الأمم ساعات محنتها


جمال البنا
الحوار المتمدن - العدد: 3660 - 2012 / 3 / 7 - 09:17
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

تبتلى الأمم فى تاريخها الطويل بغاز يغير عليها من الخارج، وحاكم يستبد بها من الداخل، وفى هذه الحالات يتعين على الشعب العمل.

الفقه الإسلامى يجمع على «إذا غارت دولة معتدية على دولة مسلمة يصبح من حق الابن أن يخرج دون إذن أبيه، ومن حق الزوجة أن تخرج دون إذن زوجها للمشاركة فى صد المعتدى، فإذا لم يكف هذا، فيجب على أقرب دولة أن تمدها بالمدد الذى يكفى، فإذا لم يكف يكون من واجب الدول الأخرى التدخل».

بهذه الروح الجهادية استطاع العالم العربى أن يتحرر من الأغلال التى وضعتها أوروبا عليه عقب الحرب العالمية الأولى فى المغامرات الاستعمارية، فقاومت الجزائر تحت إمرة الأمير عبدالقادر، وحاربت ليبيا بقيادة الشهيد عمر المختار، وحارب المهدى فى السودان وطرد الإنجليز، واشتعلت فى مصر ثورة ١٩١٩.

وخلال المنافسة الاستعمارية بين فرنسا وإنجلترا، ظهرت فكرة الاستعانة بفرنسا ضد بريطانيا، وظهر مصطفى كامل فى باريس يحمل صورة لمصر الفرعونية وهى تطلب نصرة فرنسا التى تمثل الحضارة الحديثة، على أن فرصة مصطفى كامل حانت سنة ١٩٠٦ عندما أساء اللورد كرومر، المعتمد البريطانى، التصرف بتكوين محكمة دنشواى. ودنشواى قرية مصرية اشتهرت بأبراج الحمام، حاول عدد من ضباط الجيش الإنجليزى اصطياد الحمام فيها، فطاشت رصاصة وكادت تشعل حرائق فى الأجران، ونشبت مشاجرة بين الإنجليز والأهالى، فمات أحدهم وأصيب آخرون، فأمر اللورد كرومر بتكوين محكمة مخصوصة تعقد جلساتها فى دنشواى وتحاكم الفلاحين، وعقدت المحكمة فيها وحكمت على اثنين بالموت شنقاً وعلى آخرين بالسجن والجلد ونفذت الأحكام أمام الأهالى.

انتهز مصطفى كامل الفرصة وأثار أوروبا على بريطانيا حتى اضطرت إلى سحب اللورد كرومر، وكان هذا انتصاراً لأن كرومر كان من أكبر بناة الإمبراطورية.

على أن التطورات الجسيمة التى تعرض لها العالم، وبوجه خاص أوروبا وأمريكا، وبوجه خاص بعد الحرب العالمية الثانية غيرت صورة العلاقات الدولية تغييراً جسيماً، فقد قامت الأمم المتحدة بدور فعال، مستفيدة من أخطاء عصبة الأمم السابقة عليها، وأصبح بها عدد كبير من الوكالات المتخصصة، كما ظهرت هيئات أهلية تحمل أسماء كبار الرأسماليين الذين أوصوا بأموالهم لتحقيق مشروعات فى دول العالم الثالث، بل ظهرت معاهد وضع القرار والسياسات التى يقوم عدد من أساتذة الجامعات وكبار رجال السياسة الملحقين بها بالدراسة والتوصيات تخلصاً من البيروقراطية الحكومية، وظهرت فروع لهذه الوكالات والهيئات، وبقدر ما كانت المشاكل تحتدم بين الدول بعضها البعض بقدر ما كانت الحاجة شديدة لهذه المنظمات سواء كانت فى أعقاب الحروب أو النكبات الطبيعية، وأصبح لها دور كبير فى الممارسات الدولية.

وانفتح هذا الباب أمام الدول النامية وحرصت على أن تستفيد منه، لكن العمل فى هذه الهيئات كان عسيراً، وكان بالطبع يتطلب إحكاماً تاماً للغتين الإنجليزية والفرنسية تحدثاً وكتابة، والإلمام بالأوضاع على الطبيعة وطريقة كتابة التقارير.

وبالطبع فإن تأييد هذه الوكالات والهيئات ومعوناتها كان يصب بالدرجة الأولى فى إسرائيل التى كانت الدولة المدللة.

