الازمة الاخيرة بين -قائمة العراقية- و-دولة القانون- حوار جريدة -اكتوبر- مع مؤيد احمد


مؤيد احمد
الحوار المتمدن - العدد: 3622 - 2012 / 1 / 29 - 02:54
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

الازمة الاخيرة بين "قائمة العراقية" و"دولة القانون"
حوار جريدة "اكتوبر" مع مؤيد احمد

جريدة اكتوبر: تفيد الانباء بان الصراع بين "القائمة العراقية" و"دولة القانون" قد وصل القمة. من جهة، تتهم "دولة القانون" القائمة "العراقية" بالتورط في انقلاب عسكري ضد المالكي، وتمنع سفر "طارق الهاشمي" لكونه قد خطط لهذا الانقلاب، هذا وفي الوقت نفسه طلب المالكي من البرلمان العراقي سحب الثقة من "علاوي" واتباعه. ومن الجهة الاخرى، يتهم "علاوي" المالكي بكونه دكتاتور ومسبب لفشل المساعي لتاسيس الحكومة ويهدد بالانسجاب من المشاركة في السلطة. كل هذه يشير الى ان هناك مرحلة جديدة من الازمة الحكومية تضع "مجمل العملية السياسية " امام خطر الانهيار.. كيف ترى هذه الاحداث وما هو تفسيرك لها.
مؤيد احمد: واضح ان هذه الاحداث ليست قليلة اذ انها قد اوجدت ازمة سياسية وحكومية على صعيد كل العراق تؤثر وستترك التاثيرعلى كوردستان ايضا. كما وانها قد وضعت خطورة كبيرة امام "العملية السياسية" في العراق.
بمعزل عن تفاصيل هذا الصراع والازمة السياسية والحكومية الحالية، هناك امر واضح، علينا اخذه بنظر الاعتبار، وهو ان "العملية السياسية" في العراق هي تلك التي نراها الان وتجربة السنوات العديدة الماضية تبين لنا نفس تلك الصورة. "العملية السياسية" في العراق تعني هذا الصراع والاقصاء وصناعة الأزمة، تعني الحملات الارهابية والتفجيرات وقتل الاناس الابرياء، وتعني، بشكل عام، الغطرسة الحالية من نمط حكومة المالكي وحزب الدعوة والاسلام السياسي الشيعي. هذه بمجملها تشكل الاجزاء غير القابلة للفصل للـ "العملية السياسية" في العراق.
ما جرى امام اعيننا، خلال السنوات العديدة الماضية، هو ان قوى "العملية السياسية" لم تكن منخرطة، ولا حاليا، في العملية السياسية بتلك الدرجة!. فاقتدار تلك القوى كان على الدوام يعتمد على قواها الخاصة "المليشياتية"، طائفيتها وقومويتها، مدى اقتدارها على القيام بالاعمال الارهابية، ومدى امكانيتها استغلال اجهزة الدولة لتقوية وتوطيد اقدامها.
لم يحدد المالكي وحزب الدعوة وقائمة "التحالف الوطني" للاسلام السياسي الشيعي، نفسه، بالطريق البرلماني وادامة الصراع السياسي في ذلك الاطار، اذ، وبطبيعة الحال، لا يتخلون عن استخدام القوى "الميليشياتية" واعمال ما وراء اطار الدولة والممارسات غير القانونية والغطرسة في مسار انجاز اجندتهم السياسية. وفي المقابل، لا تتخلى "قائمة العراقية" والقوى المشكلة لها، لا عن الارهاب والعمل "المليشياتي"، ولا عن استخدام تلك الممارسات كوسيلة لتحقيق سياساتها وادامة صراعها داخل البرلمان و"العملية السياسية". فبالتالي، لم تكن "العملية السياسية" في العراق غير ذلك، والفرق الوحيد الان هو ان الازمة الحالية قد دفعت بالوضع الى مكان اخطر من السابق.
السبب وراء تازم الوضع وتفاقمه الحالي، براي، هو ان حكومة المالكي وقوى الاسلام السياسي الشيعي، بشكل عام، اكتسبت يدا طولى في المسار السياسي في العراق وباتت اجهزة الدولة والحكومة، فعليا، وبدرجة كبيرة، خاضعة لحزب الدعوة و"التحالف الوطني" للاسلام السياسي الشيعي. واضح، مسار من الاحتكار السياسي والسيطرة يقوده المالكي وحكومته، قد بدا منذ فترة ليست قليلة، ومسار من تهميش "القائمة العراقية"، بموازته وكنتيجة له، بات كذلك من وقائع الامور في العراق.
