انا وملا على في مذكراته - القسم الثالث والاخير


بهاءالدين نورى
الحوار المتمدن - العدد: 3728 - 2012 / 5 / 15 - 23:17
المحور: سيرة ذاتية     

انا وملا على في مذكراته
- محاولة الاصلاح عن طريق الانتخابات.
القسم الثالث والاخير :

اسبقت انني لم الجا الى معاقبة ملاعلي، بل قررت اللجوء الى اسلوب ديموقراطي- انتخابات- لاعادة اصطفان الكادر واعادة بناء هيأتنا الحزبية والعسكرية على شتى الاصعدة. وقد قدمت الى رفاقي مشروعا متكاملا لاجراء الانتخابات، وكنت أدرك ان المكتب السياسي والقيادة بوجه عام لاتدعم ابدا مثل هذا المشروع، بل على العكس من ذلك. ولهذا حاولت امرار المشروع دون ان اخبر القيادة و قبل ان يتسنى للقيادة التدخل لالغائه. قلت للرفاق أن ثقة الشيوعيين بقادتهم هبطت الى مايقارب الصفر. وهذا يجعل من الضروري والملح ان نقوم بلون من الاستفتاء في الحزب ونترك لرفاقنا انتخاب من يريدون في الهيأت الحزبية والعسكرية، وبذلك يمكن استعادة الثقة بين القاعدة وبين القيادة. اذا إنتخبونا فسنبقى في مناصبنا مزودين بثقة الرفاق واذا انتخبوا غيرنا فسنواصل العمل تحت قيادة المنتخبين الجدد. وقد افلحت في كسب التأييد من بانيخيلاني أولا، ولكن أبوتارا عارض بشدة الانتخابات الحزبية والعسكرية. وأظن أن سبب ذلك كان خوفه من عدم اعادة انتخابه. وأيد ملاعلي الانتخابات الحزبية وعارض العسكرية بحجة أن مثل هذا العمل لايشمل المجال العسكري. لكن السبب الحقيقي لمعارضته كان خوفه ايضامن عدم فوزه في الانتخابات. أما بقية الكوادرو الرفاق عامة فانهم رحبوا بالانتخابات حزبياوعسكريا.
كان فوج حلبجة عندنا، فرتبنا على جناح السرعة اجراء الانتخابات فيه، وقدمنا قائمة مرشحينا وأبقينا أمر الفوج نفسه علي كلاشنكوف مرشحنا لمنصبه لأنه كان شابا شجاعا وذكيا ومحترما بين رفاقه، وتركنا للآخرين خارج قائمتنا ليرشح من يرغب لاي منصب. وقد رشح توفيق الحاج نفسه لمنصب أمر الفوج منافسا لعلي كلاشنكوف ورشح آخرون لمناصب مختلفة. وفي انتخابات جرت بالاقتراع السري ودون أي تدخل فاز جميع مرشحي قائمتنا باغلبية ساحقة أو بالاجماع، باستثناء شخصين- عضوفي لجنة قاعدية حزبية وآمر فصيل في الفوج. واشهد ان اللذين انتخبا كانا افضل من مرشحينا في القائمة. ولم يحصل توفيق المنافس لعلي على اكثرمن 12 صوتا.
بعد ذلك نزلنا، اناو بانيخيلاني الى القرى في شهرزور لنشرف على الانتخابات في فوجينا الآخرين. وحددنا اليوم التالي لاجراء الانتخابات في جامع القرية التي كنافيها. وكنت مصمما على ترشيح محمود حسن – وكان آمر سرية- كبديل عن حمه رشيد قرداغي وعبدالله مامه كبديل عن نصرالدين هورامي لفوجينا هناك. لكن المعارضين للانتخابات- ابوتارا ولا أدري ما اذا شارك ملاعلي وبانيخيلاني أم لا- كانوا اكثر استعجالا وشطارة منا..ففي 25 -8/1983 استلمنا من أبوتارا برقية المكتب السياسي، التي تم بموجبها اقصائي واقصاء ملاعلي من هيأة القاطع وعين بانيخيلاني مسؤولا عن الهياة ونقل ابو تارامن منصب المسؤول الادارى في الهيأة الى منصب المسؤول العسكري للقاطع. وبهذا القرار وجهت قيادة حشع ضربة قاضية الى القاطع وليس فقط الى مشروع الانتخابات الذي اردت به استعادة الثقة المفقودة بين القيادة وبين القاعدة. فمنذ تلك الايام بدأ العد التنازلي في تدهور وضع القاطع، الذي كان التشكيلة الحزبية- العسكرية الوحيدة، التي كانت متبقية بحالة اعتيادية سليمة في منطقة سوران حتى ذلك الحين. ولم يلبث بعد ذلك الاجراء أن عاد مسلحو أوك الى شرق طريق عربت- دربنديخان وانسحب الشيوعيون مرغمين الى مقراتهم المعلقة في جبال هورامان. ولا اظن أن ايامن اعضاء المكتب السياسي فهم ما ارتكبه من خطأ جسيم بحق الحركة الشيوعية في العراق.
