اليسار العراقي لم يعد يساريا

نسيب عادل حطاب
hatabnasib@gemail.com

2019 / 10 / 7

احيانا وأنا اتابع مواقف واداء قيادة الحزب الشيوعي في حقبة مابعد السقوط اتســـائل ان كانت هذه المواقف محاولة للاجتهاد ام ادراكا كامل الوعي ومحسوب النتائج ..واذ استبعد فرضية الاجتهاد لان ذلك يعني حتما ان هذه القيادة لم تقرأ الماركسية أوتهضمها جيدا بما يخولها لتتربع على دفة القيادة ( عندها سيكون الامر كارثة )أجد نفسي مضطرا ان ارجع هذا الامر اقصد سوء الاداء الى احتمال واحد ان الحزب الشيوعي العراقي لم يعد حزبا شيوعيا ولايساريا بالمرة وان قيادته تتخذ مواقفها وتحليلاتها عن رؤية وبصيرة وفق حسابات سلطوية وشخصية قصيرة النظر و ضيقة الافق غير مكترثة ان كانت هذه المواقف تتوائم مع مباديء الحزب ومنطلقاته النظرية والفكرية باعتباره حزبا يساريا ماركسيا... والا فان اعتماد الماركسيه كمنهج للتفكير ودليل عمل لقراءة الواقع كفيل بايصال المرء الى الموقف الصحيح..لقد شاخ الحزب فعلا وتحول بفضل اداء قيادته الهزيل الى رأس بلا أطراف وذيل و تجمع لكبار السن من الرفاق والمناضلين اصحاب التاريخ النضالي- أنظر لهم باعتزاز- ممن أستوطن اغلبهم المنافي والذين ينظرون الى الحزب نظرة تقديس رومانسية تضطرهم ان يتجاوزا عن سلسلة الاخفاقات المتتالية حبا بمعبودهم واعتزازا بصورته القديمه وربما تضطرهم الى لعني ايضا .! على اني في كتابتي هذه انطلق من موقف وطني أولا ويساري ثانيا باعتبار ان الحزب هو الصوت الرئيسي الباقي لكل الوطنيين والديمقراطين واليساريين العراقين بعد ان غابت التنظيمات القومية والليبرالية أو غيبت .. وان بيان الحزب في اليوم الاول لأحداث المظاهرات التي عمت المدن العراقية وتصريحاتهم الهزيله التي لاتمت بصله الى كل ماهو يساري وماركسي كانت وراء هذه الشقشقة التي حملتها طويلا في صدري لعلها تمنحني حلاوة الوجدان وتساهم من جهة اخرى مع ما كتب سابقا وسيكتب لاحقا في تحريك بعضا من روح الرفض والاعتراض في نفوس الشيوعين . لقد كانت احداث الانتفاضه الاخيرة فرصة رائعة للشيوعيين ولكل القوى الوطنية لو احسنت التمهيد والتحضير اليها في السنوات الماضية ان تفرض حضورها ورؤيتها وتساهم في تحرير الشعب العراقي من عبودية الاسلام السياسي لكن :-
1- قيادة الحزب تنظر الى النظام السياسي الحالي الذي انتجه الاحتلال والقائم على دستور طائفي متخلف كتب باشراف دوائر المخابرات الامريكية على انه النظام الشرعي الذي لابد منه والذي يلبي طموحات العراقيين في ارساء نظام ديمقراطي علماني يقود لبناء دولة المواطنه. وان النضال ينبغي ان يكون ضمن الحدود والقواعد التي رسمها هذا الدستور. وهي بهذا الموقف تتناسى ان النتائج محكومة سلفا لغير هذا الاتجاه ففي بلد متعدد الطوائف والاثنيات تحرر حديثا من نظام فاشي قمعي ساد لما يقارب الاربعين سنه مثل العراق ليس اسهل من ان تطلق الشرعية للطائفية السياسية لتضمن هيمنتها على الواقع السياسي وافسادها لهذا الواقع . ومهما بلغت درجة الاصلاح فان بقاء واستمرار النظام السياسي بمثل هذا الدستور سوف يطيل امد المعاناة ويمنح الفرصة للاحزاب الطائفية لتدوير نفسها واعادة انتاج سلطتها السياسية بصيغ شتى وحسب الضروره ...التيار الصدري& حزب الاستقامه نموذجا .ان التعامل مع امر كهذا لايتطلب رفع السلاح او الدعوة لاسقاط النظام بالقوه بقدر مايتطلب تعاملا جدليا وواقعيا مع هذه الحقيقة.. النضال في اوساط الجماهير وكسب الشارع واستخدام البرلمان والصحافة كمنصة خطابية لفضح وتعرية هذا النظام الفاسد والعمل بجد ومثابرة بين اوساط الجماهير وتوعيتها وكسب الرأي العام لالغاء نظام المحاصصة وكتابة دستور جديد
