هل وجد محمد عبده الإسلام في الغرب حقا؟


حميد زناز
الحوار المتمدن - العدد: 3225 - 2010 / 12 / 24 - 14:08
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

حينما كنا صغارا كان الكبار و المعلمون منهم على وجه الخصوص يقنبلون أذهاننا البريئة بجمل سخيفة وكلمات جاهزة أقل ما يقال عنها أنها كانت اعتداءات سافرة على طفولتنا، وقد آن الأوان لإعادة النظر فيها و تتبع أخطارها إذ لا تزال تفعل فعلها التخريبي لدى كثير من ضحايا الأسلمة والخونجة... وجدت الإسلام ولم أجد المسلمين ، تلك واحدة من ترسانة الجمل الفارغة التي يملؤها و يثبتها ويروجها التكرار. هي كلمة قالها الشيخ محمد عبده ليعبّر عن إعجابه بما رأى في فرنسا من عدالة ومساواة وتقدم في كل مناحي الحياة. وحينما عاد إلى مصر ووقف على الخراب الشامل الذي يضربها عاد ثانية ليقحم الدين الإسلامي في توصيفه وتفسيره لوضع بلده: وجدت المسلمين ولم أجد الإسلام . فكأن التحضر يقاس بمدى حضور الإسلام أو غيابه! فهل وجد الشيخ محمد عبده الإسلام مُطبقا في فرنسا ولم يعثر له في مصر على أثر يذكر؟
لا هذا ولا ذاك يجيب كل من لا يريد الاعتداء على مبدأ العلة والمعلول، فلا علاقة بالإسلام بما رأى الشيخ في فرنسا لا من بعيد ولا من قريب. أما في مصر فالمصريون كان أغلبهم من المسلمين والإسلام هو حامله. فأي إسلام رأى في فرنسا نهاية القرن التاسع عشر؟ هل هو أفكار الثورة الفرنسية؟ ألم يلاحظ انفكاك الفكر الفلسفي وتميزه عن اللاهوت؟ هل غاص عميقا في الحياة الاجتماعية وحلل المنظومة الأخلاقية التي تتيح له فهم المسار التاريخي الذي جعل الفرنسيين يتعلقون تعلقا شديدا بالحرية والمساواة؟ هل ترث الفرنسيات مثلما ترث المسلمات؟ وهل سيف"القوامة مرفوع فوق رؤوسهن كما هو حال المسكينات في بلدان الإسلام؟ هل حرية العقيدة كالردة؟ هل يتساوى عقل متحرر من القداسة و عقل مرتهن لها؟
لم تنبت فرنسا هكذا في الأرض هدية من الله وإنما هي نتيجة جهود جبارة وتطور بطيء ومعقد وثورات ومد و جزر.. فبأي حق ينتحل المسلمون عرق غيرهم و دمهم؟ لقد استغلوا كلمة الشيخ لينزعوا من الفرنسيين والغرب كل ما هو عقلاني وجميل و نظيف.. وينسبونه إلى دينهم؟ وكيف يدعي أحفاد محمد عبده اليوم ودون حياء أن العلوم الغربية الحديثة موجودة في القرآن؟
لو لم ينهزم المسلمون في بواتييه سنة 732 لما رأى الشيخ شيئا يروقه في بلاد الفرنسيس ولما استطاع أن يفرق بين القاهرة وباريس؟ فالسربون كانت جامعة دينية وغدت من أهم مراكز الإشعاع العلمي في الدنيا بينما لا يزال أزهره غارقا في الغيب الإسلامي إلى اليوم.
أما عن ذلك الإسلام المثالي الذي لم يجده محمد عبده في مصر والذي كان بإمكانه أن يجعل منها بلدا مثل فرنسا فلا أحد رآه ولن يراه أحد. ولحسن حظهم، لم يطبق المصريون الشريعة الإسلامية كاملة لا في ذلك الوقت ولا الآن وإلا كانت كارثة على الطريقة الأفغانية أو الإيرانية. يكفيهم الشيء اليسير المجرب منها والذي أوصلهم إلى ما هم عليه، والآتي أعظم إن لم يفيقوا من الغفوة الدينية. ولنأخذ تحديد النسل على سبيل المقارنة لنعرف أن الشيخ عبده قد خيّل إليه عندما اعتقد أنه وجد الإسلام في فرنسا ولم يجده في مصر. في بلد الجن و الملائكة تم تنظيم النسل وفصل الجنس عن الإنجاب وكان ذلك من أهم أسباب التطور الاقتصادي والاجتماعي والمعيشي، ولكن في المقابل لم يحدث ذلك في بلد عمرو خالد ولا زالت آلة الإنجاب تشتغل ليلا ونهارا ويتكاثر المصريون لاعقلانيا خوفا من عذاب جهنم وكل ذلك على حساب التنمية وقد تردى الوضع إلى درجة باتت التنمية فيه شبه مستحيلة. وستستحيل في كل الوطن العربي إن هيمن الفقهاء أو بالأحرى إن لم يُطردوا من المدينة. فهل يأتي الخير ممن يصرح: " إنّ التكاثر في النسل من أعظم نِعَم الله تعالى على عباده، وكثرة النسل كثرة وعزّة لأمّة الإسلام. قال صلّى الله عليه وسلّم: تزوّجوا الولود الودود فإنّي مُبَاهٍ بكم الأمم يوم القيامة ، رواه أبو داود والنسائي وهو صحيح." هذا ما يقوله يوم 22 نوفمبر 2010 مفتى أكبر جريدة جزائرية رادا على سؤال من سيدة حول حكم تناول حبوب منع الحمل والعزل؟ و يؤكد: " تحديد النسل غير مستحب في الإسلام إذا كان بسبب الخوف من الفقر والجوع، فقد قال تعالى {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللهِ رِزْقُهَا}. ولكن لحسن الحظ أيضا، بدأ الجزائريون يحددون نسلهم خوفا من الفقر والجوع دون الاهتمام بما يحدث يوم القيامة و تؤكد لنا الإحصائيات ذلك كل عام.

