يوم الشهيد الشيوعي


ارا خاجادور
الحوار المتمدن - العدد: 2557 - 2009 / 2 / 14 - 09:35
المحور: الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية     

تمر علينا هذه الأيام الذكرى الستون لإستشهاد قادة الحزب الشيوعي العراقي المؤسسين فهد وحازم وصارم، هؤلاء الأبناء للشعب العراقي الذين أسسوا بدمائهم قيم الوحدة الوطنية العراقية الحقة، وتابع من بعدهم أبطال آخرون طريق التضحية، وفي مقدمتهم شهيد الشعب والحزب سلام عادل، وبقية الشهداء من كل قرية ومدينة عراقية الى يومنا هذا، وهم جميعاً يقفون اليوم حماة شرفاء لوحدة شعب وتراب العراق، بل ويقاتلون بالقيم والعقيدة التي زرعوها من أجل إستقلال وسيادة وحرية ورفاهية الشعب العراقي المنكوب حالياً بالإحتلال والخونة واللصوص والمجرمين، والمتخلفين أيضاً، وفي ذات الوقت يحفظ هؤلاء الشهداء الأحرار هيبة وشرف وأصالة فكر الطبقة العاملة، وكل فكر مخلص للشعب وللكرامة الوطنية.

وبعد عشرين عاماً من ذلك اليوم المجيد في سلسلة المجد والبطولة والتضحية تحل علينا الذكرى الأربعون لإستشهاد الرفيق والصديق ستار خضير عضو اللجنة المركزية لحزب فهد وسلام عادل وكل أعضاء وأصدقاء هذا الحزب المجيد، في تأكيد أصيل للفتح الذي أوقده فهد ورفاقة، وواصله سلام عادل ورفاقه.

وأقول بهذه المناسبة الجليلة لكل من يظن أن هنالك إمكانية لقطع التراث الوطني للشيوعيين العراقيين فهو من الخائبين، والشعب يمنح الشيوعيين القوة من خلال دعم الشيوعيين، وحتى من خلال التبرم من أخطائهم، ومن خطايا من قد يحمل الإسم زوراً. والشيوعية من وجهة نظر الشعب تتجسد بالبرنامج السياسي وبالأخلاق أيضاً، ولا يغيب عن الصورة وعن وعي الجماهير وضميرهم كذلك إسلوب الحياة ونوعيته لمن يضع إسمه تحت هذا الإسم المجيد، والشعب في كل الظروف والمراحل لا تنعدم لديه وسائل الدعم أو المعاقبة، والقدرة على التعبير عن مصالحه. وربما المحن التي تمر بها الآن حركتنا الثورية وكل شعبنا تجعل مسألة التوقف عند الذكرى العطرة لهؤلاء الأبطال ضرورة ملحة، لطرح الأسئلة الهامة: من أجل ماذا قدم هؤلاء الأبناء حياتهم؟. وما هو دورهم في البناء العظيم لتاريخ الحركة الثورية؟. وكيف ينبغي التعامل مع ذكرى الشهداء؟.

أتبنى الرأي الذي يؤكد على ضرورة إنصاف الشهداء جميعاً، أولاً وقبل كل شيء، من خلال الإخلاص لما ضحوا من أجله، وحماية عوائلهم وتراثهم الشخصي، وأيضاً أنصاف مدنهم بمعنى الإهتمام بكل شهداء العراق، وعلى المستويات والأدوار والأهميات المختلفة، والأهم من المنظور الوطني والطبقي عدم الحط من قيم الشهادة العظيمة وتحويلها الى ميدان للإنتقام أو الإبتزاز، وينبغي أيضاً إحترام كل شهداء الحركة الوطنية لأن في ذلك مدخل الى تصحيح العلاقات بين القوى الوطنية الحقة.

تجتاحني طموحات عارمة للكتابة عن كل شهداء الوطن، والحزب، وأنا في هذا الطموح على يقين من أن ذلك مجرد طموح طيب أكبر من الإمكانات المتاحة أمامي، ولكن أناشد الجميع الى المساهمة بهذا العمل الجليل، ودون تحويله الى مجرد مجلس عزاء بائس يثير حزن الشهداء أنفسهم، لو قدر لهم المشاركة في هذه المناسبات.

