حق الاختلاف في منهجية التفكير


رندا قسيس
الحوار المتمدن - العدد: 3124 - 2010 / 9 / 14 - 11:51
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع     

بعد فشل (اختراعي) الاعجازي لفض غشاء البكارة، و عجزي عن قيادة جيش من الفتح الغازي للعذرية، و يعود ذلك بالطبع إلى حماة العذارى الساهرين لردع أية حملة تطمع في سرقة الخيرات الذكورية، فكما نعلم أن المس بالأعراض كالمس في الأرزاق.
بعض التعليقات و الايميلات التي عبرت عن عجز بعض القراء في تناول النص كاملاً، فجاءت بعض الردود جامدة لا حراك بها، عجزت عن تفكيك رمزية العنوان، و يعود ذلك، على ما أعتقد، إلى وجود تشنج عام في التعاطي مع هذه المسائل.

تطرقت في مقالات سابقة إلى موضوع الادراك، و عجزه عن فهم كل ما يختلف عن "الأنا" الفردية، و ذلك من خلال رفض أي اسلوب غير اعتيادي، فالفرد يميل إلى ترجيح كل ما هو متكرر، و ذلك من وجهة نظر عصبية و تدعى ترجيح الاحتمال المؤثر، فكما شرحها "زاجونك" "أن اختيار أي تمثيل لصورة عقلية يخضع إلى حكم التفضيل، لهذا نجد اننا في استنساخ لأفكارنا و لمنهجيتنا، مبتعدين عن تقبل كل ما هو خارج عن اطارنا المعرفي و النمطي.

كثيراً ما نسمع عن صيحات تطالب بالتنوع و حق الاختلاف تحت شعار "حرية التعبير" و غيرها من الشعائر الجميلة، لكن ألا يتوجب علينا و قبل مطالبة الآخرين أن نتساءل عن مدى قدرتنا في تجميد "الأنا" المعرفي لسماع أو قراءة ما يختلف عنه؟
حسب اعتقادي، ان الاختلاف يكمن في استطاعة الفرد، و بشكل مستمر، على نقد أفكاره، و سلوكياته، كي يستطيع الوصول إلى ادراك أكبر، و هذا لا يتم إلا بعد التخلي عن البحث في تضخيم "أناه" من خلال أعين من يحيطه.
دعونا نلقي الضوء على منهجية التفكير و التحليل عند شعوبنا العربية، نجد أنفسنا سجناء لمنهج و اسلوب واحد، ان كنا من الموافقين أو من المعارضين، و يعود ذلك، في اعتقادي، إلى استحالة البعض، سواء كان كاتباً، فناناً أو مبدعاً، الخروج من دائرة رسمها له قارئيه أو معجبيه أو خط لنفسه مساراً، فأصبح أسيراً له، فنراه لا يتوارى عن اطلاق الأحكام على كل ما لا يعجبه أو لا يتناسب مع خطه المعرفي.
لا بل أكثر من ذلك، تتسم العقلية العربية و الدينية على حد سواء، مهما اختلفت الأديان و المعتقدات، في تبني منهجاً و اسلوباً متشابهاً خال من الابداع، معتمداً على مبدأ التناسخ و النسخ.
صحيح ان الأفكار المعبرة من خلال الكتابة، الرسم أو أي عمل هادف مرتكزة على مبدأ الالتزام، إلا ان الالتزام لا يقتصر على هدف واحد و مسؤولية واحدة، و لا يحتكر أيضاً بمنهجية معينة، فإذا بحثنا عن الركائز الأساسية لأي عمل موجه، نجده مرتكز على تراكم الخبرات الفردية، تراكم الأفكار المتنوعة و المنتمية إلى ثقافات مختلفة، ليأتي بعدها دور الخيال الابداعي.