2_ انها كانت تتجاهل عن عمد وباصرار ان ازمة النظام أزمة بنيويه مستمرة لايمكن اصلاحها الا بتغيير جذري يطال هذا النظام ويزيله من جذوره فهي ترفض التغيير رفضا قاطعا ففي تصريحها بشأن المظاهرات الاخيرة جاء مانصه ... في مجرى الدعوة الى التظاهر رفعت شعارات متنوعة، بعضها يحمل مطالب مشروعة ويشدد على مكافحة الفساد، والبعض الاخر يدعو الى اسقاط العملية السياسية والنظام والحكومة وحلّ المؤسسات التمثيلية كمجلس النواب ومجالس المحافظات. .... وهكذا فان البيان ربط بين مشروعية الحراك والمطالبة باجراءات أصلاحية ومكافحة الفساد يعرف الشيوعيون قبل غيرهم ان هذا الامر يكاد يكون مستحيلا في ظل الواقع الحالي المتمثل بهيمنة أحزاب الاسلام السياسي الطائفية وميليشياتها المسلحة التابعة لاجهزة المخابرات الاقليمية والدولية والمتربصة للتدخل عند اول اشارة جدية تهدد النظام اللصوصي العميل في بقائـــه واستمراره
3- ان قيادة الحزب الشيوعي الحالية وخلافا لالف باء الماركسية أهملت النضال بين اوساط الجماهير من الشباب والمسحوقين والعاطلين اولئك الذين لم يسعفهم العمر او المستوى الدراسي والثقافي للتعرف على الحزب ومبادئه وتنويرهم ببدائل الوضع السياسي والحياتي الفاسد - ليس انا من يقول هذا وانما الواقع - و باعتبار ان هذا الامر هي المهمه الاساسية والرئيسية في التغيير والاصلاح وبناء الوطن الحر السعيد وباتت تؤمن و تعتمد النضال داخل اروقة البرلمان وسياسة التحالفات مع بعض قوى الاسلام الاساسي كأساس للاصلاح المنشود يتضح هذا الامر من خلال الاصرار والتمسك ببقائهم ضمن تحالف سائرون رغم الاداء الهزيل لنواب هذا التحاف داخل البرلمان ورغم اصطفاف هؤلاء النواب في كثير من الاحيان مع اقرانهم نواب الكتل الاسلامية الاخرى وتبنيهم لاقصى المواقف اليمينية والرجعية المتقاطعه احيانا مع مواقف زميليهم الشيوعيين. ان اصرار قيادة الحزب على بقائها ضمن هذا التحالف و الذي يقوده ويرسم سياسته رجل دين معمم يمثل احد اركان منظومة الاسلام السياسي الحاكمة رغم رفض طيف كبير من اعضاء الحزب وجماهيره أمر يدعو الى الرييه والشك . المضحك في الامر ان المراقب يستطيع ان يكتشف بسهولة وهو يتابع تفاصيل المواقف اليومية للحزب وممثليه في اروقة البرلمان كيف ان قيادة الحزب تحرص ان تتماهى تصريحاتها مع مواقف حلفائهم الاسلاميين وانها تتجنب ان تمس المسائل الحساسه والجذرية الكبرى كأزمة الكهرباء أوملفات الفساد والاستثمار والتنمية.. أوان تثير غضبهم باثارتها وطرحها على الرأي العام العراقي حتى ولو من خلال صحيفته اليومية طريق الشعب بل ان الامين العام للحزب غالبا مايقدم نفسه في اللقاءات الحوارية المتلفزه باعتباره النائب في البرلمان عن تحالف سائرون وحسنا يفعل فهو ابعد مايكون في خطابه عن خطاب القائد الشيوعي اذ ينهك نفسه بمناقشة المحاور الثانوية والتي لاتشكل اولوية عند رجل الشارع العراقي وينجر احيانا لمناقشة موضوع ما هو في اساسه نتائج لاسباب معروفة مرتبطه بفساد الواقع السياسي والاقتصادي والاداري ويبدو ان هذا هو المطلوب منه ... وفي هذا الصدد وفي معرض تبريره المتهافت والمثير للسخرية للتحالف والتعاون مع الصدرين قبل سنوات يرجــع جاسم الحلفي السبب الى ان الصدريين يمتلكون نفس القاعدة الجاهيرية من الطبقات المسحوقة التي تشكل مادة واهتمام الشيوعين ولعمري ان هذا القول غاية في العهر السياسي فالوصول الى قلب الاميرة يفرض على العشاق التنافس لا التحالف للظفر بحبها على اية حال فان قيادة الحزب التي فرضت هذا التحالف قسرا وتجاوزا على رفاقهم كانت تطمئن منتقديها ان تحالفهم هذا لن يكون زواجا كاثوليكيا وانهم سيعيدون تقييمه بناء على ادائه ولا ادري متى يحين هذا الموعد في نظرهم
