لينين الثوري الروسي وماركس الثوري الاشتراكي


حميد كشكولي
الحوار المتمدن - العدد: 3709 - 2012 / 4 / 26 - 22:04
المحور: في نقد الشيوعية واليسار واحزابها     



(كما يميز المرء في الحياة الشخصية، بين ما يعتقده و يقوله إنسان عن نفسه، وبين حقيقته وحقيقة ما يفعل، فينبغي التمييز لدرجة أكبر فى الصراعات التاريخية، بين مقولات وخيالات الأطراف المشاركة في هذه الصراعات، وبين تكوينهم الحقيقي ومصالحهم الحقيقية، وبين تصورهم لأنفسهم، وبين حقيقتهم).

(كارل ماركس: الثامن عشر من برومير: لويس بونابرت.)



القراءة المتأنية وبعقل نقدي لكتابات ماركس و لينين لا بد ّ أن تؤدي إلى اكتشافات خطيرة ، منها الاختلافات في وجهات نظر المفكرين الثوريين، و في مجالات مهمة ومصيرية للحركة الشيوعية و العمالية في العالم. لقد شهدنا أنه بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وتحول روسيا و البلدان السوفيتية إلى رأسمالية السوق ، كيف ظل الحكام و السياسيون السابقون مستمرين في حكم روسيا و الجمهوريات السوفيتية السابقة وكأن النظام لم يتغير ، سوى اجراء تغييرات شكلية مثل الانفتاح في كل المجالات على الغرب ، وهذا يثير تساؤلا مؤلما فيمإ إذا كان هؤلاء القادة والحكام اشتراكيين أو ماركسيين ، وكلهم كانوا قادة وكوادر في الحزب الشيوعي الحاكم وسائرين على نهج لينين و ستالين .

لقد كتب الكثير من النقد لستالين - وأحيانا خروتشوف - و تم تحميله كل جرائم الانحراف و التحريفية عن الماركسية وتشويهها وتحويلها إلى أيديولوجية طبقة رأسمالية الدولة الحاكمة ، بينما ظل لينين الإمام المعصوم عن أي خطأ وخطيئة .و لا شك في أن لينين كان عبقريا فذا في قيادة الثورة و تكتيكاتها و ستراتيجيتها ، لكن هل كان هو استمرارا لماركس و لم ينحرف قط عن الماركسية حتى مضطرا ؟ إن قراءة متأنية مقارنة لكتابات المفكرين الثوريين ستعطينا جوابا بالنفي و بكل سهولة ويسر ، إن نفضنا عن أنفسنا غبار التقليدية وتجاوزنا الخشية من _ شورة الإمام المعصوم_ كما يقول فقراء شيعة العراق .
ومن المعلوم أيضا أن لينين و البلاشفة كانوا يتحدثون لغة ماركسية فصحى ، وكانوا يحاولون تبرير كل سياستهم و تحركاتهم بعبارات ماركسية واقتباسات من ماركس وانجلز ما امكن ، ما يتطلب معالجة هذه المسألة الخطيرة وفقا للمادية التاريخية.

فالرأسمالية في روسيا و التي أخذت بالتطور في نهاية القرن الثامن عشر ، كانت لها مميزات تختلف عن مميزات الرأسمالية في أوربا الغربية. الرأسمالية الروسية كانت ضعيفة وهزيلة عبارة عن جزر صغيرة في بحر من الفلاحين والأرياف ، وكانت مرتبطة بالقيصر و المستثمرين الأجانب وخاصة الانجليز، ما أدى إلى أن يكون الرأسماليون الروس معزولين سياسيا ، وغير مؤهلين لقيادة ثورة ضد القيصرية بعد أن أمست الثورة ضرورية لتطوير الرأسمالية تطويرا شاملا و كبيرا في روسيا ، ولهذا السبب انتقلت مهمة القيام بثورة برجوازية على القيصرية الرجعية إلى أيدي ناس آخرين وهم الانتلجنسيا .

والأنتلجنسيا في قاموس علم الاجتماع مصطلح له عدة استخدامات، فهو في المجتمعات الغربية يقصد به صفوة داخلية صغيرة تشمل المؤلفين وذوي الثقافة الراقية، وهي جماعة لها كيانها المستقل وقد يكون لها في أوقات معينة بعض التأثير السياسي والاجتماعي. وعلى الرغم من أن الهيبة التي تحصل عليها هذه الصفوة تتفاوت بين المجتمعات الغربية إلا أنها لا تتمايز عن القطاعات الأخرى من الطبقات التي تتالف أساساً من المهن الفنية العالية، وإذا كانت هذه الصفوة أيضاً تمثل الذين ينقدون الروح العامة التي تشترك فيها مع جماعات الطبقة الوسطى الأخرى، فإن الصفوة المثقفة تنمو مع المجتمع ككل.

