الساعات الإضافية بالمغرب وممارسة العنف


يامنة كريمي
الحوار المتمدن - العدد: 3137 - 2010 / 9 / 27 - 13:23
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي     

الساعات الإضافية وممارسة العنف

في البداية, دفعنا التعاطف مع نساء التعليم ورجاله, ومعاناة المجتمع المغربي من الفوارق الطبقية الصارخة, إلى اعتبار أن المعلم من حقه البحث عن موارد مالية أخرى لتزويد دخله الشهري لمواجهة غلاء المعيشة المتزايد, أمام هزالة وجمود أجور نساء ورجال التعليم خاصة المكلفين بالقسم. فواجهنا كل من كان يسعى لمحاربة الساعات الإضافية, معتبرين ذلك تحاملا على المعلم , وحرمانه من حقه في تحسين ظروف عيشه وحل المشاكل التي يتخبط فيها -مثل الحاجة إلى تكاليف كبيرة لتدريس أبنائه في وقت ارتفعت فيه حمى خصخصة التعليم . ومواجهة نفقة كثرة الأمراض التي يتعرض لها لعدم ملاءمة ظروف العمل ولشدة الضغوط التي تمارس عليه. وتعرضه لمجموعة من الاقتطاعات خاصة تلك المرتبطة بالفحص المضاد الذي أصبح بؤرة للفساد والتلاعبات بفعل الرشوة والمحسوبية والزبونية ... ناهيك عن أوضاع المدرسين في البوادي والمناطق النائية الذين لشدة معاناتهم من فرط التعب والفقر وقسوة ظروف العيش والتنقل, تحولوا إلى أشباح تسير على الأرض. وكذلك آفة إعادة الانتشار وما يرافقها من خسائر مالية ومعنوية. وآثار أزمة الحركة الانتقالية التي لا يخفى على أحد ما يشوبها من خروقات...- لكن مؤخرا, اتضح لنا,على أنه بالرغم من كون ظروف رجل التعليم مأساوية وأكثر مما تمت الإشارة له, فإن الساعات الإضافية, ليست هي الحل. وأن المسألة قد اتخذت منحى خطيرا جدا حيث ألحقت أضرارا كثيرة بالآباء و التلاميذ و المدرسين والقطاع التعليمي برمته.