بغض النظر عن حسن نية القائل الأصلي وأهمية مسعاه الإصلاحي، نجد في فكرة "وجدت الإسلام ولم أجد المسلمين" المتداولة إيديولوجيا اليوم مغالطة كبيرة تريد أن توهم المتلقي أن الأوروبيين قد اهتدوا إلى تطبيق الشريعة الإسلامية فطريا دون أن يكونوا مسلمين وربما يطبقون الإسلام دون الجهر بذلك. أو على الأقل سرقوا جانبه المضيء ولهذا السبب هم متقدمون. (ألا يدعي بعض المسلمين أن الأكاديميات العسكرية في الغرب تُدرس خطط الحرب النبوية؟ أما المصريون فهم ( أو كانوا) حسب محمد عبده أشباه مسلمين لا يطبقون الشريعة ولذلك فهم متخلفون؟ ولئن كانت العبارة تعبيرا ناجحا فإنها مغالطة قلب بها دعاة الدولة الإسلامية الحقائق رأسا على عقب وربما تكون قد ساهمت بقسط كبير في ترسيخ تخلف مصر والمسلمين أجمعين وكان من نتائجها المنطقية الإسلام هو الحل"، ذلك الشعار الأسذج والأخطر في آن والذي يرفعه أغلب المسلمين اليوم. ويعمل بعضهم على فرضه عن طريق القتل والإرهاب كما يتخذه بعضهم مطية للوصول انتخابيا إلى الحكم كحالة إخوان مصر هذه الأيام. و لا داعي للقول أن الحركة الإسلامية برمتها ما هي في نهاية الأمر سوى محاولة للذهاب بهذه المقولة إلى أقصى حدودها إذ ما أطلق عليه صحوة إسلامية ما هو في الحقيقة الإ الامتداد الطبيعي لما يسمى بغير حق نهضة عربية حديثة .