قبل الحديث عن تنوع الأفكار و تنوع اسلوب تطبيقها، علينا أن ننظر إلى تفكير هذه المجتمعات من خلال سياق تاريخي، لنجد أن ثقافة جميع الكتل الجماعية الدينية في منطقتنا بالتحديد مؤسسة على فكرة الفرد الواحد، أي ان التغيير فيها لا يتم إلا من خلال أفراد قلائل، لنتساءل مجدداً عن الأسباب التي أدت إلى انتاج ثقافي ثابت، أي بمعنى آخر، هل كان الرسل و الأنبياء وجهاً ظاهريا تحركهم سلطات خفية بهدف الهيمنة؟ أم نستطيع اعتبارهم أفراداً تمردوا على بيئة قاسية؟ في كلا الحالتين، فهم يشكلون انعكاساً لثقافة ذات طابع واحد لم يتغير إلى الآن.
مازلنا في بحث مستمرعن بطل اسطوري يستطيع أن ينشلنا من مآسينا و بطريقة اعجازية، مازال بعض مناضلينا في حقوق الانسان و المرأة عاجزين عن تقبل التنوع في الطرح و الحل و التحليل.
لا توجد حلول قاطعة، و لا توجد قراءة موحدة، فالتغيير لا يتم فقط بناءاً على رغبة شديدة في التغيير، بل يتم من خلال تكوين مجموعات فردية مختلفة الأراء في تعاطيها مع أجزاء من الواقع مستندة بتحليلها على علوم مختلفة.
لا توجد رؤية واحدة لمفهوم معين، و لا علاج واحد مستند على دراسة واحدة، بل مجموعة من العلاجات التجريبية، أما في حالة مجتمعاتنا المستغرقة في غيبوبتها، فعلينا أولاً تحريكها من خلال صدمات قوية لنتمكن من معالجتها لاحقاً.

لهذا قبل الخوض في أية معركة، علينا أن نعيد اكتشاف أنفسنا لمعرفة الأهداف الدفينة في داخلنا التي دفعتنا إلى تبني اسلوب أو نمط في التفكير دون الآخر.
عندما يصبح العمل الابداعي عبارة عن وسيلة لابراز "الأنا"، تصبح جميع محاولات البحث في ايجاد العلاج عقيمة، و عندما ننطلق من القاعدة الأنوية لفهم الآخر و اسقاط مفاهيمنا و رغباتنا عليه، معنى هذا اننا نقضي على أية محاولة جدية مهما بلغت بساطتها و التي يمكنها أن تتفاعل مع المحاولات الأخرى للخروج من هذا النفق الضيق.

أعتقد أن التغيير لا يتم إلا من خلال تغيير النسيج النفسي لكل فرد، لاكتشاف طبيعته المنفردة و المتميزة عن الآخر، عندها يمكننا، مبدئياً، تحديد الأهداف النهائية، و الالتزام بها عبر منهجية و اسلوب فردي متغير، لهذا أجد ان علينا تحرير أنفسنا من سجن تقييم ذاتنا لنتخلص بعدها من أحكام الأنوات الأخرى علينا، فبحثنا في هذه الحياة لا يختزل باستجدائنا لاعجاب الآخرين، بل هو بحث طويل يبدأ أولاً بالانسجام و التناغم بين أفعالنا و تفكيرنا و بين عوامل الطبيعة.

لن أطيل كثيراً، إلا أني أحببت أن أوضح لبعض القراء الذين يمارسون أحياناً بعض اسقاطاتهم الأنوية على كتاباتي، أقول لهم ان هدفي في الكتابة ليس للاسترضاء، و لا لتبجيل أناي، بل هو محاولة لاستخراج جميع صوري العقلية، كي أستطيع التغريد كما أشاء ضمن دائرة أهدافي التي بدأت في رسم ملامحها، فما أسعى إليه هو البحث عن خلق نموذج ثقافي جديد لا تحده الأنوات أو الأيدلوجيات و لا الأوطان أو الأديان.