4- دائمـــا وفي كل الاحيان لايمكن للحزب الثوري واليساري ان يقف على مسافه متساويه او ان يلتزم الحياد عمليا وخطابيا في الصراع بين الطبقة الحاكمة والفاسده وبين الطبقات الفقيرة والمسحوقه أوان يلجأ الى الخطاب الدبلوماسي المهادن ويتخلى عن دوره في المساهمة الى جانب هؤلاء في ثورتهم والمساهمة فيها وقيادتها بغية الوصول الى غايتها . ان التخلي عن هذا الدور تحت اية ذرائع له خيانة بكل المقاييس للمباديء التي يقوم عليها هذا الحزب وتخليه عن دوره الطليعي المفترض والسؤال الموجه هنا لقيادة الحزب الشيوعي هل ان الحزب قام بما هو مطلوب منه في هذا الصدد ... يبدو واضحا وبما لايقبل الشك ان الحزب يتجنب في نشاطه و طروحاته الاصطدام و يعتمد مبدأ التقيه ربما حرصا على الاستمتاع بالقطعة الصغيرة من كعكة السلطة او خوفا من بطش الميليشيات أو لكلا الامرين - ان الغريب في الامر هو هذا السعي المحموم واللهاث من قبل قيادة الحزب للمشاركة في السلطه والبرلمان والاستيزار وهم يعرفون جيدا حجمهم غير المؤثر والواقع السياسي المحكوم باجندة دولية وأقليمية وميليشياوية وان تواجدهم في السلطه لن يكون باحسن الاحوال اكثرمن مزهرية فارغه على المائده الوسخه للاحزاب الحاكمه . كان بامكان الشيوعين التركيز طيلة الاعوام المنصرمة على العمل الجماهيري والتنظيمي ودعم واسناد كل التيارات المدنية وتشجيعها والتخطيط لاستثمار الازمة التي ستأتي لامحالة والتي كانت ستفرض واقعا سياسيا جديدا وتجعل من التيار المدني العلماني وأولهم الشيوعيين رقما مؤثـــرا
5- المشكله الاساسية التي لاتريد ان تفهمها قيادة الحزب الشيوعي وتتعامل معها هي فســاد الواقع السياسي وفقره . الارهاب الطائفي بشقيه السني والشيعي وسلطة ونفوذ الميليشيات الدينيه و الطائفية المسلحة بكل مسمياتها على الشارع والحياة الاجتماعية والاقتصادية للبلد لم يتح المجال للتيارات العلمانية الليبرالية والقومية وحتى اليسارية ان تعمل بما يمكنها من ترسيخ حضورها. الارهاب وقرينه الاسلام السياسي كانا وراء حالة الاخصاء السياسي هذه التي يعيشها العراق وهو يدرك جيدا ان استمرار هذه الحالة يضمن له الهيمنه على القرار السياسي وتداول السلطة بين تياراته المختلفة .كان على قيادة الحزب ان تعي هذه الحقيقة جيدا لتبني عليها موقف سياسي صائب وسليم خاصة ازاء مسالة التحالفات وبدلا من ان تعمل هذه القيادة على دعم واسناد التيارات الليبرالية والقومية والتحالف معها ركضت باتجاه الصدريين ..معللة هذا الامر بذرائع شتى مرة انها بهذا التحاف تستطيع خرق الاسلام السياسي و كسب الصدريين الى مواقعها بما يمكنهم من فرض الاصلاح المنشود ومرة بان التحالف مع التيارات المدنية الضعيفة اساسا يعرقل سعيها للتاثير وتغيير الواقع السياسي وهي بهذا الموقف اعلنت صراحة تخليها عن واحد من اهم منطلقات العمل الاساسية للحزب الماركسي باعتبار ان الجماهير الكادحة هي وحدها القادرة على احداث التغيير وان العمل في صفوفها وتوعيتها وتحشيدها هي الوسيلة الاكيده للوصول الى هذا الهدف لقد تنكـــر الشيوعيون بهذا التحالف لواحدة من اروع وصايا زعيمهم الخالد فهـد ..قووا تنظيم حزبكم قووا تنظيم الحركة الوطنية ...
لااريد ان اسهب واطيل فالمرارة والخيبة التي زرعتها قيادة الحزب من خلال مواقفها و ادائها المتخلف طيلة السنين الماضية والى الان كبيره .احيانا اجد ان تحليل وفهم الواقع المعاش و الخطاب السياسي لبعض الشخصيات والقوى الوطنية غير الماركسية وحتى الدينية اكثر وضوحا وعلمية ويسارية من خطاب الشيوعيين ان مما يؤسف له حقا ان هذا الحزب المجيد بنضاله ومساهمته في صنع تاريخ العراق الحديث يتخلى عن خطابه واداءه الماركسي واليساري ويكتفي بالاسم فقط و ليتحول الى حزب اصلاحي يدور في فلك السلطة الفاسده التي جاء بها الاحتلال الامريكي واحتضنتها ولاية الفقيه الايرانية



https://www.ahewar.org/lc
مركز دراسات وابحاث الماركسية واليسار