هل الدستور الجديد سيقطع مع التمييز الجندري بالمغرب؟


يامنة كريمي
الحوار المتمدن - العدد: 3407 - 2011 / 6 / 25 - 16:47
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات     

عملية تتبع مسار حياة امرأة من العامة في مجتمع إسلامو-ذكوري، يكشف أن ذلك المسار مليء بمحطات الرفض والاحتجاج والتمرد من طرف المرأة تنديدا بتبخيس وعزل المجتمع لها منذ أن وعت على الدنيا. لكن الأمور استمرت على ما هي عليه لأن رغبة الرجل في تكريس دونية المرأة وضمان تبعيتها كانت هي الأقوى بحكم أن الظاهرة اتخذت بعدا دينيا. ولكي نقرب القارئ من هذه الحقيقة الاجتماعية التاريخية سوف نحاول التوقف عند بعض هذه المحطات التي تعتبر شواهد حية على تجدر التمييز الجندري في المجتمع المغربي.
يبدأ التمييز الجندري منذ العلم بطبيعة جنس الجنين وبداية الاستعداد لاستقبال المولود الجديد، ويتخذ ذلك التمييز عدة تجليات. وفي مقالنا هذا تم اختيار نوعية الملابس واللعب (بضم اللام) وطبيعة تصرف الآباء وتواصلهم مع الأبناء- طفل/طفلة, كمعايير لدراسة وتفسير ظاهرة التمييز الجندري ورفض المرأة له كلا وتفصيلا وعلى مر الأزمنة والعصور (انظر تاريخ المرأة على مقاس الذكر)
فبالنسبة للملابس, منذ الولادة تخصص اللفة الوردية للبنت واللفة الزرقاء للولد. وبعد ذلك تخصص الفساتين ذات الألوان الزاهية والمشرقة المصنوعة من القماش الحريري أو ما شابه للطفلة. وتخصص القمصان والسراويل أو"الشورطات" من القماش القوي وذات الألوان الداكنة للطفل. أما فيما يتعلق باللعب (بضم اللام), فإن الطفلة تكون لعبها على شكل بيت صغير و عرائس ومطبخ وأواني وأدوات الزينة وآلة الخياطة... في حين تكون لعب الطفل على شكل كرة ومسدس ودراجة وسيف وسيارة وطائرة ودمى لأبطال أسطوريين ...
ومن الملاحظة الأولى يمكن أن نستنتج بأن ملابس الطفل تسهل معها عملية الحركة وتتحمل الأوساخ ولا تتمزق بسهولة على عكس ملابس البنت. ولعب (بضم اللام) البنت لا تتطلب أكثر من ركن صغير من البيت ومهمتها هي تنظيف وترتيب البيت والمطبخ وإعداد الأكل والحلويات وتزيين الدمى أو العرائس وتنظيم الأعراس... وذلك تحت مراقبة أمها وتوجيهها بل ضبطها. وجرت العادة أن تمنع البنت من اللعب خارج البيت أو القيام بالزيارات؟ بدعوى عيب وحشومة (عاتق باب الجيسة تطلل على المريض وتهني النفيسة). أما الطفل فإنه يلعب في كل أرجاء البيت و حتى الأماكن المحرمة مثل غرفة الضيوف...ويجري ويقفز ويصدم ويكسر ويلطخ ويصرخ ويتصارع مع أبطاله الخياليين...لكن نادرا ما يتم التدخل من طرف الأم من أجل تحديد مجال اللعب، لأن ذلك في اعتبارها يدخل في إطار لعب الأولاد الذين هم صعاب المراس بالفطرة (الذكورة صعاب) بالدارجة المغربية. وبعد تجاوز السنوات الأربع الأولى يسمح له بالانفتاح على العالم الخارجي, فيبدأ باللعب في باب البيت ثم يوسع مجاله ليشمل ساحة الحي وبعد ذلك ساحة الحي المجاور...
