مداخلة ممثّل الحزب الشّيوعي الجزائريّ حول العمل في صلب العمّال المهاجرين بفرنسا في المؤتمر السّادس للأمميّة الشّيوعيّة الثّالثة (1928(*

أمين باشا
ahdbekir@gmail.com

2020 / 5 / 18

ترجمة أمين باشا
ومراجعة خميّس عرفاوي وإبراهيم العثماني

الرّفيق بن سعيد (من الجزائر)
على المرء، كي يتسنّى له تناول قضيّة عمّال المستعمرات في فرنسا كما ينبغي، أن يتطرّق إلى جذورها. لقد سبق أن أولى حزبنا مسألة عمّال المستعمرات في فرنسا اهتمامه.
لعبت اليد العاملة هذه دورا مهمّا جدّا خلال الحرب. فقد تمّ تشغيلها قسرا و مقابل أجور لا تسدّ الرّمق لصناعة الموادّ الحربيّة وكذلك للأعمال العسكريّة. فتمكّن قسم ضئيل جدّا منها، فحسب، من اكتساب الخبرة و الحصول على أجور متساوية مع أجور العمّال الفرنسيّين ممّا شجّع الهجرة السّريّة و التي كانت بمعدّلات ضخمة. لذلك أقرّت الامبرياليّة في سنة 1920 حين أحسّت بعجزها عن صدّ هذه الهجرة، بحرّية العبور.
بيد أنّ العامل الرّئيسيّ الذي جعل الامبرياليّة تَقبل بهذا التّنازل كان نقص اليد العاملة في المستعمرات (1).
فقبل الحرب، عانت الرأسماليّة الفرنسيّة نقصا في قوّة العمل، ثمّ فاقمت الحرب هذا العجز وتسبّبت في فوضى اقتصاديّة في البلاد. وفي مرحلة ما بعد الحرب، أجبرت قضيّة إعادة إعمار المناطق المدمَّرة من ناحية، وكذلك التّوجه نحو التّصنيع الذي حتّمه ضمّ مقاطعة الآلزاس لوران من ناحية أخرى، الرأسماليّة الفرنسيّة على استقدام يد عاملة أجنبيّة وأخرى من المستعمرات.
لقد ساهم استقدام اليد العاملة من المستعمرات (عمّال غير مهرة ) والعمّال الأجانب (عمّال مهرة) في تحكّم الرأسمالية الفرنسيّة في قانون العرض و الطلب الذي حوّلته لصالحها. وقد حقّقت الّرأسماليّة بفضل استغلال هؤلاء العملة قدرا كبيرا من الازدهار، واتّخذت من اليد العاملة كذلك جيشا احتياطيّا من عمّال الصّناعة.
[لكن ] الحالة الثّورية التي نشأت بعد الحرب، وضعت الرأسماليّة وجها لوجه مع سلسلة من المشاكل من بينها كانت عمليّة استقدام يد عاملة على نطاق واسع، من بلدان متخلّفة تقنيّا وخاضعة لنيرها.
لقد تصوّرت الرّأسمالية الفرنسية أنّ هؤلاء العملة سيكونون سلاحا بين يديها من شأنه أن تُفشل به أي تحرّكات محتملة تشنّها الطّبقة العاملة في سبيل تحسين أوضاعها. لقد أمِلتْ كذلك أن تكون الأجور الزّهيدة التي يتقاضاها هؤلاء العمّال سببًا في نشوب خلافات و مشاحنات مع نظرائهم الفرنسيّين، ممّا قد يجعل منها وسيلة تستثمرها الرأسمالية في اتّجاه تخفيض أجور هؤلاء كذلك.
و عليه، كان هناك في فرنسا سنة 1924 زهاء 300.000 عامل شمال إفريقيّ، منهم 70.000 في منطقة باريس. تمّ تقليص هذا العدد إلى 100.000، منهم 40.000 في منطقة باريس، وقع تشغيلهم في صناعات مختلفة وخاصّة في الصّناعة المعدنيّة بمعدّل للأجور يساوي 20 فرنكا. ومع ذلك، فقد عاد هؤلاء العماّل [المسّرّحون] و لا زالوا يعودون إلى فرنسا بطرق عديدة كالإبحار خلسة أو عبر العقود الصّناعية و الجماعيّة.