وأريد هنا ان اتحدث قليلا عن ملا احمد بانيخيلاني، الذي تولى قيادة القاطع منذ اقصائي انا. فقد كان هذا الرجل كادرا شيوعيا جيدا ومناضلا فلاحيافذا في منطقته وقاد النضال الطبقي التحرري للفلاحين بكفاءة وجرأة قبل ثورة تموز 1958. إنه بطل النضال الثوري في اطار الكفاح الفلاحي ضد الاقطاعيين المتداخلة مصالحهم مع مصالح النظام الملكي الاستعماري. لكن وضعه بدا بالتغير بعد ثورة تموز حيث انيطت به مسؤوليات أخرى لم ينجح في الاضطلاع بها ولم يرق الى مستوى متطلبات الظروف المستجدة والمعقدة بالغة التعقيد، مثله مثل عريف في الجيش ناجح في ادارة فصيله- كعريف فصيل- ولكنه يجد نفسه في وضع مغاير تماما عند يمنحونه رتبة الجنرال ويتأتى عليه أن يؤدي مهمات جديدة تختلف من حيث الجوهر عن مهماته السابقة. وهو لم يكن بذلك الرجل الذكي الذي يستطيع تطوير مستوياته السياسية والثقافية كي يتمكن من مواكبة التطورات واستيعاب المستجدات. فكان من غير المستغرب، والحالة هذه، أن يكون شديد الحماس في اقحام اعضاء حزبه الى اقتتال الاخوة جنبا لجنب مع البارتي وحسك ضد أوك لغرض ((تاديب أوك)) على حد تعبيره، وأن ينقلب على 180 درجة بعد خسارة أول جولة من القتال وإثروقوعه اسيرا في قبضة أوك. والنماذج الفلاحية من هذا النوع كثيرة في الحركة السياسية. لكن اسوا ماكان عنده هو انه لم يعرف حتى النهاية قدر نفسه ولم يدرك حقيقة مستواه الفكري والسياسي الذي لم يرق عن مستوى الكوادر الوسطية- كما يتجلى ذلك في مذكراته.
- أنا وعصيان ملاعلي
يتحدث ملاعلي في مذكراته عن عصيان (او انشقاق) قام به على القاطع وعلى حشع في 25/12/1983 حيث نزل مع توفيق حاجي الى شهرزور وحاول جمع مسلحي حشع وراء، ولكنه اخفق وعاد أدراجه بعد حوالي شهرين. ويدعي انه كان قد اتفق معي على هذا العصيان ولكني لم اف بعهدي ولم ارافقه. بامكان القارئي ان يقرأ ص 191-192 نصا ليطلع على ماكتب عن العصيان وعن علاقتي بالأمر.
وأجد لزاما علي أن أوضح حقيقة المسألة، بقدر مايتعلق بدوري، و ابين اسفي لان ملاعلي لم يكتب الاحداث كماهي، بل سطرما راق له وتصور انه في صالحه.
