نظرية النسبية العامة


هشام غصيب
الحوار المتمدن - العدد: 3628 - 2012 / 2 / 4 - 09:28
المحور: الطب , والعلوم     

نشر ألبرت آينشتاين أبحاثه الرئيسية التي تضمنت نظرية النسبية العامة في أنضج صورها عام 1915 في برلين، عاصمة ألمانيا. وجاءت هذه النظرية المحكمة حلاً لتناقضات ميكانيك نيوتن ونظرية النسبية الخاصة بصدد الحركة والجاذبية والمكان والزمان. ومثلما اضطر نيوتن في النصف الثاني من القرن السابع عشر إلى ابتكار حساب التفاضل والتكامل واستعماله من أجل التعبير عن الميكانيك الكلاسيكية وصوغها، فقد اضطر آينشتاين إلى إدخال فروع جديدة في الرياضيات إلى الفيزياء، وفي مقدمتها هندسة ريمان وجبر التنسورات، من أجل التعبير عن أفكار النسبية العامة وعلاقاتها وقوانينها. لكن آينشتاين لم يكن مضطراً لابتكار هذه الفروع، كما كان عليه الحال مع نيوتن، وإنما وجد هذه الفروع جاهزة في بلده ألمانيا، فما كان عليه سوى التنقيب عنها وتبنيها ودراستها ثم تسخيرها بفاعلية للتعبير عن أفكاره الفيزيائية الجديدة. والجدير بالذكر هنا أن آينشتاين لم يتميز عن أقرانه بقدراته الرياضية، بل على العكس من ذلك، فقد كان الكثيرون منهم يتفوقون عليه في هذا المجال. لكنه كان يتفوق عليهم جميعاً في حسه الفيزيائي العميق وقدرته على الغوص في أعماق الطبيعة. لقد كان آينشتاين فيزيائيا (فيلسوفا من فلاسفة الطبيعة) في المقام والأول، وليس رياضيا. وكان من حسن حظه أن وجد تحت تصرفه فروعاً رياضية متطورة كان قد أبدعها غاوس وريمان وكريستوفل وهلبرت وغيرهم من رياضيي ألمانيا العظام في القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، فهضمها وسخرها ببراعة في التعبير عن أفكاره الفيزيائية الجريئة. وكان آينشتاين يلجأ دوماً إلى التعبير عن أفكاره بأبسط طرق رياضية ممكنة. هذا ما سبق أن فعله عام 1905حين وضع نظرية النسبية الخاصة، ونظرية الفوتونات، ونظرية الحركة البراونية، وعام 1911، حين صاغ مبدأ التكافؤ، في الوقت الذي كان يلجأ فيه أقرانه إلى أعقد الأساليب الرياضية للتعبير عن أفكار مشابهة(مثلا لورنتس، إبراهام، بوانكاريه، فون لاوه). لكن شمول نظرية النسبية العامة وعمقها دفعه دفعاً إلى إدخال أعقد الفروع الرياضية إلى الفيزياء. فطبيعة الموضوع وحجم الطموح والهدف هو الذي دفعه إلى تبني هذه الفروع المعقدة.



إن نظرية النسبية العامة هي في جوهرها نظرية في المكان والزمان والجاذبية. وهي تفترض علاقات موضوعية معينة بين هذه الأطراف الثلاثة. وهي نظرية مجالية في أساسها، بمعنى أن المفهوم الجوهري فيها هو مفهوم المجال ، لا مفهوم الجسيم. ففي الوقت الذي تنطلق فيه ميكانيك نيوتن من مفهوم الجسيم(أي، النقطة المكانية التي تتحرك وتحمل كتلة وطاقة) وتتصور العالم على صورة وعاء مكاني لانهائي يحتوي حشداً كبيراً من الجسيمات المتفاعلة معاً، فإن النسبية العامة تنطلق من مفهوم المجال (امتداد متصل من الطاقة في المكان والزمان) وتتصور العالم، بما في ذلك المكان والزمان، على صورة مجالات ممتدة ومتغيرة تتمظهر بصور مختلفة. فالعالم وفق النسبية العامة فضاء متعدد الأبعاد (رباعي الأبعاد على الأقل) ذو مضمون مجالي يتمظهر على صورة حشد من الجسيمات المتفاعلة معاً. فالمجال هو الأصل، والجسيم هو المشتق، بعكس ما هو الحال مع ميكانيك نيوتن التي تعتبر الجسيم الأصل في كل مظهر من مظاهر الوجود.



إن النسبية العامة هي تتويج للتصور المجالي للكون الذي بدأ مع مايكل فرادي، الفيزيائي الإنجليزي الذي وصف المجال الكهرمغناطيسي بدلالة ما أسماه “أنابيب القوة”، وتبلور رياضيا على يدي جيمس كلارك ماكسويل، الفيزيائي الإسكتلندي الذي وضع نظام المعادلات التفاضلية الذي يحكم الظواهر الكهرمغناطيسية، وترسخ على يدي آينشتاين في النسبية الخاصة، ووصل أوجه على يدي آينشتاين أيضا في النسبية العامة، تلك النظرية التي أثبتت الأيام أنها أداة لا غنى عنها في دراسة الكون بوصفه نظاماً ماديا متكاملاً.