لينين؛ أهمية فكره وحيوته في السجال الراهن


نايف سلوم
الحوار المتمدن - العدد: 2836 - 2009 / 11 / 21 - 13:56
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية     

في الذكر 92 لثورة أكتوبر الاشتراكية وصعود البلاشفة إلى السلطة ومحاولة بناء أول دولة عمالية في التاريخ ، يحضر لينين فوراً في الجدال حول مغزى الثورة وسيرها وموقعها في الأزمنة الحديثة، والتاريخ المعاصر.

ما يزال لينين موضع جدال كبير بين فلول الحركة الاشتراكية في العالم العربي ؛ لينين بإستراتجيته الثورية وتكتيكاته ومنهجه في قراءة الظواهر الجديدة .

إن ربط أهمية إسهام لينين وحيوية فكره بالسلطة السوفياتية ومصير هذه السلطة يشبه إلى حد بعيد ربط فكر النبي محمد ودعوته بمشروع الدولة الإسلامية ومآلاتها، وهذا شيء فيه الكثير من الاختزال والابتذال.

تنبع حيوية فكر لينين وجداله المستمر مع العصر (عصر الإمبريالية الجديدة) من قضايا عدة ساهم في وضع أسسها ، وعلى رأس هذه القضايا رسم الإستراتيجية الثورية الاشتراكية في العصر الإمبريالي . خاصة بعد ملاحظته الانقسام الذي أحدثه الشرط الإمبريالي في البروليتاريا العالمية وتخميد الطاقة التقدمية والثورية للبروليتاريا في أوربا الغربية والولايات المتحدة . وتتلخص هذه الإستراتيجية في فكرة عجز البورجوازية في العصر الإمبريالي عن قيادة وانجاز المهمات الديمقراطية التي أنجزتها البورجوازية الأوربية فترة صعودها 1600-1871 ، بالتالي انتقال القيادة والمبادرة لانجاز هذه المهمات الديمقراطية ذات المحتوى البورجوازي إلى البروليتاريا الواعية والمنظمة ، وهذه القيادة الجديدة ، وبحكم الفعل المذرر الذي تولده الدينامية الإمبريالية الرأسمالية في البلدان المتخلفة وبفعل التخليع الاجتماعي والاقتصادي ، تستدعي تحالفات طبقية عريضة متماسكة ومتكتلة بفعل البرنامج الديمقراطي التقدمي للطبقة العاملة. هذا معناه أن التحالفات الطبقية أحد أسس الإستراتيجية اللينينية في عصر الإمبريالية .

إن التفاوتات الشديدة في نمو الدول والاقتصادات والقطاعات المختلفة في العصر الإمبريالي ، ومسألة الحروب والإلحاق والاعتداء على سيادة الدول والظلم القومي للأمم الضعيفة تستدعي الاهتمام ضمن إستراتيجية لينين بالمسألة القومية ومسألة الأقليات القومية. يضاف إليها أيضاً ما يفرضه التدويل المستمر لرأس المال المالي في العصر الإمبريالي ، وما يعني ذلك من إضافة النضال الأممي والتكاتف الأممي في الصراع ضد جبروت رأس المال المالي والإمبريالية كميل للسيطرة على المستوى العالمي إلى الإستراتيجية اللينينية .

ومادامت الإمبريالية نظاماً عالمياً راهناً مأزوماً ومولداً للحروب والكوارث الاجتماعية والبيئية تبقى إستراتيجية لينين الثورية الاشتراكية قائمة وحيوية. لكن تكتيكات النضال الاشتراكي الماركسي تتغير وفقاً للمعطيات التاريخية والمحلية .

من القضايا الحيوية التي ساهم لينين فيها مسألة قضايا التنظيم والثورة الاشتراكية ، والمسألة القومية في العصر الإمبريالي ومسألة ربط النضال الديمقراطي بالنضال الاشتراكي ربطاً عضوياً. ولكن يبقى إسهامه الأكبر والأكثر حيوية ومفتاحية لفهم أزمة الرأسمالية الراهنة هو قراءته للظاهرة الإمبريالية في الرأسمالية ؛ حيث يبقى مفهوم الإمبريالية الاقتصادية الذي بلوره لينين في كتابه "الإمبريالية.." المفتاح العلمي لفهم التطورات والأشكال الجديدة لعمل الإمبريالية بعد الحرب العالمية الثانية وفهم أزماتها .

