هل بهتت ذكرى لينين ؟


حميد كشكولي
الحوار المتمدن - العدد: 3705 - 2012 / 4 / 22 - 20:07
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

تمر اليوم الذكرى الثانية والأربعون بعد المئة لميلاد فلاديمير إيليتش أوليانوف، الذي خلده التاريخ باسم لينين، نسبة إلى نهر اللينا في سيبيريا، التي نُفي إليها لمدة ثلاث سنوات في زهرة عمره.
وقد اعتدنا في ظل سيادة الستالينية وخاصة قبل انهيار الاتحاد السوفييتي بتكريم ذكرى لينين بأسوأ طريقة حذرنا منها لينين بنفسه. فقد كتب في «الدولة والثورة» يحتج على تحنيط الثوريين: "تبذل المحاولات بعد مماتهم لتحويلهم إلى أيقونات لا تنفع ولا تضر، لتطويبهم إن صح التعبير، لإحاطة اسمهم بهالة معينة بهدف تعزية الطبقات المضطهَدة وتضليلها. وعن طريق مثل هذا العمل يُفرغ مذهبهم الثوري من محتواه، ويُذل وتثلم حدته الثورية."
أتذكر اليوم وأنا تلميذ الابتدائية احتفالات الذكرى المئوية للينين وأقرأ على الجدران عبارات وأنا في طريقي إلى المدرسة عبارة" عاش لينين معلّم البشرية" ، إذ أجاز البعث الحاكم الاحتفال بهذه الذكرى ، فاحتفل بها بعض الناس احتفالا شبه ممنوع. فقد كان البعث بصدد بناء علاقات قوية مع الاتحاد السوفييتي والتكفير عن جرائمه بحق الشوعيين في انقلابه الأول عام 1963 وباتالي تدشين الدرب لعقد معاهدة الصداقة والتعاون بين العراق والاتحاد السوفييتي. والأدهى أن رجال الأمن القوا القبض بعد يوم من كتابة تلك الشعارات على من اشتبهوا بكونهم كتبتها.
لقد كان لينين محبوبا عند فقرائنا ، ويكنون له كل احترام وتبجيل رغم معرفتهم الضئيلة عنه ، سوى أنه نصير المحرومين والمظلومين. ولم تكن لدى النخبة مواقف نقدية وعلمية من لينين وثورة اكتوبر .
وقد اعتدنا احياء ذكري ميلاد لينين، وذكرى وفاته وكأنه بالنسبة إلينا والى ملايين البشر مجرد ذكرى. فلينين، بكل ايجابياته وسلبياته ، حيّ بيننا وفي ذمتنا و ذمة التاريخ. و أن تكريمه لم يكن صحيحا طوال التاريخ الماضي عن طريق تحنيطه، لأن التحنيط هو، في أحسن الأحوال، تكريم لجثته. والحال أن لينين الذي كنا نحن بحاجة إليه كان ومازال هو لينين الحيّ، لا لينين الميت.
إن ستالين هو الذي أسس طقوس عبادة لينين، وبتعبير لينيني: طقوس عبادة أيقونة لينين. ذلك أن الردة الستالينية، التي هي ردة على اللينينية، كانت بحاجة إلى إحاطة جثة لينين بكل ضروب التكريم والتطويب لأنها كانت بحاجة قبل كل شيء إلى تحويل لينين إلى مجرد جثة: جثة تُعبَد وتقدَّس ولكنها تظل جثة، أي بلا حول ولا قوة، وبلا انفتاح على المستقبل.
وفي أيامنا هذه ا وبعد سنوات من سقوط الاتحاد السوفييتي والاستيقاظ على صدمة وهم بناء دولة اشتراكية لم تكن الا رأسمالية الدولة التي عشنا نماذج منها في ظل أنظمة البعث و الناصرية ، يجدر بنا أن نتذكر أن هذه الجثة لم توار بعد التراب نهائيا، وأن روائح تفسخها لا تزال تلوّث الأجواء ، وأن تركتها الثقيلة لم تُصفّ تماما ، وأن ورثتها ـ والطامحين في أن يكونوا ورثتها ـ ما زالوا على قيد الحياة.
وطقوس عبادة لينين هي أحد الأشكال التي ما زالت الجثة الستالينية إلى يومنا هذا تنفث عن طريقها سمومها في الجسد الحي للماركسية واشتراكيتها العلمية . وإذا كنا نحيي أو نتذكر هذا اليوم لينين فإن هذه الذكرى قد تكون مناسبة إضافية لتحرير الماركسية من إسار التحريفية والتشويه . ولا نظنن أننا ننتهك بذلك القدسيات: فاللينينية يجب أن نمعن فيها درسا وتمحيصا لنتعلم منها الدروس والعبر ، و أن نفهمها أنها نفي نفيا حيا لكل وثنية. .
وتحطيم أيقونة لينين، حتى تعود للّماركسية كل حيويتها، قد يتطلب منا من الجرأة اليوم أكثر مما تطلب قبل 90 عاما من الزمن عندما ارتفعت أصوات اللينينيين، غداة وفاة لينين، للاحتجاج على مشروع تحنيطه الستاليني. ونحن نخص بالذكر ههنا صوت شاعر ثورة أوكتوبر الأكبر، ماياكوفسكي، الذي كتب في افتتاحية العدد الأول من مجلته «ليف» الصادرة غداة وفاة لينين، تحت عنوان «لينين ليس للبيع»، منددا بالمحاولات الأولى لتطويب قائد ثورة أوكتوبر:

