اشتداد الأزمة على نضالية الشغيلة، ودور الثوريين


المناضل-ة
2010 / 9 / 19 - 01:09     

تنهال آثار الأزمة الرأسمالية العالمية على اقتصاد المغرب التابع في سياق تصاعد الهجوم البرجوازي على مكاسب الشغيلة والجماهير الشعبية، في إطار السياسات التي ترسمها الامبريالية للبلدان التابعة. ولن تحيد البرجوازية ودولتها عن الرد التقليدي على الأزمة واشتدادها، أي تأجيج الهجوم على مكاسب الطبقة العاملة، وعامة الكادحين، باستهداف الأجر المباشر و غير المباشر [الحماية الاجتماعية ] على حد سواء، وكذا بالتضييق على الحريات لشل قدرة الضحايا على المقاومة.

وإزاء سؤال مفعول الأزمة على نضالية العمال، الذي يشغل بال المناضلين العماليين، يرد منطق تبسيطي سطحي باستنتاج أن الأزمة تؤدي إلى تصاعد النضالات وتجذرها. ولا تخلو الصحافة المنتسبة إلى الطبقة العاملة من هذه الآراء الخاطئة. مثال ذلك ما ذهب إليه عبد اللطيف زروال بجريدة النهج الديمقراطي [العدد 127 ـ 20 ديسمبر 2008 ] بقوله:

" سيعمق تقلص تحويلات المهاجرين و مداخيل العاملين في القطاعات الأكثر عرضة للازمة والمرتبطة بها ( النسيج ، السياحة، العقار..) والتسريحات وإغلاق المعامل من حالة الإفقار المستمرة للجماهير الشعبية. وقد تفتح مرحلة جديدة من تطور وتصاعد نضالات الجماهير (عمال ،فلاحين، برجوازية صغيرة). ان اشتداد الصراع الطبقي يطرح على مناضلي اليسار الجذري تأهيل أنفسهم ورفع وتيرة ادائهم وتنسيق مجهوداتهم لبناء ميزان قوى جديد لصالح الجماهير الشعبية ..." .

إنه رأي يقيم ربطا آليا مباشرا بين الهجوم البرجوازي والرد النضالي عليه [اشتداد الصراع الطبقي]. فيما ينطق الواقع بخلاف ذلك، فلو كان تصعيد الهجوم البرجوازي يولد دوما اشتداد الصراع الطبقي، لكانت الهجمات السابقة قد جعلت عمال المغرب اليوم في وضع نضالي ممتاز، أي لبلغ تجذرهم الذروة، ولما كان البرجوازيون مقبلين اليوم على تشديد جديد للهجوم.

إن تشديد الاستغلال لا يؤدي في كل الظروف إلى كفاحية متنامية لدى العمال، بل قد يؤدي إلى العكس تماما إن جاء في سياق أزمة وبطالة، لا سيما بعد هزائم تكبدتها الطبقة العاملة، إذ يؤدي آنذاك إلى مزيد من الإحباط والتشتت والتفكك .

أبانت أوضاع أزمة ببلدان مختلفة، وطلية التجربة التاريخية للنضال العمالي، أن قدوم الأزمة في سياق مطبوع بالهزائم إنما يعمق الإحباط والعجز عن الرد. لا بل أكثر من ذلك، تستفيد البرجوازية من الأزمة الاقتصادية ومن ضعف للحركة العمالية لتسعى إلى تغيير ميزان القوى بين الطبقات، أي ضرب مكاسب الحركة العمالية. كل العواقب المحتملة للأزمة ستحدو بالبرجوازية ودولتها إلى السعي لتحميل الكادحين الكلفة بهجوم تقشف شامل. و بالنظر إلى ميزان القوى الموضوعي، ودرجة تنظيم العمال ووعيهم وكفاحيتهم، لن يستثير الهجوم البرجوازي تجذرا نضاليا. فالمناخ العام المميز بتراكم الهزائم بساحة النضال النقابي وغياب العمال كفاعل سياسي، يغلب احتمال تعمق الإحباط. وما قد يدفع الأمور في هذا الاتجاه السلبي موقف القيادات النقابية من الهجوم.

موقف القيادات النقابية من الهجوم

قسم الطبقة العاملة المنظم في النقابات بالمغرب اليوم ضئيل جدا، و شهد تراجعا ملحوظا في 15 سنة الأخيرة ، لا سيما بالقطاع الخاص. وهو على ضعفه الكمي خاضع لقيادات انتقلت بالكامل إلى مصاحبة سياسة الدولة البرجوازية.

