تأملات / قميص -الضحية- في جمهورية موز عراقية !


رضا الظاهر
الحوار المتمدن - العدد: 3416 - 2011 / 7 / 4 - 17:43
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     


تأملات

قميص "الضحية"
في جمهورية موز عراقية !

لا يندر أن نجد في بلاد العجائب تناقضات صارخة. فبينما يواصل المتنفذون تبجحهم باحترام حقوق الانسان ينتهكون هذه الحقوق كل يوم، مقدمين أمثلة على زيف ادعاءاتهم وازدواجية سلوكهم. فاستمرار الهجوم المتعدد الأساليب والأشكال على حركة الشباب الاحتجاجية خير دليل على ذلك. ولعل آخر الأمثلة ما حدث مؤخراً من اعتقال شباب محتجين سلمياً وتهديدهم بمقاضاتهم وفق المادة الرابعة الخاصة بتجريم الارهابيين، وانتزاع تعهدات من البعض تذكّر بتلك التعهدات التي كان ينتزعها نظام الدكتاتور الفاشي.
ومما يسم الوضع المعقد في بلادنا أن هناك ما يسود مؤقتاً في المشهد السياسي فيحجب قضايا أساسية أخرى في لوحة الصراع الاجتماعي، وبينها، على سبيل المثال لا الحصر، قضية حقوق الانسان. ولعل الأمر يعود، من بين أسباب أخرى، الى شيوع الفوضى، بينما الناس دائخون بمآسيهم والمتنفذون منشغلون بصراعاتهم.
ومن المثير للأسى والسخط أن دروس استبداد نظام مهندس المقابر الجماعيية لم تستخلص حتى الآن، بل إن هناك عودة، خلال السنوات الأخيرة خصوصاً، وبالتحديد بعد موجة العنف الطائفي، الى مناخ دفع قضية حقوق الانسان الى الوراء، حتى انتهاك حق الانسان الأساسي في الحياة. وباتت قضية المطالبة بالحريات والحقوق الأساسية من باب الترف.
غير أنه مما يلفت الانتباه أننا نشهد، بعد خفوت أعمال العنف الطائفي، ارتداداً في مجال الحقوق. فبحجة الحفاظ على الأمن ومكافحة الارهاب يجري تكريس سياسات جديدة لقمع الحريات وانتهاك حقوق الانسان بشكل منهجي منظم وليس متفرق عشوائي، حيث تستخدم أجهزة الدولة القمعية وبضوء أخضر من أعلى الهيئات الحكومية. ومن بين دلائل هذا ما شهدناه في التظاهرات الأخيرة والتضييق على حرية الصحافة ورفع دعاوى قانونية لتكميم الأفواه وآخرها الدعوى المقامة ضد صحيفة "المدى".
ومن الجلي أن هناك وجهة بدأت تتجلى ملامحها وتتكامل أكثر فأكثر في ظل الهامش المحدود من "الديمقراطية" بعد سقوط الدكتاتورية، لكن هناك تقويض لما تحقق من حريات نسبية.
ومن المعلوم أن حقوق الانسان قضية متكاملة لا يمكن تجزئتها، بمعنى أنه لا يمكن أخذ شيء انتقائي وتطبيقه وفق الثقافة السائدة للمهيمنين في المجتمع. وفي هذا السياق نسمع نغمة تقاليد المجتمع وتراثه ونرى استخدامها ذريعة في التضييق على حرية التعبير وحقوق المرأة على نحو خاص والموقف من العنف ضدها. ومن ناحية ثانية فانه لا يمكن تحقيق الديمقراطية الاجتماعية بدون ديمقراطية سياسية. واذا كان هناك هامش هش من الديمقراطية السياسية فان هناك انتهاكاً فظاً للحقوق الاجتماعية على كل المستويات، ابتداء من حقوق المرأة والطفل مروراً بحقوق وحريات العمل والتنظيم النقابي، وليس انتهاء بالحق في العمل والصحة والتعليم. بل وصل الأمر الى حد أن الكتل المتنفذة تتبجح بأن العراق بات نموذجاً للديمقراطية في بلدان المنطقة انطلاقاً من معيار مضحك يستند الى قدرة المواطن العراقي على شتم الحكومة وكأن الشتم نعمة كبيرة.
وفي سياق فهم قضية حقوق الانسان يتعين علينا أن نتذكر موقف الأميركان والغرب عموماً من تجربة العراق في سنوات الثمانينات. فرغم زعيق قادة "العالم الحر" بشأن حقوق الانسان فان المصالح الاقتصادية والمنافع التجارية تقدمت على قضية حقوق الانسان، حتى جرى إغماض العين عن مأساة حلبجة ومجازر السلاح الكيمياوي. وتوجد اليوم مؤشرات على هذا النهج المزدوج ارتباطاً بتهافت دول غربية وشركات احتكارية على السوق العراقية "الواعدة". ويجري السكوت عن انتهاكات حقوق الانسان بحجة أن الوضع في العراق يتطلب حكماً قوياً ودولة مستقرة قادرة على توفير البيئة المؤاتية للاستثمار والتطور الاقتصادي.
وعلى الرغم من تراجع الوجود العسكري الأميركي هناك ما يشبه التواطؤ بين المحتلين والنخب الحاكمة. ومن الجلي أن العلاقة ستتطور بأشكال أخرى بعد انتهاء مهلة سحب القوات لتبدأ مرحلة جديدة من تحالف النخب و"المحررين".
وفي غضون ذلك نشهد من ناحية ضعف اهتمام وتعاملاً شكلياً في الغالب من جانب منظمات المجتمع المدني والحركات الاجتماعية في الدفاع عن حقوق الانسان، بينما تواصل وزارة حقوق الانسان ادعاءها الزائف بالحياد في ما يتعلق بالموقف من المتظاهرين الشباب. ومن ناحية أخرى نشهد تسخير المتنفذين الاعلام لتبرير انتهاكات حقوق الانسان عبر صحافة تدجين تمارس التعتيم والتضليل وطمس الحقائق والمساواة بين الضحية والجلاد.
* * *
لا ريب أن حقوق الانسان، وهي قضية ثقاقة قبل كل شيء ترتبط بوعي الانسان السياسي الحقوقي، لا تأتي فجأة ولا تنزل من السماء، وإنما تنشأ وتتطور مع نشوء وتطور قيم المجتمع المدني التي تحملها الطبقة الوسطى، وهي طبقة غائبة الفعل بل الوجود في مجتمعنا.
عندما ترتدي "الضحية" قميص الجلاد وتصر على عدم نزعه فان هذا يعني أن ثقافة الاستبداد ما تزال هي المهيمنة.
أما "المحررون" فانهم يريدون تحويل العراق الى جمهورية موز، عبر "ديمقراطيات" فاسدة لفئات طفيلية حاكمة تلقى كل الدعم والاسناد من الدول والشركات الغربية التي تبحث عن مصالحها ومصادر الطاقة الرخيصة. والكل يستعدون لتقاسم الحصص في جمهورية موز عراقية !