اليست الفيتوات اللامعقولة في مجلس الأمن دليلا على ضرورة الاصلاح في منظمة الأمم المتحدة؟


بهاءالدين نوري
الحوار المتمدن - العدد: 3649 - 2012 / 2 / 25 - 00:30
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

عندما تتفق الاغلبية الساحقة من دول العالم المنضمة الى UN (منظمة الامم المتحدة) حول معالجة مشكلة ما ينبري مندوب روسيا أو الصين أو الولايات المتحدة ليستخدم حقه في الفيتو داخل مجلس الأمن. ويصاب بذلك UN بفشل وتعجز الغالبية الساحقة، التي صوتت للقرار الفاشل، عن عمل أي شيء لأن ميثاق المنظمة منح حق الفيتو للدول الخمس ذات العضوية الدائمة في مجلس الأمن وهي امريكا وبريطانيا وفرنسا و روسيا والصين. ويعرف المراقبون كم من المرات لجات الادارة الامريكية الى الفيتو للحيولة دون أتخاذ قرارات دولية ايدت الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني المبتلى منذ اكثر من ستين عاما بالاحتلال والاضطهاد على أيدي دولة اسرائيل العنصرية المدللة من لدن واشنطن، كما يعرف العالم كله آخر استخدام للفيتو الروسي – الصيني ضد قرار مطالب بوقف العنف والتقتيل على أيدي نظام الاسد البعثي الفاشي في سوريا.
وقد اصبح وزير خارجية روسيا لا فروف اسديا اكثر من بشار الاسد نفسه في الدفاع عن ذلك النظام. وحاولت روسيا والصين الحيلولة دون اسقاط القذا في العام الماضي. ان مستخدمي حق الفيتو لم يعيروا أدنى انتباه الى قضايا العدل والانسانية وحقوق البشر، بل حسبوا الحساب فقط لمصالحهم القومية او الانتخابية واستخدموا حقا (سمي بالفيتو) منح لهم قبل 67 سنة، حين كانت الحرب العالمية الثانية قد انتهت لتوها وكانت الظروف مغايرة كليا عن الظروف الراهنة من كافة النواحي السياسية والاقتصادية والعسكرية.. الخ.
ان استخدام الفيتو الامريكى تكرارا قد ساهم بقسط فعال في اطالة الاحتلال الاسرائيلي للاراضي الفلسطينية طوال الـ(64) عاما المنصرم والادارة الامريكية مسؤولة سياسيا واخلاقيا عن المعاناة المريرة للفلسطينيين، كما ان استخدام الفيتو الروسي والصيني مؤخرا لصالح النظام الدكتاتوري السوري القى على عاتقهما قسطا كبيرا من مسؤولية جرائم الاسد في سفك دماء المتظاهرين المسالمين وقتل الاطفال والنساء والشيوخ الابرياء حتى من غير المشاركين في الاحتجاجات.
واذا كانت روسيا القرن العشرين مركزا للحركة الثورية العالمية فان ثورة الردة، التي وقف على رأسها بوريس يلسن بدعم من امثال فلاديمير بوتين، قد جعلت من روسيا شرطيا مدافعا عن الانظمة الدكتاتورية و وضعت النظام الروسي الحالي في موقف اسواً اضعافا من موقف الدول الامبريالية التقليدية في الغرب. ان الدفاع الروسي – الصيني عن مجرمين يحكمون سوريا منذ نصف قرن عن طريق النار والحديد لايمكن ان يعتبر الا دفاعا عن ابشع الجرائم بحق شعب مسالم انتفض لاستعادة حريته السليبة. ومن المؤكد ان بوتين وميدفيديف ولافروف لا يلحقون الضرر بهذه السياسة الرعناء فقط بالشعب السوري وبقضية الحرية والعدالة في العالم، بل كذلك بالشعب الروسي نفسه.
ان استخدامات الفيتو غير المعقولة اليوم وعبر العقود المنصرمة، تأتي لتؤكد حقيقة الحاجة الماسة اليوم الى صلاح منظمة الأمم المتحدة باعادة نظر شاملة في وضعها، بعد ان تغيرت اوضاع العالم كليا خلال 67 عاما اعقبت الحرب الكونية الثانية. قولوا لنا أيها الحكام في كل مكان، أيها المفكرون والمثقفون في هذا العالم ! اليس من الضروري، ونحن في دنيا العولمة الراهنة التي جعلت من عالمنا مايشبه قرية صغيرة، ان يعاد النظر في ميثاق مؤسسة صيغ قبل 67 عاما في ظروف ساد فيه النظام الكولونيالي؟
ان عالمنا اليوم قد تغير كثيرا عن عالم 1945، سواء من الناحية السياسية أو الاقتصادية أو العسكرية.. الخ. وهذه التغيرات تستوجب الاسراع في اصلاح وضع المنظمة، لكي تصبح قادرة على الاضطلاع بمهامها في الظروف المستجدة. حينما اتفق على منح حق الفيتو لخمس دول دائمة العضوية في مجلس الأمن كانت رائحة البارود تنبعث من تحت الانقاض والخرائب في معظم انحاء العالم. وكانت تلك الدول الخمس هي الاقوى في العالم. لكن الوضع لم يعد على نفس الموال حتى اليوم، وليس هناك حاجة لبقاء حق الفيتو لأي دولة وليس من العدل والمنطق حصر العضوية الدائمة في خمس دول في حين توجد دول اخرى قوية و مؤهلة للتمتع بحق العضوية الدائمة.
