النضال الحالي في العراق يضع التيار الشيوعي والتقدمي بمواجهة القوى الرجعية!


توما حميد
الحوار المتمدن - العدد: 3351 - 2011 / 4 / 30 - 17:02
المحور: ملف 1 ايار 2011 - تأثير ثورات العالم العربي على تقوية الحركة العمالية والنقابية     

ان الاحتجاجات في العراق المستمرة لاسابيع تسري بحدة اقل بالمقارنة مع بعض الدول الاخرى في الشرق الاوسط وشمال افريقيا ولهذا اهملت الى حد كبير من قبل الاعلام. ولكن ميزة هذه الاحتجاجات هي كونها واسعة الانتشار وتجري بموازاة موجة من الاضرابات تشمل معظم انحاء البلاد كواحدة من اكثر اشكال النضال تاثيرأ. ان هذه الاحتجاجات بغض النظر عن محصلتها النهائية قد غيرت المعادلات السياسية ودشنت عصرا جديدا في العراق لعدة اسباب ومنها: ان قضايا وهموم الجماهير لاول مرة منذ 2003 فرضت على اجندة الحكومة. ان الحكومة المشلولة بالصراعات الداخلية وحد غير مسبوق من الفساد هي الان مجبرة على التعامل مع القضايا التي تقلق الانسان العادي بشكل يومي. وتشمل هذه الاحجاجات معظم مناطق العراق وتمد من السليمانية في كردستان الى البصرة في الجنوب وتشمل الكثير من المدن والقصبات. لقد تجاوزت الجماهير الانقسامات الطائفية والقومية والعشائرية المفروضة على المجتمع وبذلك لقد داست على مقومات التي تأسست على اساسها الحكومة العراقية. وبذلك اثبتت بطلان الادعاء بان الحكومة الطائفية والقومية والعشائرية هي انعكاس لهكذا انقسامات في المجتمع وبرهنت بان هذه الانقسامات والحكومة مفروضة على المجتمع.
ان هذه الاحتجاجات تعبر عن عضب كبير على القوى الحاكمة والظروف التي فرضتها على الجماهير. ومن خلال هذه الاحتجاجات كسرت الجماهير حاجز الخوف من السلطة وهي تبني ثقتها بالنفس وفي القدرة على احداث التغير. فالجماهير لم تعد تنتظر التغير من الفوق او حتى من خلال الاليات التي يدعو اليها الحكام من قبيل الانتخابات. ولم يكن للغرب والقوى الراسمالية العالمية اي دور في شروع هذا النضال التاريخي في حياة هذه المنطقة والعالم.
ان المطاليب التي ترفع في الاحتجاجات في انحاء البلد متشابهة مع ان الاحتجاجات بشكل عام غير منسقة. يجب الاشارة بان هناك جهود جدية من اجل تنسيق النضال في المناطق المختلفة. كما ان اليسار والشرائح العلمانية هي المسيطرة على هذه الاحتجاجات. ان النضال الحالي هو المناسبة والمقياس الذي يعبر عن قوة التيار اليساري والشيوعي في المجتمع وعن اهدافه ومواقفه و ليست الانتخابات. ان القيادة والقوى الدينية وقفت ضد الاحتجاجات او على الاقل دعت الى المزيد من الصبر على الحكومة.لقد عملت كلما في وسعها للحط من هيبة المهتجين ضد الحكومة او على الاقل على نشر الوهم بان التغير سوف ياتي قريبا على يد هذه الحكومة. مع قرار مجموعة الصدر بعدم المشاركة لقد وضع الجناح العلماني واليساري والشيوعي في المجتمع بالضد من القوى القومية والطائفية والعشائرية. لقد قرر الاسلام السياسي هذه المرة عدم استخدام الديماغوجية كالعادة لايهام الجماهير لانه يعرف جيدا بان المشاركة مع الجماهير قد تشوش وتخلط الامور وتمكن بعض اجنحة الاسلام السياسي من الادعاء بالبراءة من الجرائم التي اقترفوها، الا ان المشاركة قد تعمل ضدهم وتخرج هذه المظاهرات من ايديهم وبالتالي تكنسهم من السلطة بشكل نهائي. ان الوقت الحاضر هو وقت صعب للاسلام السياسي في العراق كشريك اساسي في السلطة. فهو الان بشكل واضح في خندق مضاد للجماهير ومطاليبها.