فإذا تمعنا في هذه المعطيات سنلاحظ بأن طبيعة لعب الطفل تدفعه للتنقل والحركة وتمكنه من مجال واسع وغير محدود للعب يساعده على ذلك طبيعة ملابسه وتسامح وتساهل الآباء معه ... أما طبيعة لعب الطفلة فتدفعها للجلوس في مكان ضيق ومحدود في جو من الركود والخمول تقلد أمها في كل حركاتها وسكناتها. ومن تمة يكون توجيه الطفل للحرية والانطلاق والانخراط في الحياة العامة، مع تمكينه من كل الوسائل والآليات لتحقيق ذلك. بينما تنشأ الطفلة على الثبات في المكان الضيق وتتعود على العزل وعلى الطاعة والامتثال وتترسخ لديها فكرة أن الزواج هو مشروع العمر والفردوس المنشود. لكن بحكم الفطرة فالطفلة وعلى صغر سنها ترفض تلك الوضعية وتحتج عليها بما أتيحت من إمكانيات. فقد تعود الناس في المجتمعات الذكورية سماع بكاء الصغيرات واحتجاجاتهن إلى جانب طرح مجموعة أسئلة من نوع: لماذا هو له الحق في أن يلعب بكذا وكذا وأنا لا؟ لماذا تسمحون له بالخروج وأحرم أنا؟ لماذا تعاقبونني على فعل كذا وكذا وهو لا؟ لماذا هو الذي يرافق أبي وحتى أمي إلى مكان كذا وكذا وأنا لا؟ إنها أسئلة واحتجاجات سمعناها جميعا لكن نادرا ما فكرنا في أسبابها وعواقبها. لأن الكل يعتبرها كلام صبيات مجبولات على البكاء في كل المواقف والحالات. فلا صراخ الطفلة ولا بكائها قد أجديا نفعا. بل العكس هو الذي يحصل حيث يستمر التمييز وتزداد الهوة اتساعا، بين طبيعة التعامل مع الصبي وطبيعة التعامل مع الصبية مع بداية المرحلة الدراسية. يتوسع مجال وعالم الطفل ويزداد تسامح الآباء معه سواء على مستوى التأخر أو زيارة الأصدقاء أو مزاولة مجموعة من الأنشطة والخوض في عدة تجارب مما يوسع آفاقه وينمي ويقوي جسمه وفكره ويغني معارفه وتجاربه . بينما البنت تحاط بسياج من الخطوط الحمراء و المحرمات مما يتولد عنه, في الغالب الأعم,ضعف بنيتها الجسمية ومحدودية قدراتها الفكرية وقلة تجاربها وبالتالي اختزال كل آمالها وتطلعاتها في الزواج والبيت اللذان يصبحان بالنسبة لها من المقدسات. ويصبح ذلك التمثل من ضمن آليات تشديد الحصار أكثر على المرأة و تطويعها لهدف الخضوع والتبعية للرجل.
