ابناء الخطيئة


رندا قسيس
الحوار المتمدن - العدد: 2968 - 2010 / 4 / 7 - 19:26
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي     

نلاحظ ان مجتمعاتنا العربية تعاني من ثقافة عقدة ذنب راسخة بشكل قوي في اسسنا الدينية، فنحن احفاد ثقافة صلب الذات و جلد المعرفة، اصحاب الخطيئة الاولى المنغرسة في اعماقنا، ثقافتنا ثقافة النار و العذاب المتأصلة في عقولنا و رغباتنا، ثقافة بنيت على مر الزمن لترسخ عقائدها و عاداتها و مفاهيمها الثابتة فلا تتباطأ في تجريم الجهود و المحاولات الهادفة في تليين هذه الثقافة، لترمى بأسهم المازوشيين الرافضين لاي تغيير او تجديد، علمتنا ثقافتنا ان نرضخ للذل وان نحارب العلم و المعرفة و ان نستهين بذاتنا كي نمارس عملية القمع بشكليه الجماعي و الفردي. فما هو السبب الرئيسي لهذه الثقافة؟

لاشك ان الجماعة لعبت دوراً مهماً في تأطير الفرد ضمن قوانين و عادات تبلورت مع الوقت و تحولت الى مفاهيم دينية رادعة لاية محاولة تمرد و ذلك لضمان كيانها و وجودها، متجاهلة بذلك رغبات الافراد، و للحد من رغباتهم لجأت الجماعة الى ترسيخ فكرة القضاء و العقاب عند الافراد لتشكل لهم ضغطاً نفسياً ما بين اكتفاء الذات و بين الصور المشحونة بمشاعر الخوف و الرعب القابعة في لاوعي الافراد، فنتج عن هذه المعركة الداخلية شعور بالذنب، فكلما اراد الفرد تحقيق اكتفاءاته تنتابه موجة رادعة تنبثق من صوره الداخلية المتراكمة منذ صغره لتجتاحه كلياً، فيقف عاجزاً عن الفهم و يشعر بالشلل تجاهها، هذه المشاعر انعكست في البدء على اساطيره لتتقمص بعدها نصوصاً دينية، مما ادى الى ان يكتسب هذا الانعكاس المطروح من الانسان قوة خارجية تكبح الافراد و تقمع اية محاولة فردية تسعى للتحرر من تلك القوة.

تولت الجماعة القيام بهذه المهمة، فنراها تحارب جميع الافراد المنعتقين من القيود و السلاسل الجماعية، لترتدي ثوب الجلاد الجاهل لكل العلوم و المعارف و الاحداث التاريخية، مما يعكس في انفسنا ازمة اخرى ليتم اختلاط المفاهيم و الاخلاقيات، كي يعيش الفرد حياة كاملة خلف اقنعة وهمية، فنراه يمارس دعارته الاخلاقية بشكل ضمني، و يقوم بقلب الموازين و تزوير تاريخه المليئ بالانتكاسات ليحولها في مخيلته الى انتصارات. اعتقد ان المشكلة الرئيسية لدى هذه المجتمعات تكمن في خوفها من مواجهة الذات و عجزها عن المصالحة مابين الرغبات الفردية و المصلحة الجماعية.

نجد ان الثقافة الجماعية العربية قائمة على شحن الافراد بانفعالات و هجيان دائم، فادراكنا يعجز عن التقاط الاحاسيس بشكلها المنتظم للقيام بترجمتها لاحقاً، فنصبح عبارة عن مشاعر عشوائية مختلطة فيما بينها ينقصها القدرة على تنظيم الذات، و اذا حاولنا ترتيب بعض الامور تتناولنا الاتهامات و الشتائم.
احاول جاهدة البحث عن اسباب الانفعالات المنغلقة على نفسها الخائفة من هجوم خارجي يقتلعها من جذورها، فأحاول تفهم هذه المشاعر الا انني مضطرة الى معرفة اسباب تواطؤ الارض و الكون على هذه البقعة المشؤومة منذ زمن بعيد لاغرق في البحث عن ابداعاتنا فلا ارى الا فشلنا، فأذهب باحثة عن اخلاقياتنا فلا اجد الا عدمها، فأوهم نفسي في ضرورة البحث فربما كنا اصحاب علوم وافرة فلا اسمع الا بكاءً و نواحاً و لطماً على تاريخ مضى و لم يبقى منه اثر، فنحن من حطمنا اثارنا الانسانية و اعدمنا التجارب المتراكمة و تشبثنا بصنع قناع واحد للجميع مفرغ من اي فحوى او مغزى لاستمرارنا في هذه الحياة.

تشتد علينا وتيرة الخوف فنلجأ الى العراك و العنف تجاه الاخر، فنحن جاهزون للمحاكمة السريعة و الاعلان عن احكام جاهزة نستخرجها من ادراجنا الثقافية، فكيف يمكننا ان ندعي الفهم و المعرفة ان كنا عاجزين عن فهم ذواتنا و تحليل المعطيات الداخلية و الخارجية، و اذا درسنا حالتنا المتناقضة و المستمدة من ثقافتنا القائمة على غسل الادمغة و تشويه المعلومات و تزوير الحقائق فعلينا عدم استغراب تحول الافراد الى الات غيرقادرة الا على تخزين المعلومة من دون فهمها او معالجتها، فنحن ابناء ثقافة ناسخة للغيرعاجزة عن تحويل قدراتها الى انتاج ابداعي.

أنها معركة بين الفرد المتطلع الى ممارسة حقه الأنساني في الحرية الفردية والتفكير والسلوك المستقل، وبين قهر وقمع الجماعة التي تريد محو فرديته وانسانيته في زحمة القطيع وتدجينه وفق قوالبها كي تشعر بالأمان والطمأنينة من خطر تحرره، فالحرية الفردية تشكل باستمرار تهديداً وخطراً على ثوابت وتقاليد ومعتقدات الجماعة، أنها قصة المعركة الأزلية بين الأحرار وعبودية الجماعة!