لقاء حول -التيار التقدمي الكويتي-


أحمد الديين
الحوار المتمدن - العدد: 3278 - 2011 / 2 / 15 - 12:58
المحور: مقابلات و حوارات     

لقاء حول "التيار التقدمي الكويتي" مع أحمد الديين

كشف الكاتب أحمد الديين أن التيار التقدمي الكويتي هو تيار قديم وليس مستحدثاً، وقد شارك في تأسيس المنبر الديموقراطي ولم يكن يعمل بشكل علني ابان تعليق الدستور، لكنه ارتأى في الاونة الاخيرة ضرورة الاعلان عن تواجده، مشيراً الى انه باختصار هو تيار سياسي مستقل يؤمن بضرورة التقدم السياسي والاقتصادي والاجتماعي.

وقال الديين في لقاء مع «الراي» ان التيار التقدمي يؤمن بضرورة رفع الظلم الطبقي وذلك من خلال تدخل الدولة في الاقتصاد، وهو ما يمثل نقطة اختلافه مع التيار الليبرالي الذي اثبتت الازمة الاقتصادية العالمية فشل اطروحاته الاقتصادية، لافتاً الى ان التيار التقدمي يدافع عن مصالح الفئات الشعبية والطبقة العاملة وينظر للانظمة الغربية والولايات المتحدة على انها امبريالية استشرت عدوانيتها بعد تفرد القطب الاوحد.

وأشار الديين الى ان التيار التقدمي يرى ان الوصول الى الاشتراكية هدف بعيد المدى، وهو يتعامل انياً مع واقع ممثل في مواجهة التخلف والاستبداد، منطلقاً من اولوية مشروع الدولة الحديثة التي تسعى لارساء الديموقراطية الحديثة وليس ديموقراطية الحد الادنى، مؤكداً ان هذا التيار ليس له أي تمثيل برلماني ولكنه مشارك في التصدي لقضايا عدة طرحت في البلاد.

ونفى الديين أن يكون هذا التيار امتداداً للتكتل الشعبي البرلماني رغم قرب أطروحاتهما، لاسيما ما يتعلق بالدفاع عن المكتسبات الدستورية والشعبية، منوهاً الى ان ما يجمعهم مع التيارات الاسلامية ويفرقهم عنهم هو ما يجمعهم مع بقية التيارات من خلال مواقفهم من مختلف القضايا، خاصة وان خصمهم الأول هو النهج السلطوي.

ولفت الديين الى ان لدينا في البلاد تخلفا اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا رغم وجود دستور، فهو دستور الحد الادنى وغير مطبق وأفرغ من مضامينه الديموقراطية من خلال القوانين المقيدة للحريات، مشدداً على ان قيمة هذا الدستور كغيره من الدساتير يعكسها ميزان القوى. ولدينا في الكويت مشكلة اختلال هذا الميزان لصالح القوى المتربصة بالدستور، مشيرا الى ان موقفهم من تنقيحه ليس مطلقاً ومشروطاً بآليات ومحددات وبيئة معينة.

ولفت الديين الى ان بعض ابناء الاسرة الحاكمة يرى ان دستور 62 خطأ يجب تصحيحه، بينما هو مكسب ليس فقط للامة وانما لهم، من خلال تكريس شرعيتهم التاريخية في اطار الامارة التقليدية، مشدداً على ان ميزان القوى متغير، فرغم وجود غالبية برلمانية حكومية والعبث السلطوي هناك شباب واع ومحيط عربي بدأ يستفيق وينتفض على الاستبداد.

واوضح الديين ان لدينا ازمة سياسية تتمثل في التناقض القائم بين نهج «المشيخة» ومتطلبات التطور الديموقراطي لبناء الدولة الحديثة. وقد ان الأوان للاسرة الحاكمة بان تدرك ان مستقبلها مرتبط بتوافقها مع مشروع الدولة الحديثة، فهي جزء لا يتجزأ من صميم المجتمع الكويتي، مبيناً انه يخاطب بهذا الطرح الاطراف التي تحن لعهد المشيخة.

واكد الديين ان تفكيك الازمة السياسية يتطلب مرحلياً وقف نهج الملاحقات السياسية باسم القانون واهدار الحصانة البرلمانية وافراغ الدستور من محتواه عبر تفسير بعض مواده، وان يكون مدخل جميع هذه الاصلاحات رحيل الادارة السياسية واعادة الاعتبار لمشروع الدولة الحديثة الذي بدأ في عهد الشيخ عبدالله السالم، لافتا الى ان الدستور لم يمنح المحكمة الدستورية أي سلطة سوى تفسير القوانين واللوائح.



