نضال المرأة من اجل المساواة وضرورة العمل المشترك بين القوى اليسارية و العلمانية التقدمية في العراق


بيان صالح
الحوار المتمدن - العدد: 2185 - 2008 / 2 / 8 - 12:05
المحور: ملف - دور قوى اليسار والديمقراطية في بناء دولة مدنية ديمقراطية علمانية  تضمن الحرية والعدالة الاجتماعية للجميع      

إن التراجع اليومي المستمرو المخيف للأوضاع الأمنية وغياب التنظيم القانوني للمجتمع, فقدان السمة الحضارية للمجتمع العراقي وانهدام بنيته التحتية و الفوقية بعد مرور خمس سنوات على سقوط أشرس نظام دكتاتوري و وقوع العراق تحت الاحتلال ، تفاقم الأوضاع المأساوية في العراق ، خلق ورسخ أسباب النظرة التشاؤمية عند الكثير من المختصين و السياسيين و الخبراء في إمكانية تحسن الأوضاع في العراق,خاصة وضع المرأة.

يعيش الشعب العراقي ألان في أجواء من الفقر و أوضاع معيشية واقتصادية مزرية ، و انعدام الخدمات الاجتماعية والصحية و الحرمان من ابسط الحقوق البدائية للحياة , الانفلات الأمني الفظيع , صراع القوى و الأحزاب السياسية الطائفية و القومية و الاثنية , حيث أصبحت العصابات و الميليشيات هي الحاكمة الحقيقية في شوارع المدن العراقية دون أي رقيب . تتعرض الأقليات الدينية لحملات القتل والترهيب و إحراق الكنائس وتفجيرها في كثير من المدن العراقية.
إن ما نسمعه و نقرأه و نشاهده يوميا في الصحافة العالمية و المحلية و القنوات الفضائية، تحليلات الكتاب و الكاتبات و الصحفيين المحليين يدعونا إلى رفع الأصوات عاليا ضد المأساة التي يعيشها الشعب العراقي.

أوضاع المرأة

الأكثر مأساويا و عارا للبشرية ما تعانيه المرأة العراقية من اضطهاد و ظلم و تميز يومي داخل الأسرة و المجتمع على كافة الاصعدة ، فتراجع دور و مسيرة نضال المرأة إلى الوراء بشكل كبير يشكل احد ملامح المجتمع العراقي الحالي , حيث تتعرض المرأة إلى القتل و الخطف و الإهانة والاغتصاب اليومي ، مما يؤدي إلى تقليص فرصها في التحصيل الدراسي و المهني ومساهمتها الطبيعية كانسان في الحياة اليومية , و من ثم ابتعادها عن المشاركة و الانخراط في مسيرة تقدم المجتمع, وما لحق بشخصية المرأة في معظم مدن وبشكل خاص مدينتي البصرة والعمارة على أيدي قوى الظلام والقتل و في وضح النهار يشهد على هذه الوضع المأساوي.
لقد اختفت مظاهر التمدن و الحضارة و ذلك بفرض الحجاب و تهديد النساء غير المحجبات بالقتل والعنف من قبل فصائل مسلحة , كما تفشت ظاهرة البغاء في معظم مدن العراق وخاصة الجنوبية تحت اسم زواج المتعة وبمباركة رجال الدين وفتا ويهم الرجعية, وحسب تقارير صادرة من منظمة العفو الدولية ومنظمات حقوق الإنسان الدولية أن المرأة العراقية تتعرض داخل السجون العراقية إلى اعتداءات جنسية و عمليات الاغتصاب من قبل السلطات العراقية والقوات الأمريكية أيضا.

ابرز الانتهاكات القانونية التي فرضت على المرأة العراقية بعد سقوط النظام الفاشي و احتلال العراق

- مشروع القرار الرجعي رقم 137 الذي اقترح من قبل مجلس الحكم بتاريخ 29ـ12ـ 2003 من قبل عبد العزيز الحكيم رئيس مجلس الحكم آنذاك والداعي إلى إلغاء قانون الأحوال الشخصية لسنة 1959, وفرض الشريعة الإسلامية في قضايا الزواج ,الطلاق النفقة،......الخ.

- الكثير من بنود الدستور العراقي المتعلقة بحقوق المرأة العراقية ومنها المادة السادسة و التي تنص على (تكفل الدولة الحقوق الأساسية للمرأة و مساواتها مع الرجل في الميادين كافة طبقا لإحكام الشريعة الإسلامية و تساعدها على التوفيق بين واجباتها نحو الأسرة و عملها في المجتمع).