أمّا الأسباب الموضوعيّة و الذّاتيّة الكامنة وراء هذه الهجرة فكانت الإمعان في تفقير طبقة المزارعين، تسارع وتيرة عمليّة تحويل البرجوازيّة الصّغرى و الحرفيّين إلى عمّال، النّظام الإرهابيّ الذي تحوّل إلى نظام مُطبّع معه، و "الأجور المرتفعة" التي يتقاضاها مواطنوهم الذين سبقوهم في الهجرة إلى فرنسا.
لقد ساهم الانتداب الجماعيّ عبر الوكالات بدور مّا [في هذه الهجرة]. فقد قام وكلاء التّوظيف باجتياح الجهات ولوّحوا للسّكان الأصليين بأجور مغرية وظروف عمل جيّدة. وغالبا ما نجحوا في تسجيل الكثير من الانتدابات خاصّة من فئة الخمّاسة ( المزارعين الذين لا يملكون أراضي) و الذين تمّ خداعهم بفظاعة عبر هذه الطّريقة إذْ أنّهم حين وصلوا إلى فرنسا، وجدوا أجورهم أقلّ من أجور العمّال الفرنسيّين بنسبة تتراوح بين 25 و 40%، فضلا عن تكاليف السّفر التي تمّ طرحها من أجورهم بالرّغم من أنّه قد قيل لهم إنّ عبورهم سيكون مجّانيّا. بل لقد فُرض عليهم كذلك دفع تكاليف إقامتهم في براريك غير صحّيّة.
وقعت سنة 1926 مأساة مريعة مرتبطة بالإبحار خلسة. إذْ تمّ العثور، على متن مركب كان متّجها من الجزائر العاصمة نحو مرسيليا، على 25 جثّة لسّكان أصليّين ملقاة في قعر المركب. كان ذلك عامين إثر إصدار مرسوم شوتون (Chautemps) و الذي تمّ بمقتضاه إلغاء قرار حرّية العبور.
فبالرّغم من منع حرّية العبور، لم يتقلّص عدد العمّال المهاجرين من المستعمرات إلى غاية تاريخ الأزمة الاقتصادية لفترة 1926-1927. إذ تمّ تسريحهم في البداية، و وقع في مناطق أخرى إجبارهم على العودة إلى بلدانهم عبر طرق ملتوية، بينما أُعيد ترحيلهم من منطقة ليون عنوة.
هل قام حزبنا بالعمل [الكافي] في صفوف هؤلاء العمّال ؟ يجب أن تكون الإجابة ب "نعم" رغم أنّ العمل لم يكن بالقدر الكافي. ومع ذلك، وجب اعتبار تنظيم حملات التّجنيد و حملات التّعبئة والتّحريض و خاصّة في منطقة باريس، من ضمن النّجاحات الحقيقيّة للحزب.
لقد مثّل تنظيمُ مؤتمرات لعمّال شمال إفريقيا في باريس، دُوَاي، و مرسيليا ذروة العمل الرّائع الذي أنجزناه في هذه المناطق المذكورة.
ناقشتْ هذه المؤتمرات التي حضرها العديد من النوّاب من المناطق المذكورة أطروحات سياسيّة و نقابيّة، و خلـصت إلى قرارين يتعلّقان بالمطالب الآنيّة للعمّال على المستويين السّياسيّ والنّقابيّ. وعلى المرء أن يُقرّ بالخطإ الفادح الذي وقع ارتكابه بعدم متابعة هؤلاء النّوّاب لاحقا إذ كنّا سنتمكّن من تجميعهم في نقابات إضافة إلى إعداد كوادر جهويّة من بين صفوفهم.
خلال حرب الرّيف، تمّ إهمال العمل بين صفوف هؤلاء العمّال بصفة كلّيّة. فعوض استثمار وجود هذه العناصر في فرنسا كي يتسنّى إطلاعها على موقف الحزب ]من الحرب[ وتفسيره لهم، فضلا عن مساعدتهم على تطوير وعيهم الطبقيّ الذي بدؤوا يكتسبونه بسبب الأوضاع الاقتصاديّة، فقد تمّ إهمالهم بشكل تام. خلال الإضراب العامّ الذي أعلنته "لجنة العمل ضدّ الحرب في المغرب"، لم يتجاوب العمّال مع هذا التحرك خلافا للتّوقعات التي كانت مرجوّة منهم. إنّ كلّ اللّوم هنا يلقى على عاتق الجهات والأقاليم التي لم تقم بواجبها في هذا المجال.