وفي ما يلي نص اللقاء:



• ذكرت في آخر ظهور اعلامي لك في ندوة النائب مبارك الوعلان بأنك مشارك في هذه الندوة كممثل عن التيار التقدمي الكويتي. فما هو هذا التيار ومتى تم انشاؤه ومن هم ممثلوه؟

- التيار التقدمي في الكويت بشكل عام تيار قديم وليس بجديد أو مستحدث، وكان يعمل بصورة مستقلة في بداياته. ولكن نظراً للظروف المصاحبة لفترة تعطيل الدستور لم يكن تيارنا يعمل بشكل علني، وبعد فترة تحرير الكويت تهيأت الفرصة لاعادة تشكيل التيارات السياسية والعمل بشكل علني. ونحن بدورنا كتيار تقدمي ساهمنا بالتعاون مع مجاميع أخرى في تأسيس المنبر الديموقراطي وتحديدا في الثاني من مارس 1991. وتوليت آنذاك منصب أول أمين عام مساعد للمنبر لهذا الائتلاف الوطني التقدمي.

وبحلول عام 1999 توليت منصب الأمين العام للمنبر وتولى رئاسته المرحوم سامي المنيس واستمر عمل الائتلاف على هذا النحو حتى وقعت خلافات بعد وفاة المنيس في عام 2000، ما أدى الى استقالتنا من مناصبنا أنا والأخ عبدالله البكر نائب رئيس المنبر والمرحوم الأخ صالح الدرباس ونافع الحصبان. باختصار نحن تيار سياسي مستقل ساهم في انشاء المنبر الديموقراطي وعمل بشكل مستقل فكرياً وسياسياً بعد الخروج من المنبر. وفي الآونة الأخيرة توصلنا الى ضرورة الاعلان عن وجودنا والتعبير عن مواقفنا من مختلف القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية بشكل مستقل.

• قبل الخوض في فكر أو ايديولوجية التيار الذي ينتمي له «التقدمي الكويتي» يستوقفني ويستوقف الكثيرين من المهتمين بالشأن السياسي مسمى هذا التيار «تقدمي» وهو اصطلاح ليس بجديد على القاموس السياسي العربي، لكنه عادة ما يكون مرتبطاً بالتيارات السياسية الأقرب الى الاشتراكية. فهل لك أن تعرفنا ما معنى تيار تقدمي كويتي؟

- كثير من المصطلحات ملتبسة، ومنها على سبيل المثال مصطلح الليبرالية فهو ينطلق من الايمان بالحريات الاقتصادية والشخصية لكنه أصبح اليوم يحمل مضامين أخرى. وكذلك مصطلح شيوعي كان يُطلق على أي معارض للأنظمة الحاكمة وغيرها من المصطلحات. ولكن بالنسبة لنا كتيار تقدمي كويتي نحن نؤمن بضرورة التقدم الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والعدالة الاجتماعية والمساواة ورفع الظلم الطبقي، وهذه أولوية بالنسبة لنا، وهي أيضاً نقطة خلافية رئيسية بيننا وبين التيار الليبرالي، اذ اننا نولي المساواة أولوية خاصة نرى أن الحرية الانسانية لا يمكن أن تكتمل من دون المساواة والتحرر من الاستغلال والظلم الطبقيين.

ونحن نؤمن بضرورة تدخل الدولة في الاقتصاد على خلاف ايمان الليبراليين بالنظام الرأسمالي ودفاعهم عن اقتصاد السوق، حيث أثبتت الأزمة الاقتصادية التي شهدها العالم أخيراً فشل أطروحات «النيوليبراليين» الداعين الى تقديس آلية السوق والمطالبين بانهاء الدور الاقتصادي للدولة.

• تقصد أن الأزمة الاقتصادية العالمية أنهت وبشكل قاطع نظرية «فرانسيس فوكوياما» بانتصار الليبرالية وحتميتها كنهاية لذروة الفكر الانساني، كما عبر عنها في كتابة «نهاية التاريخ»؟

- نظرية «فوكوياما» موضوع آخر، فهي جاءت بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وسقوط دول أوروبا الشرقية وسيطرة القطب الواحد على العالم.

ولكن فرانسيس فوكوياما تراجع عن أطروحته تلك لاحقاً. وعموماً في الكويت بعد فترة التحرير ورواج الأفكار النيوليبرالية بالغرب وتنامي سيطرة الفكر الليبرالي على العالم وجد بعض مَنْ كان في التيار الوطني نفسه أقرب الى الفكر الليبرالي والنيوليبرالي، ونحن على خلاف معهم اذ نرى ضرورة وجود دور للدولة في الاقتصاد، وأن آلية السوق غير قادرة على معالجة الأزمات من تلقاء ذاتها، كما أن آلية السوق الهوجاء من شأنها اشاعة الفوضى وتعمّق الأزمات الاقتصادية. كما أننا نرى أيضا أن هناك مسؤولية اجتماعية واقعة على رأس المال من خلال توفير فرص العمل وتحمّل جزء من ميزانية الدولة.

