هل أحكام القضاء أكثر قداسة من القرآن؟


جمال البنا
الحوار المتمدن - العدد: 3757 - 2012 / 6 / 13 - 09:02
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     


من الأقوال الشائعة فى الأسرة القضائية أن حكم المحكمة هو عنوان الحقيقة، وأن التعليق على الأحكام لا يجوز إلا بعد أن تصبح نهائية وغير قابلة لأى طعن، وعندئذ- كما يذكر الدكتور محمد سليم العوا- يكون هذا التناول من المتخصصين فى حدود العلم القانونى ووفق أساليبه التى يعرفها أهل الاختصاص «كتاب حرية التعبير ص ١٠».

هذان.. أى أن حكم المحكمة هو عنوان الحقيقة.. بل الحقيقة ذاتها، وتحريم التعليق على الأحكام، هما فيما نرى يخالفان حرية التعبير.

من أين جئتم أيها السادة بهذه القداسة؟

إذا كان المفسرون منذ أكثر من ألف عام تناولوا كتاب الله- القرآن- بالتفسير والتأويل وأبدعوا فنوناً ولم يترددوا فى القول بالنسخ إلى آخر ما يعرفه المبتدئون.

وإذا كان رسولنا العظيم قد حذر المؤمنين من أن يكون أحدهم ألحن بحجته فيقضى له فليعلم أنه يقضى له بقطعة من النار.. فلا يأخذها.

فهل يحرم على المفكرين- من غير رجال القضاء- أن يعالجوا أحكاماً أريد بها فى النهاية تحقيق العدل، ولكن ما من قوة يمكن أن تؤكد أن ما تصل إليه المحاكم هو العدل بالفعل أو الحقيقة نفسها.

ومنذ أن حكمت إحدى المحاكم فى أثينا، قبل ميلاد المسيح بخمسمائة عام، على سقراط بالموت والمحاكم- فى العالم بأسره- تصدر أحكامها باسم القانون على المخالفين والمعارضين والمجددين ومن ينادون بالعدالة والحرية، وتزج بهم إلى السجون أو تقضى عليهم بالإعدام.

«وياما فى الحبس مظاليم».

لقد نشأ ما حاط بالقانون والقضاء من احتكاكات عن عدم التفرقة ما بين القانون والقضاء، وعندما سئل أحد قضاة المحكمة الدستورية العليا فى الولايات المتحدة هل تحكم بالعدل؟ فقال لا، أنا أحكم بالقانون. إن القاضى حين يجلس على منصة القضاء فهو يعلم أنه يحكم بالقانون لأنه يلتزم بالقانون وهو ليس مشرعاً، والمشرع هو الذى يضع القانون. وإذا كانت محاكمنا على اختلاف درجاتها قد أيدت الحكم بالتفريق بين حامد أبوزيد وزوجته، فذلك لأن القانون الذى عالج هذه النقطة كان هو أرجح الأقوال عند أبى حنيفة، ولهذا حكمت به.

فالمحكمة أدت واجبها باعتبارها الهيئة التى تطبق القانون المعروض أمامها وهو أرجح الأقوال عند أبى حنيفة، ولكن من قال إن أرجح الأقوال عند أبى حنيفة هو الحقيقة؟ إن المشرعين الإسلاميين، وهم الفقهاء، أخطأهم التوفيق فى حالات عديدة بعضها مخالف للقرآن نفسه مثل الأخذ بحد الردة، فهل يمكن أن نقول مع هذا إن القانون هو عنوان الحقيقة؟

كلا أيها السادة.. فليس هناك شىء يستعصى على حرية الفكر مادام يقوم على الحجة ويقدم البرهان. وفى القضية التى أثارت هذا اللغط أعنى قضية محاكمة مبارك، أظن أن القاضى قد طبق حكم العدالة عندما حكم بالسجن المؤبد على الرئيس المخلوع وكبير زبانيته ولم يطبق حكم القانون، وأنه فى إعلانه براءة مساعدى وزير الداخلية وبقية المتهمين قد طبق عليهم حكم القانون، لأن القانون يشترط رؤية المتهم وهو يمارس تهمته بصورة لا تقبل الشك، أو تؤكد ذلك الأوراق أو الأدلة، وهذا وذاك ما لم يتحقق.

بقيت قضية الشهداء.

الشهداء «أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ»، فالله تعالى كرمهم وعلى الوطن أن يكرمهم، أما المتاجرة بقضيتهم ورفع ما يدفع لأسرة كل شهيد، فهذا ينزل بالقضية ويفقدها أفضل أدبياتها، وقد رأينا فى حالات عديدة أهل الشهداء وهم يستقبلون جثثهم بالتكبير والتهليل والنساء يزغردن وهذا هو المفروض أن يكون.

ولا يجوز أن نهبط بهذه القضية النبيلة التى أعظم ما فيها هو التضحية.