تمّ تلافي هذا العيب إلى حدّ مّا عبر بعث خطّة جديدة وهي خطّة «منسّق المستعمرات « والتي أثبتت جدواها بشكل كبير خاصّة في منطقة باريس، لكن توجّب إلغاؤها لاحقا لسبب مّا.
لقد تفطّن رفاقنا في C.G.T.U. (2) إلى أهميّة هذه المسألة ولكن كان ذلك بشكل متأخّر جدّا. فإلى حدود سنة 1925، كان الحزب هو الوحيد الّذي يقوم بحملات التعبئة لفائدة النّقابات. إذ تمّ في ذلك الوقت تعيين منسّق غير متفرّغ للقيام بهذه المهمّة، لكن ذلك لم يثمر النّتائج المنتظرة نظرا إلى حالة الخمول التي كانت عليها اللّجنة التّنفيذيّة.
علينا الاعتراف بأنّ مكتب المستعمرات هذا كان نشيطا نسبيّا ونجح في تجميع عمّال متحمّسين و صادقين حوله، لكنّ الأمر اليوم لم يستمرّ على نفس تلك الحالة. فالحيويّة التي ميّزته في البداية سمحت للفتور بالتسرّب إليها لاحقا ليحلّ محلّها. على سبيل المثال، لم يتمّ الإعداد ليوم غرّة ماي بأيّ شكل من الأشكال باستثناء بعض الجهود القليلة و الضّئيلة التي بذلتها ال C.G.T.U. تجاه عمّال المستعمرات المهاجرين.
لابدّ أيضا من الإشارة إلى أنّ المناضلين من عمّال المستعمرات المهاجرين أنفسهم، بدأت تظهر عليهم علامات الفتور نظرا إلى كونهم لا يتلقّوْن التّشجيع و التّوجيه اللاّزمين من الكوادر القياديّة للحزب. لم يتمّ القيام بأيّ عمل بين ] المهاجرين الأفارقة ] الزّنوج و عمّال الهند الصّينية الذين يبلغ عددهم في فرنسا 10.000.
حين كان الحزب وال C.G.T.U. بصدد القيام بعمل نشيط بين صفوف العمّال المهاجرين، كانت ال C.G.T. و عبر أمينها العامّ "جوهو"، تطالب بالتّرحيل الكامل لهؤلاء العمّال متذرّعة بأنّ "هؤلاء ال 300.000 عامل مهاجر من المستعمرات، قد تمكّنوا من اكتساب قدر من المهارة المهنيّة من شأنه توفير إطارات تقنيّة تحتاجها المستعمرات الفرنسيّة لمواصلة دفع عجلة التنمية بها "
لم يلبث " جوهو" أن سارع إلى تقديم مقترح آخر أكثر تنويرا، بادر إلى عرضه على المجلس القومي للاقتصاد (3)، ذهب فيه إلى هذا الحدّ :
"بناء على أنّ متطلبات عمّال المستعمرات تعتبر متواضعة جدّا، و بالنّظر إلى أنّ إنتاجهم يمثّل ربع ما ينتجه العامل الفرنسيّ، فيجب تحديد أجورهم على هذا الأساس."
لقد كان هذا الشّعار الذي أطلقه جوهو من على منصّة المجلس القومي للاقتصاد حيث دأب على التّنسيق مع كبار المصنّعين، مُقتبَـَسًا من كلمة نائب عن الجزائر. فقد بلور ممثـّـلُ المستعمرات هذا، والذي كان في حدّ ذاته استعماريّا ويملك منجما، مقترحاته كما يلي:
" يُعدّ نقص اليد العاملة في الجزائر أحدَ أهمّ المشاكل البالغة الخطورة التي يواجهها المستعمرون هناك. لقد صار ضروريّا للغاية أن لا يتقاضى عمّال شمال إفريقيا الموجودون في فرنسا أجورا مرتفعة كالتي يتقاضوْنها الآن. و إذا أخذنا بعين الاعتبار إنتاجيّتهم الأقلّ، فعليهم أن تتساوى أجورهم مع أجور العمّال في الجزائر."
