ألقانون العام لتراكم رأس المال


خليل اندراوس
2010 / 7 / 3 - 10:07     

من أجل تفكيك بنى الاستغلال

الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج، تلازمها علاقات إنتاج ذات طابع السيطرة والإخضاع والاستغلال كما هو الحال في ظل الرأسمالية وأشكال توزيع الخيرات المادية في المجتمع الرأسمالي

لا يستطيع الناس العيش بدون طعام ومأوى وملابس وغيرها من الخيرات المادية. وللحصول على هذه الأشياء لا بد للناس من العمل. فبدون النشاط الإنتاجي من المستحيل وجود الحياة البشرية ذاتها. وبالتالي فإن إنتاج الخيرات المادية هو العامل الرئيسي الحاسم للتطور الاجتماعي.
إنتاج الخيرات المادية مستحيل بدون مواضيع العمل ووسائل العمل.
مواضيع العمل هي الأشياء التي يبذل عليها عمل الإنسان، أما وسائل العمل فهي الآلات والأجهزة والأدوات ومباني الإنتاج ومختلف وسائط النقل إلخ...
مواضيع العمل ووسائل العمل تشكل سوية وسائل الإنتاج التي أوجدها المجتمع، وفي المقام الأول أدوات العمل، زائدا الناس الذين ينتجون أسباب المعيشة، تسمى القوى المنتجة. وفي الآونة الأخيرة حيث تنتشر الثورة العلمية التكنيكية والمعلوماتية الهائلة يغدو العلم، أكثر فأكثر قوة منتجة مباشرة.
ألقوى المنتجة تقرر علاقة الإنسان بالطبيعة، والناس، الجماهير الكادحة هي العنصر الأهم للقوى المنتجة. ولكن القوى المنتجة ليست العنصر الوحيد في الإنتاج المادي. فالناس لا يمكنهم الإنتاج إلا بشكل مشترك بانتظامهم في مجتمع، وعليه فالعمل كان ولا يزال اجتماعيا.
كتب ماركس" يدخل الناس لكي ينتجوا في علاقات وصلات محددة فيما بينهم. وفي إطار هذه الصلات والعلاقات الاجتماعية فقط يتواجد موقفهم إزاء الطبيعة ويتحقق الإنتاج" (ماركس إنجلز، المؤلفات المجلد 6 ص441).
لقد دخل الناس في العلاقات المتبادلة بصدد العمل منذ فجر المجتمع البدائي. ومع نمو القوى المنتجة، وخاصة مع تطور الصناعة، ازدادت الصلات بين المنتجين تنوعا وشمولا، وتشكل علاقات الناس في عملية الإنتاج، -علاقات الانتاج- التي تعتبر جزءا لا يتجزأ من الإنتاج المادي. وأسلوب الإنتاج المحدد تاريخيا يكون وحدة لا تنفصم بين القوى المنتجة وعلاقات الإنتاج المناظرة لها. وأساس علاقات الإنتاج هو أشكال الملكية أي علاقة الناس بوسائل الإنتاج- الأرض والثروات المعدنية والغابات والمياه، والمواد الخام والمباني الإنتاجية وأدوات العمل. وينجم عن أشكال الملكية المركز المسيطر أو التابع لمختلف المجموعات في الإنتاج، أي علاقاتها في عملية الإنتاج، أو تبادل نشاط هذه المجموعات، على حد قول ماركس. فالملكية الخاصة لوسائل الإنتاج، تلازمها علاقات إنتاج ذات طابع السيطرة والإخضاع والاستغلال كما هو الحال في ظل الرأسمالية وأشكال توزيع الخيرات المادية في المجتمع الرأسمالي، والتي تعتمد على طابع الملكية الخاصة تسفر وتؤدي الى أشكال توزيع غير متكافئة وغير عادلة، حيث يحصل مالك وسائل الإنتاج على الجزء الأكبر من القيم المنتجة.
وعلاقات الإنتاج تتشكل بصورة موضوعية، مستقلة عن إرادة الناس ورغباتهم، وعلى أساس تطور القوى المنتجة. وتاريخ المجتمع الإنساني ما هو إلا تطوير الإنتاج الاجتماعي المحكوم بقوانين، وما هو إلا العملية الضرورية، عملية إحلال أسلوب إنتاج أرقى محل أسلوب إنتاج أدنى. فتطوير الإنتاج ضرورة موضوعية وقانون للحياة الاجتماعية. وتطور الإنتاج يبدأ بتغيير في القوى المنتجة. وبما أن القوى المنتجة عبارة عن أدوات الإنتاج والناس الذين يستخدمون هذه الأدوات، يطرح السؤال أي من عنصري القوى المنتجة يتطور أولاً؟. خبرة التاريخ الإنساني توضح بأنه في إطار القوى المنتجة نفسها تتطور أدوات الإنتاج أولاً.
