النضال ضد الفاشية يبدأ بالنضال ضد البلشفية للشيوعي المجالسي الألماني أوتو راهل

مازن كم الماز
mazenkamalmaz@yahoo.com

2019 / 11 / 8

أوتو راهل
النضال ضد الفاشية يبدأ بالنضال ضد البلشفية
1939
ترجمة مازن كم الماز
1
يجب أن توضع روسيا أولا بين الدول التولبتارية ( الشمولية ) الجديدة . لقد كانت أول من يتبنى مبدأ هذه الدولة الجديدة . و قد ذهبت إلى أقصى حد في تطبيقه . كانت روسيا أول من أقام ديكتاتورية دستورية ( منظمة ) , إلى جانب نظام إرهاب سياسي و إداري يتماشى معها . بتبنيها لكل خصائص الدولة الشمولية , أصبحت بهذا مثالا ( نموذجا ) لبقية البلدان التي أجبرت على أن تتخلى عن نظام الدولة الديمقراطية و أن تستبدله بحكم ديكتاتوري . كانت روسيا هي المثال للفاشية .
لا توجد صدفة هنا , و لا نكتة سيئة للتاريخ . إن تضاعف هذا الجهاز ( النظام ) هنا قضية ليست ظاهرة لكنها حقيقية . يشير كل شيء إلى حقيقة أنه علينا أن نتعامل هنا مع التعبيرات عن مبادئ متماثلة و عن نتائجها , هذه المبادئ التي طبقت على مستويات مختلفة من التطور التاريخي و السياسي . سواء أحب "شيوعيو" الحزب ذلك أم لا تبقى الحقيقة أن نظام الدولة و الحكم في روسيا لا يمكن تفريقه ( تمييزه ) عن نظام الدولة و الحكم في إيطاليا و ألمانيا . رغم وجود اختلافات إيديولوجية معينة بين هذه البلدان , فإن الإيديولوجيا ليست أبدا ذات أهمية أساسية . أكثر من ذلك فإن الإيديولوجيات قابلة للاستبدال ( للتغيير ) و هذه التغييرات لا تعكس بالضرورة طبيعة و وظائف جهاز الدولة . أكثر من ذلك , فإن حقيقة أن الملكية الخاصة ما تزال موجودة في ألمانيا و إيطاليا هو فقط تعديل ذا أهمية ثانوية . إلغاء الملكية الخاصة وحده لا يضمن الاشتراكية . يمكن إلغاء الملكية الخاصة داخل الرأسمالية أيضا . ما يحدد المجتمع الاشتراكي بالفعل هو إلى جانب إلغائه للملكية الخاصة لوسائل الإنتاج , هو سيطرة العمال على منتجات عملهم و وضع نهاية لنظام الأجور ( العمل الماجور ) . و لا أي من هذين تحقق في روسيا , و لا في إيطاليا و ألمانيا . رغم أن البعض قد يفترض أن روسيا هي أقرب بخطوة إلى الاشتراكية من بقية البلدان , لكن هذا لا يعني أن "الدولة السوفيتية" قد ساعدت البروليتاريا العالمية في الاقتراب إلى أي حد من أهداف نضالها الطبقي . على العكس , لأن روسيا تسمي نفسها دولة اشتراكية , فإنها تضلل و تخدع عمال العالم . يعرف العامل الذي يفكر ما هي الفاشية و يحاربها , لكن فيما يتعلق بروسيا , فإنه يميل غالبا للقبول بأسطورة طبيعتها الاشتراكية . يعيق هذا الوهم القطع ( الانفصال ) الكامل مع الفاشية , لأنه يعيق الصراع المبدئي ضد الأسباب , و الشروط و الظروف التي أدت في روسيا , كما في ألمانيا و إيطاليا , إلى نشوء أنظمة دولة و حكومة متطابقة . هكذا تتحول الأسطورة الروسية إلى سلاح إيديولوجي بيد الثورة المضادة .