يكتب لينين في كانون الأول 1915 مقدماً لكتاب نيكولاي بوخارين الهام: "الإمبريالية والاقتصاد العالمي": "الحديث عن أهمية وحيوية الموضوعة التي يعالجها مؤلف بوخارين هذا، لا يتطلب إيضاحاً خاصاً، فمشكل الإمبريالية ليس أكثر المشكلات أهمية وحسب ، بل لعل بوسعنا القول أنه المشكل الأهم على الإطلاق في عالم علم الاقتصاد (السياسي) الذي يتفحص ويدرس الأشكال المتغيرة للرأسمالية في الأزمنة الراهنة. .. ويتعين على كل متابع يهتم لا بالاقتصاد (السياسي) فحسب ، بل وبأي مجال من مجالات الحياة الاجتماعية اليوم ، الاطلاع على الحقائق المتعلقة بهذا المشكل.. ". ويشير لينين إلى أهمية تفحص الحقائق الأساسية للاقتصاد العالمي المتعلقة بالإمبريالية ككل ، وكمرحلة محددة في نمو الرأسمالية الأعلى تطوراً .. " يكتب: "لقد كان ثمة في الماضي حقبة شهدت وجود "رأسمالية سلمية " نسبياً ، وذلك حين استطاعت هذه الرأسمالية قهر الإقطاع في أوربا المتقدمة ، وكانت في وضع يسمح لها بالتطور بصورة "هادئة" ومنسجمة نسبياً ، وبالانتشار "سلمياً" في مناطق شاسعة من أراض غير محتلة بعد ، وأقطار لم تكن قد دخلت الدوامة الرأسمالية بعد، بصورة نهائية.

وبالطبع ، فحتى في تلك الحقبة التي حلت تقريباً في الفترة بين 1871-1914 فإن الرأسمالية "السلمية" خلقت ظروف حياة كانت أبعد ما تكون عن السلمية سواء بالمعنى العسكري أو المعنى الطبقي العام . ولم تكن هذه الحقبة بالنسبة لتسعة أعشار السكان في البلدان المتقدمة ، وبالنسبة لعشرات الملايين من سكان المستعمرات والبلدان المتخلفة ، حقبة "سلام" على الإطلاق، بل كانت حقبة اضطهاد وتعذيب ورعب. زاد من وطأتها جميعاً أنها بدت وكأنها بلا نهاية . لكن تلك الحقبة ولت إلى غير ما رجعة . وحلت في أعقابها أخرى جديدة أكثر عنفاً نسبياً ، حافلة بتغيرات خطيرة ، وبكوارث وصراعات . حقبة لم تعد تتبدى للجماهير الكادحة كرعب ليست له نهاية ، بل كنهاية مليئة بالرعب. " ويضيف لينين بالقول: "ومن الأهمية بمكان تذكر حقيقة أن هذا التغيير لم ينتج إلا عن التطور والنمو والاستمرارية المباشرين في الميول الأساسية الراسخة للرأسمالية والإنتاج السلعي عموماً . إن نمو التبادل السلعي ، ونمو الإنتاج الكبير ، هي ميول أساسية ملحوظة على مدى قرون في أرجاء العالم كله . ففي مرحلة محددة من نمو الإنتاج الكبير ، وبالتحديد في المرحلة التي تم الوصول إليها عند نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين تقريباً ، قاد التبادل السلعي إلى تدويل للعلاقات الاقتصادية وإلى تدويل لرأس المال مصحوباً بزيادة هائلة في الإنتاج الكبير. وكان هذا التدويل من الضخامة بحيث شرع الاحتكار يحل محل المنافسة الحرة ولم تعد الأنماط السائدة مؤسسات تتنافس بحرية داخل القطر وعبر العلاقات بين الأقطار ، بل تحالفات احتكارية لأرباب العمل والتروستات وغدا الحاكم النموذجي للعالم هو رأس المال المالي . وهو قوة مرنة ومتحركة بشكل مميز. متداخلة في الوطن وعالمياً بشك مميز . وذات تجرد مميز عن الفردانية وافتراق عن العمليات المباشرة للإنتاج. وقدرة مميزة على التركز. إنه رأس المال المالي قوة قامت حتى الآن بخطوات كبيرة بشكل مميز على طريق التركز لدرجة صار معها بضع مئات من المليارديرية والمليونيرية يتحكمون بمصير العالم كله تقريباً " . و يضيف في كتاب "الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية": "آمل أن يساعد كتابي على تفهم المسألة الاقتصادية الأساسية التي لا يمكن بدون دراستها فهم [السياسات المعاصرة، والحروب المعاصرة] . نعني "كنه الإمبريالية الاقتصادي " لينين ، (26 نيسان 1917 ) "