إنّ الاشتراك في وجهات النّظر بين جوهو، المتحدّث باسم ال C.G.T. من ناحية، و ممثّل الاستعماريّين من ناحية أخرى، يُبيّن الدّرب الذي سلكته المنظّمة الإصلاحيّة بسقوطها مباشرة في خندق العداء العنصريّ، و يُظهر لهؤلاء العمّال حقيقة كونها أفضل داعم لأرباب العمل و الاستعماريّين.
لن تُـفاجَؤُوا حين يتخلّى عمّال المستعمرات المهاجرون عن هذه المنظّـّمة و حين يصبح الفشلُ الذّريع مآلَ كلّ محاولة لبعث أيّ منظّمة إصلاحيّة.
ارتباطا بهذا، تجب الإشارة إلى أنّه قد تمّ بعث مكتبين للبوليس في فرنسا، الأوّل في باريس موجّه للجزائريّين و الثّاني بمرسيليا موجّه لعمّال الهند الصّينيّة. والغرض من هذين المكتبين فوق كلّ اعتبار، هو مراقبة العمّال الثـّوريّين و ترهيب عمّال المستعمرات المهاجرين الذين يتابعوننا.
ووفق هذا التّمشّي، أصبح العمّال البارزون كنقابيّين فاعلين أو كأعضاء حزبيّين ناشطين يُطردون من بعض المصانع بينما أصبح آخرون مُلزَمين، إن أرادوا الحصول على شغل، باستخراج بطاقات خضراء من هذا المكتب، و صار أربابُ العمل بدورهم يتّصلون به للاستعلام وتقصّي أمور العمّال الذين يشغّلونهم .
شنّ حزبنا حملة نشيطة ضدّ تكوين مؤسّسة المباحث تلك، فهي تبّيّنُ عزم الامبرياليّة الفرنسيّة على تطبيق نظام التّجنيس على كافّة عمّال المستعمرات، حتّى داخل فرنسا نفسها. لكن ومن ناحية أخرى، يُبرز هذا [الإجراء] أيضا أنّ الامبرياليّة أصبحت تعيش حالة استنفار لتنامي ميل هذه الجماهير إلى حزبنا .
ينبغي كذلك التّذكير بمدى الرّغبة الجامحة في التّنظّـّم والتي تنتشر بين صفوف هؤلاء العمّال بقوّة. وطبقا لذلك، فقد ظهرت منظّمات كثيرة على أرضيّة التّحرّر الوطنيّ مع إعلان تبنّيها للنّضال ضدّ الامبرياليّة بلا هوادة.
أبرز هذه المنظّمات هي قطعا « L’Etoile Nord Africain » (نجم شمال إفريقيا). هذه الرّابطة التي أسّسها عمّال شمال إفريقيا في باريس لها بالأحرى تأثير أبرز في شمال إفريقيا [مقارنة بتأثيرها في فرنسا]. فقد ضمّ دفعة واحدة ما يساوي 2000 عضو في منطقة باريس وحدها. لكنّ الأزمة الاقتصادية لسنة 1926 ما لبثت أن قلّصت من عدد أعضائه بشكل ملحوظ. إلاّ أنّ هذا النّقص لم يمنعه من أن يتّخذ موقفا واضحا من المشاكل السّياسية والاقتصاديّة والاجتماعيّة التي كانت تحدث في شمال إفريقيا. لذلك تولّى نشر برنامجه في جريدته » الإقدام« ، وهي صحيفة مشهورة وتحظى برواج كبير في أوساط شعوب شمال إفريقيا، وقد تمّ تباعا إيقاف إصدارها عديد المرّات من قبل وزير الدّاخلية (4). طالب هذا البرنامج بالاستقلال التّام دون أن يُهمل في نفس الوقت عرض برنامج يطرح مطالب عاجلة تشمل كلّ بلد من هذه البلدان على حدة و تتعلّق بالفلاّحين، الطّبقة العاملة، الحرّيات المدنيّة، المرأة، وبرنامج [آخر] من زاوية نظر ثقافية و دستوريّة: مطالب ضدّ الإقطاع و كبار المالكين وكلّ المنتفعين من المنظومة الاستعماريّة.
