الإسلام السياسي يحاول تحسين صورته


عواد احمد صالح
الحوار المتمدن - العدد: 2359 - 2008 / 7 / 31 - 10:56
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

بعد اكثر من خمس سنوات من الأحتلال جربت الجماهير حكم قوى الاسلام السياسي ومشاريعها وكانت المحصلة واضحة و معروفة فشل على كل المستويات والأصعدة وتدمير البلد وتحطيم مرتكزات الحياة المدنية والبنية العمرانية والاجتماعية ناهيك عن القتل والدمار وتخريب النسيج الاجتماعي والاخلاقي الذي سببته حرب المليشيات وفرق الموت والارهاب ابان عامي 2006- 2007 فلقد بلغ عدد ضحايا العنف والارهاب والقتل الطائفي والأحتلال مايقرب من مليون انسان عراقي . وشهدت البنية العمرانية مدارس ، مستشفيات ، دوائر حكومية ، مراكز شرطة ..الخ خرابا وتدميرا لم يسبق له مثيل في تاريخ العراق الحديث .
لقد جربت الجماهير في العراق برامج واجندة الاسلاميين والقوميين فلم تحصد غير العنف والقتل والفساد الاداري ونهب ثروات البلد والاستئثار بالسلطة والحكم وتقسيم المجتمع الى هويات زائفة عرقية وطائفية ودينية وعشائرية ومناطقية من قبل ممثلي الطبقات الطفيلية الجديدة البرجوازية العشائرية والدينية التي تهيمن احزابها وتياراتها على سدة الحكم في العراق منذ عام 2003 .ولم تستطع الحكومة الحالية حكومة المحاصصة الاسلامية والقومية تقديم اية خدمات اجتماعية او صحية للمواطنين الذين انهكهم العنف والارهاب والخراب .. وعلى سبيل المثال ان ازمة انقطاع الكهرباء الموروثة من عهد صدام ازدادت سوء وفي اتون حر الصيف اللاهب وصل عدد ساعات القطع الى اكثر من 20 ساعة في اليوم وقد اعترف وزير النفط بان وزارته غير قادرة على توفير المحروقات لمحطات توليد الكهرباء ناهيك عن ازمة الوقود المستفحلة حيث طوابير السيارات تنتظر الحصول على حصة كل اسبوع او عشرة ايام من البنزين الذي رفعت حكومة الجعفري السابقة اسعاره بشكل لم يسبق له مثيل تحت تأثيرضغوط صندوق النقد الدولي والسياسية النيوليبرالية للرأسمالية المعولمة .