وإن الانتلجنسيا تتميز عن المثقفين الآخرين في كونها كما يقولون في بعض الأوساط الفكرية الفرنسية لا تشكل "كلاب حراسة" لهذه الأوضاع، للنظام القائم، لما هو موجود، بل بالأحرى قوة نضالية في خدمة ما يجب أن يكون.

وكانت الانتلجنسيا الروسية شريحة اجتماعية خاصة تبلورت من خريجي الجامعات ، وخبروا النضال ضد القيصرية و قاموا بالتنظير لاسقاطها وبسسب ضعف الرأسمالية الروسية وهزالها كما اسلفت لم يكن غريبا أن ينجذب هؤلاء الثوريون إلى الأفكار المعادية للرأسمالية. وكان قسم كبير منهم رغم عدم ادعائهم الماركسية ، الا أنهم اعتبروا أنفسهم اشتراكيين. و بعد فترة من تجريب النضال ضد القيصرية اختار فئة منهم وفي مقدمتهم لينين أفكار ماركس وانجلز ، ولكن كل ذلك لا يعني أنهم كانوا في خدمة مصالح الطبقة العاملة.

تعد ّ نظرية لينين حول حزب النخبة أو الحزب الطليعي انحرافا فاضحا عن أفكار ماركس ، إذ يقول لينين في هذه النظرية :" إن الوصول إلى الثورة يتم عبر حزب النخبة فقط ، وبثوريين حرفيين يقودون الجماهير المتذمرة." فهذه الفكرة اللينينية تعبر تماما عن روح التقاليد الثورية الروسية ، وقد اقتبسها مباشرة منها.

وصحيح أن ماركس قد دشن مسيرته السياسية كثوري ديمقراطي من النوع التقليدي القديم، ألا أنه ما لبث رأى أن الثورة الاشتراكية لا بد لها أن تتميز جذريا عن الثورات البرجوازية السابقة، و لذلك فالثورة الاشتراكية الأولى ستقوم بها الأكثرية الواعية لمصالحها . وقد نبذ ماركس نظرية المخلّص و المهدي وذي الفقار الذي يقود الجماهير الغفيرة غير المتعلمة إلى شواطئ الحرية والأمان. لكن لينين لم يتجاوز النظريات القديمة فهو غالبا ما نموذج محسّن ، سواء في نظرياته أو تطبيقاته للثوريين البرجوازيين والرأسماليين الروس ، وحتى أبطال القبائل أحيانا ، إذ أن روسيا فترتئذ لم تتجاوز في نضوجها الرأسمالي و الاجتماعي والسياسي لتقبل غير هذه الثورة و هذه النماذج من الثوريين ، ما عبر عنه لينين تماما بأفكاره السياسية و نظرياته الثورية وممارساته لها.

وحين نؤكد على أن ستالين قام بتحريف الماركسية و تحويلها إلى ايديولوجية طبقة رأسمالية الدولة الاحتكارية، علينا أن نبدي الجرأة للاقرار بأنه استند في ذلك قبل كل شيء إلى تحريفات لينين للماركسية. وهنا لا بد من الاقرار بأن لينين كان ثوريا روسيا بينما كان ماركس ثوريا اشتراكيا .

وأنهي مقالي بمقطع من مقال الباحث العراقي فالح عبد الجبار :

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=46627

"وتجربة اكتوبر برأيي تنطوي على اهمية كبرى، انها تثبت بالملموس ما هو الطريق الخاطيء الذي لا يتوجب علينا اتباعه.اقول هذا وانا مدمى القلب، فالبروليتاريا الروسية، بل شعوب الاتحاد السوفيتي، وبخاصة الشغيلة، تحملوا اعباء لا تقوى عليها الجبابرة، من دمار الحرب الاهلية، وخراب حربين عالميتينن وحصار، وسباق تسلح، واعباء اطعام حركات التحرر لبلد لا يقوى اقتصاده بالكاد على كفاية حاجات مجتمعه.تقول لنا الثورة الروسية ما لا ينبغي عمله، وما لا ينبغي السير عليه. وقد دفعت روسيا ثمن ذلك بالدم والدموع."


‏26‏/04‏/2012

يتبع