ونحن نرى أولوية العدالة الاجتماعية، ولهذا فنحن على خلاف الليبراليين ندافع عن مصالح الفئات الشعبية والطبقة العاملة ومحدودي الدخل. هذا من جهة ومن جهة أخرى نحن نختلف معهم في النظرة والموقف من الأنظمة الغربية والولايات المتحدة الأميركية، التي هي أنظمة امبريالية استشرست عدوانيتها بعد سيطرة القطب الأوحد على العالم.

• أفكاركم هذه اقرب ما تكون الى الاشتراكية فهل انتم تيار اشتراكي كويتي؟

- في العالم هناك عدة مدارس اشتراكية. فهناك الاشتراكية الديموقراطية، والاشتراكية الفابية في بريطانيا، وغيرها من الاشتراكيات في الدول الاسكندينافية، وفي الصين نظام اشتراكي حقق انجازات كبرى.

• وأين انتم من هذه التجارب؟

- هذه التجارب عالمية وهي نتاج الفكر الانساني المتجدد فهو فكر ليس جامداً، فهو فكر متطور ومتجدد، ونحن ضد الجمود الفكري. وباختصار نحن في التيار التقدمي الكويتي مع العدالة الاجتماعية سمها اشتراكية أو سمها ما شئت أن تسميها، ونرى أن الوصول للمرحلة الاشتراكية هدف بعيد المدى، ونحن نتعامل مع واقع متمثل في مواجهة التخلف والاستبداد والفساد والطغيان والظلم الاجتماعي. ونحن نواجه مهام وطنية ديموقراطية اجتماعية، ونرى أن النظام الرأسمالي نظام استغلالي آيل الى زوال.

• لكن هناك مَنْ يرى أن هذه الأفكار في ظل سيطرة الفكر الغربي الليبرالي وسيطرة القطب الأوحد المتمثل في الولايات المتحدة الأميركية على العالم وسقوط الاتحاد السوفياتي هي أفكار غير مناسبة، وربما كان من المقبول طرح مثل هذه الأفكار قبل خمسين عاماً وليس الآن؟

- أولاً وفق منظومة مراحل تطور الفكر الاقتصادي العالمي فان الرأسمالية أقدم واعتق من الاشتراكية، كما أن الفكر الاشتراكي جاء للتعبير عن الطبقة العاملة بعد نشوء النظام الرأسمالي، الذي يعاني أزمات ليست فقط أزمات دورية وانما أزمات عامة. والأزمة الاقتصادية الأخيرة خير مثال على ذلك.

النظام الرأسمالي نظام طبقي يحمل في طياته الكساد والركود والبطالة والتضخم والمعاناة الاجتماعية والافقار، وأنتج الاستعمار، فهو نظام غير انساني.

ورغم أن النظام الرأسمالي لايزال يتسيد في هذه المرحلة لكن هناك تطورات للفكر الاشتراكي وللأنظمة الاشتراكية لا يمكن تجاهلها، ومنها على سبيل المثال التجربة الصينية التي تطورت من مستعمرة يابانية في الأربعينات الى ثاني أقوى اقتصاد عالمي حالياً، وانتقلت من دولة متخلفة الى دولة متقدمة، وتتقدم أكثر وأكثر بقيادة الحزب الشيوعي الصيني، والتجربة الاشتراكية فيها رغم ما عانته من عراقيل وأخطاء في التطبيق الا أنها خلقت نموذجاً ايجابياً للتجربة الاشتراكية.

ونحن بالعودة الى التيار التقدمي الكويتي ننطلق من أولوية مشروع بناء دولة كويتية حديثة، ونضالنا وعملنا متصلان بالسعي لتأسيس ديموقراطية حديثة وليس ديموقراطية الحد الأدنى. نريدها ديموقراطية مكتملة تحقق العدالة الاجتماعية وقائمة على اقتصاد وطني منتج مستقل بما يتجاوز الاقتصاد الريعي التابع والمشوه الذي تأسس في بلادنا.