من غير الممكن للبشر أن يخدموا سيدين . و لا يمكن أيضا للدولة الشمولية أن تفعل هذا الشيء . إذا كانت الفاشية تخدم المصالح الرأسمالية و الإمبريالية , فلا يمكنها أن تخدم حاجات ( مصالح ) العمال . إذا و على الرغم من هذا , فضلت طبقتان متعارضتان ظاهريا نفس نظام الدولة , فمن الواضح إذن أن شيئا ما ليس على ما يرام . إحدى هاتين الطبقتين هي مخطئة بكل تأكيد . لا يمكن لأحد أن يقول أن المشكلة هي فقط في الشكل و لذلك فإنها ليست ذات أهمية حقيقية , و أنه رغم تطابق الشكلين السياسيين فإن محتواهما مختلف بشكل كبير . هذا سيكون مجرد خداع للنفس . لأن هذه الأمور لا تحدث بالنسبة للماركسي , بالنسبة له الشكل و المضمون يناسب أحدهما الآخر و لا يمكن أن يتناقضا . الآن , إذا كانت الدولة السوفيتية نموذجا للفاشية , فلا بد أنها تحتوي عناصر بنيوية و وظيفية تجمعها مع الفاشية أيضا . لنقرر ما هي هذه العناصر علينا أن نعود للوراء إلى "النظام السوفيتي" كما أقامته اللينينية , و التي هي تطبيق مبادئ البلشفية على الظروف الروسية . و إذا وجد تطابق ( تشابه ) بين البلشفية و الفاشية , عندها لا يمكن للبروليتاريا أن تحارب الفاشية و تدافع عن "نظام روسيا السوفيتي" في نفس الوقت . عوضا عن ذلك , سيبدأ النضال ضد الفاشية بالنضال ضد البلشفية .
2
منذ بداية البلشفية كانت بالنسبة للينين ظاهرة روسية تماما . أثناء السنوات العديدة لنشاطه السياسي , لم يحاول لينين أبدا أن يرفع النظام البلشفي إلى أشكال الصراع ( النضال ) في البلدان الأخرى . كان اشتراكيا ديمقراطيا رأى في بيبل و كاوتسكي القادة العباقرة للطبقة العاملة , و تجاهل التيار اليساري في الحركة الاشتراكية الألمانية الذي كان يناضل ضد أبطال لينين هؤلاء و ضد كل الانتهازيين الآخرين . مع تجاهله لهذا التيار اليساري , بقي لينين في عزلة مستمرة محاطا بمجموعة صغيرة من المهاجرين الروس , و استمر بالوقوف تحت تأثير كاوتسكي حتى عندما انخرط "اليسار" الألماني تحت قيادة روزا لوكسمبورغ , في صراع مفتوح ( علني ) ضد الكاوتسكية .
كان لينين منشغلا بروسيا فقط . كان هدفه إنهاء النظام القيصري الإقطاعي و الاستيلاء على أعظم قدر من التأثير السياسي لحزبه الاشتراكي الديمقراطي داخل المجتمع البرجوازي . لكنه أدرك عندها أنه يمكنه أن يبقى في السلطة و يقود عملية الاشتراكية فقط إذا تمكن من إطلاق العنان للثورة العالمية للعمال . لكن في نشاطه في هذا الخصوص لم يكن سعيدا ( راض ) أبدا . عن طريق المساعدة في دفع العمال الألمان من جديد إلى الأحزاب و النقابات و البرلمان , و بالتدمير المتزامن لحركة المجالس ( السوفييتات ) الألمانية , ساعد البلاشفة في هزيمة يقظة الثورة الأوروبية .
الحزب البلشفي الذي كان يتألف من ثوريين محترفين من جهة و الكثير من الجماهير المتخلفة من جهة أخرى بقي معزولا . لم يتمكن من تطوير نظام سوفيتي حقيقي أثناء سنوات الحرب الأهلية , و التدخل الأجنبي و التراجع الاقتصادي , و فشل التجارب الاشتراكية و الجيش الأحمر المرتجل . رغم أن السوفييتات , التي كان المناشفة هم من طورها , لم تتناسب مع المخطط البلشفي , فإنه بمساعدتها فقط وصل البلاشفة إلى السلطة . مع تثبيت سلطته و عملية إعادة بناء الاقتصاد , لم يعرف الحزب البلشفي كيف يدمج النظام السوفيتي الغريب عنه في قراراته و نشاطاته . على الرغم من هذا كانت الاشتراكية هي ما يرغب به البلاشفة و قد احتاجوا إلى بروليتاريا العالم لإنجازها .
