تراث الفقيد عبد السلام المؤذن حي لايموت// مثالية البرنامج ومادية الواقع .


بلكميمي محمد
2008 / 12 / 5 - 03:41     

الحكم على جبهة الانقاذ الجزائرية ، بانها حزب ظلامي رجعي ، مان في راي الفقيد عبد السلام المؤذن ، حكم متسرع ، وينم عن تقديرات خاطئة لطبيعة المرحلة الثورية ، وللتلاوين الايدويولوجية المختلفة والمتناقضة ، التي تتحرك تحت رايتها ، التحولات الثورية للعصر الذي نمر منه .
ويستند وصف جبهة الانقاذ بالظلامية لدى اصحابه ، لبعض مواقفها اللاديمقراطية ، ولجوانب من البرنامج الذي تدعو اليه .
هذه المسالة تطرح اشكالية نظرية اساسية ، هي علاقة البرنامج النظري ، بمشكل تحقيقه على صعيد الواقع الحي .
ففي راي الفقيد عبد السلام المؤذن ، من اجل تقييم حركة سياسية معينة ، لايجب الانطلاق من ، والاقتصار على البرنامج المعلن الذي تزعمه لنفسها ،، وانما الاهتمام اكثر ، بمدى استعداد الواقع المادي الموضوعي للتجاوب مع البرنامج القبلي .
فكم من حركات ثورية ، رفعت برنامج ، وطبقت برامج اخرى مخالفة لها ، لما اصطدمت بجموح الواقع وعناده .
بل كاد يجزم الفقيد ، بان ما يطبق في الواقع ، يكون دائما مخالفا لما تم التبشير به ، على الصعيد النظري البرنامجي وهذه بعض الامثلة الدالة :
المثال الاول : لعب الفلاسفة الفرنسيون ، في القرن الثامن عشر ، دورا حاسما في التهيئ الفكري والايديولوجي لثورة 1789 ، والفكرة الجوهرية التي كانت تتمحور حولها دعايتهم ، هي ان الانسانية ستعيش بلا تناقضات ، وفي اخاء تام ، لما يتم التحرر من الاقطاع .
في حين ان المراحل التي اعقبت نجاح الثورة ، كانت من بين المراحل الاكثر دموية في تاريخ الصراعات الطبقية في فرنسا .
المثال الثاني : بشر ماركس بحتمية الاشتراكية في اوربا الغربية ، تحت قيادة البروليتاريا التي ستمارس فيها دكتاتوريتها ، في حين طلعت اشتراكية ديمقراطية ، تتناوب فيها احزاب اشتراكية وبورجوازية على السلطة .
المثال الثالث : كان الحزب البلشفي بزعامة لينين ، يعتبر حزب الاشتراكيين الثوريين الفلاحي الروسي ، حزبا بورجوازيا صغيرا رجعيا .
ولما نجحت الثورة ، اضطر لينين الى تطبيق برنامج ذلك الحزب ، تطبيقا حرفيا .
المثال الرابع : قاد غورباتشوف برنامج البريسترويكا ، يهدف اصلاح النظام الاشتراكي ، في حين ان ما تحقق على ارض الواقع ، هو انهيار الاتحاد السوفياتي ، كحزب ودولة .
ويمكن ان نسوق العديد من الامثلة المشابهة ، للبرهنة على ان البون ، بين البرنامج المحكوم بمثاليته ، والواقع المشدود الى ماديته ، هو بون شاسع . ولا يصح بالتالي ، اخذ حزب معين ، بما يتفوه به لفظيا ، او حتى بما يحاول ممارسته عمليا .
وهذا ينطبق ايضا على جبهة الانقاذ .
ان كون جبهة الانقاذ ، تتميز ببعض المواقف اللاديمقراطية ( مثل الموقف من المراة ، على سبيل المثال ). لايعني ان الواقع الجزائري سيسايرها في ذلك .
فتحت ضغط الواقع ، اضطرت جبهة الانقاذ الى احداث مراجعة جذرية على بعض مواقفها السابقة .
الم تتراجع عن مطلب اطلاق سراح عباسي مدني وعلي بلحاج ، الذي كانت تعتبره شرطا ضروريا ، لكي تشارك في الانتخابات ! .
بل الم تتراجع عن الموقف الذي كانت تؤكد فيه بان تحقيق شعار « الدولة الاسلامية » سيتم خارج لعبة الانتخابات التي رفضتها في البداية .
الم تقبل ، بعد انتصارها في الدور الاول من الانتخابات بالتعايش مع الرئيس بنجديد ؟! .
هذه التراجعات الاساسية ، اقدمت عليها جبهة الانقاذ ، وهي لازالت في المعارضة ، اما لو كتب للتجربة الديمقراطية ان تذهب الى نهايتها ، وتمكنت جبهة الانقاذ من الوصول الى ممارسة السلطة ، فمن المحتمل جدا ، ان الجبهة كانت ستضطر الى القيام بتراجعات اكبر ، بحكم ضغوط منطق السلطة ، ومنطق تناقضاتها الداخلية نفسها .
ويعتقد الفقيد عبد السلام المؤذن شخصيا ، ان ماهو جوهري في برنامج جبهة الانقاذ هو تاكيدها على قضية الهوية ، من جهة وعلى مسالة التقشف من جهة اخرى .
وفي راي الفقيد ، لايمكن لاي حزب ديمقراطي تقدمي علماني ، يسعى لمواجهة معضلة التحرر ، جديا ، بدون الانطلاق من مسالتي « الهوية » و « التقشف » .