• ذكرت في البداية أن التيار التقدمي الوطني ليس بجديد وهو تيار قديم. فأين أنتم في الآونة الأخيرة وما أسباب تراجع التيار الوطني بشكل عام في الحراك السياسي القائم بالبلاد رغم انه كان متسيداً للمشهد السياسي في السابق؟

- اذا كنت تقصد التيار الوطني والتقدمي بمعناه العام وليس التيار التقدمي الكويتي بمعناه الخاص والذي أمثله، فهو لم يكن تياراً متسيداً للساحة السياسية ولكن كان له حضور أوضح في الستينات والسبعينات، ثم تعرض هذا التيار الوطني التقدمي الى هجمة سلطوية شرسة. فعلى سبيل المثال عندما حدث الانقلاب على الدستور في عام 76 كان أول مَنْ تم اعتقاله بسبب توزيع بيان ضد ذلك الانقلاب على الدستور هم القادة العماليون النقابيون الوطنيون التقدميون ومنهم علي الكندري وناصر الفرج وحسين اليوحة وناصر ثلاب ونهار المكراد وجلال السهلي ورجا العتيبي وثابت الهارون وزملاؤهم. ولم تكتف السلطة بما فعلته عندما حلت مجالس ادارات بعض الجمعيات التي وقعت على ذلك البيان، وانما استهدفت معقل التيار الوطني التقدمي المتمثل في نادي الاستقلال الثقافي الاجتماعي وحلته بشكل نهائي، ولاتزال السلطة ترفض عودته حتى وقتنا هذا، رغم عودة جمعية الثقافة الاجتماعية وهذا حق. ولكن الحقد السلطوي لا يزال متأصلاً ضد التيار الوطني التقدمي. وللأسف أيضاً فقد تم في فترات معينة استخدام بعض أطراف التيار الاسلامي في هذه الحرب السلطوية، وبالتالي فنحن مستهدفون ومهمشون ونتعرض الى تهميش لا يزال مستمراً.

كما أن هناك أخطاء ارتكبها التيار الوطني التقدمي وهي أخطاء يتحملها بالأساس الخط الليبرالي أو النيو ليبرالي في الحركة الوطنية، فممثلوه تخلوا عن تقاليد الحركة الوطنية والتقدمية الكويتية التي كانت تنتهج نهج المعارضة الوطنية التقدمية وتستند الى الفئات الشعبية والطبقة العاملة، فأصبح جزءا من خطاب الحركة نخبوياً يخدم مصالح أصحاب رؤوس الأموال ومعارضاً للمطالب الشعبية وتغريبياً، ولذلك ابتعد هذا التيار عن هموم الناس والفئات الشعبية وأصبح خطابه فئوياً ويمثل تجمعات انتخابية في بعض الأحيان وهذا ما أدى الى تراجع التيار.

• أين أنتم من الشارع السياسي وفئة الشباب وهل لكم هيكل تنظيمي وآلية انتساب؟

- نحن موجودون ولكن لننتبه لنقطة مهمة، فجميع التنظيمات السياسية في البلاد تعمل عبر وضع غير مشهر قانوناً، فلا تستطيع أي حركة سياسية سواءً الحركة الدستورية الاسلامية أو التجمع السلفي أو التحالف الوطني أو المنبر أو تيارنا التيار التقدمي الكويتي أن تفتح حساباً خاصاً بها في البنوك المحلية، ولا يوجد لدى أي حركة أو تيار شخصية اعتبارية قانونية. فنحن في وضع لا يسمح لنا بالاشهار وبالتالي فانّ أي تنظيم سياسي لا يستطيع أن يأخذ مداه.

ونحن كتيار تقدمي بغض النظر عن موقعنا وأماكن تواجدنا سياستنا معلنة ونعتبر أنفسنا ممثلين للفئات الشعبية من محدودي الدخل والطبقة العاملة. ونحن معنيون بهموم الفقراء والبسطاء من الناس ولا نمثل البرجوازية الكبيرة وأصحاب المصالح الكبرى.

نحن نضع قضايا الناس أولوية لنا، ومنها البطالة والعدالة الاجتماعية والتضخم والسكن، ولسنا طرفاً في البرلمان ولم نمثل في البرلمان في أي فترة من الفترات لكننا نشارك في التصدي للكثير من القضايا، ومنها على سبيل المثال فقد شاركنا في التصدي لقانون الخصخصة حيث تصدينا له عبر وسائل الاعلام والأنشطة السياسية والجماهيرية وبعض التعديلات التي اقترحناها على نواب التكتل الشعبي بعد اقرار القانون في مداولته الأولى، اذ كنا ضد خصخصة القطاع النفطي والصحة والتعليم هذا على سبيل المثال، ونحن نعمل في حدود امكانياتنا وقدراتنا.