"رأينا في صحفنا الإعلان التالي
تماثيل نصفية
لـ ف. إ. لينين
من الجص، من البرونز، من الرخام،
من الغرانيت، بالحجم الطبيعي أو
بضعفي الحجم الطبيعي، بالنسبة إلى
الأصل، مع إذنٍ بنسخه وتوزيعه
صادر عن لجنة تخليد ذكرى
ف. إ. لينين
من صنع النحات
س. د. ميركولوف
عرض
من منشورات الدولة
على منظمات الحزب والنقابات
والإدارات العامة والتعاونيات الخ.
كل نسخة
مأذون بها بالشكل القانوني.
الزيارات وتلقي الطلبات
في فرع المنشورات التجارية
4 شارع رويد ستفنسكا، موسكو
ترسل النماذج المصورة مجانا
بمجرد الطلب.
النسخ والتقليد
يعاقب عليهما القانون.
إننا نحتج.
إننا نوافق عمال سكك حديد ريازان الذين اقترحوا على مصمم الديكور أن يصمم قاعة لينين في ناديهم بدون تمثال نصفي وبدون صورة للينين قائلين:"لا نريد أيقونات"
إننا نلح.
لا تجعلوا من لينين خاتما.
لا تطبعوا صورته على الإعلانات، على الأقمشة المشمعة، على الصحون، على الأقداح، على مشارب السكاير.
لا تصبوه في البرونز.
لا تنزعوا عنه مشيته ووجهه الإنساني الحي الذي عرف كيف يحتفظ به وهو يقود مسيرة التاريخ.
إن لينين ما يزال معاصرنا.
إنه بين الأحياء.
إننا بحاجة إلى لينين حيا لا إلى لينين ميتا.
إذن.
ادرسوا لينين، ولا تطوبوه.
لا تخلقوا طقوس عبادة حول اسم رجل ناضل طوال حياته ضد جميع أنواع العبادات.
لا تتاجروا بأشياء هذه العبادة.
إن لينين ليس للبيع".

رغم كل ذلك بات من الضروري اليوم ، ولم يفت الأوان بعد ، أن ندرس لينين و نطرح كل الأسئلة والتساؤلات بكل شجاعة، لا نخشى فيها من لومة لائم . على كل الشيوعيين أن يمعنوا التفكير في مدى ماركسية لينين و تطابق ثورة اكتوبر مع الفكر الماركسي . وهل كان ستالين و الستالينية امتدادا للينين و اللينينية . لقد علمنا من تاريخ ثورة أكتوبر والاتحاد السوفييتي أن لينين ابتعد كثيرا عن الماركسية بارادويته و اتفاقياته التساومية مع الدول الامبريالية في سبيل الحفاظ على سلطة الحزب البولشوي . وقمعه لانتفاضة كرونشتادت العمالية . وقد انحرف عن الماركسية بالغائه سلطة السوفيتات ودكتاتورية البروليتاريا واقامته سلطة الحزب القائد البولشوي. وعلمنا أيضا أن ستالين تحول من دكتاتورية الحزب البولشوي إلى دكتاتورية فردية . وفي الوقت الذي أكد لينين على تكامل الأمم والأقوام السوفيتية في تطور حر مستقل مع الأمة الروسية ، أخذ ستالين بممارسة سياسة الأمة الروسية العظمى عليها ، و تذويبها الأقليات في الأمة الروسية، وغيرها من التساؤلات المؤرقة .


ومع ثورة أكتوبر عام 1917 انتقلت النظرية الماركسية من افقها النظري الى الممارسة الواقعية التأسيسية. وتحولت من ممارسة ثورية لانتصار ثورة الى سلطة ثورية منتصرة في سياق اوضاع سياسية واجتماعية اقتصادية وعسكرية وعالمية مختلفة، واصبحت الماركسية هي مصدر المشروعية لهذه الثورة ومرجعيتها الفكرية والعملية الاساسية.

وقد كان من الطبيعي على هذه السلطة الجديدة ان تسعى الى تكييف النظرية بحسب الاوضاع الموجودة فترتئذ تحقيقا لأهدافها العامة.

فماركس لم يقدم برنامجا عمليا للتحول الاشتراكي وانما قدم خطوطا عامة. ولقد استطاع لينين بان يقود عملية الثورة وان يحققها باقتدار عبقري في مواجهة الضرورات العملية والفكرية والتنظيمية التي فرضتها الاوضاع الخاصة والدولية، وكانت هناك ابداعات فكرية وعملية عديدة .

وقد كانت ثورة ذات دلالة تاريخية انسانية شاملة، غيرت موازين القوى في العالم، لمصلحة الطبقات العاملة في العالم ولحركات التحرر الوطني في البلاد النامية.

ولكن مع تقديرنا للدور العبقري المبدع لقيادة لينين لهذه الثورة منذ مراحلها الاولى حتى قيام سلطتها، سواء في كتاباته النظرية او سياساته وممارساته العملية، فما اجدرنا ان نتساءل عن مدى الاضافة النظرية التي اضافها لينين الى الماركسية، بحيث يصح القول بالماركسية – اللينينية. التي ابتدعها ستالين ، وبالتالي كنا نقرأ دائما عبارة " أفكار ماركس لينين ستالين " التي تمتلئ بها كراسات فهد مؤسس الحزب الشيوعي العراقي و نقرأها غالبا في كتابات الشيوعيين التقليديين . و لعلنا نذكر مقولة ماركس الشهيرة "لست ماركسيا" في مواجهة محاولات تحويل افكاره الى اكليشيهات جامدة، ونظرية نهائية.


‏الأحد‏، 22‏ نيسان‏، 2012