اعتقد لينين أنه من الضروري كسب تأييد عمال العالم إلى جانب الأساليب البلشفية . كان من المزعج بالنسبة له أن عمال بقية البلدان , رغم انتصار البلشفية العظيم , أظهروا ميلا ضعيفا فقط لقبول النظرية و الممارسة البلشفية , بل مالوا في اتجاه الحركة المجالسية , التي ظهرت في عدة بلدان , و خاصة في ألمانيا .
هذه الحركة المجالسية لم يعد بإمكان لينين استخدامها في روسيا . و أظهرت في عدة دول أوروبية أخرى نزعات قوية لمقاومة نموذج الانتفاضات البلشفي . رغم دعاية موسكو الهائلة في كل البلدان , فإن ما يسمى ب"اليسار المتطرف أو الراديكالي" , كما سماه لينين نفسه , قد تمكن من الدعاية ( أو التحريض ) بنجاح أكبر من أجل الثورة على أساس الحركة المجالسية , مما فعله كل الدعاة الذين أرسلهم الحزب البلشفي . بقي الحزب الشيوعي , الذي سار على خط البلشفية , مجموعة صغيرة هستريائية , صاخبة تتألف إلى حد كبير من مجموعات صغيرة ( قصاصات ) برجوازية تحولت إلى البروليتارية , بينما اكتسبت الحركة المجالسية قوة بروليتارية حقيقية و اجتذبت أفضل العناصر في الطبقة العاملة . لكي يتأقلموا مع هذا الوضع , كان يجب زيادة الدعاية البلشفية , و أن تجري مهاجمة "اليسار المتطرف" , و أن يجري تدمير نفوذه لصالح البلشفية .
منذ فشل النظام السوفيتي في روسيا , لم يعد من الممكن "للمنافس" الراديكالي ( أي اليسار "المتطرف" بالتعبير اللينيني – المترجم ) أن يحاول إثبات أنه ما لم تحققه البلشفية في روسيا يمكن تحقيقه بشكل جيد جدا بشكل مستقل عن البلشفية في أماكن أخرى ؟ ضد هذا المنافس كتب لينين كراسه "اليسارية , مرض الشيوعية الطفولي" , الذي فرضه الخوف من خسارة السلطة و الامتعاض من نجاح الهراطقة . ظهر كراسه أول الأمر مع عنوان ثانوي "محاولة لتقديم عرض عام عن الإستراتيجية و التكتيك الماركسيين" , لكن فيما بعد أزيل هذا الإعلان الطموح جدا و السخيف . لقد كان مجرد مبالغة . لقد كانت هذه الرسالة البابوية بالفعل مادة حقيقية لكل ثورة مضادة . من بين كل البيانات البرنامجية للبلشفية كان أكثر من كشف عن طبيعتها الحقيقية . إنه البلشفية دون قناع . عندما قمع هتلر في عام 1933 كل الأدب الاشتراكي و الشيوعي في ألمانيا , سمح بطباعة و تداول كراس لينين هذا .
فيما يتعلق بمحتوى هذا الكراس , فنحن هنا لا يهمنا ما قاله فيما يتعلق بالثورة الروسية , و تاريخ البلشفية , و المناظرات بين البلشفية و بقية تيارات الحركة العمالية , أو الظروف التي سمحت بتحقيق الانتصار البلشفي , بل فقط بالنقاط الأساسية التي كانت موضع نقاش بين لينين و "اليسار المتطرف" و التي أوضحت الاختلافات الأساسية بين الخصمين .