أولا, بعض أشكال العنف التي تمارسها الساعات الإضافية على مجموعة من الجهات.
1) فبالنسبة للآباء أصبحت تكاليف الساعات الإضافية عبئا ثقيلا عليهم لأن أبناءهم يرغمون على أخذ الساعات الإضافية في جميع المواد دون استثناء. وثمن الحصة باهظ جدا حيث أن حصة من ساعة ونصف إلى ساعتين مقابلها ما بين 200 و400 درهما مع بعض الاختلافات الطفيفة ما بين الأحياء الفقيرة والميسورة وما بين العمل مع المجموعة والعمل مع الفرد الواحد. وكذلك الاختلاف ما بين المدن الكبيرة والصغيرة بحكم قانون العرض والطلب. ونعرف أن عدد المتمدرسين في كل أسرة مغربية لا يقل عن طفلين أو ثلاثة في الغالب الأعم. وبعملية حسابية بسيطة سنلاحظ أن المقابل مكلف جدا, مما يرغم الآباء إلا الاقتراض أو بيع بعض الأغراض أو الممتلكات إن وجدت. وقد اضطرت بعض الأسر إلى بيع سكنهم من أجل مصاريف التمدرس ومنها الساعات الإضافية. والمشكل هو أن النتائج لا تكون في الغالب الأعم مرضية.
2) أما بالنسبة للتلاميذ, فعلى الرغم مما تحققه الساعات الإضافية من حصاد لمعدلات مرتفعة في الباكالوريا, وإذا ما استثنينا فئة قليلة التي تستفيد منها بشكل إيجابي ومستمر, فإن التجربة أثبتت أن الساعات الإضافية لها انعكاسات سلبية على مجموعة من التلاميذ, مثل كونها تشكل مشقة وعبئا إضافيا على المستفيد منها إلى جانب مشقة الساعات الرسمية, مما يتسبب في إرهاق المتمدرس وهذه ظاهرة أصبحت شائعة في أوساط المتعلمين. كما أن الساعات الإضافية تحرم المتعلم من مزاولة مجموعة من أنشطة الحياة الأخرى التي تعتبر أساسية لنموه الطبيعي وتكوينه السليم. ولذلك فحتى عندما يحصل التلميذ على نقط مرتفعة في الاختبارات خاصة الاستشهادية فإن ذلك لا يكون دليلا على التفوق والامتياز وإنما يكون نتيجة الحشو والتكرار وغياب حرية المبادرة والاختيار. أضف إلى ذلك أن التلاميذ الذين تعودوا على الساعات الإضافية يجدون صعوبة في التعليم العالي مما يجعل معظمهم يستمرون في الاستفادة منها. وهذه كذلك ظاهرة شائعة في المغرب لكنها خطيرة وشاذة لأن في هذه المرحلة يكون على الطالب الشروع في عملية الإنتاج وأخذ المبادرة سواء في حقل العلم والمعرفة أو في حقل العمل الاجتماعي والسياسي, حتى يتسنى له الوصول إلى مستوى الخلق والإبداع والابتكار للمساهمة في تنمية وتطوير المشروع الوطني والإنساني.
3) وبالنسبة لرجال التعليم ونسائه اقل ما يمكن أن يقال هو أن سعيهم للحصول على المال عن طريق الساعات الإضافية بالشكل المتداول في المغرب, قد شوه سمعتهن (هم) ومرغ كرامتهن(هم) في الوحل. وحول المعلم من إنسان كان يقف له العالم تعظيما وإجلالا إلى شخص انتهازي ومضارب في بورصة النقط, ومتاجر في العلامات. وعوض الشخص الذي كان محترما ومبجلا يمشي ورأسه في الأعلى وهبته تملأ المكان, بشخص قد انكسرت رقبته أمام من يدفع أكثر وتكشرت أنيابه في وجه من يعجز عن ذلك مما أفقده الاحترام والوقار. وعملية التربية والتدريس إذا افتقرت لعنصري الاحترام و التقدير ضاعت وانتهت. فكيف يمكن أن يتعلم الفرد ويتربى ويوجه على يد شخص لا يحترمه لأنه مبتز واستغلالي وجشع؟ حسب تعبير مجموعة من الآباء والتلاميذ الذين كانوا ضحية الساعات الإضافية. مضيفين على أن ذلك الصنف من المدرسين, يفضل من يدفع له على من لا يدفع ويتخلى عن من يدفع له إذا ما وجد من يدفع أكثر, طالما ليست هناك قوانين تضبط قطاع الساعات الإضافية على الرغم من أنه توظف فيه أموال كبيرة وطاقات بشرية كثيرة ويعرف نشاطا واسعا ويوفر مداخيل تشكل أضعاف الأجر العمومي.
4) أما فيما يخص قطاع التعليم فيكفي أن المغرب أصبح في ظل معدلات عامة تصل إلى 20على 20 يحتل المراتب الأخيرة أمام دول صغيرة وحديثة في القطاع . والتعليم المغربي يعاني من مشاكل على مستوى المناهج والموارد البشرية والأجور. و باستثناء النخبة من شبابه التي تتكون في المدارس الأجنبية في إطار سياسة إعادة الإنتاج, فإنه قد فشل بشكل كبير في تكوين مواطن مندمج وفعال. فضلا عن ارتفاع نسبة الهدر المدرسي الذي تعتبر الساعات الإضافية من ضمن أسبابه المهمة في السنوات الأخيرة خاصة وأن الأستاذ -كما يشهد على ذلك الواقع- يعمل بشكل مسترسل من الساعة السابعة صباحا إلى الواحدة أو الثانية بعد منتصف الليل, ويحاول أن يبذل كل ما في جهده في الساعات الإضافية على حساب العمل في المدرسة العمومية التي يعتبر تواجده بها فترة استراحة واسترخاء رافعا شعار: (من أراد أن يدرس عليه أن يؤدي ). وهذه السياسة تخلق فارقا كبيرا بين معدلات المستفيدين من الساعات الإضافية وغير المستفيدين. الأمر الذي يدفع الفئة الثانية إلى مغادرة الصفوف الدراسية سواء بسبب الطرد الناجم عن كثرة التكرار أو بسبب التوقف الاضطراري لعجز الآباء عن أداء مقابل الساعات الإضافية, وإحساس الأبناء بعدم القدرة على المتابعة وما يولده ذلك عندهم من شعور بالنقص والتهميش والغبن وأنواع العنف هذه تنتهي عادة بالفشل. كما أن الساعات الإضافية قد تسببت في تضخم سلم التنقيط. فرقم المعدلات قد ارتفع بشكل مهول حيث أصبح معدل بعض التلاميذ خاصة المدمنين على الساعات الإضافية يصل إلى حوالي 20 على 20, لكن كفاياتهم محدودة جدا. ونتائج هذه الوضعية واضحة في المغرب حيث تتوفر نسبة كبيرة من المتعلمين في المغرب على شواهد عالية لكن عملية الإنتاج والإبداع والابتكار متوقفة. كما أن هذه الوضعية قد جعلت الشواهد المغربية تفقد مصداقيتها في الجامعات والمدارس العليا الأجنبية. والسبب الأول وراء ذلك هو أن سبل الحصول على الشواهد غير سليمة وسياسة التعليم فاشلة وبيداغوجيته متعثرة ومرتجلة وسطحية...