• هل انتم كتيار تقدمي كويتي قريبون من كتلة العمل الشعبي، خاصة أنك شخصياً تصنف قريباً من هذه الكتلة سياسياً من خلال انسجام مواقفك السياسية مع أطروحاتها؟

- كتلة العمل الشعبي كتلة برلمانية تضم نواباً فقط ولا عضوية فيها لغير النواب. وفي الآونة الأخيرة أعلنت الكتلة عزمها على إنشاء تيار سياسي تحت اسم «حشد» نتمنى لها التوفيق.

انا شخصياً تربطني بهم علاقات صداقة وتعاون ولاسيما في قضايا الدفاع عن المكتسبات الدستورية والشعبية، ولكننا لسنا جزءاً أو امتداداً لهم، مثلما تربطنا أيضاً بالمنبر الديموقراطي علاقات طيبة بوصف المنبر ائتلافا وطنيا عاما، وهناك جزء من عناصر التيار التقدمي الكويتي مشارك فيه.

• اذاً ما الفرق بين منطلقاتكم ومنطلقات كتلة العمل الشعبي، فمواقفكما مشتركة في مسالة تمثيل الطبقة البسيطة وحماية المكتسبات الدستورية والشعبية، ولماذا لا يتم انصهاركما معاً في تيار سياسي مشترك؟

- نحن لسنا شعبويين، ولسنا مع دغدغة مشاعر الناس ولا يعني ذلك أن كتلة العمل الشعبي تعمل بهذا الشكل، ونحن نربأ بها عن ذلك. أما تيارنا فهو تيار سياسي تقدمي موجود وقديم في البلد. ومن الظواهر الصحية أن تتنوع المنابر وتتعدد التعبيرات السياسية وتتعاون في اطار ما يجمعها.

• وماذا عن علاقتكم وموقفكم من التيارات الاسلامية؟

- التيارات الاسلامية ليست كتلة صماء واحدة، اذ يوجد داخلها تفاوت وتمايز طبقي نجده في داخل الحركة السياسية الاسلامية الواحدة بحكم المصالح المتعارضة وما شابه. وبعض منتمي هذا التيار تم استخدامهم في فترات سابقة ابان الحرب الباردة بين المعسكرين الاشتراكي والرأسمالي في أفغانستان. ونحن نرى أن الاسلام بعد انتهاء الحرب الباردة أصبح محل هجوم واستهداف من قبل الغرب الامبريالي ومحاولة وضعه كخصم بديل عن الاشتراكية في مواجهة الحضارة الغربية، وهذا أخذ أشكالاً عدة. وباختصار فان ما يجمعنا مع الاسلاميين ويفرقنا عنهم أو سواهم هو ما يمكن أن نتفق أو نختلف عليه من قضايا. فنحن نتحدث عن اعادة الاعتبار الى مشروع بناء الدولة الحديثة، فاذا كان التيار الاسلامي مع هذا المشروع سيكون هذا موضوع اتفاق، أما اذا كان التيار الاسلامي يتحدث عن بناء دولة اسلامية فهذا أمر آخر وهو موضوع خلاف. كما يحدد علاقتنا مع التيار الاسلامي الموقف من قضايا العدالة الاجتماعية والديموقراطية السياسية والحريات الشخصية. ونحن نختلف مع هذا التيار في قضايا تقييد الحريات الشخصية والتزمت، ولكننا لا نرى أن التيار الاسلامي خصمنا الأول، وانما خصمنا الأول هو النهج السلطوي، وبالتالي فهناك أشياء تجمعنا مع التيار الاسلامي وأشياء نتعارض فيها، مثلما هناك أشياء تجمعنا مع التيار الليبرالي ونتعارض معه حولها، وعلى أي حال نحن ضد استغلال الدين في السياسة، فالدين ثابت والسياسية متغيرة، ولسنا ضد وجود أحزاب اسلامية تؤمن بالنظام الديموقراطي مثلما هناك في الغرب أحزاب مسيحية ديموقراطية، اذا كان الدين مصدر قيمها وليس برنامجاً سياسياً يهدف الى قيام دولة دينية.

• انتم تدعون الى التقدم السياسي والاجتماعي والاقتصادي على المستوى المحلي، فهل تعتقدون أن الكويت تعاني من تخلف اقتصادي وسياسي واجتماعي رغم الحريات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية المنظمة دستورياً، ورغم المشاركة الشعبية في الحكم من خلال الدستور الكويتي؟

- في الكويت اقتصاد ريعي يعتمد على مورد وحيد، وهو اقتصاد مشوه وتابع، تطوره مشوه وهو اقتصاد تابع في اطار التقسيم الدولي للاقتصاد الرأسمالي العالمي يقوم بدور تصدير النفط الخام واستيراد المواد الاستهلاكية، ولا يمكن لأي تنمية أن تتحقق في البلاد في ظل اقتصاد يحد من تطور القوى المنتجة.

