رحلتي إلى الدانمارك..! (الحلقة الثانية والأخيرة)


وفاء سلطان
الحوار المتمدن - العدد: 2717 - 2009 / 7 / 24 - 10:52
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي     

تقول القاصة الأمريكية Jessamyn West:
"الكتابة هي مهنة الوحدانيّة. العائلة والأصدقاء والمجتمع هم أعداء حقيقيون للكاتب. على الكاتب أن يكون منعزلا ولا يقاطعه أيّ شيء في عزلته، وعليه أن يكون شرسا في دأبه لأن يُنهي ما كتبه"
لم أكن شرسة هذه المرّة، ولذلك فشلت في أن أنهيِ حكاية الدانمارك ضمن الإطار الزمني الذي كان من المفروض أن تنتهي ضمنه.
رحم الله جدتي وهي دوما مثلي الأعلى، حكاياتها علمتّني أهميّة الإصغاء والقدرة على سرد ما أصغي إليه.
علمتني كيف أصغي إلى الحكايا بتشوّق، وكيف أسرد تلك الحكايا بتشوّق!
كانت تروي لنا حكاياها وتنام في منتصف الحكاية، فنشدها من منديلها كي نوقظها ونحن نحترق شوقا لسماع النصف الآخر.
ظنّ بعض القرّاء بأنني نمت قبل أن أكمل النصف الثاني من حكاية الدانمارك، فراح يشدّني من كل حدب وصوب.
لم أنم، ولكن عائلتي وأصدقائي والمجتمع الذي أعيش فيه "كأعداء حقيقين" سرقوا الوقت اللازم لإنهاء ما بدأت!
نعم على الكاتب أن يكون شرسا في دأبه لأن ينهي ما بدأ، ولكن أمام متطلبات العائلة والأصدقاء والمجتمع لا تستطيع أن تصمد شراسة!
في الطائرة من لندن إلى فينيكس كتبت النصف الأول من حكاية رحلتي إلى الدانمارك، ولم أجد على الأرض وقتا كافيا كي أنهي ما بدأت.
وصلتني رسائل كثيرة تشدّني من منديلي كي استيقظ وأكمل الحكاية، إحداها لم تلامس منديلي وحسب، بل لامست برقتها شغاف قلبي!
سيدتي العزيزة
تحية طيبة من كوردستان العراق
هل تظنين انك اصبحت بعد الان ملكك الخاص بعد ان ادمنا على كتاباتك ومقالاتك ومن سيدفع ثمن دخولنا اليومي علىالانترنيت للبحث عن كل ما هو جديد من فكرك وحضرتك الكريمة ولا على بالك
لعلمك اقصى حد ممكن لتوقفك عن الكتابة يجب ان لا يتجاوز الاسبوع ولا نقبل الاعذار
اسف على هذا التطاول ولكن الاصدقاء الذين عرفتهم بكتاباتك يلحون علي في السؤال ويعاتبونني على تاخيرك
في ارواء ظمأنا الى الفكر النير والناقد والمحرك لكل مستنقعات الفكر العربي والاسلامي المهترئ
اسف ثانية
عبد الله.....
محافظة دهوك كوردستان العراق
عندما تتصل بي أنجيلا لتخبرني بأن الضغوط الدراسية قد أنهكت كاهلها الغض وتريدني أن أكون بالسرعة القصوى في جامعتها التي تبعد عني ثلاثة ساعات، كي أقضي معها بعض الوقت وأمتص تلك الضغوط، عندما تفعل ذلك لا أستطيع أن أكون شرسة إلى الحد الذي أصرّ عنده على أن أكمل لقرائي حكايتي.
ولكن عندما أقرأ رسالة كتلك أخجل من نفسي، ويتفاقم إحساسي بعدم الإلتزام حتي يبلغ حدّ الشراسة، فألتصق بكرسيّ مكتبي كي أنهي واجبا كنت قد بدأته!