كما ان احد الامور المهمة حول هذه الاحتجاجات هي كونها تاتي من القاعدة وهي تتبنى اساليب تنظيمية قاعدية بما فيها توجه نحو بناء مجالس في مواقع العمل والعيش. من الواضح نحن بعيدين عن تشكيل مجالس عمالية وجماهيرية تعبر عن ارادة العمال والجماهير في العراق كسلطة وحيدة او على الاقل كسلطة مزدوجة مع اجهزة الدولة ولكن هناك نوايا لمجالس تاسست والنضال من اجل هذا النوع من التنظيم جاري.
بالرغم من الكثير من التوهمات في صفوف المحتجين فان الطبيعة الطبقية للنضال هي واضحة والعمال والشرائح المحرومة في المجتمع هم في مقدمة هذا النضال. ان المطاليب التي رفعت في العراق هي مطاليب طبقية. ان الجماهير تريد تغير ملموس في حياتها فيما يخص الحرية ومستوى المعيشة وهذا لايمكن تحقيقه بدون الاطاحة بكل العملية السياسية في العراق. هذه الحقيقة تتوضح بسرعة للجماهير في العراق.
حتى اكثر الديمقراطيات البرلمانية تقدما والتي تتشهد انتخابات حرة تمثل دكتاتورية البرجوازية التي تستندعلى العمل الماجور ومنع الطبقة العاملة عن المشاركة الحقيقية في السلطة. ان الانتخابات هي حول رؤية الاحزاب البرجوازية الحاكمة في ادارة المجتمع في اطار نفس النظام وقوانينه ومبادئه وقيمه المحددة مسبقا. وهناك تناقض بين النظام الرأسمالي وطموحات الانسان في حياة افضل في كل مكان. هذا التناقض هو في قمته في العراق. لذا ففي العراق كما في بقية دول الشرق الاوسط وشمال افريقيا يجب اسقاط النظام الحالي لتحقيق تغير ملموس في حياة الجماهير. في المقابل تحاول الطبقة الحاكمة في تحديد نتائج الثورات في تلك البلدان باقامة انتخابات " حرة" والقيام ببعض التغيرات السطحية. ولكن انتخابات " حرة" في ظل سيطرة الطبقة البرجوازية يمكن ان لاتعني شيئا عندما يتعلق الامر بحريات وحقوق الناس ومستواهم المعيشي. الجماهير في العراق تعرف هذه الحقيقية جيدا.
اذا كانت البرجوازية في تونس ومصر توعد الجماهير بانتخابات حرة ونطام ديمقراطي تعددي، في العراق هذه الورقة قد فقدت تأثيرها. بالنسبة للجماهير في العراق نظام مستند على الديمقراطية على الاقل على النمط العراقي والبرلمان والتعددية يعني لاشيئ. اذ ان هذه الامر لاتقول شيئا عن الاجور وفرص العمل والخدمات العامة والتعليم وحقوق العمال والنساء والشباب او عن فصل الدين عن الدولة والتعليم وغيرها.
هذا يبرهن حقيقية ان الحقوق والحريات المحدودة الموجودة في الغرب لم تمنح من قبل الديمقراطية البرلمانية وانما فرضت على النظام من خلال نضال مرير لاجيال كثيرة. ان الانتخابات والديمقراطية البرلمانية يمكن ان تتواجد مع مستويات فلكية من الفساد والفقر والقمع وتهميش الجماهير. النضال في العراق هو ضد نفس هذا النظام الذي يصور كحلم. النضال هو نضال طبقي الذي يجب ان يهدف الى اسقاط السلطة الحالية. رغم ان الجماهير في العراق لم تضع اسقاط الحكومة في برنامجها لحد الان بشكل واضح، في الحقيقية عندما نزلت الى الشوارع فهي ترفض النظام الديمقراطي والانتخابات. و المطاليب التي رفعت في العراق لايمكن ان تتحقق من دون الاطاحة بالسلطة الحالية.

