عن المفهوم التاريخي للينينية

امال الحسين
tarwd_orgs@yahoo.fr

2019 / 8 / 9

للتحريفية التي لطالما حاربها لينين تعبيرات شتى اليوم تلتقي جميعها في العزم على محاربة الماركسية اللينينية في الوقت الذي تعتقد فيها أن الصراع قائم فيما بينها حول زعامة المنهج التحريفي الصحيح لتشويه الخط والاستراتيجية اللينينيين، تعبيرات اتخذت تسميات شتى تدعى الانتساب إلى تجاربة ثورية عالمية ومحلية تقدم نفسها كبديل للينينية وتصحيح ل"أخطائها" التي يلفقونها للتجربة الاشتراكية الوحيدة التي قلبت مسار الرأسمالية الإمبريالية وخلقت لها النقيض التاريخي الذي مازال يعرقل تطورها ويزعج اتحادات السياسيين والاقتصاديين الاحتكاريين.

ويقوم التحريفيون باقتران التقليد/القديم بالإنتهازية ويتخذون هذه الصفة للتغطية على عدم القدرة على تجاوز منطلقاتهم النمطية التي يحددها موقعهم اللاتاريخي في الحركة الماركسية اللينينية، فيعتبرون كل عمل ابتغى فهم الواقع الموضوعي للأوضاع الراهنة وآفاق الثورة الاشتراكية انطلاقا من منطلقات الماركسية اللينينية عملا تقليديا، غافلين كنه التقليد والتقليدية الذي بتجاوز البعد التاريخي للمفهومين ليصل إلى حد البنية الفكرية النمطية التي تريد إسقاط الإنتماء الأيديولوجي على أية قضية من القضايا السياسية والإقتصادية الراهنة بشكل فج.

فالتقليد ليس فقط الرجوع إلى الوراء من أجل استنباط الحلول الواقعية الراهنة لهذه القضايا بل هو كذلك تجريد لفكر القائد واعتباره حقيقة مطلقة يتم التشبث بها بشكل أعمى، وتدل على ذلك الصفة التي يتم مزجها بالإنتماء الفكري والعقائدي لهؤلاء.

فاللينينية باعتبارها مرحلة تطور عليا للماركسية ليست فقط صفة مقرونة بالماركسية بل أكثر من ذلك نظرية حديثة حول الثورة الاشتراكية لم يتم نقيضها حتى اليوم، فكيف لنا أن نضيف لها صفة ثانية وثالثة وأكثر ؟ و من منطلقات أيديولوجية وسياسية وننعتها بالستالينية أوالماوية أوالغيفارية وغيرها وبالتالي نعت المتشبثين بالمفهوم العلمي للماركية اللينينية بالتقليد والفكر التقليدي.

إن البعد التاريخي للمفهوم لا يتم من منطلقات أيديولوجية وسياسية متعصبة التي تجعل صاحبها يستخف بل يكن العداء إلى أي حد لغير المتفقين معه كما يفعل التحريفيون اتجاه الماركسيين اللينينيين، بل النظرة إلى المفهوم يجب أن تنطلق من النظرة الفلسفية المادية للدياليكتيك الماركسي و ليس من الأوهام الأيديولوجية الضيقة، فما هي الدلالة التاريخية للمفهوم بصفة عامة ؟

أولا ارتباط ظهوره بحدث تاريخي يطبع حياة الناس بل المجتمعات والعالم بأسره كما هو الشأن بالنسبة للماركسية اللينينية التي تعتبر التطوير التاريخي الممكن للماركسية على المستوى الفلسفي، المعرفي، الإقتصادي، السياسي، التنظيمي، والقابل للتطور، وأصبحت بذلك المفهوم الجديد للماركسية أي الماركسية اللينينية التي تعتبر حدثا تاريخيا تجاوز منطلقاته النظرية الفلسفية والعلمية ليصبح المنطلق الأساس لكل ممارسة ثورية تسمى بهذا المفهوم، وتصبح هي بذاتها ولذاتها منطلقات التطور المستقبلي للبشرية.

ثانيا تاريخ هذا المفهوم مقرون بالحدث النوعي بالقفزة النوعية التي تلازمه عبر التاريخ والتي طبعت العالم وهي الثورة الاشتراكية النموذج الوحيد والأوحد في العالم الذي استطاع طبع حياة الناس بعد الثورات البورجوازية الأوربية، وأحدثت طفرة فلسفية وعلمية لا يمكن تجاوزها بالنمطية الفكرية والتقليد بل بالعلمية المعرفية المنطقية التاريخية التي لا يمكن أن تنطلق إلا من الماركسية اللينينية كنظرية الثورة الاشتراكية نقيض الثورة البورجوازية، باعتبار أن منطلقات الثورة البورجوازية منبثقة من حضن نمط الإنتاج الإقطاعي ومن فلسفة رفض هذا النمط من طرف البورجوازية وليس من منطلقات المرحلة العليا للرأسمالية الحديثة التي تعتبر حضن منطلقات الثورة الاشتراكية ونقيضها الأساسي.

ثالثا إن البناء الاشتراكي أصيح النموذج الأمثل في دحض الرأسمالية الحديثة والذي وضع لينين أسسه النظرية والعملية عندما تأكد أن الإمبريالية آتية لا ريب في ذلك لتعصف بالعالم إلى الهلاك، و قامت الثورة البولشيفية التي أحدثت تحولا عميقا في علاقات الإنتاج الرأسمالية باكتشاف علاقات الإنتاج الاشتراكية في أفقر بلد في أوربا و توسيعه بعد الانتصار في الحرب الإمبريالية الثانية، و ما كانت الثورة الاشتراكية لتحدث طفرة علمية على مستوى الاقتصاد الاشتراكي لو لم يتم تطبيق قوانين التطور الاجتماعي وفق الدياليكتيك الماركسي الذي أقر أحد القوانين العام للتطور الاجتماعي وهو قانون " التوافق الضروري بين علاقات الإنتاج وبين صفة القوى المنتجة"، هذا القانون الذي اكتشفه ماركس بعد نقده للرأسمالية وحاول ستالين تطبيقه في المجتمع الاشتراكي بنفي قانون التطور اللامتكافيء الذي اكتشفه لينين والذي يحكم علاقات الإنتاج في المجتمعات الرأسمالي، و حول بذلك وسائل الإنتاج من خاصة رأسمالية إلى اجتماعية اشتراكية بنفي التناقض الأساسي في الإقتصاد الرأسمالي الذي يتجلى في التناقض بين الصفة الخاصة لوسائل الإنتاج التي يتحكم فيها الرأسماليون والعمل الذي أصبح اجتماعيا يتم فيه استغلال الطبقة العاملة، و لم يحدث ذلك فجأة واحدة بل واجهت الثورة الاشتراكية القوى الرجعية التي ترفض هذا التوافق الضروري في التقدم، والتي قاومت الثورة حيث ترى أن مصالحها مهددة بالزوال وأن طبقتها متجهة إلى الفناء، وتحالفت البرجوازية والملاكين العقاريين الكبار بدعم من الإمبريالية لهدم الوطن الاشتراكي، الذي انتصر في الحرب الأهلية والحرب الإمبريالية الثانية معا.



https://www.ahewar.org/lc
مركز دراسات وابحاث الماركسية واليسار