........................
اعترض بعض القرّاء بقسوة على وصفي للاوروبيين بأنهم كالحون ونزقون. ورأوا في ذلك الوصف انتقاصا من شأن اوروبا.
في حقيقة الأمر اختلط عندهم الأمر بين حبّ اوروبا وكره أمريكا!
هم لم يقسوا عليّ حبا باوروبا، بل كرها بأمريكا!
أمام اتهاماتهم، لم أشعر بعقدة الذنب لإيماني بأن ما بُني على الكره لا يمكن أن يخلق لديّ إحساسا بالذنب.
يصعب على البعض أن يدرك بأن التعبير عن المشاعر يختلف عن سرد الحقائق. يحقّ لأيّ منا أن يعبر عن إحساسه تجاه الآخر ضمن حدود الأدب، ولكن لا يحق له أن ينكر حقيقة ذلك الآخر.
عندما كتبت عن الاوروبيين لم أكن أسرد حقائق، وإنما كنت أعبّر عن مشاعر!
لست من عشاق التاريخ، لكن لا أحتاج أن أكون عاشقة له كي أعترف بالإنجازات التي حققتها أوروبا عبر التاريخ، وعلى رأسها صنع أمريكا!
نعم اوروبا أنجبت أمريكا، كما قال أحد القرّاء في رسالته، لكن ليس عيبا أن تتفوق الأبنة على الأم، ومن الطبيعي أن تشيخ الأم بينما الأبنة تزهو في عزّ شبابها!
تقول أشهر رئيسة وزراء وسياسيّة في تاريخ اوربا Margaret Thatcher:
Europe will never be like America. Europe is a product of history. America is a product of philosophy.
"لا يمكن أن تكون اوربا كأمريكا، أوروبا هي تحصيل حاصل للتاريخ وأمريكا هي تحصيل حاصل للفلسفة"
في غمرة التفكير في قولها، وكوني أعشق الفلسفة وأبغض التاريخ، حضرني مثل دانماركي، كنت قد قرأته في إحدى الصحف الملقاة على الطاولة في غرفة فندقي بكوبنهاكن، يقول:
Happy is the country which has no history
سعيدة هي البلاد التي ليس لها تاريخ!
مارغريت تاتشر والمثل الدانماركي أكدا لي صحّة مشاعري، وخففا عني حدّة الإتهامات التي قذفني بها الصارخون "يا غيرتنا على اوروبا"!
لم أشعر وأنا أتجول في شارع الشانزليزيه في باريس منذ عدة شهور إلا وكأني في سوق الحمدية، إن لم يكن في أحد أسواق اندونسيا.
دخلت محلا يعرض بعض الشالات المزركشة والمختومة بصورة برج ايفيل، سألني البائع الإندونسي الأصل على الفور: من أين أنت؟!
قلت: من سوريا!
فرد: سلام ألييكم... الأخت مسلمة!
قلت: إن كان هذا ما تبغيه!
فردّ على الفور: "ثلاث شالات بخمسة يورو". بعد أن كان قد قال شالين بخمسة يورو.
لأول مرة في تاريخي أستفيد من اسلامي!
في باريس، شعرت بأن تاريخ اوروبا قد قادها إلى حتفها، فهي اليوم تضع رجلا داخل قبرها، والرجل الأخرى تدوس على قشرة موز!
المدّ الإسلامي في أبشع صوره قد حرق وجه تلك القارة الجميلة، وتسلل خلسة ليسيطر على مرافقها العامة واحدا بعد الآخر.
قد يدعي البعض بأننا نبالغ، وحجتهم أن التواجد العددي للمسلمين يبقى الأقل! ولكن لا يحتاج المسلمون لأن يكونوا الأكثرية كي يكونوا الأغلبية!