مصير "العملية السياسية" مرهون، من جهة، بمدى تحمل "القائمة العراقية" لهذه الضغوطات وهذه الهجمة من التهميش التي يقوم بها المالكي وحكومته باستمرار، ومن جهة اخرى، بمدى استعداد المالكي وامكانيته على تقليص مديات الهجمة ضمن منطق الصراع السياسي الدائر. يشير مسار الاوضاع الى ان الطرفين لم يتوصلا بعد الى نقطة اللاعودة والخروج من "العملية السياسية" كاملة. يريد كل طرف، بشكل ما، ايجاد مخرج من الازمة الحالية، وعلى هذا السياق خضع "طارق الهاشمي" للامر الواقع وقبل بمحاكمته في محكمة ما في العراق، و"القائمة العراقية " تؤيد انعقاد المؤتمر المقترح والمالكي من طرفه ايضا توعد بحضور ذلك المؤتمر. بالرغم من كل ذلك، واضح لا يمكننا حذف احتمالات تدهور خطير في الاوضاع السياسية وكذلك مخاطر انهيار "العملية السياسية" في حساباتنا نهائيا.
جريدة اكتوبر: الى اي حد ترتبط هذه الازمة بانسحاب القوات الامريكة من العراق، وبالاخص، ان الاحداث الاخيرة برزت مباشرة بعد انسحاب القوات الامريكية من العراق. بتعبير اخر ، الى اي مدى يؤثر سحب القوات الامريكية من العراق على تفاقم الازمة الحالية.
مؤيد احمد: لا تتعلق هذه الازمة الحالية بشكل مباشر بانسحاب القوات الامريكية، ان انسحاب القوات الامريكية من العراق سيترك التاثير على المسار السياسي في العراق على مستوى اخر وصعيد اوسع واعمق. انهما المالكي و"القاعدة" اللذان يريدان ان يتصرفا بشكل يظهر وكأن ردود افعالهما متعلقة بانسحاب القوات الامريكية من العراق. توقيت امر اعتقال "طارق الهاشمي" بيوم واحد بعد انسحاب امريكا من العراق له معنى معين وهو ان المالكي يريد ان يبعث برسالة مفادها هو: من هو الحاكم في العراق ومن له الكلمة الاخيرة فيه هو المالكي وحكومته. ومن جهة الاخرى، ارادت "القاعدة" والمجموعات الارهابية الاخرى، ومن خلال قيامهما بسلسلة التفجيرات الاخيرة في بغداد وأماكن اخرى في العراق، مباشرة بعد انسحاب القوات الامريكية، ان تعلن للعالم بان مهمتها ليست منتهية مع انسحاب امريكا وهي عازمة على ادامة جرائمها ولا تقبل بحكم المالكي وقوى الاسلام السياسي الشيعي.
لقد اثر انسحاب القوات الامريكية على هذه الازمة والتدهور الامني الحالي في العراق بالمعنى المحدد الذي ذكرته اعلاه. بمعزل عن هذا، من المعلوم، كانت هناك ازمة قبل عام في العراق، بالرغم من تواجد القوات الامريكية فيه، اذ لم تستطع قوى الاسلام السياسي والقوميين على تشكيل الحكومة الا بعد 9 اشهر، انذاك. هذا، ان تأمين الامن في العراق اصبح، منذ فترة، لا يعتمد على القوات الامريكية اذ ان دولة عسكرتارية تمتلك قرابة مليون مسلح هي التي اخذت تنخرط في تامين الامن والسيطرة على الوضع وتهميش القوى المعارضة للمالكي وحكومته.
واضح مع انسحاب القوات الامريكية بات المجال مفتوحا بشكل اكثر كي يشدد المالكي من هجماته ويسوق الازمة بهذا الاتجاه. ولكن، براي، من الضروري البحث عن اسباب هذه الازمة لا في انسحاب القوات الامريكية بل بالدرجة الاساس في التغيير الحاصل في توازن القوى في الساحة السياسية في العراق والمنطقة .
جريدة اكتوبر: لحل هذه الازمة اقترح مسعود البارزاني عقد مؤتمر وطني ، كيف ترى هذا الاقتراح؟ هل بامكان مقترح مثل هذا ان يحل الازمة الحكومية في العراق؟
مؤيد احمد: من المعلوم، ان هذا المقترح كان موضع رضا امريكا المسبق وربما كان قد اقترحه "جون بايدن" لمسعود البارزاني. على اي حال، مقترح مسعود البارزاني هو الان موضع قبول امريكا وجلال الطالباني واسامة النيجفي و"القائمة العراقية"، كما ولم يرفض المالكي الدعوة. يبدو ان ينعقد المؤتمر وهذه المرة في السليمانية.
اقتراح مسعود البارزاني لعقد هذا المؤتمر كان امرا متوقعا خاصة ونحن نعرف بانه قد دعى الى عقد مؤتمرمماثل، "مؤتمر وطني" قبل عام في اربيل واستطاعت القوى الاسلامية والقومية وعن طريق ذلك المؤتمر انهاء ازمة طالت 9 اشهر وان تتفق الجميع على تاسيس حكومة مشتركة.
من الممكن ان ينعش المؤتمر المقترح "التحالف" السياسي بين هذه القوى البرجوازية الاسلامية والقومية من جديد ويدفع بالعملية السياسية للاستمرارا لفترة اخرى، ولكنه من الواضح انه لا يستطيع حل الازمة الحكومية في العراق. مبعث الازمة الحكومية في العراق كامن في سيطرة هذه القوى على المسار السياسي وعلى الدولة في العراق. خلاص العراق من مخاطر الحرب الطائفية والقومية ومخاطر تدهور الوضع السياسي وتجزئة العراق مرتبط بمدى فرض التراجع وتقليص نفوذ وتاثير هذه القوى على المسار السياسي في العراق.