فنحن لدينا تخلف اقتصادي مستتر بتغطية من ايرادات النفط الآيل الى نضوب من خلال الاستنزاف أو ايجاد أي بدائل للطاقة.

وعلى الصعيد السياسي نعم لدينا تخلف، فرغم وجود الدستور الا أنه دستور الحد الأدنى، وهو غير مطبق على نحو كامل، وتم افراغه من مضامينه الديموقراطية من خلال القوانين المقيدة للحريات والمصادرة للحقوق الديموقراطية. وهو لا يضمن التعددية السياسية والحزبية والتداول السلمي للسلطة التنفيذية أو طرح الثقة بالحكومة ككل. وهناك التراجع عن مشروع بناء الدولة الكويتية الحديثة الذي انطلق في فترة الستينات بعد الاستقلال.

وعلى صعيد التخلف الاجتماعي هناك محاولات من بعض القوى المتنفذة في البلاد لتكريس التخلف الاجتماعي وتعزيز الهويات الصغرى «القبلية أو الطائفية أو الفئوية أو العائلية» كبديل عن الهوية الوطنية الكبرى.

• هل أنتم من دعاة تنقيح الدستور وتطويره؟

- في البداية ننحن ننطلق من قاعدة الدفاع عن المكتسبات الدستورية وعدم المساس بها، ونرى أن أي تنقيح للدستور يجب أن يتم عبر الآليات الدستورية من خلال طلب يقدم من صاحب السمو الأمير أو من ثلث أعضاء مجلس الأمة ويستكمل بموافقة الغالبية التي يتألف منها مجلس الأمة على التنقيح من حيث المبدأ والموضوع، ثم التصويت عليه بغالبية الثلثين مادة مادة، وأخيراً تصديق سمو الأمير عليه. وكذلك لابد أن يكون التنقيح وفق المحددات الدستورية، التي تحظر المساس بمبادئ الحرية والمساواة وتدعو الى تعزيزها وتوسيعها، والأهم أنّ هذا التنقيح الديموقراطي لا يمكن أن يتم الا في ظل ميزان قوى مواتٍ للتطور الديموقراطي وليس في ظل ميزان مختل لصالح الطرف الرجعي أو السلطوي، ما سيتمخض عنه مزيد من التراجع والتخلف. وبالتالي فانّ موقفنا من التنقيح ليس مطلقاً وانما مشروط بالآليات والمحددات والبيئة المعينة.

وفي نهاية الأمر فان قيمة الدستور الكويتي أو أي دستور انما يعكسها ميزان القوى. ولدينا في الكويت مشكلة اختلال في ميزان القوى في البلاد لصالح القوى المتربصة بالدستور، وبعض أبناء الأسرة الحاكمة يرى أن دستور 62 خطأ تاريخي يجب تصحيحه، بينما هو في واقع الحال مكسب ليس فقط للأمة وانما أيضا للأسرة الحاكمة نفسها من خلال تكريس شرعيتها التاريخية في اطار الامارة التقليدية بشرعية دستورية في اطار الدولة الحديثة.

• وما الضابط الذي يمكن من خلاله مساواة كفتي ميزان القوى في البلاد والحيلولة دون ترجيح كفة على أخرى، والى أين يميل في هذه الآونة؟

- ميزان القوى متغير. صحيح أن هناك غالبية برلمانية تابعة للحكومة وهناك عبث سلطوي ولكن لدينا في المقابل مجتمع حي وشباب ينهض وينتبه وبدأ يعي دوره ومسؤولياته. ولدينا محيط عربي بدأ يستفيق وينهض وينتفض على الاستبداد.

• هل ستكون لهذه النهضة العربية أو الواقع العربي الجديد انعكاسات على أوضاع المنطقة ووضعنا المحلي وكيف؟

- طبعاً ستكون هناك انعكاسات وتأثيرات، فنحن لا نعيش بمعزل عن محيطنا العربي. والوضع العربي المستجد في بداياته، فنجاح الشعب التونسي في اجراء التغيير ونضال الشعب المصري من اجل التغيير بالتأكيد سيفرضان واقعاً جديداً في المنطقة، اذ انتبهت الشعوب العربية الى ضرورة تغيير وضعها البائس واكتشفت قدرتها على التحرك من اجل تغيير هذا الواقع. وبالنسبة للحالة الكويتية فنحن نعاني أزمة سياسية منذ فترة طويلة تتلخص في التناقض القائم بين النهج السلطوي، نهج المشيخة من جهة وبين متطلبات التطور الديموقراطي لبناء الدولة الحديثة من جهة أخرى. وقد حان الوقت للتخلي عن نهج المشيخة وأن يتوافق مشروع الحكم مجدداً مع مشروع بناء الدولة الكويتية الحديثة مثلما كان الحال في عهد الشيخ عبدالله السالم مع بدايات دولة الاستقلال والنظام الدستوري عندما توافق مشروعا الحكم وبناء الدولة الكويتية الحديثة في مشروع واحد. ولكن للأسف فقد تم التراجع عن ذلك التوافق، وهنا تكمن أزمتنا الرئيسية.