أموال النفط ونكاح ماطاب للرجل ونظرية "نحن نرزقهم"، في بلاد تعلمت من تاريخها أن تحترم حق الإنسان في أن يختار دينه وأن يمارس طقوسه ونكاحه وما ينجم عن ذلك النكاح غير المضبوط ـ ولم تتعلم أن تضع تعريفا للدين والعبادة ـ كل تلك الأمور مجتمعة ساعدت تلك الأقلية لأن تزعق في مجتمع تعلم أدبا كيف يخفض صوته!
تعلمت اوروبا من خلال تاريخها أن تحترم حق الإنسان، وهنا تكمن عظمتها!
لكنها، للأسف، لم تضع تعريفا لذلك الحق ـ أي لم تضبطه ـ وهنا تكمن نقطة ضعفها التي ستقصم ظهرها!
زرت الكاتبة الإيطالية Oriana Fallaci ، بناء على دعوتها، وهي على فراش الموت في نيويورك. لم أرها لأنني وصلت إلى المشفى بعد أن لفظت أنفاسها الأخيرة، وكانت قد تركت لي كتابها The force of reason مع إهداء جميل ورسالة طويلة، جاء في إحدى كتبها:
Europe is no longer Europe, it is Eurabia, a colony of Islam, where the Islamic invasion does not proceed only in a physical sense, but also in a mental and cultural sens.

"بعد اليوم اوروبا ليست اوروبا، إنها عرابيا بل ومستعمرة إسلامية، لم يعد الغزو الإسلامي لها غزوا سكانيا وحسب، وإنما صار غزوا عقليا وثقافيا"
كان هذا هو موضوع المؤتمر الذي دُعيت إليه في كوبنهاكن، والذي استضافه البرلمان الدانماركي في مبناه.
...........................
على باب المبنى، وقفنا صفا ننتظر دورنا كي يقوم رجال الأمن بتفتيشنا.
ـ يا للمهزلة!
تهمس في اذني الصحفية المعروفة والكاتبة الأمريكية Diana West وهي تخلع حذائها.
فأرد: يخافون من وفاء سلطان وديانا ويست أن يغتالا غيرت ويلديرز!
قالت بعفويتها الأمريكيّة: ولكنهم سيفتشون غيرت أيضا!
قلت: يخافون منه أن يغتالنا!
قالت: نعم، أفضل طريقة لمواجهة المهازل أن نضحك عليها!
لماذا يفتشون وفاء سلطان وغيرت ويليدرز وديانا ويست، وهم يعرفون تماما مواقف هؤلاء من الإسلام والإرهاب الإسلامي؟!!
لا شكّ أنهم يفعلون ذلك من منطلق إنساني بحت، ذلك المنطلق الذي فرضته عليهم تجاربهم عبر تاريخ طويل.
هم يفعلون ذلك احتراما والتزاما بقوانينهم التي لا تفرق بين اسامة بن لادن لو أحبّ أن يحضر المؤتمر وبين رئيس المؤتمر!
وضعوا تلك القوانين بعد أن دفعوا ثمنها تاريخا طويلا من الصراع بين الحق والباطل.
لا يميزون بين مواطن وآخر على اساس دينه أو لونه أو عرقه أو توجهه السياسي، ولا حتى على أساس تقواه....لأن لله وحده حق التفريق على اساس التقوى!
بعكس شريعة الإسلام التي تتبجّح بأنها لا تفرق بين الناس إلاّ بالتقوى، وبناء على تلك الشريعة المسلم أفضل من غير المسلم والسني أفضل من الشيعي والشيعي أفضل من العلوي والعلوي أفضل من الدرزي والحنبلي أفضل من الشافعي والمكاوي أفضل من أهل المدينة وأهل الحجاز أفضل من أهل الشام، والعربي أفضل من الفارسي، ومحمد أفضل من ابنه أحمد وأحمد أفضل من ابن عمه صالح، ولذلك لم تصلح تلك الشريعة يوما بلدا!!
عندما يُسمح للإنسان أن يصنّف بقيّة الناس على أساس التقوى، سينتهي الأمر وفق تعريف كل إنسان لمفهوم "التقوى".