خلال الفرص التي أتيحت لي للكتابة عن أي موضوع أشعر بوجود هؤلاء الشهداء الأبطال الى جانبي، وكأنهم مازالوا في ميدان النضال ضد كل جائر وفاسد ومحتل وغادر.

كنت ومازلت أكتب عن أدوار العديد من شهداء حزب الطبقة العاملة العراقية، حزب الوطنية الحقة بإنصاف حقيقي، كما أعتقد، وأتناول أدوارهم بالملموس، وكما هي، وكأنهم مازالوا في ميدان النضال الفعلي، ولأول مرة أخصص موضوعاً كاملاً عن جندي وقائد مجهول إختطفته يد المنون، كان عن هادي أحمد علي، عضو اللجنة المركزية غير المعلن سابقا، ونشرته في 19/5/2005 وقدمت الراحل كتجربة ملموسة للأجيال الجديدة من المناضلين الشباب.

وهذه هي المرة الثانية التي أتناول فيها مناضلاً بذات الأوصاف، كادت سيرته تقترب أو تتماثل من سيرة هادي من حيث الأداء النضالي، والتضحيات العائلية أيضاً، حيث تضم عائلتا العلي والحيدر كوكبة من الشهداء.

إن إستشهاد ستار كان مدوياً هز شوارع بغداد والعراق بأسره، حيث إغتيل على يد المجرم مدير الأمن العراقي ناظم كزار. كما أن الشهيد شيوعي في أعلى هيئات الحزب، ومارس أخطر الأدوار الحزبية، ولكن أسمه كان غير متداول بين الناس، ولا حتى في الأوساط الحزبية، لا على نطاق واسع، ولا على نطاق ضيق، نعم بمثل ستار وهادي وخلافهما كان الحزب قوياً وعظيما، ويستحوذ على عقول وقلوب الجماهير، كانوا قادة صادقين متعففين يحبون عوائلهم وشعبهم، ويكرهون الإستعراضات الزائفة الخادعة، ويكرون الطائفية والعنصرية وكل أنواع التعصب.

تمر علينا هذه الأيام الذكرى السنوية الستون ليوم الشهيد الشيوعي العراقي، وتقترب منا الذكرى الأربعون لإستشهاد الشهيد ستار خضير الحيدر، وهي الذكرى التي نحن بصددها الآن، إنها مناسبة تملي على كل من لم يساوم على القيم الطبقية والوطنية أن يطرح المزيد من الأسئلة عن فكرة الشهادة على طريق تحرير الوطن المحتل، وأن يحذر ويُحذر من تقزيم دور الشهداء وقيم الشهادة من خلال الإكتفاء بالسؤال: على يد من فقدنا الشهداء؟. وعلى أهمية ذلك، يظل السؤال ناقص القيمة دون طرح السؤال العظيم: من أجل ماذا فقدنا الشهداء؟. وهذا يعني أن النضال متواصل على الرغم من كل النكبات، وعلى الرغم من كل القهر.

ولد الشهيد ستار خضير في ناحية الكحلاء ـ محافظة ميسان في عام 1929 وسط عائلة كبيرة ومعروفة في وطنيتها وأخلاصها لقضايا الشعب والوطن، وقدمت خدمات للحزب والشيوعية من الصعب أن يتسع لها المجال في مقال واحد، ووجد ستار نفسه في خضم النضال السياسي الوطني وهو في مقتبل العمر. ومن المعروف عنه أنه كان متفوقاً في الدراسة، وإنغمر مبكراً في النضال الطلابي، وفي وثبة كانون عام 1948، كان له شرف قيادة إحدى المظاهرات الكبيرة في مدينة العمارة.

في عام 1950 تخرج الشهيد ستار خضير من الثانوية العامة، وعمل معلماً في ناحية الكحلاء لمدة عام واحد، بعدها إنتقل الى بغداد معلماً في "أبو غريب". وفي عام 1952 إلتحق بدار المعلمين، وبعد التخرج منها، واصل نشاطه السياسي الثوري في مدينة العمارة.

وشارك في العمارة بدعم أحداث إنتفاضة تشرين 1952 التي إنطلقت في العاصمة بغداد، مما أدى الى إعتقاله وإيداعه السجن لمدة عام ونصف في سجن الكوت بتهمة تحريض أبناء العمارة ضد الحكومة وقيادته للتظاهرات هناك. وبعد إنتهاء محكوميته تلك عاد الى ناحية الكحلاء بصفة كاسب في محل لبيع القرطاسية والأدوات المنزلية البسيطة. وكانت غايته من ذلك هو توفير المكان المناسب لمواصله نضاله الحزبي، وهذا إسلوب كان يعتمده الكثير من الكوادر الحزبية لتغطية نشاطهم أمام الأجهزة الحكومية.