ان ظروف العولمة تملي على الدول اعادة النظر في ميثاق المنظمة وبنيتها ومهامها وأساليب عملها واشكال علاقاتها.. الخ. ان العلاقات الدولية لم تبق اليوم على غرار ماكانت عليه قبل 67 سنة، كما ان مفهوم (السيادة الوطنية) لم يعد اليوم على غرار ماكانت عليه قبل 67 أقبل 40 عاما. فالسيادة الوطنية جديرة بالاحترام حين يتعلق الأمر ببعض الأمور الاقتصادية أو الثقافية أو الادارية للبلد.. ولكنها تصبح شيئا مغايرا ومرفوضا حينما تعني منح الحرية لنظام دكتاتوري همجي، على شاكلة النظام البعثي، الحالي في سوريا، خنق الديموقراطية وسحق العدالة واشاعة التنكيل والمذابح بين أبناء شعبه لا لسبب سوى المطالبة بالحرية وحقوق الانسان. فاحترام (السيادة الوطنية) في عالم العولمة اليوم ولبلد كسوريا الحالية لايعني سوى منح الحرية للجلاد بشار الاسد لكي يقتل المواطنين ويواصل الاستبداد الذي بدأ منذ نصف قرن. ومن العيب أن يعترف عالم
القرن العشرين المتحضر بمثل هذه (السيادة) المخزية لأي حاكم أو نظام. فالعالم المتحضر اليوم مترابط عضويا والقمع الدموي في أي جزء منه امر يجب أن يقابل بالاستنكار و التصدي من قبل سائر الاجزاء. والحكام –أو الانظمة- الذين يصفقون لاعمال القمع والتقتيل، كما يفعل حكام موسكو وبكين اليوم ازاء سوريا، لن يحصلوا في نهاية المطاف الا على لعنات الشعوب.
* * *
انني لست خبيرا في شؤون المنظمة الدولية ولا أزعم بأن ما اطرحه هنا هو كل شيء، لكنني على قناعة راسخة بضرورة الاصلاح في وضع المنظمة. ومن هذا المنطلق اطرح وجهات نظري وآمل ان يحذو الخبراء والمثقفون حذوي في شتى البلدان، لكي يشكل ضغط عالمي واسع ومؤثر على الدول من اجل اصلاح المنظمة.
وأرى ان يبدأ الاصلاح باعادة صياغة الميثاق والمهمات وترتيب الهيئات، وان يتناول ذلك:
1-شروط العضوية في المنظمة
-تمنح العضوية الكاملة، بما في ذلك حق المشاركة في التصويت على القرارات، للدولة التي: تقوم على اساس مدني كعضو في عالمنا المتحضر وتستطيع ادارة شؤون بلدها وشعبها دون ان تكون تابعة لدولة اخرى + الا تقل نفوسها عن المليون + أن تعترف بحقوق الانسان وتتعهد بالتصدي للارهاب.
2-يقبل كعضو مراقب غير مشارك في التصويت اشباه الدول وبعض المؤسسات الموجودة حاليا في المنظمة او التي ستطلب الانضمام.
-مجلس الأمن الدولي ومهامه.
1-الغاء حق الفيتو لكافة اعضاء المجلس واتخاذ القرارات بالاغلبية كما يجري في البرلمانات الديموقراطية.
2-تعزيز كفاءة المجلس بضم دول قوية من مختلف القارات تؤهلها قدراتها السياسية – الاقتصادية والعلمية – التكنيكية وحجم نفوسها لهذه العضوية. واقترح مبدئيا ضم الدول التالية: اليابان والهند في آسيا والمانيا في اوروبا ومصر ونيجيريا أو جنوب افريقيا في القارة السوداء، والبرازيل في امريكا اللاتينية.
3-جواز استئناف قرارات مجلس الأمن من قبل عدد لايقل عن ثلاث دول لدى الجمعية العامة. ويلفى قرار مجلس الأمن اذا حظي ذلك بموافقة ثلثي الاصوات في الاجتماع.
-الهيئات التابعة للمنظمة
1-اعادة النظر في الهيئات والمؤسسات التابعة للمنظمة وفي مهامها واسلوب عملها، واضافة هيئات ومؤسسات جديدة يتطلبها اتساع نشاط المنظمة وتطور الاوضاع في العالم، من قبيل تشكيل جهاز للرقابة الدولية ومؤسسة اقتصادية ومصرف دولي تابع للمنظمة وقادر على توفير مبالغ لها، وانشاء هيئة عسكرية تسهل تنفيذ المهام التي تستلزم وجود كادر عسكري كفوء.
2-تحديد نسبة من ميزانية كل دولة لتمويل ميزانية المنظمة سنويا.
في الختام أوكد ان المهم هو البدء بالاصلاح على اسس صحيحة، ولاشك في ان المناقشات الدولية العامة ضرورية وهامة طالما يتعلق الأمر بكافة الأمم والشعوب في العالم بأسره. واعتقد أن بعض الدول من المتمتعين بحق الفيتو لايروق لهم الاصلاح ولكن تظافر الجهود سيرغمهم على القبول بالاصلاح.