فالناس يعملون دائما على تسهيل العمل والحصول على كمية أكبر من الخيرات المادية بأقل جهد من خلال تحسين أدوات الإنتاج الموجودة وصنع أدوات جديدة لهما مردود أكثر، من هنا تطوير وتحسين أدوات الإنتاج، أي التقدم التكنيكي، والعلمي والمعلوماتي والمحوسب هما حصيلة للنشاط الإنتاجي، العملي للناس المشغولين في الإنتاج.
لكن في سياق التقدم التكنيكي والمعلوماتي والعلمي يتغير الناس هم أيضا، فتنمو خبرتهم الإنتاجية وتأهيلهم وتظهر مهن جديدة. ومع تغير أدوات الإنتاج، والناس المشاركين في عملية الإنتاج تتغير في آخر المطاف العلاقات بين الناس في عملية الإنتاج أي علاقات الإنتاج وهكذا تولد القوى المنتجة علاقات الإنتاج وتحددها.
ولكن في نفس الوقت علاقات الإنتاج التي تظهر على أساس القوى المنتجة لا تظل سلبية فهي تؤثر بشكل فعال في القوى المنتجة، معجلة أو مؤخرة تطورها. من هنا توافق علاقات الإنتاج مع طبيعة القوى المنتجة هو شرط لا غنى عنه لتطور الإنتاج. ولكن في التشكيلات الاقتصادية الاجتماعية القائمة على الملكية الخاصة والاستغلال، لا تستطيع علاقات الإنتاج أن تتوافق دائما مع القوى المنتجة المتطورة باستمرار. تعتبر القوى المنتجة أكثر العناصر تحركا في عملية الإنتاج الاجتماعي، فهي أي القوى المنتجة، دائما في تغير وحتى في إطار أسلوب الإنتاج نفسه يمكن أن تكون هذه التغييرات كبيرة جدا. وعلى سبيل المثال فطوال وجود الرأسمالية طرأت على قواها المنتجة تغيرات عميقة في حين أن علاقاتها الإنتاجية لا تزال قائمة كالسابق على الملكية الرأسمالية الخاصة. فعلاقات الإنتاج، بحكم ما يلازمها من ثبات وطابع محافظ لا تساير تطور القوى المنتجة. فلذا فهي، إذ تتخلف عن هذه الأخيرة، تعيق تطورها وتدخل في تناقض معها. ومع تطور القوى المنتجة يزداد المفعول المعرقل لعلاقات الإنتاج شدة ويتخذ التناقض بين القوى المنتجة وعلاقات الإنتاج طابعا أكثر عمقا وحدة، وينمو حتى يصير في آخر المطاف الى التنازع والتناقض العميق أكثر فيما بينهما، وهكذا تختمر ضرورة الثورة الاجتماعية التي من شأنها أن تحطم علاقات الإنتاج القديمة وتستحدث علاقات إنتاج جديدة.
هذه هي العلاقة الديالكتيكية الجدلية الموضوعية بين قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج في المجتمع الطبقي المتناحر.
وكتاب رأس المال لماركس هو الكتاب الوحيد الذي شرح وفسر هذه العلاقة الجدلية في المجتمع الطبقي المتناحر وخاصة علاقة الرأسمال والعمل. وهذا هو المحور الذي يدور حوله نظامنا الاجتماعي الرأسمالي الحالي. فكما كتب إنجلز في مقالة ظهرت في مجلة
(Demokratisches Wochen blatt Leipzig بتاريخ 21 و 28 آذار 1868، كتب يقول:" منذ أن كان هناك رأسماليون وعمال على الأرض، لم يظهر كتاب له بالنسبة الى العمال، أهمية الكتاب الحالي(أي كتاب رأس المال) إن علاقة الرأسمال والعمل وهي المحور الذي يدور حوله نظامنا الاجتماعي الحالي كله، نراها هنا في هذا الكتاب، مشروحة بتوسع، شرحا علميًا لأول مرة، وذلك بنفوذ وبصيرة وقوة المفكر الألماني وحده قادرا عليها. فكائنا ما كانت، وما سوف تكون قيمة كتابات مؤلف مثل أوين OWEN وسان سيمون SAINT- SIMON وفورييه FOURIER فقد كان لواحد من الألمان أن يتمتع وحده بميزة الارتفاع الى المستوى الذي يرتسم للناظر منه كل ميدان العلاقات الاجتماعية الحديثة، بوضوح وفي خطوطه الكبرى، كما تنبسط أمام الناظر الواقف على أعلى قمة، مناظر الجبال القائمة على ارتفاع أقل".
فكما كتب ماركس:
"ما دام جزء من المجتمع يملك احتكار وسائل الإنتاج، فإن الشغيل سواء أكان حرا أم لا، يكون مجبرا بأن يضيف، الى وقت العمل الضروري لإعالته هو شخصيا، زيادة إضافية مخصصة لإنتاج الوسيلة لإعالة مالك وسائل الإنتاج (ماركس- رأس المال- المجلد الأول).
وكما كتب ماركس:" لا يقوم التراكم إلا بإنتاج مجدد لهذه العلاقة (أي العلاقة الاجتماعية الرأسمالية والعمل بالأجرة) على نطاق متقدم على السواء، برأسماليين أكثر عددا (أو برأسماليين ضخام) من جهة، وعدد أعظم من الشغيلة الأجراء، من الجهة الأخرى فتراكم الرأسمال هو –إذن- في الوقت نفسه تزايد الطبقة العاملة (ماركس- رأس المال).
ومع التقدم العلمي والتكنولوجي والمعلوماتي عندها تكون الحاجة لمقدار أقل من العمال للحصول على الكمية نفسها من المنتجات. وهذا الواقع يخلق فائضا من العمال، يتقدم دائما بأسرع مما يتقدم حتى الرأسمال نفسه. وهذا العدد الفائض من العمال يشكلون جيشا من العاطلين عن العمل خاصةً في أوقات أزمات المجتمع الرأسمالي ويسقط جزء هام من هذا الجيش العاطل عن العمل، ويتحول الى باحثين عن المساعدات الخيرية العامة بدل أن يكونوا جزءًا من عملية الإنتاج الاجتماعي وهذا الوضع خاصة في فترة الأزمات يستخدم لتحطيم قوة مقاومة العمال المستخدمين بصورة منتظمة، ولإبقاء أجورهم في مستوى منخفض.
وكلما كانت الثروة الاجتماعية أعظم... كان الفائض النسبي من السكان أو جيش الاحتياط الصناعي أكبر عددا. ولكن كلما تضخم الاحتياطي بالنسبة الى جيش العمل النشيط (المستخدم بصورة منتظمة) تضخم كذلك الفائض الموطد (الدائم الثابت) من السكان، أو بتعبير آخر أصبحت الطبقات العمالية، التي يكون بؤسها متناسبا مباشرة مع الجهد الشاق المفروض، وأصبحت أكثر كثافة. وأخيرا كلما تعاظم ازدياد المعدمين من الطبقة العاملة بالأجرة والجيش الاحتياطي الصناعي، ازداد أيضا الإملاق الرسمي. هذا هو القانون العام، المطلق للتراكم الرأسمالي".
(ماركس- رأس المال- المجلد الثالث).
والمعطيات الاقتصادية الأخيرة في العالم الرأسمالي وفي إسرائيل والتي أظهرت زيادة أرباح الشركات الكبرى بعشرات مليارات الدولارات والى جانب ذلك أظهرت زيادة نسبة الفقراء والعاطلين عن العمل في المجتمعات الرأسمالية وهنا في إسرائيل، تعطينا الصورة الواضحة والدقيقة للفوارق العميقة والفجوة العميقة بين الأغنياء مالكي وسائل الإنتاج والفقراء العمال وهذه القضية الأساسية والمشكلة الاجتماعية الحادة التي يتحاشى الاقتصاديون الرسميون التطرق لها، وبحثها بشكل علمي اقتصادي ومدروس خاصةً في وقتنا الحاضر، حيث أصبحت فلسفة نهاية التاريخ ومفاهيم السوق الحرة هي المسيطرة على الإعلام الغربي الرسمي الرأسمالي.
لقد أبرز ماركس الجوانب السيئة من الإنتاج الرأسمالي. ولكنه أيضا شرح بوضوح مماثل أن هذا الشكل الاجتماعي كان ضروريا، لكي ترفع بالتدريج القوى الإنتاجية للمجتمع الى مستوى يستطيع فيه جميع أعضاء المجتمع أن ينمّوا بالتساوي قيمهم الإنسانية.
في السابق كانت جميع الأشكال الاجتماعية فقيرة جدا. إن الإنتاج الرأسمالي هو أول إنتاج يخلق الثروات وقوى الإنتاج التي هي شروطه الضرورية، ولكنه بخلقه في الوقت نفسه أيضا جماهير من العمال المضطهدين، يكون الطبقة الاجتماعية التي سوف ترى نفسها مجبرة أكثر فأكثر على المطالبة باستخدام هذه الثروات وهذه القوى الإنتاجية لمصلحة المجتمع بأسره- وليس كما هي الحال اليوم لمصلحة طبقة احتكارية. فأسباب هلاك الرأسمالية متأصلة في الظروف الاقتصادية لهذا المجتمع.


ألمراجع:
1- رأس المال- ماركس.
2- أصول الفلسفة الماركسية- جورج بوليتزر.
3- ألناس، العلم والمجتمع (فريق من المؤلفين).