• وكيف يمكن تفكيك هذه الأزمة من وجهة نظرك؟

- تفكيك الأزمة السياسية يتطلب خطوات واستحقاقات كثيرة منها ما هو آنٍ ومرحلي ومنها ما هو على مدى أبعد. فالاستحقاقات الآنية تتمثل في وقف نهج الملاحقات السياسية تحت غطاء قانوني لأي معارض للحكومة ورئيسها بما في ذلك القضية المرفوعة على النائب فيصل المسلم. كما يجب ايقاف نهج اهدار الحصانة البرلمانية الموضوعية لنواب الأمة، وأن تسحب الحكومة طلب تفسيرها الخطير لعدد من مواد الدستور، الذي من شأنه اقحام القضاء في الخلاف السياسي وتنقيح الدستور وتفريغه من محتواه من خلال اعادة تفسيره. وكذلك يفترض أن تسحب الحكومة مشروعي قانونيها لتعديلات الاعلام المرئي والمسموع والمطبوعات والنشر اللذين يكبلان حرية الرأي والتعبير والنشر. ولا بد أيضاً من التراجع عن تقييد الاجتماعات العامة دون سند دستوري أو قانوني، ومعاقبة المتسببين في قمع المواطنين والنواب المجتمعين في ديوانية النائب الدكتور جمعان الحربش، ومحاسبة مَنْ برر هذا الاعتداء وضلل الرأي العام حول حقيقة ما حدث، وضلله في جريمة قتل المواطن محمد الميموني. ومدخل كل هذه الاصلاحات يتحقق عبر رحيل الادارة السياسية الحالية، فهي ادارة فاشلة متخبطة عاجزة غير قادرة على ادارة البلد وأدخلته في أزمات.

• وما الاستحقاقات والمتطلبات التي يجب اتخاذها على المدى البعيد لتفكيك الأزمة السياسية؟

- هناك استحقاقات لتطور ديموقراطي متسق منها اعادة الاعتبار لمشروع الدولة الحديثة وعدم وضع مشروع الحكم في مجابهة هذا المشروع، فقد آن الأوان لأن تدرك الأسرة الحاكمة أن مستقبلها مرتبط بتوافقها واندماجها مع مشروع بناء الدولة الكويتية الحديثة، فهي جزء لا يتجزأ من صميم المجتمع الكويتي ولا يفترض أن تتوهم أنها في خندق والشعب الكويتي في خندق آخر. فلابد من مواكبة العصر، وأخاطب هنا الأطراف التي لاتزال تحن الى عصر المشيخة، مع احترامنا للشيوخ على المستوى الاجتماعي الذي لا علاقة له بالمشروع السياسي. وهناك ضرورة لتحقيق الاستجابة لمتطلبات التطور الديموقراطي وتحديدا وجود حياة حزبية منظمة، وتعديل قانون الانتخاب بما يضمن العدالة في توزيع الأصوات والنزاهة في العملية الانتخابية، وهناك ضرورة للاقرار بمبدأ التداول الديموقراطي للسلطة التنفيذية، ولا نتحدث هنا عن الامارة فهي مسألة محسومة، وانما نتحدث عن التداول الديموقراطي على مستوى السلطة التنفيذية.

• ذكرت ضمن الاستحقاقات الآنية لتفكيك الأزمة السياسية في البلاد سحب الحكومة لطلبها بتفسير بعض مواد الدستور وتعديلاتها على قانوني المرئي والمسموع والمطبوعات. ألا تعتقد أن لجوء الحكومة الى المحكمة الدستورية هو حق من حقوقها وأن تقديمها لأي تشريعات للمجلس أيضا حق من حقوقها الدستورية. وفي النهاية المجلس هو مَنْ يقبل أو يرفض هذه التعديلات؟ ألا تعتقد أن هناك ازدواجية للممارسة الديموقراطية في الموقف تجاه مثل هذه الاستحقاقات؟

