المجزرة الرياضية في القامشلي؟ ؟


خالص جلبي
الحوار المتمدن - العدد: 776 - 2004 / 3 / 17 - 09:48
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي     

تقول الرواية أن مباراة رياضية في مارس 2004م في مدينة القامشلي تحولت إلى مذبحة عارمة أرسلت إلى القبور والمشافي العشرات. ليس بصراع بين الرياضيين بل بالرصاص الحي من الجاندرما والمخابرات؟ وتقول الرواية أن عنفاً طائفياً ظهر إلى السطح بين من هتف لصدام المصدوم ومن حيا الحزب الكردي. ومن الغريب أن صدام المصدوم صار رسولا للموت في حياته واعتقاله ويوم يموت. وعلى الإنسان أن لا يستخف بأي شيء. فشقي العوجة بين الأشقاء العرب لن يموت قبل أن يموت معه الملايين؟ وهو يذكر بقصة هتلر العريف النمساوي والفنان الفاشل. والفيروس ضعيف جدا ولكن فيروس الأنفلونزا الأسبانية قضى عام 1918 م على 25 مليون نسمة. ورصاصة من متعصب هندوسي أنهت حياة داعية السلام غاندي. وكما يقول الفيلسوف الفرنسي باسكال أن الإنسان بالوعة الضلال ومكان الحكمة اجتمع فيه النقيضان الملاك وإبليس. وعندما تتحول المباراة الرياضية إلى معركة بالأسلحة النارية فهذا يحكي سراً أعمق من انفعالات مؤقتة؟ ويمكن تطبيق قواعد التاريخ على الأحداث اليومية فتفهم على نحو أفضل. والقشة تقصم ظهر البعير. وذبابة ليس لها وزن في نظرنا تكسر التوازن على طرف السفينة بمقدار تافه لا نستطيع قياسه إلا أنه أكيد. أحصاه الله ونسوه والله على كل شيء شهيد. وقصة تدمير الشاه في إيران بدأت من حادثة قتل تافهة لتتحول إلى حريق. وما حدث في القامشلي في سوريا يخضع لنفس القانون. ويمكن أن تندلع حرب أهلية مجنونة من أبسط الواقعات. والمستقبل مفتوح لكل الاحتمالات بفعل التخمر الداخلي أكثر من الأصابع الخارجية. والنار تؤثر على نحو مختلف حسب مكان التأثير. وإذا عرض الماء والشمع والحليب والبارود إلى النار ارتكست بأشكال مختلفة. فأما الماء فيتبخر وأما الحليب فيفور وأما الشمع فيذوب وأما البارود فينفجر. والعبرة ليست في النار بل من تلقى النار. وبالمقابل إذا اشتعلت النار في غابة في شتاء ماطر ليس مثل اشتعال النار في غابة جافة في صيف قائظ مع ريح شديدة. فلا يستويان مثلا. وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون. وعندما يُعاقَب من ليس له ذنب بأشد العقوبات نفهم معنى احتقان النفوس بكل الكراهيات المحتملة. والكراهية هي نبع العنف. كما حصل لمواطن دخل على الانترنيت فاعتقل وما زال أكثر من سنة يتنقل من حبس إلى حبس ومن عذاب إلى عذاب. والهدف منه ليس المعتقل بل حقن الرعب في مفاصل المواطنين غير المعتقلين وتحويلهم إلى معتقلين بغير قضبان وأسوار. يوحى إليهم المخابرات أن يرموا كمبيوتراتهم في الآبار. ويفتحوا كتاب النبات فيتحولوا إلى نباتات فهذا أسلم للعاقبة. والنبات لا يفكر وعليهم أن لا يغامروا مع العقل في التفكير فهذا ضار في الصحة الوطنية. وهذه هي تعاليم السلامة. ومن خالف قواعد السلامة ضاع وهلك. وعندما نفهم الموضوع ضمن هذا الإطار فيمكن فهم لماذا تتحول المباراة الرياضية إلى معركة نارية يذهب حصيلتها العشرات. فالناس خائفون من النظام السياسي وهو منهم أخوف. والحالة تجاوزت حالة الخوف إلى رهاب مرضي كما في نزلاء المصحة النفسية. والعالم العربي في قسم كبير منه تحول إلى مصحة عقلية كبرى يعيش حالة من الخوف المتبادل فيه يخاف الكل من الكل. وفي جو مريض مثل هذا يجب توقع حصول كل شيء. طالما قامت الأوضاع على الاغتصاب وليس الزواج الشرعي بالرضا والقبول بين الحاكم والمحكوم. وركب المجتمع خطأ فوق الأخطاء. ومن الملفت للنظر أن مظاهرة تشييع الموتى تحولت إلى تخريب للمرافق العامة. وهذا يقول أننا لا نعرف الاعتراض أو التحرك في مظاهرة. فالنظام يقمع بالحديد والنار والجماهير إن وجدت لها متنفسا خربت كل شيء وهو مؤشر بئيس لتدني الوعي عند أمة لا تعرف حل مشاكلها إلا بالعنف. وعندما نرى خريطة التغيير في أوربا الشرقية يلفت نظرنا فارق التغيير بين تشيكوسلوفاكيا ورومانيا فأما الأولى فقد انفصلت بدون قطرة دم واحدة وأما رومانيا فلم ينتهي شاوسسكو إلا بحفلة دم مترعة. ولا عجب فرومانيا هي البلد الذي خرج منه دراكولا مصاص الدماء الشهير. ويبدو أن العالم العربي قد أعاد استنساخ شاوسسكو ودراكولا ولن تحل مشاكله إلا بالدم. وهو أمر نتفاءل أن لا يحدث ولكن وقائع التاريخ تمشي ليس بالتمنيات بل بالقوانين الصارمة. وعندما وضع ريكاردو قانون الأجور الحديدي فلأن السوق يعمل بموجب القوانين أكثر من التمنيات. ومن يغفل عن قوانين التاريخ فإن قوانين التاريخ لا تغفل عنه. وقانون التاريخ يعاقب المغفلين وينتقم من المجرمين. ومضى مثل الأولين؟