بهمّة عالية، ندّد النّجم بالبرجوازيّة الانتهازيّة وقاوم توجّهات الاحتواء و فضح مواقف الدّيمقراطييّن الاشتراكيين والتي توصف كما يلي في مقال تمّ نشره في » الإقدام « :
"إنّ مشاركته [الحزب الاشتراكي] في [سنّ] القانون العسكريّ الجديد و التزامه بمخطّط تنمية المستعمرات، يجعلان من هذا الحزب أحد ألدّ أعداء شعوب المستعمرات، بل وعدوّا خطيرا على وجه الخصوص بسبب سياسته المراوغة و الغادرة "
لا يمكن أن تُعدّ هذه المنظمة سكتاريّة بالمرّة ؛ فنظامها الأساسي ينصُّ على أنّ أبوابها مفتوحة أمام كلّ شعوب شمال أفريقيا مهما كان معتقدهم ما داموا ملتزمين ببرنامجها، ومدافعين عنه حيثما كانوا و في شتّى الظّـّروف، وماداموا يعلنون التزامهم بقانونها الداّخلي. وقامت المنظمة بحملات كبيرة في منطقة باريس حيث كانت تعقد من 4 إلى 5 اجتماعات دعائيّة و تحريضيّة في الأسبوع الواحد. لكن يجب القول إنّها لم توسّع بعد مجال نشاطها داخل المستعمرات حيث تتمتّع بعلاقات جيّدة، و لا في مناطق أخرى من فرنسا، حيث يقطن عمّال أفارقة بأعداد أكبر.
هناك أيضا ثلاث مجموعات من عمّال الهند الصّينيّة ( في باريس، لوهافر ومرسيليا ). تحتضن هذه المنظّمات كافّة عمّال الهند الصّينيّة. إلاّ أنّه لا توجد فيما بين هؤلاء أيّ علاقات رسمية أو تنظيميّة من شأنها أن تمكّنهم من خوض نضال أنجع ضدّ الامبرياليّة. كلّ أعضاء هذه الرّابطات هم، تقريبا، من البحّارة ومن عمّال القطاعات الغذائيّة.
توجد كذلك منظّمات طلاّبية في كلّ مدينة جامعيّة فرنسيّة لكنّها ليست سوى جمعيّات تعاونيّة بسيطة. وهناك أيضا على سبيل المثال، حزب الاستقلال الذي فتح فروعا في تولوز، لوهافر، وبوردو. يدعو هذا الحزب و نشريّته « L’Avenir de L’Annam » (مستقبل الآنام) (5)،إلى استقلال الهند الصّينيّة لكنّه لا يتبنّى أيّ أرضيّة سياسيّة.
يوجد الكثير من [ المهاجرين الأفارقة] الزّنوج في مرسيليا، بوردو، و باريس و لديهم ثلاث منظّـّمات. أمّا الأولى فهي منظّمة ماسونيّة، و أمّا الأخريان فتنشطان منفصلتين تحت مسمّى واحد وهو » لجنة الدّفاع عن العرق الزّنجي «. وقد كوّنتا سابقا منظمة واحدة أسّسها رفيقنا الفقيد، المأسوف عليه أيّما أسف، لامين سنغور (6).
أودّ أن أسوق بعض الملاحظات حول جمعية طلبة شمال إفريقيا و التي تأسّست منذ أشهر قليلة. تبدو هذه المجموعة كجمعيّة تعاونيّة خيريّة صرفة. وتتكوّن من عناصر شبابيّة برجوازيّة من السّكان الأصليّين وبعض الطّلبة الفقراء. يجاهر هؤلاء الطّلبة بحسّهم الوطنيّ بشكل محتشم وخلف الكواليس ويجدون حرجا شديدا في الإفصاح عن ذلك بشكل علنيّ. إنّهم بصمتهم هذا و فتورهم السّياسيّ، يَدْعمون موضوعيّا سياسات التّرحيل و الاستغلال والإرهاب التي تمارسها الامبرياليّة.
على هؤلاء الطّلبة أن يتعلّموا الدّرس من العمّال المهاجرين اليدويّين في منطقة باريس، و الذين تمكّنوا بالرّغم من حالة التّعتيم التي حكمت بها عليهم الامبرياليّة، من أن يشقّوا طريقهم القويم: طريق التّنظّم الكفيل وحده بقيادتهم نحو التحرّر.