وسيقاتل الأخ أخاه لو اختلف معه على طريقة مسح الرقبة أثناء الوضوء، لأن تلك الطريقة تحدد حجم التقوى، ولنا في التاريخ الإسلامي خير دليل!
........................
دخلت قاعة البرلمان بعد أن تأكد رجال الأمن من أنني لا أحمل أية مادة قابلة للإنفجار، فالقنبلة التي كنت أحملها في كراستي لا تظهر على شاشة الجهاز!
في الفترة الصباحية تحدثت سيدتان من أمريكا. ركزت تلك السيدتين على ضرورة حماية حرية الكلمة والتعبير في اوروبا كما هو الحال في أمريكا، وأظهرتا على أن هناك حركات إسلامية مدجّجة بالأموال السعودية تسعى لقمع تلك الحريات، وتسعى لتتسلل إلى المدارس والجامعات الغربية.
تلا ذلك مؤتمر صحفي ضّمني والسيد ويلديرز والسيدة ويست، كانت معظم الاسئلة موجهة للسيد ويلديرز، وهي أسئلة سياسية تتعلق بكيفية التعامل مع المد الإسلامي في اوروبا من وجهة نظره كسياسي.
أذكر سؤالا مهمّا وجهه لي أحد الصحفيين وهو: لماذا لا نرى مزيدا من النساء المسلمات يثرن على وضعهن في ظل الشريعة الإسلامية؟!
عندما تقف أمام عدسة الكاميرا ولا تملك إلا بضعة دقائق كي تجيب على سؤال تتطلب الإجابة عليه كتاب، تشعر بالإحباط.
استجمعت قدرتي على الإختصار، وقلت: عندما ترفع عن رقبتهن سيف الشريعة ستسمع أصواتا كثيرة وقوية. لقد امتدّ ذلك السيف حتى وصل إلى رقبة النساء المسلمات في الغرب. الأمل في التمرد ضيئل جدا مالم تصدر قوانين دولية تفرض وتضمن حرية التعبير وحرية الإختيار في العالم الإسلامي. من خلال تجربتي كامرأة متمردة اؤكّد لك أن الأمر في غاية الصعوبة، وليست كل امرأة مسلمة على استعداد أن تقدم التضحيات التي قدمتها وغيري ممن تمردن!
في الفترة التي تلت وجبة الظهيرة، تحدثتُ و تحدث السيد ويلديرز ورجل آخرمن الهند. شرح المتحدث الهندي عملية المدّ الإسلامي في النهد والطريقة التي تواجه بها الحكومة الهندية ذلك المدّ، وأنا شرحت أهمية وضع تعريف للـ "الدين"، وبأن الإسلام ليس دينا وإنما عقيدة سياسية تفرض نفسها بالقوة.
عرضت على الشاشة الكبيرة علم السعودية، ثم شرحت للحضور العبارة المكتوبة عليه والغاية من السيف الذي يحتضن تلك العبارة!
كان خطاب السيد ويلديرز واضحا وجريئا، ركّز فيه على ضرورة وضع قوانين جديدة للهجرة وضبط عمليات الهجرة إلى اوروبا من البلاد الإسلامية.
فاجأه رجل من الجمهور متحمس للإسلام بسؤال: تصرّ حضرتك على منع التدفق الإسلامي إلى اوروبا، لو حدث ذلك ستمنعون اصوات كصوت وفاء سلطان من الإنطلاق، أين هي مسؤوليتك كرجل سياسي وصانع قوانين أمام ذلك؟!!