3
الحزب البلشفي , الذي كان في الأصل الفرع الاشتراكي الديمقراطي الروسي من الأممية الثانية , لم يتم بناؤه في روسيا , بل في المهجر . عند انشقاق لندن عام 1903 لم يكن الجناح البلشفي للديمقراطية الاشتراكية الروسية إلا مجموعة صغيرة . أما "الجماهير" التي كانت وراءه فقد وجدت فقط في ذهن قادته . لكن هذا الحرس القليل العدد المتقدم كان عبارة عن منظمة منضبطة بشكل صارم , مستعدة دائما للنضالات الكفاحية و تعرضت للتطهير المستمر للحفاظ على تماسكها . اعتبر الحزب أكاديمية عسكرية للثوريين المحترفين . كانت متطلباته التربوية الأهم هي سلطة قيادة مطلقة , مركزية صارمة , انضباط حديدي , تطابق كامل , كفاحية , و التضحية بالنفس في سبيل الحزب . ما طوره لينين بالفعل كان نخبة من المثقفين , مركزا سيرمي به إلى الثورة ليستولي على القيادة و يتولى السلطة . لا فائدة من محاولة التقرير بشكل منطقي و مجرد ( ملخص ) فيم لو أن هذا النوع من التحضير للثورة صحيح ام خاطئ . ستحل هذه المشكلة بشكل ديالكتيكي فقط . بقية الأسئلة أيضا يجب أن تطرح : أي نوع من الثورة كان يجري التحضير لها ؟ و ما كان هدف هذه الثورة ؟
عمل حزب لينين داخل الثورة الروسية البرجوازية التي وقعت متأخرة للإطاحة بالنظام الإقطاعي للقيصرية . كلما كانت إرادة الحزب القائد أكثر مركزية في ثورة كهذه و كلما كان هذا الحزب أحادي التفكير كلما كان أكثر نجاحا في العملية المرافقة في بناء الدولة البرجوازية و كلما كان موقع الطبقة البروليتارية ضمن إطار الدولة الجديدة واعدا أكثر . لكن ما قد يعتبر حلا جيدا للمشاكل الثورية في ثورة برجوازية لا يمكن في نفس الوقت أن يكون حلا بالنسبة لثورة بروليتارية . الفرق البنيوي الأساسي بين المجتمع البرجوازي و المجتمع الاشتراكي الجديد يستبعد موقفا كهذا .
بحسب طريقة لينين الثورية , يبدو القائد كزعيم للجماهير . و بامتلاكهم المدرسة الثورية المناسبة كانوا ( أي البلاشفة ) قادرين على فهم الأوضاع و توجيه و إدارة القوى المحاربة . إنهم ثوريون محترفون , جنرالات الجيش المدني الضخم . هذا التفريق ( التمييز ) بين الرأس و الجسم , بين الضباط و الأفراد , يتناسب مع ازدواجية مجتمع طبقي , مع النظام الاجتماعي البرجوازي . حيث تعلم طبقة كيف تحكم , بينما تعلم الطبقة الأخرى كيف تنقاد ( كيف تخضع ) . من هذه الصيغة الطبقية القديمة ظهر مفهوم الحزب عند لينين . ليست منظمته إلا نسخة طبق الأصل عن الواقع البرجوازي . لقد تحددت ثورته موضوعيا بالقوى التي خلقت نظاما اجتماعيا بدمج هذه العلاقات الطبقية , بغض النظر عن الأهداف الذاتية التي رافقت هذه العملية .
أيا كان ذلك الذي يرغب في نظام برجوازي فإنه سيجده في الطلاق بين القائد و الجماهير , بين الحرس المتقدم و الطبقة العاملة ( المتأخرة ) , في التحضير الإستراتيجي الصحيح للثورة . كلما كانت القيادة أكثر ذكاءا و مدرسية و تفوقا و كلما كانت الجماهير أكثر انضباطا و طاعة , كلما كانت فرص مثل هذه الثورة أكبر في النجاح . في التحضير لثورة برجوازية في روسيا فإن حزب لينين كان الأكثر ملائمة لهذه الغاية .
