مطارحات عن الحزب الاشتراكي الماركسي


نايف سلوم
الحوار المتمدن - العدد: 3061 - 2010 / 7 / 12 - 14:40
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية     

[I] - الحزب الثوري جسم نشيط أو عضوية نشيطة , وهو الحلقة التي تتوسط بين المثقف الفرد من جهة وبين الطبقة من الجهة الأخرى . وهو الذي يجعل العلاقة بين المثقف الفرد والطبقة واقعة فعلية , لكن الحزب مثله مثل الكلمة التي تخرج على لسان الفرد : قد تشف الحقيقة وقد تحجبها تماماً , مثلما الفرد المثقف قد يعبر عن مصالح هذه الطبقة وقد يعمل ضدها بوعي أو من دون وعي , يجعله عمله مثقفها العضوي أو بيروقراطي فوقها يستهلك مصالحها ويقامر بها أو يتاجر . والمثقف في عمله لصالح الطبقة من حيث التوجه الأساسي وعبر الحزب فهو يُكْمل تعريف الطبقة , أي يعيد إنتاج هذا التعريف : من طبقة ذات حضور اقتصادي – نقابي إلى طبقة ذات حضور سياسي عبر برنامجها الديمقراطي وطموحها نحو السيطرة والهيمنة .
[II]- يتطور الحزب خلال النضال ضد عقبات خارجية وتناقضات داخلية . العقبات الخارجية بحكم كونه يعبر عن طبقة هامشية تسعى نحو السيطرة على سلطة الدولة والهيمنة على المجتمع . بالتالي فهو سيواجه بالضرورة نشاط الطبقات المعادية المضاد لنشاطه , خاصة الطبقة المسيطرة والمهيمنة بالفعل(الحاكمة) . أما تناقضات الحزب الداخلية فمصدرها تعدد وتنوع فئات الطبقة الواحدة وشرائحها وظروف كل فئة , إضافة إلى طموح الطبقة المعنية نحو بناء تحالفات شعبية مع طبقات مهمشة أخرى ومع أقليات قومية مهمشة . كل هذا يخلق تناقضات داخلية أثناء قيام الحزب بوضع خطه السياسي و برنامجه الديمقراطي و السعي لتحقيقهما .
[III]- يواجه الحزب الثوري تحديات جدية في العصر الإمبريالي بفعل قدرة البورجوازية على اختلاف أنواعها على إلحاق الكثير من الأحزاب بركبها , إضافة إلى اعتماد الكثير من الدول الإمبريالية المركزية أسلوب الرعاية الاجتماعية ودولة الرفاه . وقد اعتمد أسلوب الرعاية بشكل مشوه في بعض البلدان الرأسمالية الطرفية ما أثر على فاعلية الحزب الثوري لجهة قيامه ونموه . فالحزب لا يسقط من السماء بل هو نتاج ظروف تاريخية يمكن تحديدها . بالتالي فهو مرتبط بطبيعة المجتمع المحلي الذي ينمو فيه من جهة ومرتبط بالعصر الإمبريالي الراهن .هذه الشروط تعمل على إفساد الكوادر , من الاتكالية والأوامرية , والنشاطات المقتصرة على المناسبات . أي بكلام آخر ظهور حزب منهك وعاجز عن المبادرة والفعل في الوقت المناسب .
[IV]- للخط السياسي أسبقية على نظام الحزب , فقبل أن يضع الحزب إستراتيجيته ويرسم تكتيكاته ويعي وضعه الحضاري أو الثقافي (موقفه المبدئي من التراث القومي ومنه الديني ) لا يمكنه أن يضع نظامه الداخلي , لا يمكنه أن يحدد شكل الكادر والعلاقة الأساسية بين الكوادر , وبين القيادة والقواعد . وإذا ما أقدم حزب من الأحزاب ووضع لائحته التنظيمية قبل أن يحدد خطه الاستراتيجي فهذا يعني أن هذا الحزب غير جاد وغير معني فعلياً بانجاز مهامه الأساسية .
إذا لا يمكن رسم نظام داخلي للحزب وهيكلية تنظيمية قبل تحديد الخط الاستراتيجي وتحديد المهمات الراهنة بالتالي من الطبيعي أن تلائم الأشكال التنظيمية الداخلية الخط الاستراتيجي والتكتيكات الأساسية .