ورد: "أنا ضدّ التدفق الإسلامي إلى اوروبا ومع وقفه بالقوة، لكنني لم أكن يوما ضد قوانين اللجوء التي تسمح لأي مضطهد أن يدخل بلادنا ويعيش فيها، نرحّب بكل من يريد أن يلتزم بقوانيننا ويصونها، من يدخل بلادنا عليه أن يلتزم بثقافتنا وإلا فليرحل،
نرحب بكلّ إنسان يحمل جرأة وأفكار وفاء سلطان، وطبعا سنمنحه حق اللجوء وحق العمل"
بالنسبة لي، كان الجزء الأكثر إثارة في المؤتمر هو الساعة الأخيرة منه. تحدث خلال ذلك الزمن ثلاثة من أعضاء البرلمان الدانماركي، والذين شهدوا فعاليات المؤتمر.
أعتقد، ولست متأكدة، بأن أولهم يهودي والثاني مسلم والثالث سيدة مسيحيّة.
ينبع اعتقادي من دفاع الأول عن اليهودية أمام الذين يقارنوها بالإسلام، ودفاع الثاني عن الإسلام أمام الذين ينتقدونه، بينما تناولت السيدة التاريخ المسيحي في اوروبا.
قال الأول: "مهما بدت اليهودية متشابهة مع الإسلام، يجب أن يتذكر الجميع بأنه في اليهودية للإنسان مطلق الحق أن يسأل وأن لا يلتزم إلاّ بما يقتنع به. الخيار شخصي محض، فاليهودية لا تكفر ولا تجرّم من يكفر. هذا من جهة ومن جهة أخرى، الحياة في اليهودية كقيمة أهم من الله"
السيد ناصر خضرة عضو برلمان مسلم، ينحدر من اصول سورية وفلسطينية، وهو شاب في منتهى اللطف والأدب، وكان وراء دعوتي لزيارة الدانمارك في المرة الأولى التي تلت الحدث الكاريكاتوري!
تحدث بهدوء، فقال: "لم يترك لنا المتحدثون أملا كبيرا حيال الأزمة الإسلاميّة التي نواجها في اوروبا، والسبب ـ على حدّ قوله ـ هو عجزهم عن التمييز بين الإسلاميين وبين المسلمين"، ثم شرح وجهة نظره بالتفصيل.
أما عضوة البرلمان فقد تناولت التاريخ الكاثوليكي في اوروبا. لم أفهم على إنكليزيّتها سوى كلمة من هنا وكلمة من هناك، لاتكفي لأن أتناول ما قالته.
المهم، في النهاية أجاب أعضاء البرلمان الثلاثة على أسئلة الجمهور، وكانت متنوعة وعديدة.
كنت من طرح السؤال الأخير، ووجهته للسيّد خضرة: "لقد أشرت في تعليقك على أننا عجزنا كمتحدثين عن التمييز بين الإسلاميين والمسلمين. كونك رجل مسلم لا أشك بأنك مطّلع على حياة محمد، بناء على إطلاعاتك كيف تريدنا أن نصنف محمد كإسلامي أم كمسلم؟"
لم أكن أتوقع على الإطلاق ردّة فعل الجمهور ولا ردّة فعل السيد خضرة.
انفجر الجمهور في موجة ضحك وعلا التصفيق، وإذ بالسيد خضرة يرد منفعلا: لا يهمني محمد، لا يهمني رجل مات منذ ألف وأربعمائة عام، ولا تعنيني حياته، ما يهمني كيف سنقنع مليار ونصف مسلم أن يتركوا الإسلام؟!!
كان بودي أن أقول له: رجل واحد استطاع أن يغسل أدمغة مليار ونصف بشري بتعاليم لا يمكن أن يقتنع بها ذو عقل، ألا تستطيع امرأة واحدة أن تغسل تلك الأدمغة من تلك التعاليم؟!!
لكنني قدّرت وضعه أمام ردّة فعل الجمهور فصمت!
السيد خضرة، من وجهة نظري، يمثل نسبة لا بأس بها من المسلمين الذين لا علاقة لهم بالإسلام من قريب أو من بعيد سوى أنهم ولدوا مسلمين!