لكن عندما غيرت الثورة الروسية طبيعتها , عندما طفت الصفات البروليتارية أكثر إلى السطح , توقفت الأساليب التكتيكية و الإستراتيجية اللينينية عن أن تكون ذات قيمة . أما أنه نجح فإن هذا لم يكن بفضل حرسه المتقدم , بل بسبب الحركة السوفيتية التي لم تندمج أبدا في خططه الثورية تلك . و عندما تخلص ( شتت ) لينين , بعد نجاح الثورة التي صنعتها السوفييتات , من هذه الحركة السوفيتية , فقد جرى التخلص من كل شيء بروليتاري في الثورة الروسية معها . و طفت الطبيعة البرجوازية للثورة إلى السطح من جديد , و التي وجدت كمالها الطبيعي في الستالينية .
رغم انشغاله الكبير بالديالكتيك الماركسي , لم يكن لينين قادرا أن يرى العمليات التاريخية الاجتماعية بطريقة ديالكتيكية . بقي تفكيره ميكانيكيا ( آليا ) , يسير وفق قواعد صارمة . بالنسبة له كان هناك حزب ثوري واحد – حزبه , ثورة واحد – الروسية , أسلوب احد فقط – الأسلوب البلشفي . و ما نجح في روسيا سينجح في ألمانيا و فرنسا و أمريكا و الصين و أوستراليا . ما كان صحيحا للثورة البرجوازية في روسيا سيكون صحيحا بالنسبة للثورة البروليتارية العالمية . التطبيق الوحشي لصيغة واحدة مكتشفة دار في حلقة تدور حول الذات دون أن يعطلها اختلاف الوقت و الظروف , و اختلاف درجات التطور و المعايير الثقافية , و لا اختلاف الأفكار أو البشر . في لينين ظهر إلى النور الوضوح الهائل لعصر الآلة في السياسة , فقد كان "تقنيا" , "مبتكرا" , للثورة , ممثلا للإرادة كلية القدرة ( مطلقة القدرة ) للزعيم . كل الخصائص الأساسية للفاشية وجدت في عقيدته , و إستراتيجيته , في "تخطيطه" الاجتماعي , و فن تعامله مع البشر . لم يتمكن من أن يرى المعنى الثوري العميق لرفض السياسات الحزبية التقليدية من قبل اليسار . لم يستطع أن يفهم الأهمية الفعلية للحركة السوفيتية بالنسبة للتوجه الاشتراكي للمجتمع . لم يتعلم أبدا أن يعرف الشروط المسبقة لتحرير العمال . السلطة , القيادة , القوة , التي تمارس من جهة أولى , و التنظيم , الكوادر و الخضوع من الجهة الأخرى – هكذا كان تفكيره . الانضباط و الديكتاتورية كانت هي الكلمات الأكثر ترددا في كتاباته . من المفهوم عندها لماذا لم يستطع أن يفهم و لا أن يقدر أفكار و أفعال "اليسار المتطرف" , الذي لم يقبل إستراتيجيته و الذي طالب بالشيء الأكثر وضوحا و الأكثر ضرورة للنضال الثوري في سبيل الاشتراكية , أي أن يقبض العمال مرة واحدة و إلى الأبد على مصيرهم بأيديهم .