- تغيير تاريخ اليوم العالمي للمرأة بيوم ولادة فاطمة الزهراء (ابنة محمد نبي المسلمين وزوجة علي بن آبي طالب ) من قبل مجلس الحكم الانتقالي.

-عدم منح جواز السفر للمرأة العراقية بدون موافقة ولي الأمر من قبل وزارة الداخلية العراقية.

- العشرات من القرارات الإدارية والتي تحد من دور المرأة في الدوائر الحكومية او تفرض عليها نوع معيين من الملابس والتصرفات.

- ....... الخ


حملة الحوار المتمدن من أجل العمل المشترك بين القوي اليسارية و العلمانية التقدمية

أن الحملة التي دعا إليها " الحوار المتمدن" قبل أكثر من سنتين للعمل المشترك بين جميع القوى اليسارية و العلمانية التقدمية و أي جهة تعمل على بناء مجتمع مدني بعيدا عن التعصب الطائفي و القومي ,مجتمع يحترم حقوق الإنسان و وحق المواطنة في مساواة تامة على أسس إنسانية لأي مواطن بغض النظر عن توجهه السياسي و انتمائه الديني و القومي .
إنها مسؤولية تاريخية الان و تقع على عاتق جميع تلك القوى لطرح و تحقيق البديل الآخر لقوات الاحتلال و الحركات الإسلامية والقومية ،بديل متحضر يليق بشعب عانى أكثر من أربعة عقود من الدكتاتورية و الحروب الدامية و الحصار الاقتصادي.
و منذ دعوة الحوار المتمدن تلك لم تلعب الشخصيات النسوية دورا متميزا في تقوية تلك الاتجاهات وعملها المشترك من اجل تعزيز قضية حقوق المرأة و مساواتها، عدا عدد محدود جدا منهن، ما أرى فيه قصورا ونقصا كبيرا وعكس ان السياسة والأحزاب وقراراتها وقيادتها شأن رجولي ، ومن هنا أدعو الشخصيات النسائية الناشطة إلى تفعيل دورها والمشاركة الفعالة ومطالبة الأحزاب و القوى السياسية بالعمل معا من اجل بناء مجتمع مدني علماني . ومن الواضح أن قضية المرأة لا تقتصر على النساء فقط وهي ليست قضية اجتماعية فحسب, بل أنها أهم قضية سياسية أساسية و مهمة من قضايا المجتمع الذي تتجاوز نسبة النساء فيه 60%.
اقرأ-ى المزيد
http://www.ahewar.org/camp/i.asp?id=36


تشتت اليسار والقوى العلمانية يؤدي إلى تشتت المنظمات النسائية التحررية

بالإضافة الى الأوضاع السياسية في العراق وسيادة الاستبداد لعقود وغياب ثقافة المجتمع المدني واليات عمل المنظمات الجماهيرية المستقلة , فأن تشتت قوى اليسار و عدم التوجه إلى العمل المشترك سوف يفسح المجال لقوى الاحتلال و قوى الظلام و الحركات الإسلامية التي لا تفهم أية لغة متمدنة وحضارية سوى لغة القتل و الذبح وتقطيع الإنسان إلى أشلاء , و التفجيرات الانتحارية وزرع روح الرعب و الخوف و بث روح التعصب الديني و القومي والطائفي . ومن الواضح جدا انعكاس تشتت القوى اليسارية وصراعاتها على حركة المطالبة بحقوق المرأة ومساواتها بحيث أدخلت وحشرت المرأة المنتمية لتلك الأحزاب والمنظمات النسائية التابعة لها في صراعات سياسية تنظيمية معلنة وغير معلنة مع الأحزاب اليسارية والمنظمات النسائية الأخرى والتي بشكل عام هي انعكاس لسيطرة الفكر الرجولي المتعصب مهما كانت يساريتها. و هذه السياسات الغير ناضجة هي احد الأسباب الرئيسية في تشتت الحركة النسائية وضعفها , حيث كان الصراع بينهن على الاتجاهات الحزبية التي ينتمون إليها واضحا وكبيرا وضعف التوجه للعمل المشترك بين تلك المنظمات وخاصة لمعظمها سياسات متقاربة و مشتركة وتجمعها القناعة والعمل وفقا لقيم اليسار والاتفاقيات الدولية حول حقوق المرأة ومساواتها.