إذا كان معظم المسلمين الذين ولدوا في العالم العربي، والإسلام دين عربي، لم يقرأوا سيرة محمد في حياتهم، فماذا تتوقع من رجل ولد مسلما لكنه لا يتكلم العربية ولا يعي ما يردد في صلاته؟!!
هل يعي السيد خضرة بأن قوله " لا يعنيني محمد....لا يعنيني رجل مات منذ أربعة عشر قرنا" أمر في منتهى الخطورة ويكفي لأن يضع حدا لحياته!
هل يعي بأنه لو قال " لا يعنيني الله" لكان الأمر أخف؟!!
فالمسلمون يؤلّهون محمدا ويجعلون من الله رسولا له!!
هل يعي السيّد خضرة بأن قتله، بناء على ماقاله، مبرر في ظلّ الشريعة التي يدافع عنها؟!!
نعم هو يدرك بأن حياته في خطر، ولذلك لا يتحرك إلا ومعه طاقم من رجال الأمن يحيطون به.
هو يدرك بأن حياته في خطر، ولكن الكارثة أنه لا يدرك مصدر ذلك الخطر، ولا يدرك أنه يدافع عن ذلك المصدر!
يريدنا أن نمييز بين المسلم والإسلامي، دون أن يعي بأن محمدا إسلاميّ قبل أن يكون مسلما، وإلا لما فسخ امرأة فوق المائة بجملين، ولما كبر عندما غرز أتباعه سيوفهم في صدر السيدة عصماء بنت مروان وهي ترضع طفلها، وعندما دحرجوا بين يديه رأس كعب بن الأشرف!
هذا النمط من الرجال خطير ولا يدرك مدى خطورته. أقدّر محاولاته لمحاربة المدّ الإسلامي وأقدّر احترامه لوجود مليار ونصف مسلم، ولكني لا أقدّر جهله بالإسلام!
هو ـ من حيث يدري أو لا يدري ـ يشكّل على اوروبا نفس الخطر الذي يشكله ابن لادن، لأنه يقف حجرة عثرة في طريق فهم الاوروبيين للإسلام كعقيدة سياسية قمعيّة تفرض نفسها بالقوة.
هو ـ من حيث يدري أو لا يدري ـ يوهم الغربيين بأنه هو من يمثل الإسلام الحقيقي وبأنّ اسامة بن لادن خارج عن تعاليم الإسلام "السمحة".
هو لا يدري بأن ابن لادن يعرف الإسلام أكثر منه، وهو مخلص وحقيقي في دفاعه عمّا يعرف أكثر منه بكثير!
............................
فاتني أن أذكر أن معظم الأسئلة التي طُرحت خلال المؤتمر، وتوجه بها الجمهور لكلّ الأعضاء المشاركين بلا استثناء، دارت حول خطاب الرئيس اوباما في مصر.
أجمع المشاركون على استيائهم من الحقائق المزوّرة التي وردت في ذلك الخطاب!
عندما تخطئ وفاء سلطان وهي تقرأ آية قرآنية بالضمة أو الكسرة أو الفتحة يزعق شيوخ الإسلام: هي لا تعرف القراءة ولا تفهم ما تقرأه!
أما عندما يزوّر اوباما آية قرآنية من خلال الترجمة، يتظاهر هؤلاء المعتوهين ـ طالما يخدم التزوير مصالحم ـ بأنّ كل شيء على خير ما يرام.
استشهد اوباما في سياقه خطابه بآية قرآنية، كي يثبت أن الإسلام دين سلام، فقال:
“Whoever kills an innocent, it is as if he has killed all mankind”
والآية هي:
مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا
الترجمة الصحيحة لتلك الآية تأتي على الشكل التالي:
If anyone kills a person – unless it be for murder or for spreading mischief in the land – it is as if he has killed all mankin
الفرق بين الترجمتين هنا كالفرق بين أن تكون بريئا وبين أن تكون مّدانا حتى العظم.