[V]- الخط السياسي السليم والصائب هو الضامن الرئيسي لنظام الحزب كونه متبصر بصحة الأشكال التنظيمية المناسبة . ولا يعني هذا اختزال أو إرجاع كل مشاكل البناء التنظيمي وتعقيداته إلى الخط السياسي السليم , إذ لا يكفي رفع الحقيقة إلى مستوى ذاتها في وعي الفرد , بل يتوجب معرفة الطريق لإيصالها إلى الجماهير صاحبة المصلحة , وهذا الإيصال للحقيقة وتعميمها هي مهمة النظرية أيضاً . وهي مهمة معقدة تحتاج إلى بناء كادر قادر على تمثيل الخط الاستراتيجي وإيصاله إلى جمهور الطبقات صاحبة المصلحة . لهذا يتوجب عدم نسيان خصوصية هذا المستوى من مستويات التنظيم الحزبي وحساسيته .
[VI]- تأخذ المركزية – الديمقراطية أشكالاً مختلفة حسب كل بلد (البعد الحضاري أو الثقافي), وحسب تراث تطور الحزب ذاته .
[VII]- العلاقة بين المركزية والديمقراطية مشروطة بالظروف . الماركسية بالأساس قائمة على التوسّطات , أي على دراسة هذه الظروف وبحثها لمعرفة شكل العلاقة الأنسب بين المركزية والديمقراطية . مهمة المركزية هي اتخاذ قرار والسعي لتنفيذه بكل قوة , ومن دون هذا الأمر لا معنى لوجود حزب . أي لا وجود لإرادة جمعية تعبر، إذا كانت صحيحة، عن الإرادة السياسية للطبقة صاحبة المصلحة . لكن المركزية غير صحيحة إذا لم تأخذ قرارها وأمرها بعد قيام الديمقراطية الحزبية بعملها , والذي يعني نقاشا ً جدياً وواسعا ً للمسألة موضع القرار لا بل أحياناً استفتاءا ً عريضا ً وربما شاملا ً حسب حساسية المسألة المطروحة للنقاش، استفتاء يشمل كل كوادر الحزب . بعد النقد والدراسة والبحث الموسّع في المسألة , أي بعد أن تقوم الديمقراطية الحزبية بعملها يتخذ القرار بغالبية الأصوات , وعلى الأقلية أن تلتزم بتنفيذه مع حقها في متابعة نقاش المسألة داخل الحزب إذا بقيت مقتنعة بعدم صوابية القرار الحزبي .
[VIII]- هذا الديالكتيك بين الديمقراطية الحزبية والمركزية الحزبية مشروط بعدة أمور منها : الوضع الدولي , والوضع السياسي والبوليسي للبلد المعني , وبقوة الحزب وخبرته وبمستوى تدريب وتجهيز كوادره , وبتأثير القيادة ونفوذها خلال التجارب السابقة .
تستعيد الديمقراطية الحزبية حقوقها عندما يحتاج الحزب إلى تفحص نقدي لخطه وتكتيكاته ونشاطه على العموم. وهذه المراجعة مشروطة بكثير من الظروف المذكورة آنفا ً . لكن الأمر القياسي لديالكتيك عمل الحزب , أي لعلاقة المركزية بالديمقراطية هو تناوب العمل بينهما خلال سير العمل . أي دراسة كل مسألة وبحثها واستفتاء كوادر الحزب عليها قبل اتخاذ القرار بالأغلبية الحزبية . لكن هناك ظروف تتطلب اتخاذ قرار سريع ومفاجئ للحزب لا يسعفه الوقت كي تمارس الديمقراطية الحزبية دورها وحقها في الوقت المناسب .
في تحديد الخط السياسي ونقاش جميع الأفكار والإمكانيات تهيمن الديمقراطية , أي عندما يتعلق الأمر بنقاش الأفكار والخيارات في سبيل تحديد خط سياسي للمرحلة القادمة تقوم الديمقراطية بعملها , وإذا ما حصل لبس هنا أو عرقلة بنيوية أو تغييب لعملها من قبل القيادة المركزية للحزب فنحن أمام مركزية – بيروقراطية , أو استبدال الديمقراطية بالبيروقراطية , حيث يحل رأي القيادة المركزية محل نقاش هيئات الحزب للخط السياسي القادم وعلى شكل انتخاب القيادة الجديدة التي سوف تشرف على تنفيذه .