4
أن يأخذوا مصيرهم بأيديهم – هذه الكلمة المحورية في كل مسائل الاشتراكية – كانت القضية الحقيقية في كل النقاشات بين اليساريين "المتطرفين" و البلاشفة . الاختلاف حول مسألة الحزب وازاه الاختلاف حول مسألة النقابات . كان اليسار "المتطرف" يرى أنه لم يعد هناك أي مكان للثوريين في النقابات , و أنه من الضروري أن يقوموا بتطوير أشكالهم التنظيمية الخاصة داخل المعامل , في أماكن العمل العادية . لكن بفضل سلطتهم التي لم يكسبوها كان البلاشفة قادرين حتى في الأسابيع الأولى من الثورة الألمانية على دفع العمال من جديد إلى النقابات الرأسمالية الرجعية . لكي يحارب اليسار "المتطرف" , و لكي يدينه على أنه رجعي و مضاد للثورة , استخدم لينين مرة أخرى صيغه الميكانيكية . في هذا النقاش ضد مواقف اليسار لم يشر إلى النقابات الألمانية بل إلى التجربة النقابية للبلاشفة في روسيا . أنه في البدايات الأولى كانت النقابات ذات أهمية قصوى للنضال الطبقي البروليتاري , هذه حقيقة مقبولة عموما . كانت النقابات في روسيا فتية و قد بررت حماسة لينين لها . لكن الوضع كان مختلفا جدا في بقية مناطق العالم . بينما كانت مفيدة و تقدمية في بداياتها , فإن النقابات في البلدان الرأسمالية الأقدم تحولت إلى عقبات في طريق تحرير العمال . تحولت إلى أدوات للثورة المضادة , و استخلص اليسار الألماني استنتاجاته تلك من هذا الوضع المختلف ( المتغير ) .
لينين نفسه لم يستطع أن يتمالك نفسه عن القول أنه مع مرور الوقت تطورت طبقة من "النقابيين الصارمين , ذوي التوجه الإمبريالي , المتعجرفين , العاجزين , المغرورين , نصف البرجوازيين , المرتشين , أو أرستقراطية منهارة المعنويات للعمال" . هذه النقابة الفاسدة , هذه العصابة القيادية , تحكم اليوم الحركة النقابية العالمية و تعيش على ظهور العمال . كانت هذه الحركة النقابية التي تحدث عنها اليسار "المتطرف" عندما طالب بالخروج منها . لكن لينين أجاب بديماغوجية بالإشارة إلى الحركة النقابية الفتية في روسيا التي لم تكن تشترك في نفس طبيعة النقابات التي أسست قبلها بوقت طويل في بقية البلدان . مستخدما تجربة محددة في فترة زمنية محددة و تحت ظروف محددة , اعتقد أنه من الممكن أن يستخلص منها استنتاجات ذات تطبيق عالمي . لقد قال أنه يجب على الثوري دائما أن يكون حيث تكون الجماهير . لكن في الواقع أين هي الجماهير ؟ في مكاتب النقابات ؟ في اجتماعات الأعضاء ؟ في الاجتماعات السرية للقيادة مع الممثلين الرأسماليين ؟ لا , توجد الجماهير في المعامل , في أماكن عملها , و لذلك من الضروري أن نقوي تعاونها و نقوي تضامنها ( هناك ) . إن منظمة المعمل , نظام المجلس , هو المنظمة الحقيقية للثورة , التي يجب أن تحل مكان كل الأحزاب و النقابات .
في منظمات المعامل لا يوجد مكان لقيادة محترفة , و لا طلاق بين القادة ( الزعماء ) و الأتباع , لا تمايز فئوي أو طبقي بين المفكرين و بين الكوادر من العمال و لا توجد أرضية مناسبة للفردية , للمنافسة , لانهيار المعنويات , للفساد , للعجز و للتحفظ ( المحافظة ) . هنا يجب على العمال أن يأخذوا مصيرهم في أيديهم .
لكن لينين فكر على العكس من ذلك . أراد أن يحافظ على النقابات , أن يغيرها من الداخل , أن يطرد الموظفين الاشتراكيين الديمقراطيين و يستبدلهم بموظفين بلاشفة . أن يستبدل بيروقراطية سيئة بأخرى جيدة . السيئة هي التي تربت في ظل الديمقراطية الاشتراكية و الجيدة تربت في ظل البلشفية .
