النخب العميلة


يونس الخشاب
الحوار المتمدن - العدد: 1095 - 2005 / 1 / 31 - 11:04
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق     

في مقدمته لكتاب " فرانز فانون " ( معذبو الارض ) يتحدث الفيلسوف الفرنسي " سارتر " عن تلك النخب الغربية التي أخذت على عاتقها صناعة النخبة في البلد الاصلاني الذي ينتمي اليه هؤلاء فيقول " انهم يلتقطون بعض المراهقين ، ثم يَوسمونهم ربما بقضيب حديدي محمى ،بمبادئ الثقافة الغربية ، ثم يحشون افواههم ببعض الجمل الرنانة ذات الوقع الجيد ، ليعودوا للوطن الام ، بعد ان تم غسلهم جيداً ، ليكونوا الصدى لما يقال في بلد اسيادهم" .
ويتجلى هذا القول في التطورات التي نشاهدها في العراق ، حتى اصبحنا نسمع على مدار الساعة المصطلحات التي تستخدمها واشنطن في توصيف مختلف مكونات الشعب العراقي ، ليس آخرها تصريح "أحمد الجلبي " بانشاء فيدرالية الجنوب ، تصب كلها في محاولة دنيئة لتقطيع اوصال العراق . اما حين يندفع ابناء العراق لمواجهة هذا المخطط ،فان ذلك في توصيف الصحافة الامريكية مجرد ( تمرد او عصيان ) " insurgency " . ان استخدام هذا المصطلح يفترض ان الامريكان قد استطاعوا اخضاع الشعب العراقي ، وان هناك البعض الذي يستاء من وجود الامريكان وبالتالي فانهم " متمردون" .

كلنا يعرف ان العراق قد اصبح ساحة حرة للرماية ، وليس هناك من الصحفيين من يغطي الغارات الجوية التي تشن على مدن وارياف العراق . واذا كانت الانتخابات لتتم ، فانها تتم بالقوة العسكرية ، وامامنا الفلوجة كنموذج . وهنا تقوم ماكنة الدعاية الغربية بدورها ، واول ما تبدأ به هو نزع الصفة الانسانية "dehumanize عن كل من يقاوم العدوان الامريكي ، فهم أقل من ان يطلق عليهم اسم البشر ، حتى ان ليس هناك من احصاء لعدد الضحايا . انهم معادون للقيم الديمقراطية ولا يؤمنون بغير الارهاب .
ان غزو العراق ، بحد ذاته ليس اكثر من زواج غير مقدس بين تعاليم حرية السوق والطموح الامبريالي ، وعلينا ان ننتبه الى ان الاستعمار الاقتصادي الخفي للعراق تحت اسم اعادة البناء لا يقل وحشية ودماراً عن حجم الخراب الذي تخلفه تلك الغارات على مدن وقصبات العراق . فبعد اصلاحات " بول بريمر " اللاشرعية وبرامج الغاء الديون المزيف ، تنشغل الولايات المتحدة بمشروع تحويل العراق الى قاعدة امامية لامبراطورية المحافظين الجدد عن طريق تأمين عبودية العراق المستمرة لمصالح الولايات المتحدة والى مديات أطول مما يتوقع بعض قصار النظر ، بعد ان تكون القوات قد غادرت من حيث اتت .
كل ذلك لن يتم الا بتشكيل حكومة دمى تأتمر باوامر الاسياد في واشنطن . فهل سوف تسفر الانتخابات الجارية والقادمة عن تلك الحكومة ؟