قبل شروق الشمس من صبيحة 25/12/1983 أيقظني احدهم في خيمتي بكرجال و اخبرني أن ملاعلي يريد ني وينتظر في أحد البساتين. نهضت وذهبت. وقد سار ورائي احد الشابين (سالار عبداللة زنطنة وتحسين كربلائي) اللذين كلفهما بانيخيلاني بالتجسس ومتابعة تحركاتي. وصلت المكان وجلست مع ملاعلي وتوفيق حاجي، واتضح انهما قدما لياخذاني معهما الى شهرزور، أي لنعلن العصيان على حشع. كانت هذه مفاجأة اذ لم يجر مسبقا اي اتفاق بيننا ولم التق مع ملاعلي منذ أن ذهب الى (هزارثز) ولم أرتوفيق بالمرة بعد انتخابات الفوج. والاهم من هذا وذاك انني لم اتوصل مع نفسي في ذلك الوقت الى أن انشق. فقد انتميت الى حشع في ربيع 1946، يوم كانت الحركة الشيوعية في العراق تعاني من الانشقاقات وتربينا بروحية محاربة الانشقاق والحفاظ على وحدة الحزب وساهمت شخصيا في تصفية الكتل والتيارات الانشقاقية وترسخت لدي ثقافة التمسك بوحدة الحزب ولم اتزحزح عن ذلك ابان المنعطفات في مسير الحركة والعقوبات المتكررة اللاعادلة التي تعرضت لها خلال سني نضالي. وغدوت متشبثا بالوحدة الى درجة الجمود حتى سنة 1984 حيث جاوزت القيادة كل الحدود المنطقية في الاعتداء على حقوقي بطردي من الحزب دون اي مواجهة أو محاسبة وباعتقالي رهن الاقامة الجبرية. عندئذ تمردت وهربت من المعتقل وهجرت حشع وغيرت قناعاتي فيما يخص الانتماء والبقاء في الحزب، أي غيرت علاقة الزواج الكاثوليكي مع قضية الانتماء الحزبي. وفي مذكراتي التي كتبتها عام 1991 قلت انه كان على ان اهجر حشع في سنة 1975 بدلامن ان اظل حتى تختار القيادة لحظة ابعادي. وبعد فوات الأوان اقتنعت بأنه كان علي ترك حشع احتجاجا على اقحام نفسه في اقتتال الاخوة، بدل الانتظار حتى تستعيد القيادة المتخبطة أنفاسها وتتخذ من امثالي كبش الفداء متشبثة بكراسيها التي كان عليها ان تتركها في 1979، حين انهيار تحالفها مع نظام صدام و انهيار الحزب نفسه.
لو كنت مع ملاعلي في عصيانه لما قبلت بكتابة ذلك ((المشروع)) الهزيل (أو النقاط الستة) الذي نشره في مذكراته، واولى النقاط فيه هي المطالبة بعودة القيادة من الخارج (في 1983)، علما أن تلك القيادة قد عادت في 1982 واجتمعت في أيلول تلك السنة وقررت تشكيل القواطع وتعيين ملاعلي نفسه مسؤولا عسكريا في أحد القواطع !! لوكنت مع العصيان لقدمت برنامج العمل المستنبط من وثيقة التقييم التي كتبتها وقدمتها الى المكتب السياسي في 1979، عند انهيار التحالف الذيلي، وليس في 1983 كما ذكر ملاعلي في كتابه.
لوكنت مع العصيان لما اعتمدت على أناس غير جديرين باي ثقة وغير فاهمين لشيئ من السياسة أو التنظيم امثال توفيق حاجي ، الذين اعتمد عليهم ملاعلي وسرعان ما اكدوا عدم جدارتهم بالاعتماد.
عندما جاءني ملاعلي في صبيحة 25/12 كان يتصور باني سأتبعه وراءه لانني كنت ممتلأسخطا على القيادة في القاطع وفي المركز. وكنت ساخطاحقا، ولكنني كنت متمسكا بالحفاظ على وحدة الحزب وتصرفت بوحي من عقليتي تلك وليس بعقلية مابعد 1984. وقد بذلت قصارى جهدي، خلال فترة عصيان ملاعلي لكي يعود الى الحزب. وعاد اخيرا ولكن ليس بنتيجة جهدي بل لأنه لم يحسن التصرف هناك ولأنه اصطدم بواقع مرير دفعه الى التراجع عما قام به. ولنستمع الى ما قال بنفسه في كتابه:
(( ومن العجيب أن توفيق حاجي كان مغترا بنفسه وحشد زمرة خاصة به لتسير وراءه وكأنه مسؤول كبير. وكان من العبث ان يتحدث اليه المرء)) (ص193).