من وجهة نظر البرجوازية وقواها السياسية ان النظام في العراق مختلف عن نظام صدام او النظام الليبي اوالسعودي او السوري. انه مختلف لكونه تعددي حيث تشارك الكثير من اجنحة البرجوازية في الحكم وهناك انتخابات كل اربعة سنوات . ولكن من وجهة نظر الطبقة العاملة والجماهير ليس هناك اي اختلاف يذكر. كلا هذين النموذجين للحكم يمثلان دكتاتورية الطبقة الحاكمة. وجود عدة مجاميع في الحكم لايمنعهم من الاتفاق على فرض نفس الظروف او حتى ظروف اسوأ على الجماهير. بالرغم من اختلافات كبيرة، كل القوى البرجوازية تتفق على الابقاء على العمل الرخيص وفرض حرمان وفقر وقمع غير مسبوق على الجماهير. انها تتفق على سرقة ثروة المجتمع والاشكال الاخرى من الفساد وتقسيم المجتمع على اساس طائفي وقومي وعشائري. والاكثر من هذا فان العراق هو في قمة القائمة فيما يتعلق بقلة الخدمات وفقدان الامان والبطالة. هذه المعدلات من الفقر والبطالة والفساد يحتاج الى قمه و خداع. لذا لايسمح للعمال بتشكيل منظماتهم المستقلة وليس لهم الحق في الاضراب والتظاهر. ومن جهة اخرى ان شبح الصراعات الطائفية والقومية يحوم دائما فوق الجماهير.
ان هذه الاحتجاجات اتت في وقت لم تكن الحكومة تعمل شيئا فيما يخص تدهور الخدمات والامن والفقر والتشرد والبطالة بالرغم من صرف البلايين من الدولارات فحسب بل ان الحكومة كانت في هجوم لفرض المزيد من الفقر على الغالبية الساحقة من الجماهير. لقد كانت بصدد الغاء البطاقة التموينية. لقد شنت حملة على الاجور والمستحقات ومن اجل فرض سياسة التمويل الذاتي. الحكومة ايضا شنت هجمة على الحقوق والحريات الفردية والمدنية وعلى العلمانية في المجتمع. لقد اتخذت اجراءات من اجل اسلمة المجتمع من خلال خطوات مثل منع محلات بيع الخمور والنوادي وزيادة الفصل الجنسي في المناطق العامة وغيرها.
وحتى في مواجهة الموجه الحالية من الاحتجاجات، فان الحكومة العراقية كانت قمعية كاي نظام دكتاتوري في المنظقة. الحكومة بما فيها رئيس الوزراء هددوا المتظاهرين بشكل مستمر. لقد دفعوا الاموال العامة لشراء مواقف رؤساء العشائر والمجاميع المختلفة وضمان وقوفهم الى جانب الحكومة. لقد نشروا الدعايات الكاذبة وحرضوا ضد المتظاهرين عن طريق اتهامهم بالتبعية للبعث والقائدة. لقد استخدمت القوى الحكومية الذخيرة الحية والمطاطية والقنابل الصوتية وخراطيم المياة ضد المتظاهرين. لقد قتلوا العديد من المحتجين و القوا القبض على اكثر من الف شخص وخاصة قادة الاحتجاجات. قامت الحكومة حتى بالقبض على المتظاهرين المصابين وهم يعالجون في المستشفيات. فرضوا قيود كبيرة على الوسائل الاعلامية لمنعها من تغطية الاحداث واعتدوا على المراسلين والاعلاميين.