في عام 1954 ألقي القبض على المناضل الشاب في ناحية الكحلاء، وحكم عليه بالسجن لمدة ثلاثة أعوام، وأرسل الى سجن بعقوبة لقضاء محكوميته هناك.

أبعد في عام 1957 الى قضاء بدرة منفياً لمدة سنة، بعدها أطلق سراحه وذلك قبل أشهر من قيام ثورة 14 تموز 1958.

وبعد الثورة عمل موظفاً لأشهر في بغداد، وبعدها تفرغ للعمل الحزبي، حيث أرسل الى مدينة الموصل في ظل الظروف الإستثنائية التي عاشتها تلك المدينة بعد حركة الشواف 1959 وإشتداد الهجمات على تنظيمات الحزب الشيوعي العراقي، وكانت هذه النقلة إختباراً شديداً لصلابته وسعة تفكيره ودقة وسائله التنظيمية، حيث عمل عضواً في اللجنة المحلية، التي كان يقودها آنذاك الرفيق الشهيد طالب عبد الجبار، وتضم في عضويتها كلاً من: يوسف القس حنا وعابدين احمد وعادل الصبحة وآخرون.

إن خبرته في الموصل أعدته للعمل في مدينة كركوك، وعمل هناك حتى بعد إنقلاب 8 شباط 1963 الدموي، حيث ساهم بنشاط ومثابرة نادرة في صيانة تنظيمات الحزب.

بعد ذلك تنامى نشاطه في إقليم كردستان، وكلف في عام 1965 بالإشراف على فصائل الأنصار في السليمانية وأربيل، وبالتنسيق مع قيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني. ومن ثمة قيادة الإقليم.

في عام 1967 وبعد أكثر من أربعة أعوام قضاها مع رفاقه في قرى ومدن وجبال كردستان عاد الشهيد الى بغداد لينتخب عضواً في اللجنة المركزية للحزب، وتتعدد مسؤولياته ونشاطاته الحزبية من بينها مسؤولية الخط العسكري في الحزب.

وكانت يد الغدر تتربص به، تتربص بهذا السجل البطولي والتجربة الغنية، من أجل حرمان الحزب من تجاربه الفذة وشخصياته الإستثنائية، ففي مساء يوم 23 حزيران من عام 1969 وفي أثناء عودته من لقاء مع رفاقه الى داره في منطقة الوزيرية، باغتته عصابة أمنية لإختطافه، ولكن الشهيد الأعزل قاوم خاطفيه بضراوة، وبشجاعته المعهودة، فإستخدموا سلاحهم الغادر بجبن وحقد، وأصابوا الشهيد في مناطق متعددة في جسمه إصابات قاتلة، وولوا هاربين.

وفي تلك اللحظات العصيبة والحرجة لم يفقد ستار ثقته بالشعب وكل مواطن يسير في شوارع بغداد الرشيد العظيمة على عادة الشيوعيين العراقيين الحقيقيين هتف بإسم الحزب الشيوعي العراقي وجراحه تنزف، وأعلن عن إسمه وصفته الحزبية. فبادر المواطنون الى نقله الى مستشفى الطوارئ في رصافة بغداد.

فارق الشهيد الحياة في صباح يوم 28 حزيران 1969 تاركاً عائلته؛ بناته الصغار وزوجته في معترك حياة قد لا يرحم في بعض الحالات، وذاكرة أم مي تختزن الكثير الكثير من الجراح والآلام. وترك أيضاً تجربة زاخرة وحية في النضال والصبر على أعباء النضال، ودرساً يقول ويؤكد على أن الوطنية العراقية ثمارها لكل العراقيين، وأعباؤها على كل العراقيين.

لم ولن يُقفل دور وسجل الشهيد ستار خضير الحيدر بمراسيم الرحيل، التي شاركت فيها حشود كبيرة من العراقيين تضم قوى وطنية ونقابات عمالية ومنظمات مهنية وجماهير واسعة، إن الشهيد ستار جسد قدرة المناضل على الإبتسام في مواجهة كل أنواع المحن.