((في أواخر الشهر الواحد من 1984 بلغ عدد مسلحينا 64 شخصا، لكنها كانت قوة مفككة للغاية. فقد حشد كل من فتاح طلالي وتوفيق حاجي ورسول وروبيتن عددا من المسلحين وراء نفسه، وكان يأبى أن يرى احدا أعظم من نفسه)) (ص193).
ويلومني ملاعلي لانني رفضت الذهاب معه لكي اضع نفسي تحت رحمة (ستافه) من الكوادر السياسية والعسكرية، . وانا ألوم الآن نفسي ليس لعدم ذهابي مع ملاعلي بل لانني لم ادرك آنئذ بأنه كان من حقه ان يختار لنفسه الطريق الذي يروق له في العمل الحزبي- السياسي بدلامن علاقة الزواج الكاثوليكي مع أي حزب، ولم يكن من حقي أن اضغط عليه ليعود الى حشع.
ويجدر بالذكر هنا ان يعرف القراء ان ملاعلي لم يستطع ولاكسب واحد من رفاقه الذين يدعي في كتابه بأنه كان في اقصى درجات الانسجام والعلاقة الوثيقة معهم، امثال نصرالدين هورامي وحمه رشيد قرداغي وعلى كلاشنكوف وغيرهم...لم يستطع ولا كسب واحد منهم الى جانبه أثناء عصيانه ونزوله الى شهرزور، في حين ينتقدني، أنا الذي ذكرانني بدأت بمحاربته منذ ان عينت مسؤولا عن القاطع، لانني لم انضم اليه في عصيانه!!
- آخر مايحتاج بعض الايضاح.
1- ينتقد ملاعلي ماقمت به من تشكيل مفارز سرية صغيرة لابقائها في قرداغ وراء ناحين انسحابنا الى شهرزور، ويقول انني تركت المفارز لقتل رجال أوك. واظن انه غاضب لأنه لم يكن، هو المسؤول العسكري للقاطع، الشخص الذي يقرر تشكيل اوعدم تشكيل هذه المفارز. واعتقد ان تشكيل المفارز السرية كان عملا صحيحا وضروريا لغرض الحفاظ على قدر من المعنويات والعزيمة النضالية لدى رفاقنا وتنظيماتنا الحزبية المدنية في قرى قراداغ و لاعلام الجميع بأن حشع لايزال موجودا في المنطقة. وقد دلت نتائج وجود المفرزة السرية خلال تلك السنين على أنها كانت مفيدة وضرورية، وان معارضة وجودها لم تمت بصلة الى مصلحة الحركة الشيوعية. واتساءل: لماذا كان من حق اوك ان يحتفظ بمفارزه ويعمل مايشاء في قرداغ آنئذ، ولم يكن من حقنا ان نترك حتى مفرزة سرية صغيرة؟
2- يقول ملاعلي في كتابه انه ذكر في اجتماع لمناقشة ما اذاكانت منطقة ثشتاشان تصلح لانشاء مقر القيادة فيها، بأنها غير صالحة وستكون مقبرة للشيوعيين. ربما قال ذلك، ولكنه كان يتصور بأن السلطة الحاكمة هي التي ستهجم وتحطم، ولم يخطر بباله ان يحدث ذلك كنتيجة لاقتتال الاخوة بين الفصائل المسلحة في كردستان. واظن ان ملاعلي لايدرك للأن ان الكارثة التي حلت بحشع لم تكن بسبب هجوم الجيش، بل بسبب خطأ وغباء قيادة حشع سياسيا وعسكريا.
3- ويقول ملاعلي انه اقترح انشاء المقر لقيادة القاطع في قلعة شميران ويصر على انها كانت المنطقة النموذجية وكان للبارتي مقرفيها. ورغم انني لااتذكر شيأ من النقاش حول هذه المسألة، فانني اقول ان قلعة شميران كانت تصلح لمقر فرعي بالنسبة لجهة تملك اعضاء ومؤيدين نفسها في تلك المنطقة، كما كان البارتي و لكن جبال هورامان كانت هي الافضل بما لايقاس كمقر للقاطع. وكان لحسن حظنا أن لم ننشئ مقر القاطع في شميران.