20 عاما من الخبرة في هذه الأثناء أثبتت غباء فكرة كهذه . منفذين نصيحة لينين , حاول الشيوعيون كل و مختلف الأساليب لإصلاح النقابات . كانت النتيجة صفرا . و محاولة تشكيل نقاباتهم الخاصة كانت فاشلة أيضا . المنافسة بين عمل النقابات الاشتراكية الديمقراطية و البلشفية كانت منافسة على الفساد . و استنفذت الطاقات الثورية للعمال في هذه العملية . عوضا عن التركيز على النضال ضد الفاشية انخرط العمال في تجارب لا معنى لها و بلا أية نتيجة لحساب ( لصالح ) البيروقراطيات المختلفة . فقدت الجماهير ثقتها في نفسها و في منظمات"ها" . شعروا أنهم قد خدعوا و تعرضوا للخيانة . أساليب الفاشية , بأن توجه ( تأمر ) العامل في كل خطوة من خطواته , بأن تعيق إيقاظ مبادرته الذاتية , أن تخرب أي بداية للوعي الطبقي عنده , أن تضعف معنويات الجماهير من خلال الهزائم التي لا تحصى و تجعلها عاجزة – كل هذه الأساليب كانت قد طورت بالفعل في العشرين عاما من العمل في النقابات بما يتوافق مع المبادئ البلشفية . كان انتصار الفاشية سهلا لأن قادة العمال في النقابات و الأحزاب أعدوا لهم مسبقا المادة البشرية القادرة على أن تتلائم مع المخطط الفاشي للأشياء ( النظام الفاشي للأشياء ) .
5
حول مسألة البرلمانات أيضا , ظهر لينين في دور المدافع عن مؤسسة سياسية منحطة ( في حالة أو طور الانحطاط ) و التي أصبحت عقبة أمام أي تطور سياسي جديد و خطرا على الانعتاق البروليتاري . قاتل اليساريون "المتطرفون" البرلمانية بكل أشكالها . و رفضوا المشاركة في الانتخابات و لم يحترموا أيضا قرارات البرلمانات . لكن لينين كرس ( خصص ) جهدا كبيرا للنشاطات البرلمانية و منحها أهمية كبيرة . أعلن اليسار "المتطرف" البرلمانية على أنه قد فات زمانها حتى كمنبر للدعاية , و رأى فيها مصدرا مستمرا فقط للفساد السياسي لكل من البرلمانيين و العمال . و أنها قد أدت إلى تبلد الوعي و الاتساق الثوري عند الجماهير بخلقها أوهاما عن إصلاحات قانونية , و في مناسبات حرجة تحول البرلمان إلى سلاح للثورة المضادة . كان يجب تدميره أو حيثما كان هذا ممكنا تخريبه . ما يزال التقليد البرلماني يحتل مكانا في الوعي البروليتاري , يجب محاربته .
لتحقيق هذا التأثير المعاكس , لجأ لينين إلى خدعة التفريق ( التمييز ) بين المؤسسات الملغية ( التي تجاوزها الوقت ) تاريخيا و سياسيا . فقد قال بأن البرلمانية قد فات وقتها تاريخيا من دون أي شك , لكن ليس سياسيا , و أنه على المرء أن يستمر بالاعتماد عليها . يجب على المرء أن يشارك فيها لأنها ما تزال تلعب دورا سياسيا .
يا لها من حجة ! الرأسمالية أيضا قد فات زمانها تاريخيا و لكن ليس سياسيا . وفقا لمنطق لينين من المستحيل محاربة الرأسمالية بطريقة ثورية . عوضا عن ذلك يجب البحث عن مساومة ما معها . الانتهازية , المقايضة , المساومة السياسية البارعة – هكذا ستكون نتيجة تكتيكات لينين . الملكية أيضا قد جرى تجاوزها تاريخيا لكن ليس سياسيا . وفق لينين ليس للعمال الحق في أن يتخلصوا منها بل يجب عليهم أن يجدوا حلا وسطا معها . نفس القصة ستكون صحيحة أيضا فيما يتعلق بالكنيسة , التي تقادمت تاريخيا لكن ليس سياسيا . أكثر من ذلك , ينتمي الشعب بجماهيره الكبيرة إلى الكنيسة . كثوري , أشار لينين إلى أنه على المرء أن يكون حيث تكون الجماهير . انطلاقا من ضرورة أن يبقى منسجما مع نفسه فإن هذا يلزمه بالقول : "ادخل الكنيسة , إن هذا واجبك الثوري !" . أخيرا هناك الفاشية أيضا . يوما ما , ستكون الفاشية قد تقادمت تاريخيا لكنها ماتزال موجودة سياسيا . ما العمل حينئذ ؟ أن نقبل بالواقع و نبحث عن مساومة مع الفاشية . وفق منطق لينين فإن التحالف بين ستالين و هتلر يوضح فقط أن ستالين بالفعل هو أفضل أتباع لينين . و لن يكون مفاجئا على الإطلاق لو أن العناصر البلشفية في المستقبل القريب ستعتبر التحالف بين موسكو و برلين على أنه التكتيك الثوري الوحيد الحقيقي .