مهما اختلفت بواعث كل قيادة على حدة، فهي جميعا تلتقي في كونها متعاونة سياسيا مع الدولة: لها يد في "اللعبة الديمقراطية"، وتحكم القبضة على النضالات، وتديم تشتيت الصف العمالي بنصب حواجز مصطنعة بين الاتحادات النقابية وبين القطاعات داخل كل اتحاد، وتميت تقاليد التضامن مع النضالات الجارية.

ظلت بيروقراطية الاتحاد المغربي للشغل منتفعة تحت ستار لا سياسي، واستقلال خادع [ حتى قسم من اليسار يروج ان الاتحاد المغربي للشغل مستقل، بحجة انه غير تابع لأي حزب، كان الأبصار عُميت عن الروابط الوثيقة التي تشده إلى القصر، مبعدة العمال عمليا عن سياسة مناهضة لنظام الاستبداد و الاستغلال]. أما الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، فتتحرك وفق الإستراتيجية الاتحادية الكلاسيكية: ابقاء النضال العمالي في حدود إصلاحية بالغة الضيق[مطالب محض مهنية] و استعمالها سياسيا بتحريك قطاعات عمالية، سيما الوظيفة العمومية، في سياقات سياسية بعينها [ انتخابات،...]

ليس الطبقة للعاملة دور سياسي مستقل، و هي ابعد ما تكون عن الفاعل قائم الذات في الحياة السياسية . هذا نتيجة عوامل تاريخية، أهمها تجربة الحزب الشيوعي المغربي المخزية، و الاجثتات الذي تعرض له يسار السبعينات الماركسي، و دور الراديكالية الشعبوية في تشويش الوعي العمال.

و لا يوجد بالساحة العمالية راية بديل سياسي إجمالي قاطع مع السياسة المطبقة، فقسم عريض من اليسار الجذري يكتفي بممارسة نقابية صرف، لا تنازع البيروقراطية سياسيا، بل تسايرها وتعيد انتاج الممارسة البيروقراطية ، بينما لا تزال قوى اليسار الماركسي الثوري جنينية أبعد ما تكون عن الظفر بتأييد قسم دال من الطلائع النقابية.

هذا الواقع يحكم على المقاومة العمالية بالطابع المجزأ، والقطاعي ( محليا، إقليميا، حسب فروع الإنتاج). وهذا ما يُلمس فيما تشهد الساحة النقابية.

النضال العمالي في زمن الأزمة ومهمة الثوريين

في ظل مميزات الوضع السياسي الإجمالي، تبقى النضالات الجزئية منطلق أي رد عمالي في مستوى أرقى. وبالتالي من واجب الاشتراكيين الثوريين الاستناد الى النضالات الدفاعية من اجل الشغل واستقراره والاجور المباشرة وغير المباشرة، والنضال من أجل الحريات،وحفز كل هذه النضالات وتعميمها على القاعدة الاكثر وحدوية ، دافعين إلى الوحدة النقابية دون ميز وإلى توحيد المنظمين نقابيا وغير المنظمين، الرجال والنساء ... يجب الدفع بأشكال النضال والتنظيم الأكثر قدرة على تحقيق هذه الوحدة الدفاعية بنجاح. وعلاوة على هذا، يلزم السعي الدائم لتضافر النضال العمالي مع النضال الشعبي.

وهذا مهمة الماركسيين الذي يقفون على طرف نقيض من سياسة البيروقراطيات النقابية . فميزان القوى بين الخطين (البيروقراطي الإصلاحي المتعاون، و الكفاحي الديمقراطي) عنصر حاسم في تأهيل منظمات العمال النقابية للتصدي للهجمات البرجوازية المستعرة مع اشتداد الأزمة الاقتصادية. ويتوقف النجاح في مهمة بناء يسار نقابي على قدرة الثوريين على إثبات جدواهم في المعارك الجزئية و الدفاعية. طبعا لا تتيح قواهم ذلك الإثبات على صعيد وطني، لكنه متاح في قطاعات وفروع نقابية بعينها. كما يرتبط الأمر بقدرة الثوريين على النضال من اجل خط سياسي على المدى البعيد، متمحور على برنامج اجمالي ضد الأزمة ومستتبعاتها (البطالة وتدمير المكاسب الاجتماعية ...)، وضد واقع التبعية للامبريالية. وهذا نضال دعاوي لن يفضي على المدى القصير إلى تعبئات جماهيرية، لكن النضال الدعاوي بالغ الأهمية، فالطلائع العمالية الموجودة اليوم بحاجة إلى استعادة الثقة في برنامج عمالي للتغيير الشامل والعميق، ناهيك عن الطبقة العاملة برمتها.

م.ب