تتضمن الأقوال التى تمتلئ بها كتب الحقوقيين والمختصين عن القضاء. إشارات عديدة إلى قداسة القضاء، وما يجب أن يحاط به من احترام، وما يجب أن يظفر به من هيبة قد تمثلها ما جاء فى كتاب للأستاذ الدكتور سليم العوا «ودوافع القاضى، وأسلوب أدائه لعمله القضائى، وعقيدته الدينية أو السياسية أو الفكرية وبواعثه واتجاهاته الشخصية كل ذلك مناطق محرمة ليس لأحد أن يقع فيها أو يحوم حولها وإلا كان كالراعى يحوم حول الحمى (الأرض المملوكة للغير) يوشك أن يقع فيه (أى يعتدى على حرمتها ويهدر حمايتها).

واحترام هيبة القضاء (السلطة) والقضاة (الأفراد) ضرورة لا مفر منها لاحترام سيادة القانون ورسوخ ميزان العدالة فى أيدى قضاة مطمئنين إلى حفظ أقدارهم، وصون كرامة محاكمهم بين بنى وطنهم (رضوا بالأحكام التى تصدرها المحاكم أم غضبوا لها).. «انتهى».

بالطبع فإن هذا كله مشتق من أن القضاة هم سدنة العدالة، ويكون التماهى ما بين القضاة والعدالة، أى جعلهما شيئاً واحداً، ولكن القضاة بشر يصيبون ويخطئون، بينما العدالة مُـثـل ومبادئ، ولكن هذا يوجب أن السدنة شىء، والعدالة نفسها شىء آخر، وما يجب الحرص عليه هو التثبت من ملاحظة القضاء لمقتضيات العدالة وأنه بقدر توفيقهم فى هذا بقدر ما يستحقون التقدير، وقد يخطئهم التوفيق وهم بعد كل شىء بشر. ويكون من حقنا أن نتساءل: لماذا يجب أن تكون هناك «هيبة» للقضاة والعدالة نفسها؟ إن العدالة تتنافى مع منطق «الهيبة»، العدالة تعلم أن لصاحب الحق مقالاً يجب أن يجهر به، العدالة لا تريد إلا التقدير الحق، أما سلطات الدولة المدججة بالسلاح المتخمة بالأموال والتى تعلم أنها لا تظفر بتقدير أو ثقة فإنها تبحث عن «الهيبة» وبث الخوف فى نفوس الناس، ومن منطق العدالة فإن هذا الأمر كريه. التحية الحقيقية للقضاء هى عندما يهتف المتقاضون «يحيا العدل».

ولعل المشرع عندما جعل العلانية شرطاً فى المحاكمات أراد أن يجعل من الجمهور رقيباً على سير العدالة.

ونقترح على المختصين أن يضيفوا إلى الفقرات الذى استشهدنا بها فقرات تحض القاضى على الالتزام بالعدل وتشعره بالمسؤولية الثقيلة، فإنه أحوج الناس إلى هذا لمقاومة الضغوط والمؤثرات التى لابد أن توجد فى مثل مجتمعنا.

إننا فى الوقت الذى لا نقر فيه أى هجوم، أو قل أى مساس بأشخاص القضاة أو أسرار إصدارهم الأحكام، وفى الوقت الذى نقدر ما يبذلون من جهد وتفان، فإننا فى الوقت نفسه لا نرى داعياً إلى إرهاب الناس بهذه التوجيهات لأن الأمر لا يتعلق بشخص القاضى ولكن بالحكم، والحكم ليس ملكاً خاصاً وشخصياً للقاضى ولكنه يقوم على أسس وحيثيات وقد تخطئ محكمة درجة أولى أو تطعن النيابة ويعاد الحكم ويصدر مخالفاً للحكم الأول.

وهناك ناحية مهمة قد لا يتم استقلال القضاء إلا بتحقيقها تلك هى أن ينعزل القضاء عن السلطتين التشريعية والتنفيذية وأن يستقر فيما يمكن أن نسميه «ديوان القضاء»، على أن يضم وزارة العدل، فمن غير السائغ أن تكون وزارة للعدل فى صميم السلطة التنفيذية، وأن تنتقل النيابة العامة ومصلحة السجون ودور الطب الشرعى والمحاكم كلها فى ديوان القضاء، وتخصص له مخصصات كافية ولا يجوز التلاعب فيها، وأن يتولى القضاة أنفسهم كل ما يتعلق بالديوان، وبهذا نضمن للقضاء استقلاله، فتخضع الدولة للقضاء، ولا يخضع القضاء للدولة كما هو الحال.

ولا يفارقنى العجب بعد من أن مثل هذه الدعوة لا تجد من القضاة أنفسهم من يأخذها مأخذ الجد ويجعلون منها قضيتهم.

يا وزير الكهرباء إيه الحكاية؟

شقة من ثلاث غرف نورها فى شهر واحد خمسمائة جنيه هل ترفعون الأسعار «سُـكيتى»؟. ولا من شاف ولا من درى، أفلا تعلمون أن هذا بمثابة فرض ضريبة من وراء مجلس الشعب؟.

أحيا «مركز دوار الشمس» «الطيونة» ببيروت، ذكر المناضل الأمين الدكتور محجوب عمر يوم ٨ يونيو، وتضمن الحفل قصائد بصوت الدكتور محجوب، وشهادات حية من رفاقه.

ذكرى محجوب عمر ستظل باقية إلى الأبد.