فبشكل تقريبي هذا هو المسار الذي رسمه المجتمع التقليدي بالنسبة للفتاة من الطبقة الشعبية. لكن بحكم أن الظاهرة بشرية وأن الظواهر البشرية لا تخضع للقواعد و للقوانين بنفس الدقة التي نعرفها في حالة الظواهر الطبيعة، فإنه عادة ما يتم رصد نوع من الانفلات أو ما يمكن أن نعتبره استثناء. ويتمثل ذلك الانفلات في كون البنت أو الطفلة في محطة من محطات التمرد يمكنها أن تتخذ اتجاها غير الذي خطه المجتمع. وذلك الاتجاه-الاستثناء مشروط بطبيعة لحظة التمرد وملابساتها. والتي إذا استثنينا منها الحالات الشاذة أو حالات الانحراف عن منظومة الأخلاق والقيم, نجد أن كسر المرأة المغربية لتقاليد العزل (من الإقرار في البيت إلى الاختمار) يجعلها ضمن إحدى المجموعات الثلاث التالية:
- الصنف الأول من النساء أو ما يعرف بالسلفيات، هو تيار يحاول التوفيق بين إكراهات السلف ومتطلبات العصر. فالسلفية تحافظ على مسألة الاختمار وتظهر التبعية للرجل الذي يعتبر وصيا على دينها ولو ظاهريا. لكنها تستفيذ من التعليم والتكوين والمشاركة في الحياة العامة. فهي ترتاد المدارس والجامعات حتى الأجنبية منها, وتقصد مقرات الأحزاب والنقابات ومجلس النواب والمقاهي والعلب الليلية وتسافر وبدون محرم و...لكنها تغطي شعرها أو جزءا منه وأحيانا تغطي شعرها وتكشف عن ذراعيها ومرة تغطي عنقها -النحر- وتكشف عن صدرها... المهم أنها تتقيد بثابتين أساسين من ثوابت السلفية والذكورية وهما الاختمار والتبعية للرجل، وما دون ذلك يتأرجح بين الحدين.
-الاتجاه الثاني، يرى أن المساواة بين الجنسين يجب أن تكون كاملة ومطلقة داخل البيت وخارجه وعلى جميع المستويات وبدون خطوط حمراء، ووفقا لما تنص عليه المواثيق الدولية، لأن المسألة بشرية ولا مجال لتقديسها. وهذا الصنف هو الذي يشكل محط انتقاد السلفية بالدرجة الأولى، بدعوى أنهن ملحدات و مترجلات... وأن انفتاحهن الكلي على الحياة العامة قد أساء لسيرتهن. لكن من جهتهن يرين بأن ما لا يسئ للرجل لا يسئ للمرأة والقول بعكس ذلك هو التمييز الجندري. ومنه، فإن المطلب مشروع وقول كل طرف يحتمل الخطأ والصواب.
- أما الصنف الثالث، فهو الذي تمثله المتنورات، و يشمل النساء اللواتي يعتبرن أن المساواة بين المرأة و الرجل على جميع المستويات هي الأصل انطلاقا من النص والعدالة الإلهية والتكاليف والمسؤوليات. ويقدمن أدلة وبراهين واقعية على أن المرأة حاليا تتحمل الشطر الأكبر من المسؤولية. وهذه الفئة كذلك تقدم من الحجج ما يثبت بأن الاختمار ليس لباسا مقدسا بل مجرد عادة توارثها الناس عن عهود البطولات. وأنه إهانة لكل من المرأة والرجل. وعلى الرغم من إيمانهن بالمساواة في الحقوق والواجبات وإصرارهن على المشاركة في الحياة العامة والانخراط بكل فعالية ومسؤولية في عملية التنمية، فإنهن يلتزمن بالبيت ومسؤولياته أكثر من الرجل لكن مع الرفض لكل أشكال التمييز والتحقير والإهانة... وهذا التيار الثالث هو الأكثر قبولا لدى النخبة في المجتمعات الإسلامية باستثناء السلفية الدكورية.
ومؤخرا صدر الدستور المغربي الجديد (2011) الذي اعتبر كبادرة أولى من نوعها في المغرب الكبير والعالم الإسلامي والعربي وذلك لكونه تضمن قوانين متطورة وجريئة مثل قانون القضاء على جميع أنواع التمييز بما فيها الجندري. وفي انتظار تفعيل هذه القوانين ومأسسة التربية على المساواة، نأمل أن لا يتم الالتفاف عليها من طرف التيار السلفي الذي يمثله كل من حزب العدالة والتنمية والوحدة والإصلاح وحزب الاستقلال ومن يدور في فلكهم من حركات وجمعيات وأحزاب لا تدخر جهدا للإجهاز على كل المكتسبات التي تهدف إلى ترسيخ الديمقراطية والقطع مع كل أشكال الفساد وعلى رأسها التمييز.