جانفي شهر الانتفاضات التونسية


فريد العليبي
الحوار المتمدن - العدد: 3596 - 2012 / 1 / 3 - 13:02
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

في ذكرى انتفاضات جانفي كانون الثاني الجماهيرية
المجد لنضال الشعب و الموت للقتلة
نص من الذاكرة الثورية )مؤرخ في جانفي 1990 (

يحي الثوريون في تونس خلال هذا الشهر الذكرى الثانية عشر لانتفاضة 26 جانفي 1978 و الذكرى السادسة لانتفاضة 3 جانفي 1984 و الذكرى التاسعة لعملية قفصة ، تلك المناسبات النضالية المجيدة التي سطرت خلالها جماهير شعبنا آيات من البطولة و هي تواجه آلة القمع الكمبرادورية الإقطاعية المسنودة من قبل اللصوص الامبرياليين مدللة بذلك من جهة على الطاقات النضالية الهائلة التي تختزنها و من جهة ثانية على إرادتها في التحرر و الانعتاق من واقع البؤس الذي تخضع له .

و قد دللت انتفاضتا 26 جانفي و 3 جانفي بشكل خاص و على نحو لم يسبق له مثيل على الدور الهام الذي يضطلع به العمال و الفلاحون الفقراء في حركة النضال العام من أجل إسقاط النظام الكمبرادوري الإقطاعي ، فخلال الانتفاضة الأولى كان للإضراب العام الذي شنته الشغيلة بالغ الأثر في اندلاع الانتفاضة التي لم تجد قوات القمع المأجورة من سبيل لمواجهتها غير استعمال الرصاص مما ترتب عنه سقوط المئات من الشهداء و إصابة عدد كبير بجراح و اعتقال الآلاف من أبناء شعبنا ، و خلال الانتفاضة الثانية بدأت البوادر الأولى للتحرك في الجنوب يومي 27 و 28 ديسمبر / كانون الأول عندما استغل الفلاحون الفقراء أيام الأسواق الأسبوعية للاحتجاج على الزيادات المسجلة حينئذ في أسعار المواد الأساسية موقدين بذلك الشرارة التي تحولت فيما بعد إلى نار ملتهبة ، خاصة يوم 3 جانفي عندما طالت الانتفاضة مختلف مدن و قرى القطر ، حيث هاجمت حماهير الشعب مؤسسات الدولة الكمبرادورية الإقطاعية من مراكز حرس و شرطة و دور الحزب الدستوري و المغازات التي تمت مصادرة محتوياتها بالإضافة إلى حرق العلم الكمبرادوري الإقطاعي الذي يعود إلى عهد السيطرة العثمانية على القطر ، و لم يسلم موكب العميل بورقيبة في تلك الأثناء من القذف بالحجارة .و مرة أخرى واجه النظام العميل الجماهير المنتفضة بقوة الآلة العسكرية و البوليسية فأاغرق جماهير الشعب في حمامات من الدم .

أما عملية قفصة فقد كان من دلالتها الهامة الإصرار على الرد على العنف الرجعي بالعنف الثوري ، و رغم محدودية العملية و وقوعها في أخطاء قاتلة من حيث تنظيمها ، و مدى صلتها بجماهير الشعب ، فقد كشفت عن وهن النظام الذي سرعان ما استنجد بأسياده في باريس و واشنطن الذين أرسلوا إليه الإمدادات على عجل ، فبينما بعث الامبرياليون الأمريكيون بالعتاد العسكري ، عمد الامبرياليون الفرنسيون إلى توجيه بوارجهم الحربية نحو شواطئ تونس، و ساهموا مباشرة في إدارة عملية إبادة مناضلي قفصة ، كما لم تتخلف الرجعية العربية عن إسناد النظام الدمية فأرسل النظام الملكي العميل في المغرب قوات محمولة جوا للمشاركة في القتال .

إن الكسب الهام الذي سجلته حركة النضال الثوري من خلال هذه التحركات النضالية تمثل رئيسيا في إيقاظ وعى قطاعات واسعة من جماهير شعبنا و الدفع بها في خضم المعركة ، هذه الجماهير التي عرفت أي وحوش ضارية هي تلك التي تتحكم برقابها ، كما أن هذه التحركات ساهمت بقدر كبير في إقامة قطيعة بين السماسرة الكمبرادوريين و الإقطاعيين من جهة ، و بين جماهير الشعب من جهة ثانية و بالتالي فقد حفرت نهرا من الدماء بين الشعب و أعدائه ، هذا النهر الذي حاول النظام العميل عبثا ردمه عبر ما أسماه بسياسة التفتح و حقوق الإنسان و دولة القانون و المؤسسات و التي تصاعدت نغماتها مع الانقلاب الذي قام به الجنرال بن على في 7 ـ 11 ـ 1987 .