ومع اقتراب انتخابات مجالس المحافظات تظهر العديد من الاحزاب والقوى السياسية الجديدة المنحدرة من اصول اسلاموية تسمى نفسها اصلاحية وترفع شعارات "وطنية " محاولة طلاء مضامينها الاسلامية او القومية بمساحيق مختلفة ،وذلك في محاوله يائسة "لاصلاح الوضع" وفي واقع الامر تنطلق هذه الاحزاب او القوى ظاهريا من مأزق قوى الاسلام السياسي التي لم تعد مقبولة جماهيريا محاولة تجاوز هذا المأزق وفي الحقيقة هي محاولة جديدة لقوى الاسلام السياسي لخداع الجماهير ، محاولة لتجاوز الفشل بطريقة اخرى عن طريق لبس اثواب جديدة وتبديل الاسماء والوجوه ورفع شعارات جديدة ايضا.. ولكن سوف نرى ان القوى والاحزاب الجديدة ومن خلال معرفة مصادر تمويلها الهائلة هي قوى اسلاموية وطائفية قلبا وقالبا مهما قالت عن نفسها او ادعت ... فالقوى التي ظهرت في مناطق الوسط او في بغداد ذات الاصول السنية او الشيعية فتحت عشرات المقرات الباذخة وتعطي رواتب خيالية لمن ينتسب اليها ؟؟؟ من اين لك هذا ؟الواقع يقول ان القوى المرتبطة بالسلطة الحالية كحزب ابراهيم الجعفري مثلا الذي يسمى تيار الاصلاح الوطني اما انها نهبت ما نهبت من اموال الشعب العراقي او انها ممولة من اطراف خارجية ، الجمهورية الاسلامية في ايران .. واما القوى الاخرى مثل " هيئة علماء ومثقفي العراق " وغيرها فهي ممولة من اطراف عربية ، السعودية او دول الخليج وليبيا ..ولاحظوا ان "هيئة علماء ومثقفي العراق" هذه مثلا تحاول الدمج بين العمامة وربطة العنق ولكي تبعد صفة الاسلاموية عنها يقول البعض انها تضم علماء .. علماء ذرة !! وعلماء في مختلف مجالات العلم !!! هذا اذا علمنا ان عمليات القتل والتصفية التي تعرضت لها شريحة ( المثقفين ) اساتذة جامعات ضباط سابقين مهندسين اطباء على يد عصابات الجريمة المنظمة المدعومة من قوى خارجية اتت على خيرة كفاءات العراق ومن تبقى هرب الى خارج الحدود . فكيف يحسن الاسلاميون صورتهم ؟؟ بادعاء انهم يجمعون المثقفين مايسمى بالتكنوقراط اوالعلمانيين وقسم منهم اشترى بعض الشخصيات العلمانية التي لا يربطها بالاسلام السياسي أي رابط لكي يوحي انه تيار وطني او علماني مبطن او تيار متمدن .. الخ بهدف الالتفاف على التيار العلماني وتفريغه من محتواه وتشويه صورته ، مستغلا الضائقة المالية التي تعاني منها شرائح اجتماعية واسعة في البلد وخاصة رواد التحرر والعلمانية الذين يعانون من شظف العيش في ظل الاوضاع المأساوية الحالية...
ولكن يبقى الرهان هل سينجح هؤلاء ؟؟
لقد جرب عدنان الباججي وغيره التعكز على وجوه ذات ماض يساري مثل مهدي الحافظ او عبد الرحمن طهمازي واخرين .. ولم ينجحوا وهم الان قوى هامشية ليس لها تأثير او وزن سياسي يذكر في الساحة السياسية العراقية .
وعلى نفس المنوال فان الأحزاب الجديدة ومهما حاولت تحسين صورتها باغراء بعض اليسارين اوالعلمانيين بالاموال مقابل الانظمام اليها ، فانها بعد انتهاء الدورة الانتخابية سينحسر دورها ويتقلص تأثيرها السياسي مهما امتلكت من اموال ذلك لانها احزاب (كوكتيل ) موسمية وطارئة احزاب انتخابية وقد حاولت جمع اشخاص من شرائح اجتماعية مختلفة ومتنافرة عن طريق اغرائهم بالمال .. ولانها وهذا هو الشيء الاهم لاتمتلك ارضية اجتماعية تقف عليها أي انها لم تكن تعبيرا عن حاجة موضوعية او تعبير عن توجه طبقي لتيار اجتماعي محدد ، انها تمثل القلق والتنافر والشد والجذب الذي يعتمل داخل شرائح الطبقة الوسطى ( البرجوازية الصغيرة ) هذه الطبقة غير المتجانسة اقتصاديا وفكريا والمتأرجحة بين اقصى اليمين واقصى اليسار والتي تتصرف دائما ليس كطبقة اجتماعية بل كافراد متنافرين يسعون وراء مصالح مادية او يبحثون عن الكسب السريع ..اواللهات وراء المناصب والسلطة !!
ولا عجب في كل مايحث في عراق اليوم فثمة اناس كثيرون يتحركون وكانهم بيادق على رقعة الشطرنج تخيلوا انهم سيصلون الى اعلى المناصب والرتب في زمن ضاعت فية المقاييس وفقدت المباديء الشريفة بريقها امام اغراءات المادة وفي خضم موجة العنف والقتل ... فركبوا الموجة وتنقلوا من قارب الى قارب ولكنهم ظلوا اسرى لاوهامهم واحلامهم المريضة .. ولم يحصلوا على شيء لان ماهو خطا قد يستمر لفترة طويلة ولكنه سيظل خطأ حتى النهاية.
والشيء الملفت للنظر ان المال يلعب دورا قذرا في هذا المجال وهكذا كان كثير من الذين يقتلون الناس مدفوعين بسلطان المال ..عن طريق الذين يدفعون لهم دون ان يعرفوا بالضبط ما الهدف من وراء ذلك القتل ؟؟ وما الفرق اليوم بين اولئك وهؤلاء الذين يبيعون مبادئهم ومواقفهم بالمال ايضا دون ان يعرفوا ما الهدف في النهاية .
ان الجماهير في العراق تعرف بالبداهة من هم اصحاب المباديء الشريفة ومن اهم الوصوليون والانتهازيون ، وان ماحدث في العراق منذ 2003 هو تاريخ مكتوب ..وان الحكام والزعماء الذين يرتكبون أخطاء كبيرة ويفشلون لايمكن ان تثق بهم الجماهير مرة اخرى ... مهما رفعوا من يافطات وطنية او تعكزوا على طرف العلمانية وان بقي هؤلاء يلعبون على اوتار عديدة ويحاولون التوفيق بين المتناقضات بهدف تحقيق مصالح انية محاولين تبييض سجلاتهم السوداء .

واخيرا فان قوى اليسار الثوري والرديكالي ، التي ترفع شعارات العلمانية والحرية والمساواة بين البشر مهما تعددت الانتماءات القومية والعرقية والطائفية لهم هي قوى فوق الشبهات لانها لا تستلم اموالا من احد ولا تساوم على مبادئها وهي تسعى لازاله الفوارق والاستغلال والغاء المظاهر الرجعية وغير الانسانية القائمة ..ولا عجب ان يكون اليسار الثوري موضع شجب واستنكار وتقولات من جميع السادة الاخلاقيين والمنافقين ودعاة الحفاظ على الوضع الراهن.. فهو يسعى بدأب لتغيير الواقع الفاسد وبناء عالم تسوده الحرية والمساواة والرفاهية .

23-7-2008