بالإستناد إلى الترجمة الصحيحة للآية وإلى شرحها باللغة العربية يجهل السيد اوباما بأنه مدان، وليس بريئا، ويحق لأيّ مسلم قتله!
تارك الصلاة في الإسلام يُقتل، ناهيك عن تارك الإسلام!
أليس اوباما تاركا للإسلام، ما دام قد ولد لأب مسلم وعاش طفولته مسلما؟!!
أليس ترك الإسلام، من وجهة نظر الإسلام، أبشع أنواع الفساد؟!!
هذا وقد أشار السيد اوباما إلى أنّ هناك عوامل مشتركة كثيرة بين الإسلام وأمريكا أهمها: مبادئ العدالة، ومبادئ التسامح، ومبادئ الكرامة الإنسانية.
مبادئ العدالة؟!!
أية عدالة تلك التي يتبجّح بها السيد اوباما؟
هل يعامل القبطي في ظل الشريعة الإسلامية كما يُعامل المسلم في ظل الدستور الأمريكي؟!!
كذبة كبيرة ومفضوحة!
لست هنا في سياق تناول كل ما جاء في خطابه، وقد قلت مرارا: "لا أجيد فن العوم في مستنقع السياسة"، لكنني حاولت جاهدة أن أبحث عن الأسباب الكامنة وراء "التقية" التي مارسها السيد اوباما في مصر.
أدرك، ويدرك معي الآخرون، بأنه في السياسة "المصلحة تبرر الكذب"، ولقد قامت معظم الخطط السياسيّة الكبيرة عبر التاريخ على أكاذيب. لكن دهاة السياسة كان يخططون بذكاء حاد وخبيث، ولم تكن تلك الأكاذيب تظهر للعامة إلا بعد مرور عقود طويلة على تنفيذ تلك الخطط.
أما خطة اوباما في مصر فكانت مبنيّة على أكاذيب مفضوحة ورخيصة، ولا أعتقد أن الإسلاميين في أعماق أعماقهم قد اشتروها!
خلال الحملة الإنتخابية للسيد اوباما ظلّ يكرر اسم ابراهام لينكلون في خطاباته حتى "ظنّ الشعب الأمريكي بأنه سيورثه"!
اوهم الشعب بأنه ابراهام لينكلون آخر، جاء اليهم يحمل قدرة لينكلون السحرية لجمع شمل الأمريكان في زمن اتسعت الهوة بينهم!
كان ذكيّا في تقمصه لشخصية لينكلون، والأيام وحدها ستثبت صدق نواياه.
على كل حال، وفي سياق بحثي عن الأسباب الكامنة وراء ما جاء في خطابه بالقاهرة من حقائق مزورة، لم أجد سببا مقنعا واحدا، بل وجدت قولا للرئيس لينكلون قد يبرر "تقية" اوباما، جاء فيها:
Am I not destroying my enemies when I make friends of them?
ألست أدمّر أعدائي عندما أصنع منهم أصدقاء؟!!
ويبقى السؤال: هل يحاول الرئيس اوباما بتزويره للكثير من الحقائق أن يجعل من المسلمين أصدقاء؟!!
مهما كانت طبيعة الجواب، لن تبرر ما جاء في خطابه من خلط وتزوير!
يحضرني هنا قول للرئيس الأمريكي رونالد ريغين:
It has been said that politics is the second oldest profession. I have learned that it bears a striking resemblance to the first.
" قيل بأن السياسة هي ثاني أقدم مهنة في التاريخ، ولكنني تعلمت من تجاربي بأنها تشبه إلى حد صاعق المهنة الأولى"
هذا ما قاله الرئيس رونالد ريغين!
وهذا ما أثبته الرئيس باراك حسين اوباما!
.....................
وصلت حقيبتي الضائعة قبل أن أغادر الفندق متوجهة إلى المطار بنصف ساعة. ألم أقل لكم: بأن للأشياء أوطانها وأحاسيسها؟!!