وإذا لم يدرك المرء الجذور الاقتصادية لهذه الظاهرة. إذا لم يقدر أهميتها السياسية والاجتماعية حق قدرها لا يستطيع أن يخطو خطوة في ميدان حل المهام العملية التي تواجه الحركة الشيوعية والثورة الاجتماعية المقبلة.

إن إستراتيجية لينين الثورية والتي ما تزال تحتفظ بحيوتها حتى اليوم تقوم على أنه في عصر الإمبريالية بات لزاماً على البروليتاريا وتحالفاتها الطبقية (الطبقات البورجوازية الصغيرة في الريف والمدينة) أن تقوم بانجاز المهمات التاريخية التي أنجزتها البورجوازية الأوربية فترة صعودها (1600-1871 ) ، وباتت البورجوازية الآن عاجزة عن انجازها مع دخول الرأسمالية مرحلة الإمبريالية (الانتقال من رأسمالية المنافسة إلى رأسمالية الاحتكار).

هذه القيادة الجديدة للمهمات الديمقراطية البورجوازية ، وهذا الرفع للمهمات الديمقراطية إلى مستوى العمل الاشتراكي الماركسي يشكل جوهر الإستراتيجية اللينينية في العصر الإمبريالي . وهو أمر حيوي كل الحيوية وراهن . أما أسس التنظيم الثوري التي بلورها لينين وطورها بداية القرن العشرين في كتاب "ما العمل؟" فهي تشكل أساس أي حزب ثوري ذي أيديولوجية تقدمية، مهما يكن وبغض النظر عن الأشكال (الصور) التي يأخذها كل تنظيم حسب الشروط التاريخية والمحلية . كما أن ديالكتيك الديمقراطية/ المركزية أمر بدهي في كل عمل منظم ، بحيث تمارس الديمقراطية حقها مع كل حاجة لاتخاذ قرار جديد من قبل الحزب الثوري : الديمقراطية تناقش كافة الأمور و تجادل وتنتخب وتصوت في مرحلة أولى ، وما أن يتخذ القرار بتصويت الأغلبية الحزبية حتى تبدأ المركزية بأخذ دورها لتنفيذ ما تم التصويت عليه. وما جرى على يد البيروقراطية السوفياتية بعد موت لينين هو أن البيروقراطية حلت مكان الديمقراطية وغدت الديمقراطية / المركزية، بيروقراطية/ مركزية وذلك لظروف التحول الاشتراكي السريع في روسيا السوفيتية والنمو الاقتصادي الأسرع في ظروف بلد محاصر ومعزول من قبل الدول الإمبريالية الرئيسية.

أشكال التنظيم الاشتراكي الماركسي شيء وأسس هذا التنظيم شيء آخر . الإستراتيجية الثورية شيء والتكتيكات شيء آخر حسب فرادة كل بلد .

أما الغائب الأكبر في فكر لينين وتنظيراته فهو المسألة الثقافية(الحضارية) أو مسألة التراث القومي وضرورة نقده نقداً جذرياً منتجاً ، وهي موضوعة جد حيوية وراهنة بالنسبة للمسألة القومية العربية الديمقراطية.