عندما يتخذ القرار نكون قد دخلنا في حقل المركزية , أي حقل العمل السياسي المباشر , ويكون الحزب بحاجة إلى تركيز الجهود في اتجاه عمل واحد , وعلى الجميع الخضوع للقرار إذا نال غالبية أصوات الحزب .
الديمقراطية تمارس عملها مرتين , مرة عند نقاش المسألة ودراستها والاستفتاء عليها ومرة أخرى حين تقرر الأغلبية اتجاه السير وشكل العمل المطلوب .
[IX]- لا يوجد حزب , ولا تقوم له قائمة من حيث المبدأ من دون قرار , أي من دون قيادة وأمر وأغلبية وأقلية عند التصويت على العمل ؛ عند الانتقال إلى العمل .
تعني البيروقراطية تعطيل عمل الديمقراطية , أي تعطيل نقاش البرنامج والخط السياسي و التكتيكات الحزبية . بالتالي يجد الحزب نفسه عند الانتقال إلى العمل أنه لا يمارس إرادة الأغلبية الفعلية في الحزب , بل هو خاضع لأوامرية أقلية في القيادة تحتكر نقاش المسائل وتحتكر إقرارها . وإذا كانت دينامية الحزب قوية تعرض للانشقاق والتصدع .
[X]- يجب ألا تكون الحالات التالية مبررا لانتهاك الديمقراطية الحزبية : ظروف عمل الحزب القاهرة كالنشاط السري في حالة حصار بوليسي . أو التخفي والمطاردة , أو شروط البلد الاجتماعية والاقتصادية والسياسية , وذلك بفعل سلبية جماهيرية تجعل دينامية الدفع من الأسفل في الحزب ضعيفة , بالتالي تستسلم القواعد الحزبية لقيادات " تاريخية " ويخسر الحزب التجدد الذاتي والمستمر لقياداته . ويتكرس كتقليد ضعف نقاش البرامج والخطط والتكتيكات داخل هيئات الحزب . وهذا في أحد جوانبه يقود إلى بناء كادر خامل لا يمتلك تفكيراً مستقلا ً وذهنا ً متفتحا ً , بالتالي يتحول هذا الكادر إلى شخصية تابعة تبعية المتدين البسيط لرجل الدين .
[XI]- علينا الإشارة إلى العلاقة بين نشاط الطبقات الاجتماعية الهامشية ( غير السائدة ) كافة وحراك الحزب الثوري ونشاطه . من هنا الدور الخطير الذي تلعبه صحة الخط السياسي وحسن تكتيكاته, وبراعته في تدريب كوادره بالشكل المناسب .
[XII]- الأفكار والاقتراحات متعددة والعمل واحد , ولا قيامة لحزب من دون هذا الديالكتيك بين النظر والعمل ؛ بين النظرية والممارسة , نقاش واسع للأفكار وقرار واحد بالعمل تقرره الأغلبية . هذا مبدأ أساسي لأي عمل ذو طابع جماعي . أما ترك الفرد لعمل اختياري فهذا مبدأ فوضوي لا ديمقراطي . الفوضوي عمله غير موسط بالجماعة أما الديمقراطي فهو موسط برأي الجماعة أو الأغلبية . الفوضوية أمزجة أفراد متضاربة عقيمة و غير منتجة على مستوى النضال الاجتماعي . لهذا السبب يتوجب عدم تقييم عمل الحزب من خلال ما يتعرض له فرد بعينه من مظالم معزولة ، مع التأكيد على أنه ربما كانت هذه المظالم الفردية علامة و مؤشر على أزمة في قدرة الديمقراطية الحزبية على القيام بعملها أو حتى المطالبة بحقها في العمل المستمر في وقتها ومكانها . إن معاناة أفراد حزب من عبء بنية ليس بالضرورة ناجم عن عيوب بيروقراطية ، بل قد تكون ناجمة عن حدة الصراع بين تيارات تعبر عن مصالح اجتماعية متضاربة ، أي تعبر عن تشرذم الواقع الاجتماعي و تخلعه . يتوجب أخذ المستوى القومي و العالمي بالحسبان في تقييم عمل الحزب الثوري .