على أن ابرز الدروس المستفادة من هذه التحركات النضالية تمثل في إدراك الأهمية القصوى التي يحظى بها تنظيم صفوف البروليتاريا الثورية و جماهير الشعب عامة ، في سبيل إحراز النصر ، فقد واجه العمال و سائر طبقات الشعب الرجعية و هم يفتقدون إلى أكثر الأسلحة مضاء في المعركة ، ممثلة في الحزب الشيوعي الذي لا تحرر دون قيادته ن و الجبهة الوطنية المتحدة المناهضة للامبريالية و الإقطاع و جيش التحرير الشعبي ، فقد واجه شعبنا أعداءه و هو مجرد من هذه الأسلحة و ذلك في الوقت الذي حشد فيه الكمبرادوريون و الإقطاعيون سائر أسلحتهم من حزب الدستور و المنظمات و الأحزاب السائرة في فلكه و جهازي البوليس و الجيش . و في معركة غير متكافئة كهذه كان لابد أن تؤول الأمور في النهاية إلى انتصار الرجعية .

لقد مثلت هذه المعارك منازلات صغيرة من قبل الشعب في مواجهة أعدائه ، و هي عبارة عن المقدمات التي لابد منها لبلوغ الحريق الثوري العام الذي سيطال في نهاية الأمر الدولة الكمبرادورية الإقطاعية ، لذلك يغدو الاهتمام بالدروس المستخلصة من هذه المنازلات أمرا على غاية من الأهمية للتحضير للثورة الوطنية الديمقراطية التي بدأت ملامحها تلوح في الآفاق مع اندلاع تلك الانتفاضات بالذات .

و برغم ضعف تنظيم المواجهة إبان تلك التحركات النضالية فقد وجهت البروليتاريا الثورية و الفلاحين الفقراء و باقي طبقات الشعب ضربات موجعة للنظام الكمبرادوري الإقطاعي ، و زرعت في صفوفه الانقسام إلى الحد الذي انقلب فيه شق على الآخر يوم 7/11/1987 لإعادة ترتيب البيت و تبرئة الذمة أمام جماهير الشعب ، فإذا كان الحال على هذه الصورة فماذا سيكون الأمر عندما يتسلح شعبنا بأدوات النضال الملائمة في معاركه القادمة ؟

إن النتيجة سوف لن تكون غير دفن النظام دون رجعة و بالتالي فإن الإمساك بحلقة تنظيم المواجهة على مختلف الأصعدة تعد اليوم المهمة الأكثر إلحاحية و راهنية و هو ما يدفع باتجاه إيجاد الأسلحة المناسبة لخوض المعارك الطبقية المقبلة بعزيمة أقوى فأقوي ، و على هذا النحو فإن مهام الثوريين لا تتمثل اليوم بالتأكيد في بث الأوهام حول " التفتح " و " حقوق الإنسان " في أذهان الجماهير و استجداء تأشيرات العمل القانوني مثلما يفعل الاصلاحيون الذين وقعوا ضمنيا أو فعليا على " الميثاق الوطني " ، هؤلاء الذين يعظون الجماهير بالصبر و النظام بتغيير اختياراته السياسية و الاقتصادية ، و بكلمة يحبكون المؤامرات و الدسائس لقطع الطريق أمام تنامي نضال الشعب . إن مهمات الثوريين تستمد وجودها من نقض كل هذه التوجهات عبر تنظيم النضال الطبقي و قيادته ناحية تحقيق أهداف شعبنا الإستراتيجية ممثلة في انتصار ثورة الديمقراطية الجديدة .

إن أزمة النظام العميل لن تلبث أن تعيد إنتاج ذاتها و لن يكون هناك من مخرج منها بالنسبة إلى الجماهير غير الثورة ، فالنظام عاجز عن منح الجماهير الأرض و الحرية و الكرامة الوطنية ، و ذلك لسبب بسيط و هو أنه يستمد وجوده من نقض هذه المصالح و التضاد معها على طول الخط ، و ليست الإصلاحات الوهمية التي تروج لها الدعاية الكمبرادورية الإقطاعية غير أحابيل يراد منها إطالة أمد السيطرة الامبريالية الإقطاعية .

لقد اعتقل النظام العميل على اثر انتفاضتي 78 و 84 و عملية قفصة الآلاف من المناضلين و لا يزال إلى حد الآن العشرات من هؤلاء وراء القضبان في ظل صمت إعلامي مطبق ، و يجب أن نرفع صوتنا عاليا من أجل أن تتكاتف جهود مختلف القوى الوطنية في سبيل إطلاق سراحهم ، كما لا يزال العديد من الشهداء الذين قدموا حياتهم بتفان من أجل انتصار قضايا الشعب مجهولين و نحن ندعو إلى أن تتظافر كل الجهود من أجل التعريف بهم و جمع المعلومات حول ظروف استشهادهم و تخليد ذكراهم .