لقد اغلق الطرق بين المدن وداخل المدن. لقد منع الماء والطعام من الوصول الى المتظاهرين. اغارت الشرطة والقوى الامنية على مكاتب الاحزاب المعارضة وبيوت قادة وفعالي الاحتجاجات. لقد دسوا البلطجية وسط المتظاهرين لنشر دعايات كاذبة لخلق الفوضى والارتباك وقتل المعنويات والثقة والقيام باعمال تبرر قمع القوى الامنية وشق صف المحتجين وتهديهم والاعتداء عليهم.
من جهة اخرى فان الحركة الاحتجاجية في العراق تواجه الكثير من العوائق. هناك غياب واضح للوحدة والتنسيق بين الافراد والمنظمات الجماهيرية والمهنية والمجاميع السياسية المشاركة فيها. وليس هناك قيادة بارزة لحد الان. لاتزال الحركة تظهر قلة مبادرة في مواجهة التكتيكات المختلفة التي تتبناها الحكومة لافشال النضال من اجل الخبز والحرية. وهناك توهم في النزعة القومية والوطنية العراقية كحل لكل علل النظام الحالي.
ان المظاهرات في ساحة التحرير والساحات الاخرى هي مهمة لانها تبرز كل الحركة وتجلب الدعم المحلي والدولي ولكنها ليست بكافية. هناك حاجة لتبني اشكال اخرى من الاحتجاج مثل الاضرابات والاعتصامات والعصيان المدني. في الحقيقية هناك الكثير من الاضرابات تجري في انحاء العراق كل يوم ولكنها ليست لحد الان جزء من نفس الحركة.
وهناك محاولات لتشكيل مجالس عمالية وجماهيرية ولكن هذا النمط من التنظيم العمالي والجماهيري يجب ان يطور بشكل سريع. ان التنظيم المجالسي ليس مهما للاطاحة بالنظام الرأسمالي فحسب بل مهم من اجل تحقيق المطاليب الانية ايضا. ان التنظيم المجالسي هو افضل وسيلة لتنظيم الاحتجاجات وضمان امنها ضد الجريمة و البلطجية المنظمة واخذ القرار على الخطوات اللاحقة للنضال. وهو افضل شكل تنطيمي لمواجهة قمع الحكومة ومواجهة محاولات افشال، وتحريف وخطف الحركة الاحتجاجية من قبل القوى الرجعية في السلطة والمعارضة.
قدرة تلك القوى للقيام بذلك اذا اقتصرت الاحتجاجات على المظاهرات في الساحات هي عالية لانها منظمة ولها مليشيات واعلام ومال. التنظيم المجالسي هو افضل شكل تنظيمي لحماية الممتلكات العامة وارواح وممتلكات الجماهير في اماكن العمل والعيش.
و هو الوسيلة الافضل لمواجهة مسالة وجود عدة دويلات في دولة واحدة. فالدولة مقسمة على اساس المناطق والمحافظات والمدن والقصبات والمناطق والمدن والقصبات المختلفة عمليا تحكم من قبل مليشيات مختلفة مرتبطة بشكل فضفاض بالمركز. المجاميع المختلفة تحكم من خلال التحكم بالجيش والشرطة والقوى الامنية. التنظيم المجالسي قادر على تقويض النفوذ السياسي والعسكري للمجاميع الرجعية في الحكومة والمعارضة في محل العمل والسكن وبالتالي على اكبر مثل المدينة والمنطقة.
المجالس العمالية ومجالس المحلات والمجالس الطلابية ستكون افضل جواب لمل الفراغ وضمان الامن والسلطة في اي منطقة تطرد منها الحكومة. خلال هذا الشكل التنظيمي يمكن اقناع الجماهير على عدم التنظيم على اساس الهويات الطائفية والقومية والعشائرية.انه الشكل التنظيمي الذي سيساعد الشرائح التقدمية والثورية لكي تكون لها اليد الطولى في المجتمع. لذا يجب ان تتكاتف الجهود للتقدم بهذا الشكل النتظيمي والاستفادة من كل المنابر الاجتماعية والسياسية للدفع به وتطويره باسرع مايمكن.