تُعَدّ البروليتاريا الفرنسيّة الوحيدة ضمن بقيّة بروليتاريا البلدان الامبرياليّة، التي تحظى بعامل وجود عناصر من السّكان الأصيلييّن للمستعمرات إلى جانبها. وهو ما يطرح واجبات مهمّة على الحزب الفرنسيّ، لأنّ هؤلاء العمّال غالبا ما يمكثون عاما أو عامين في فرنسا [ على الأكثر]. لذلك يجب علينا تركيز جهودنا على قنوات ومراحل هذه الهجرة، بحيث يندمج المهاجرون من مختلف مناطق شمال إفريقيا مع بعضهم البعض و بحيث يمكنهم أن يتطوّروا حتّى يصبحوا كوادر مستقبليّة في تنظيماتهم الطّبقيّة.
من الضّروري الاعتراف بالتّقدم الحاصل في هذا المجال منذ المؤتمر الخامس (7). لكن يجب كذلك الإقرار بأنّ ما تمّ إنجازه إلى حدّ الآن لا يُعدّ كافيا. فمن بين ما يجب القيام به هو أن لا نعمل بشكل متقطّع، وإنّما بطريقة منهجيّة و متواصلة، عبر هياكلنا القاعديّة التي لم تزل بعدُ و للأسف، قاصرةً عن استيعاب أهميّة هذه المسألة.
إعداد كوادر مناضلة من المهاجرين و بذل جهود من قبلنا في إطار تجميعهم في منظّـّمات نقابيّة، تطوير حسّهم الطّبقي و انتدابهم في حزبنا هذا هو بالذّات ما يجب أن يكون على رأس مهامّنا في فرنسا.
سوف يتسنّى لنا قطع شوط هامّ في طريق الإعداد للثّـورة وسيكون ذلك فقط من خلال المعالجة الصّارمة لهذه المهامّ المطروحة علينا، وعبر تأسيس و توحيد جبهة للمضطهَدين [القادمين] من المستعمرات و المستغلَّين في البلدان الأمّ.
هوامش:
(*) قمنا بترجمة هذه الوثيقة اعتمادا على النص المنشور باللّغة الإنكليزيّة في "انبريكور"، من أرشيف الكومنترن المنشور على: http://ciml.250x.com/archive/comintern/arabic/1928_6_congress_comintern_speech_on_colonial_question_ben_said_algeria.pdf
(1) من الواضح أنّه يقصد نقص اليد العاملة في فرنسا حسب ما يقتضيه سياق كلامه، لكنّنا تركناها على حالها وعرّبناها كما وردت.
(2) الكنفدرالية العامّة الموحّدة للشّغل هي نقابة فرنسية نشأت سنة 1921 إثر انشقاق داخل الكنفدرالية العامّة للشّغل ( C.G.T) وانضمّت إلى الأمميّة النّقابيّة الحمراء. وفي عام 1936 أثناء صعود الجبهة الشعبيّة إلى السّلطة، توحّدت المنظّمتان.
(3) هو مجلس استشاريّ تتمثّل مهامّه في دراسة المشاكل المتعلّقة بالحياة الاقتصاديّة لفرنسا والبحث عن حلول لها واقتراح تطبيقها على السّلط العموميّة.
(4) تمّ إصدار جريدة الإقدام بين 1926 و1927 ليتمّ حظرها ثم عادت للظّهور تحت مسمّى "إقدام شمال إفريقيا" بين 1927 و 1928 ليتمّ منعها من جديد .
(5) "الآنام" هو الاسم الذي كان يطلق على مقاطعة الفييتنام الخاضعة للسّيطرة الفرنسيّة قبل 1948 .
(6) لامين سنغور ( 1889-1927) سياسيّ من أصل سينغاليّ وأحد أعضاء الحزب الشيوعيّ الفرنسيّ ومندوبه في المؤتمر الخامس للكومنترن.
(7) إشارة إلى المؤتمر الخامس للأمميّة الثّالثة المنعقد في جوان – جويلية سنة 1924.



https://www.ahewar.org/lc
مركز دراسات وابحاث الماركسية واليسار