- الدستور في المادة 173 المتصلة بالقضاء الدستوري لم يمنح المحكمة الدستورية سلطة سوى سلطة واحدة تتمثل في النظر بمدى دستورية القوانين واللوائح. والمذكرة التفسيرية لهذه المادة تحدثت من بين ما تحدثت عن دور القضاء في تفسير القوانين ومن بينها الدستور «قانون القوانين» وهذا النص في المذكرة التفسيرية ملتبس لأنه غير وارد في نص حكم المادة 173 ولأنه لا يتحدث عن التفسير المباشر لنصوص الدستور، وانما التفسير المرتبط بالنظر في دستورية القوانين، ولكن للأسف فقد تضمّن قانون المحكمة الدستورية في عام 73 استحداثاً لحق تفسير الدستور، ومن جانب آخر فقد أناط مجلس الامة بالمحكمة مسؤولية النظر بالطعون الانتخابية لمجلس الأمة. وللعلم فقد سبق للمحكمة الدستورية في قرار تفسيري لها أن حددت أوجه التفسير في ثلاثة أشكال ليس بينها التفسير المباشر لمواد الدستور، هذا ناهيك عن أنه اذا افترضنا أن للحكومة حقاً في اللجوء للمحكمة الدستورية فقد تمادت الحكومة في استخدام هذا الحق، اذ ان هناك 12 طلباً حكومياً لتفسير العديد من مواد الدستور، بينما لم يستخدم مجلس الأمة هذا الحق في طلب التفسير سوى مرة واحدة في عام 1996 لمعرفة كيفية حساب الأغلبية في انتخابات رئيس مجلس الأمة. ومن المفارقات في الطلب الحكومي الأخير أنه يتضمن اعادة تفسير المادة 100 من الدستور وهي نفس المادة التي سبق أن طلبت الحكومة تفسيرها في عام 2005 وصدر قرار تفسيري من المحكمة الدستورية في شأنها. وهذا التمادي من شأنه اقحام القضاء الدستوري في الخلاف السياسي، والأخطر من ذلك أنه في ظل الرئاسة الحالية ومكتب المجلس الحالي وتعطيل الجلسات في الوقت الحاضر وتحديد موعد النظر بهذا الطلب الحكومي يوم 21 فبراير والمجلس معطل أن المجلس لن يستطيع أن يقدم رأيه للمحكمة الدستورية ويشرح وجهة نظره في طلب التفسير.

أما في ما يتعلق بتعديلات قانوني المطبوعات والمرئي والمسموع فصحيح أنه من حق الحكومة تقديم التعديلات لكن في حقيقة الأمر فان الحكومة تراخت مع بعض أجهزة الاعلام العاملة على تمزيق النسيج الوطني الاجتماعي، كما تراخت في تطبيق القوانين القائمة، خاصة ما يتعلق منها بتعيين مدققين ماليين لدور الصحف والمؤسسات الاعلامية. هذا ناهيك عن أن القوانين القائمة تعاقب وتجرم من يزدري أي فئة من فئات المجتمع أو يحض على كراهيتها. كما أن القانونين الحاليين يتضمنان عقوبات مغلظة وتقييداً في بابي المسائل المحظور نشرها أو بثها. وقد أضافت التعديلات الحكومية الأخيرة قيوداً ثقيلة جديدة وهذا أمر خطير فالعقوبات المغلظة و رفع الحد الأدنى للغرامات من 500 دينار الى 50 ألف دينار أما حدها الأعلى فسيصل الى 300 ألف دينار وهذا شيء غير معقول وغير مقبول وغير ممكن. أضف الى ذلك أن التعديلات الحكومية تفرض الرقابة المسبقة على المطبوعات غير الدورية والانتاج التلفزيوني، وكانت عقوبة الحبس في القانونين الحاليين تنحصر فقط في المساس بالذات الالهية والأنبياء والصحابةـ وقد تم التوسع في التعديلات الحكومية الجديدة لتشمل أموراً أخرى. وللأسف فان ميزان القوى الحالي داخل هذا المجلس البائس يسمح باقرار مثل هذه التعديلات، وعندما تقر فلن يكون هناك اعلام وعلى الصحف أن تعيد نشر ما تبثه وكالة الأنباء الكويتية وعلى «الفضائيات» الخاصة أن تشبك ارسالها مع قنوات التلفزيون الرسمي.

باختصار هذه التعديلات جزء من نهج سلطوي يهدف الى تقييد الحريات العامة. وفي هذا الاتجاه هناك استهداف أيضاً لحرية النشر الالكتروني، وهناك مشروع قانون مقيد لحرية النشر الالكتروني وهذا ما يدفعنا الى معارضة هذه التعديلات.



جريدة الرأي: حوار وليد الهولان

13 فبراير 2011