من قال أن العرب خارج السرب؟


حميد زناز
الحوار المتمدن - العدد: 3342 - 2011 / 4 / 20 - 01:02
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

"الحرية لا تُشحذ و إنما تؤخذ أخذا"
لويز ميشال

على لطافتها أصبحت كاذبة مقولة بعض المعلقين الفرنسيين حول العالم العربي القائلة بأن ما بين الديكتاتورية والحرب الأهلية لا يوجد شيء! فهل قدر المجتمع العربي معلق بين هذين الشرين كما أراد أن يوهمنا علي عبد الله صالح والقذافي وأغلبية الحكام العرب؟

يشترك قطاع كبير من المثقفين الغربيين مع الحكام العرب في نقطة واحدة هي جهلهم شبه المطبق بديناميكية المجتمعات العربية و التغيّر الكبير الذي طالها إذ لم تعد تقارير الأجهزة الأمنية العربية ولا البحوث الإستشراقية في الغرب قادرة على اللحاق بحركة هذا التغيير وتَمثّله. ورغم كل محاولات الحكام الهادفة إلى تجميد المجتمعات باسم الأصالة والعصبية الوطنية والدين وغيرها من المقولات التقليدية، ولست بحاجة إلى التذكير بذلك العمل الإستباقي الذي ارتكبته العصب الحاكمة والمتمثل في نشر الثقافة الإسلامية باعتبارها المناوئ الأساس للحداثة المنبئة حتما بالديمقراطية أو التداول على السلطة وهو ما لا يطيق تصوره سلاطين متنكرين طول عمرهم في ثوب "رؤساء جمهوريات". كانت أسلمة المجتمع مقصودة وذلك لضرب مُواطنَين برصاصة واحدة ، فمن جهة عزل الشعب عن محيطه العالمي وجعله يفرّخ أصوليين مغامرين يخيف بهم الحكام الشعب ذاته والغرب معا.

ولكن رغم الفخ المنصوب والتشويش والتضبيب، فقد مس التطور جوهر هذه المجتمعات جراء العولمة ولم تبق معزولة عن عصرها إذ لعبت الوسائط التكنولوجية الحديثة دور الرابط بينها وبين ما يجري في المجتمعات الحديثة وعلى الخصوص في الغرب المتقدم. ولئن بقي رجال السلطة في الماضي قابعين معتقدين بصلوحية قيم بائدة كما سبق أن ذكرنا وثبات الشعب وبقائه كما كان منذ 40 عاما، فإن الشعب قد تغيّر بمجيء جيل جديد متشبع بقيم إنسانية كونية وتطلعات معاصريه.. جيل تخلى عن الثقافة العمودية وبات ينهل من ثقافة أفقية وغير محلية ترنو إلى المواطنة والحرية والتمتع بحقوق الإنسان وكل الحقوق المعاصرة حتى وإن تناقضت مع القيم المحلية سواء أكانت دينية أو اجتماعية. جيل انعتق من أسر الإطار المرجعي لحضارته الخاصة وتجاور فلسفة لا تتشبهوا بالكفار". لقد دخلت الإنسانية في عصر الهجنة، بل الهجنة هي مستقبل البشرية السعيد. أنا إنسان وكل ما يمس الإنسان ليس غريبا عني، يقول هولندي القرن السادس عشر إرازم، وهذا هو بالذات حال الإنسان العربي اليوم.

إنه لمن المضحك حقا أن يبني الحكام سياساتهم وتحليلاتهم انطلاقا من مقولات و تصورات لم تعد تعني الشيء الكثير بالنسبة لمعظم الشباب في الوطن العربي اليوم، كالقبيلة والعشيرة والقائد الملهم والزعيم قائد الأمة والحزب المحرر واستعادة فلسطين كاملة غير منقوصة الخ! ومضحك أيضا أن نرى مراكز أبحاث في الغرب غارقة في تحليل ثقافة إسلامية محلية عتيقة انقرضت ولم يعد لها التأثير الحاسم على أغلبية الشباب العربي..فهل تفيد في شيء مقولة دولة الخلافة ودار الحرب ودار السلم والاختلافات الدقيقة بين المذاهب والنحل في معرفة وتعقل المجتمعات العربية الحالية؟ يمكن مثلا أن يناصر الشباب العربي الشعب الفلسطيني وأن يدافع عن حقه في الوجود ويمكن أن يضحي من أجل ذلك بأغلى ما يملك في نصرة المظلوم، ولكن أن يذهب ليموت تحت لواء إيديولوجية الاستشهاد من أجل حجيرات في القدس قالوا أنها مقدسة فذلك هو الوهم بعينه.

لم تذهب جهود أجيال من المفكرين والمثقفين والمناضلين العرب الحداثيين أدراج الرياح كما كان يأمل الإسلاميون ورؤوس أنظمة الحكم بل تراكمت رغم الصعاب والمحن وشكلت في النهاية رأسمالا علمانيا ديمقراطيا ساهم في إحداث قطيعة بسيكولوجية بين العربي وبين الرموز التقليدية المفروضة عليه، لم ينتبه إليها المراقبون المحليون أو بالأحرى منعتهم إيديولوجيتهم الإسلامية من تفحص الواقع وتسجيل ما يقع من خروج من مرجعية الماضي ومن معتقل الدين. أما مراقبو الخارج وفي الغرب تحديدا فقد ركزوا بل بالغوا في دراسة الظاهرة الإسلامية وأحزابها وعرابيها وهو ما حجب عنهم رؤية واقع المجتمع العربي المتعولم والمتعلمن باستمرار والذي يتوارى فيه واو الجماعة شيئا فشيئا لصالح ضمير الأنا.


يقول ريمون أرون أن الإنسان يصنع التاريخ ولكنه لا يعرف هذا التاريخ الذي يصنعه، ولكن على العكس من ذلك تماما فالإنسان العربي يصنع التاريخ هذه الأيام ويعرف جيدا التاريخ الذي يريد أن يصنع: تقرير مصيره!