ابعاد الازمة الحكومية وصلت الى مستوى بحيث، من جهة، يشكل المالكي وحزب الدعوة والاسلام السياسي الشيعي على العموم القوة الرئيسية في الدولة وتتقدم باتجاه ترسيم ملامح دولة برجوازية، يديرها من حيث الاساس الاسلام السياسي الشيعي، وبالتالي تطبعها بطابع طائفي وتفرضها على المجتمع بشكل قسري. ومن جهة اخرى، فان قوى الاسلام السياسي السني والقوميين المؤتلفين في "القائمة العراقية" تريد الحفاظ على قواها وتقوية نفسها عن طريق التخندق في خندق "فيدرالية طائفية" بوجه هذا الهجوم. لا تنتهي هذه الازمة عند هذا الحد اذ، من جهة اخرى، تواجه قوى القوميين الاكراد مخاطر الاصطدام بالمركز مع المزيد من تمركز السلطة في ايدي المالكي والاسلام السياسي الشيعي.
ان الازمة الحكومية متعدد الابعاد في العراق ولا يمكن قطع جذورها ببساطة، غير انها، وفي كل فترة معينة، يبدو انه من الممكن ايجاد حل مؤقت لها. يبدو هذه المرة كذلك ان تدخل القوى البرجوازية المتصارعة من جديد في عقد الصفقات فيما بينهم وايجاد حل مؤقت والخروج من الازمة الحالية.
جريدة اكتوبر: ما هي سياسات الحزب تجاه الظروف الحالية واي مسلك يضعه امام العمال والكادحين؟.
مؤيد احمد: تم طرح مهام وسياسات الحزب تجاه اوضاع العراق الحالية في بلاتفورم سياسي اصدره الاجتماع الموسع الاخير للجنة المركزية. ولكن فيما يتعلق بالمشكلة والصراع الحالي والمخاطر التي ستنجم عن هذه التشنجات والازمة، فان سياسية الحزب تتلخص في التصدي لقوى الاسلام السياسي الشيعي والاعمال القمعية لحكومة المالكي وحزبه اللذان يحاولان ارساء حكومة مركزية مستبدة، من جهة، ومن جهة اخرى، التصدي للتقسيم الطائفي للعراق ومساعي "القائمة العراقية" لخلق الاوهام داخل الجماهير بمشاريعها البرجوازية القومية – الاسلامية السياسية. يؤكد الحزب على ان مصالح العمال والجماهير تتعارض مع مصالح وافاق كلا معسكري البرجوازي القومي والاسلامي وان الطريق الوحيد هو تنظيم وتقوية صف النضال المستقل للعمال والكادحين والجماهير المحرومة المضطهدة في حركة سياسية ثورية.
تتمحور سياسة الحزب حول النضال لدخول العمال والكادحين، بمثابة قوة سياسية طبقية مستقلة ومؤثرة، الساحة السياسية في العراق، وكعمود فقري لاية حركة جماهيرية ثورية فيه. سياسة الحزب هي ايجاد تحول جذري في الاوضاع السياسية في العراق وهذا غير ممكن بدون صعود حركة سياسية جماهيرية ثورية قادرة على فرض التراجع على هذه القوى البرجوازية الاسلامية والقومية والطائفية.
نضال العمال الاقتصادي من اجل تحسين حياة وظروف عمل العمال في العراق، امر ونضال مستمر، وقام العمال كذلك بنضالات سياسية على نطاق محدود، كما وان اوساطا من الجماهير المظلومة والمضطهدة، وخلال السنة الماضية، اعترضت باشكال مختلفة وتظاهرت ضد الظلم والاستبداد، ضد الفقر والبطالة والحرمان من الحقوق السياسية والمدنية. سياسات الحزب تركزت على الدفع بنفس تلك النضالات والاعتراضات العمالية ونفس تلك المبادرات السياسية الجماهيرية الى الامام وتطويرها الى حركة سياسية ثورية وجماهيرية.
النضال لتنظيم العمال في المجالس العمالية والنقابات العمالية الراديكالية، النضال لتنظيم الجماهير المعترضة والسعي لايجاد الوسائل السياسية المستقلة لها، من المجالس الى اللجان في المعامل والمؤسسات والاحياء والمحلات، التصدي للافاق والسياسات البرجوازية القومية والاسلامية، النضال من اجل فرض المطالب الاقتصادية والسياسية الاجتماعية للجماهير المحرومة على الحكومة..الخ. تلك بمجملها تشكل ميادين ومهام مختلفة يؤكد الحزب على الانخراط فيها وانجازها.واخيرا، ان التطوير بنضال الحزب وتحويله الى حزب سياسي مؤثر ينجز التغيير يشكل ركنا اسياسيا من سياسة الحزب في هذه المرحلة.