تأملات / بلاد معيلات وأرامل وأيتام !


رضا الظاهر
الحوار المتمدن - العدد: 3471 - 2011 / 8 / 29 - 16:19
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق     


تأملات

بلاد معيلات وأرامل وأيتام !



بينما تمضي المأساة في فصولها يمضي المتنفذون في تجاهلها ليضيفوا عبئاً آخر الى معاناة الملايين وأسباباً أخرى الى سخط الملايين .. ونحن نتحدث هنا عن فصل المعيلات والأرامل والأيتام في سجل المأساة.
فقد أعلنت اللجنة الدولية للصليب الأحمر، الأربعاء الماضي، عن وجود أكثر من مليون معيلة في العراق ينفق حوالي 70 بالمائة منهن أكثر مما يجنين من المال، ويعتمدن على حلول مؤقتة لمواجهة الأزمة.
وكشفت عن أن "نحو ربع النساء المعنيات بالدراسة يعانين من الانهاك، في حين أن الربع الآخر يشعرن بالحزن، و18 بالمائة يعانين الكآبة، و8 بالمائة فقط يشعرن بأنهن على ما يرام".
وبينما يؤكد الجهاز المركزي للاحصاء وجود حوالي مليون أرملة وأربعة ملايين يتيم في بلد لا يُعتمَد على معلوماته الاحصائية وقاعدة بياناته إذ تغيب فيه مثل هذه الثقافة، ترفع تقديرات أخرى عدد الأرامل الى ثلاثة ملايين وعدد الأيتام الى خمسة ملايين، وهو العدد الأكبر عالمياً حسب منظمات دولية مختصة.
وإذ تعبر اللجنة الدولية للصليب الأحمر عن اهتمامها الذي تجلى، مؤخراً، باصدار كتاب "النساء المعيلات في العراق ـ مشكلة تنتظر الحل"، لا تبدي حكومتنا أي اهتمام حقيقي بهذا الجيش المتعاظم من النساء المنكوبات واليتامى المحرومين والضائعين.
فبعد عقود من الحروب والاستبداد والدمار المادي والروحي على يد الدكتاتورية الفاشية جاء عقد "المحررين" والمتنفذين في الحكم ليستكمل دورة الخراب القديمة.
وليس من اليسر، اليوم، أن تحصل الأرملة على حقها في الرعاية الاجتماعية، وهي تواجه الامتهان والاذلال والاهمال لا من جانب الحكومة حسب وإنما من جانب البرلمان الذي مازال يعرقل مساعي إقرار قوانين داعمة للنساء المعيلات والأرامل والأيتام.
ويترك العوز على هؤلاء النساء وأيتامهن عواقبه المادية والسايكولوجية الوخيمة، ويدفع ببعض الضحايا الى ممارسة العنف والانخراط في عالم الجريمة.
أما ملف شبكة الحماية الاجتماعية فيتواصل انكشاف صفحات الفساد فيه، حيث يتقاضى "وهميون" كثر رواتب من الشبكة دون أن تنطبق عليهم شروط الحصول عليها. وعندما طالبت لجنة النزاهة البرلمانية جهات معنية بأسماء المزورين ثارت ثائرة هذه الجهات المتورطة والمنتقعة.
وفي ظل غياب هيئة وطنية كفوءة لرعاية هذه الشريحة تواصل الحكومة عجزها وعدم رغبتها في إعادة النظر بشبكة الحماية الاجتماعية وانقاذها من مستنقع الفساد. ويواصل المتنفذون حلولهم الترقيعية المؤقتة شأنهم في النظر الى معضلات أخرى.
ووسط مزاعم بضرورة التصدي لقضايا "كبرى" تضيع قضايا "صغرى". فهذا هو الحال، مثلاً، عندما يحجب صراع المتنفذين قضية خطيرة مثل قضية المعيلات والأرامل والأيتام.
وبينما تنشغل حكومة "الشراكة الوطنية" المشلولة بالمغانم يعجز متنفذون عميان عن رؤية معاناة الملايين من المحرومات والمحرومين، لكنهم يرفعون غشاوة العمى عندما يصل الأمر الى إحساسهم بتهديد مصالحهم، فيرون، عندئذ، كل شيء، ويقدرون، عندئذ، على فعل كل ما يحمي امتيازاتهم.
ومن الطبيعي أن يجد مثل هؤلاء المتنفذين سبيلاً الى مآربهم وأولها إسكات أصوات النساء التي تشكل أكبر تهديد لعقل التخلف والثقافة السائدة وسدنتها الواقفين خلف متاريس تأبيد الراهن، والمرتعبين من أصوات النساء العادلة وأصوات المتنورين الذين يسيرون معهن الى ضفاف الحرية.
وبينما يستمر فرض أشكال من "التحريم" تحت ذرائع "الدين" أو الأعراف أو مصلحة المجتمع العامة وما الى ذلك من حجج، تتعاظم الأزمة الاجتماعية وينكشف المزيد من تجلياتها المأساوية. فجيش الأميات يضم، على الدوام، أفواجاً جديدة بنسبة هي أكثر من ضعفها لدى الرجال، في ظل تفاقم العوز والحرمان، والعنف الأسري والمجتمعي، والخوف السائد في صفوف النساء المهددات على الدوام، والتمييز الصارخ ضدهن والاستهانة بانسانيتهن وإقصائهن عن الفعل الاجتماعي وإدامة صمتهن عبر إشاعة ثقافة التحريم والترهيب والحرمان من الحقوق الانسانية، وكل ما يقتضيه تأبيد الثقافة السائدة، حاضنة استعباد "ناقصات العقل والدين" اللواتي لابد من ستر عوراتهن دفعاً، والعياذ بالله، من بلاء ينزل، عادة، على شكل شبح امرأة !
* * *
متنفذون بارعون في صفقات "إعادة الاعمار"، وغارقون بكل أنماط الفساد، ومشغولون بشراء العقارات وتسجيلها بأسماء زوجات جشعات وأبناء مدللين يعيشون في "بلاد الكفر" ! .. ولم تعد هذه الحقائق بحاجة الى من يفضحها شأنها شأن حقائق أخرى في بلاد الرزايا وإذلال ملايين المحرومين من النساء والرجال.
ولا يهم متنفذين في حكومة المحاصصات المشلولة والمنشغلة بالصراعات والمغانم أن تدخل فتاة يتيمة صغيرة الى دار أيتام وما أن تبلغ سن المراهقة تتعرض الى اغتصاب لتخرج من الدار في طريقها الى عالم الدعارة قسراً.
ليست حكومة محاصصات هي القادرة على حل أزمة المعيلات والأرامل واليتامى ولا أي من الأزمات البنيوية العميقة المستعصية. فهذا وهم ينبغي التخلي عنه مرة والى الأبد ..
سخط النساء المتعاظم، المتحول بوعي الى حركة احتجاج شعبية، هو السبيل الى الاسهام في التغيير الاجتماعي وإحلال البديل الحقيقي القادر على حل المعضلات .. وما من سبيل آخر في بلاد أثقلت مصائبها أرواح الملايين من ضحايا العوز والحرمان والاذلال ..