والتقدير والثقة في مسيرة النضال المشترك. لا أجد حرجاً في القول بأن رحيل أبي عواطف يعجز عن الفصل بيننا، وبين أيام النضال المشترك حلاوة وقهراً، علانية وسراً، شبعاً وجوعاً، إستقراراً وتشرداً، فوق الأرض وتحتها، في سهول العراق وجباله وهضابه، في بغداد والسماوة وأربيل وكل مدن العراق.

من غير الممكن في هذه اللحظة سرد كل ذلك السجل الكبير مع رفيق النضال المشترك، ولهذا أكتفي الآن بذكر حادثة واحدة مرت على خاطري قبل يومين فقط من رحيل المناضل سليم إسماعيل، وتعود الى الأيام الدراماتيكية لتطورات الحرب العراقية الإيرانية. ذهبت في واجب حزبي لتفقد قواتنا الأنصارية في قطاع بهدينان، وضمن المهمة كانت زيارتي للفوج الذي يقوده الرفيق سليم إسماعيل، وتزامن مع الزيارة دخول القوات الإيرانية الى الأرضي العراقية، والى مناطق قريبة من مواقع قوات أنصار حزبنا. بادر الرفيق الراحل بالسؤال: وهل نبقى نقاتل قوات الجيش العراقي بعد أن دخل الإيرانيون الى الأراضي العراقية؟.

إنه سؤال عميق في ذروة الوطنية الحقة والمسؤولة. لن أنسى هذا الموقف لأبي عواطف مهما طال الوقت. وفي ذلك الوقت دخلت القوات الإيرانية الى الفاو في البصرة. وكان موقف الرفيق الراحل زكي خيري المشهود، الذي أكد فيه بأن صفة الحرب قد تغيّرت بعد دخول الأراضي العراقية. ولم يكن الرفيق سليم إسماعيل قد إطلع بعد على موقف الرفيق زكي، ولكنه أثار ذات السؤال الذي طرحه أبو يحي، وقبل صدور بيان المكتب السياسي الذي تضمن موقف مماثل لأبي يحيى، ولكن أعضاء اللجنة المركزية الموجودين في كردستان لم يؤيدوا الموقف، الذي جاء في بيان الناطق بإسم المكتب السياسي للحزب، الذي يقف ضد دخول القوات الإيرانية الى أراضي الوطن.

ومن المفارقات التي تستحق الذكر بهذه المناسبة أنني قبل يومين فقط من رحيل طيب الذكر سليم إسماعيل عضو قيادة الحزب الشيوعي العراقي والقائد الأنصاري الرقيق والباسل في الوقت ذاته تحدثت مع أحد الرفاق عن مواقف أبي عواطف وعن موقفه الوطني. وفور علمي بالمصاب الحزن إتصلت بأم عواطف سليلة عائلة الصفار العائلة العراقية الثورية، التي قدمت للشعب والحزب الشهداء والمشردين وضحايا الأقبية المظلمة للسلطات المختلفة معزياً العائلة ونفسي ورفاقي، ورويت لها قراري بالكتابة عن مواقف أبي عواطف قبل رحيله. قالت: اكتب ولماذا لا تكتب.

وأخيراً أقول ليس من الإنصاف بشيء أن يذهب المناضلون نساءً ورجالاً وشباباً بصمت، وأن يظل سجلهم المجيد حبيس الذكر بحدود عوائلهم والقلة من معارفهم ورفاقهم الأقرب. إن السجل المجيد لكل مناضل يغادنا هو ملك للشعب ولكل من يلتحق بركب النضال الوطني والطبقي، وإنه في عداد التجارب التي ينبغي أن توظف للأجيال الحالية والقادمة، إن تسجيل تلك التجارب ومنها التجربة الغنية للرفيق سليم إسماعيل حق وواجب.

عزائي الحار لعائلة الفقيد ورفاقه وأصدقاءه، وأرجو للجميع الصبر على الأقدار التي لا ترد.