العمل المشترك بين القوى اليسارية و العلمانية التقدمية وبين المنظمات النسوية

العمل المشترك بين تلك القوى اليسارية و العلمانية التقدمية و بما فيها منظمات حقوق الإنسان و المنظمات النسوية المدافعة عن حقوق المرأة و مكتسباتها ، والمنظمات و الحركات العمالية و كذلك جميع منظمات المجتمع المدني هي الضمان لقلب توازن القوى لصالح بناء دولة عراقية مدنية يضمن الحقوق المتساوية للجميع.. إن تقوية القوى اليسارية و التقدمية و العلمانية و النسوية يضمن تقدم وتطور مسيرة المرأة و صراعها من اجل المساواة ,و يؤدي إلى إمكانية فرض مطالبها و تحقيق إصلاحات و مكتسبات كبيرة لها ,و فرض دستور مدني وحضاري بعيد عن النزعات القومية و الدنية و الطائفية.
إن تغيير توازن القوى لصالح التمدن و التحضر يؤدي إلى رفع وعي المجتمع لاحترام حقوق المرأة و العمل على إلغاء القوانين الرجعية البالية التي تتناقض مع روح العصر.
و الجميع شاهد على دور القوى و الجهات اليسارية و التقدمية و العلمانية و الحركات النسوية للدفاع عن حقوق المرأة و مطالبيها ومساواتها الكاملة و دعم و تنظيم المظاهرات و الاحتجاجات ضد جميع القرارات و الانتهاكات التي جاء التذكير بها سابقا ضد المرأة .


فلتتعامل القوى و الجهات اليسارية والتقدمية ,العلمانية بمسؤولية اكبر تجاه الأوضاع في العراق و تركز على النقاط المشتركة المتعلقة ببناء مجتمع مدني وحضاري يضمن المساواة الكاملة للمرأة في كافة المجالات ,سيادة قانون متمدن ,احترام حقوق الإنسان ,احترام الأقليات, تقليص دور الحركات والاتجاهات الإرهابية ,تشجيع عمل منظمات المجتمع المدني ,تقبل الرأي الآخر و الابتعاد عن روح الفكر الشمولي و التعصب الأيدلوجي الذي يحتكر الحقيقة المطلقة و يرفض الأخر.

من الضروري جدا أن تعمل المنظمات النسوية أيضا داخل العراق معا من اجل صياغة برنامج عمل مشترك بعيدا عن برامج الأحزاب السياسية و التي لنا تجارب كبيرة معها في استخدام قضية المرأة لأجندتها السياسية و حتى تواجدها الشخصي لصالحها , و التي يقودها بشكل عام العنصر والفكر الرجولي و دورهم الشبه المطلق في صنع القرار .
على تلك المنظمات النسوية الابتعاد عن روح التشتت و العمل الانفرادي , بل التماسك والاتحاد و التمحور على الحقوق القانونية و المدنية للمرأة , المطالبة بزيادة نسبة التمثيل النسائي في البرلمان العراقي , رفع دور المراة في مواقع صنع القرار ,التوعية السياسية للمرأة لتمكين قدراتها على المشاركة الفعالة في الساحة السياسية , تغير قوانين الأحوال الشخصية و فرض ذلك على الجهات الرسمية , و لابد من الضغط وجر الأحزاب اليسارية و العلمانية التقدمية إلى تبني قضية المرأة بشكل اكبر وترسيخ والحفاظ على استقلالية المنظمات والاتحادات النسائية .

العمل المشترك بين المنظمات النسوية من الممكن أن يستند إلى أسس ومقررات المواثيق العالمية لحماية حقوق المرأة والتي اعتقد إنها لابد أن تنعكس في الدستور والقوانين العراقية
مثلا:

إعلان القضاء علي التمييز ضد المرأة
http://www.pcwesr.org/ar/show.art.asp?aid=27140

اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة
http://www.pcwesr.org/ar/show.art.asp?aid=404

إعلان بشأن حماية النساء والأطفال في حالات الطوارئ والمنازعات المسلحة
http://www.pcwesr.org/ar/show.art.asp?aid=5930
اتفاقية بشأن الحقوق السياسية للمرأة
http://www.pcwesr.org/ar/show.art.asp?aid=403
النساء لا زلن يواجهن انخفاض الأجور والتفرقة في مجال العمل
http://www.pcwesr.org/ar/show.art.asp?aid=16390
اليوم الدولي للمرأة
http://www.un.org/depts/dhl/dhlara/womenday/index.html
.
إن الشعب العراقي بشكل عام و المرأة بشكل خاص في حاجة ماسة إلى بديل إنساني آخر, يدعمه في أن يقرر مصيره، و يحدد مسيرته التاريخية المستقبلية، و يتحرر من لعب الأدوار الهامشية، و من تلاعب سلطات الاحتلال و الجهات والقوى السياسية الطائفية و القومية والرجعية بمصيره ومستقبله وكرامته الإنسانية ..