ثانيا, مقترحات وبدائل
بحكم طول مدة الممارسة والاحتكاك و التوافق أحيانا والتصادم أخرى مع واقع التعليم ومسؤولية الأبوة, اهتدى مجموعة من المدرسين والمهتمين بالشأن التعليمي- التربوي إلى أنه من الممكن التوصل إلى بعض الحلول لمشكل الساعات الإضافية والحد من العنف والأضرار التي تلحقها بمجموعة من الجهات والأطراف, إذا ما تم العمل بالمقترحات التالية:
- ضرورة تحسين أوضاع نساء ورجال التعليم ومساواة أجرهم بأجور من يعادلهم في الشواهد مثل المهندسين والأطباء... وتمكينهم من التعويضات عن التنقلات والساعات الإضافية والعمل في المناطق النائية.على أن يكون ذلك التعويض معقولا وليس تكرارا لمهزلة 700 درهما وعدم مصداقية معايير تحديد المناطق النائية.
- وضع قوانين تمنع مزاولة الساعات الإضافية على العاملين في التعليم العمومي. والزجر بكل من يلجأ إليها, ويستغل التلاميذ وأولياء أمورهم بالطرق التي تمت الإشارة إليها, بعد الاستجابة لمطالب شغيلة التعليم.
- إجبارية الاختيار بين الوظيفة العمومية بقوانينها ومنها عدم إعطاء الساعات الإضافية وتكريس كل الجهد للعمل في المدرسة العمومية والتواصل مع التلاميذ والمساهمة في حل مشاكلهم ودعمهم لمواجهة إكراهات الحياة عوض الاستسلام لها والانحراف. و الالتحاق بالتعليم الخاص. أو التخصص في الساعات الإضافية كقطاع تعليم ثالث أو قطاع خدمات.
- سن قوانين تنظم قطاع الساعات الإضافية,لأنه لا يعقل أن يحصل الفرد على دخل يتجاوز 10000درهما شهريا ولا يؤدي عنه ضريبة في حين أن أبسط موظف في السلك العمومي يقدم ضريبة على الدخل.
- على المعلم, رغم حضور العامل الاقتصادي والمالي في كل مواقف الحياة وأنشطتها, أن يتعامل مع محيط المدرسة بشكل يجعل المال ثانويا أو غائبا, لأننا قطاع تربية وقيم قبل كل شيء والمال عدو هاتين المنظومتين. والحفاظ عليهما وصيانتهما وتطويرهما في الاتجاه السليم يعتبر نضالا وجهادا وطني وإنساني. مع تفهم الجهات المسؤولة على أن المدرس لا يعيش على القيم. ومنه يتأكد لنا أن تأزم أوضاع التعليم بالمغرب تتحمل مسؤوليته أكثر من جهة وإن كان ذلك بنسب متفاوتة حسب المواقع. لذلك علينا رصد كل الجهود لتخطي هذه الآفة التي أصابت أكبر القطاعات الوطنية أهمية وحساسية.