وفى إحدى هذه المؤسسات لمس العاملون والمتابعون لنشاط الوكالات الدولية نشاطاً متزايداً فى الدول العربية وبالذات فلسطين المنكوبة والدول المحيطة بها، والتى لا تنقصها المشاكل مثل العراق ولبنان وسوريا، وكان سر ذلك أن إحدى مديرات هذه المؤسسة كانت ذات أصول عربية تلك هى الدكتورة بسمة قضمانى، وهى سيدة مؤصلة فى النسب العروبى، فقد كان أبوها سياسياً وفيلسوفاً عريقاً عرف طوال حياته بوطنيته وعروبته، وتزوجت من فلسطينى من عائلة مناضلة قدمت الكثير من الضحايا، وعملت السيدة بسمة قضمانى فى شبابها مع الرئيس ياسر عرفات كما اشتغلت يداً بيد مع المرحوم فيصل الحسينى والمناضل الأسير مروان برغوثى. كيف استطاعت سيدة بهذه المواصفات العربية أن تصل إلى مركزها الرفيع، لولا أنها ذات كفاية ممتازة، فهى تجيد اللغتين، وتحسن وضع التقارير، وهى ذات جلد على العمل تعمل سبع أو ثمانى ساعات فى قضية، لتنتقل إلى قضية أخرى تقضى فيها ثلاث أو أربع ساعات، وهى سيدة بسيطة صريحة بعيدة عن كل تعال أو ادعاء. وخلال السنوات الثلاث الأخيرة توصلت إلى تكوين مجموعة ضغط مؤلفة من سياسيين أوروبيين بينهم وزراء ورؤساء جمهورية، للدفاع عن المصالح المشروعة للدول العربية.

نتيجة لهذا اختارها المجلس الوطنى الفلسطينى بزعامة الدكتور برهان غليون للتحدث باسمه.

تصوروا أن هذه السيدة المعجزة تتعرض لمحاولة تشويه من شائنين نشروا مقتطفات مركبة وممنتجة من برنامج تليفزيونى فرنسى لها بطريقة تسىء إليها.

عزيزتنا وحبيبتنا د. بسمة.. لا عليك، فإن أعداء النجاح مهما عملوا فستظلين «أيقونة» العمل الجهادى.

العمال وقانون النقابات

سمعت أن الهيئات المختصة قد قاربت الانتهاء من وضع قانون للعمال أو النقابات.

ولست أدرى على أى أساس قامت بعملها.

وعندما كان الدكتور البرعى وزيراً فإنه أراد أن يصحح الوضع النقابى المشوه من أربعة عقود، والذى جعل مصر زبوناً دائماً على القائمة السوداء بمنظمة العمل الدولية، ذلك أن النقابات من أهم التنظيمات فى المجتمعات الأوروبية، فمعظم هذه الدول تقوم بها النقابات، لأنها تسوى مشاكلها ما بينها وبين الإدارات، باعتبار أنها الهيئة المشروعة التى تمثل العمال فى كل علاقات العمل، ولم تكن الكتابات الأوروبية نفسها فى حاجة للإشارة إلى الحرية النقابية، فالحرية النقابية إنما ظهرت بفضل الحرية، ولا يمكن أن تعمل هذه النقابات إلا فى جو من الحرية، فالحرية النقابية بفضل الجهود البطولية للعمال. كون العمال النقابات التى عملت على تعزيز حريتها النقابية حتى ظفرت بالحرية النقابية ٨٧ لسنة ١٩٤٨ من منظمة العمل الدولية، ومصر مصدقة على هذه الاتفاقية، وأول مادة فيها تنص على أن للعمال الحق فى تكوين النقابات دون حاجة لتسجيل أو تدخل من الدولة وأصحاب الأعمال، كما تنص مواد لاحقة على تحريم الحل الإدارى لها وحقها فى تكوين اتحادات، ثم وضعت الاتفاقية ٩٨ لسنة ١٩٤٩ وهى التى تنص على حرية النقابات فى إجراء اتفاقيات جماعية مع أصحاب العمل.

وعلى أساس هاتين الاتفاقيتين قامت النقابات فى العالم كله، وعندما بدأ العمال المصريون فى تكوين النقابات فى مستهل القرن التاسع عشر فإنها قامت بالإرادة الحرة للعمال، أى أن العمال فى أى مصنع يزيد عماله على خمسين عاملاً يمكن أن يكونوا نقابة، فكان التنظيم النقابى حراً من تدخل الدولة.

وإنما جاء التدخل مع «الناصرية» التى أرادت أن تهيمن على الحركة النقابية، فوضعت القانون رقم ٣١٩ لسنة ١٩٥٢، وفى سنة ١٩٥٩ عندما بدأ التحول الاشتراكى صدر القانون رقم ٩١ لسنة ٥٩ الذى جعل النقابات تقوم على أساس الصناعة وليس المهنة، وبهذا أصبح عدد النقابات ١١٥٩، وفى عامى ١٩٦٢ و١٩٦٤ وضع قانون جعل العضوية فى الاتحاد الاشتراكى شرطاً لإمكان الترشيح لمناصب القيادة النقابية، وبهذا ربطت الحركة النقابية بالإدارة السياسية، فإذا غضبت على زعيم نقابى فإنها تسحب منه العضوية فى الاتحاد الاشتراكى، حتى تسقط صفته النقابية.

إننا نسأل السادة المختصين: هل ستعيدون نظام النقابات العامة الفاسدة والقادة الذين قاوموا ثورة ٢٥ يناير واشتركوا فى معركة الجمل ولايزال رئيسهم «مجاور» سجيناً؟!