موقف لينين من مسألة البرلمانية هو فقط توضيح إضافي لعجزه عن فهم الحاجات و الخصائص الضرورية للثورة البروليتارية . كانت ثورته ثورة برجوازية بالكامل , عبارة عن نضال في سبيل الغالبية , في سبيل مناصب حكومية , و للاستيلاء على الماكينة القانونية . لقد اعتقد في الواقع بأنه من الضروري أن يكسب كثيرا من الأصوات في الحملات الانتخابية , و أن تكون هناك مجموعة بلشفية قوية في البرلمانات , لتساعد في تقرير شكل و مضمون القوانين ( التشريع ) , و لتشارك في الحكم السياسي . لم يلاحظ إطلاقا أن البرلمانية اليوم هي مجرد كذبة , محاولة فارغة لجعل الناس يؤمنون ( يعتقدون , بالنظام ) , و أن السلطة الحقيقية في المجتمع البرجوازي توجد في مكان مختلف تماما , و أنه رغم كل الهزائم البرلمانية الممكنة ستبقى البرجوازية تمتلك وسائل كافية لتعزيز إرادتها و مصالحها في المجالات خارج البرلمانية . لم ير لينين التأثير المحبط للبرلمانية على الجماهير , و لم يلاحظ تسمم الأخلاق العامة من خلال الفساد البرلماني . كان السياسيون البرلمانيون المرتشون و الذين تم شراؤهم و أجبروا على الإذعان ( الخضوع ) خائفين على مداخيلهم ( رواتبهم ) . كان هناك وقت في ألمانيا ما قبل الفاشية عندما كان الرجعيون في البرلمان قادرين على تمرير أي قانون فقط بمجرد التهديد بحل البرلمان . لم يكن هناك أي شيء أكثر إثارة للرعب للسياسيين البرلمانيين من مثل هذا التهديد الذي يعني نهاية لمداخيلهم السهلة . ليتجنبوا مثل هذه النهاية يمكنهم أن يقولوا نعم لأي شيء . و كيف هو الحال اليوم في ألمانيا , في روسيا و إيطاليا اليوم ؟ العبيد البرلمانيون هم من دون أي رأي , من دون إرادة , و ليسوا أكثر من خدم راغبين لأسيادهم الفاشيين .
لا توجد قضية منحطة ( متحللة , تعرضت للانحطاط ) و فاسدة مثل مسألة البرلمانية . لكن لماذا لم توقف البروليتاريا هذا التراجع لأداة سياسية استخدمت ذات يوم لصالحها ( في سبيل أغراضها ) ؟ أن تنهي البرلمانية بفعل ثوري واحد بطولي هو أكثر فائدة و تثقيفا بكثير للوعي البروليتاري من المسرح البائس الذي انتهت إليه البرلمانية اليوم في المجتمع الفاشي . لكن موقف كهذا كان غريبا جدا عن لينين , و هو غريب أيضا اليوم عن ستالين . لم يهتم لينين بحرية العمال من العبودية الفكرية و الجسدية ( المادية ) , لم يكترث بالوعي الزائف للجماهير و باغترابها الذاتي الإنساني . كل المشكلة بالنسبة له لم تكن سوى مسألة سلطة . كان يفكر مثل البرجوازية بعبارات الربح و الخسارة , أكثر أو أقل , الدين و الائتمان , و كانت كل حساباته التي تشبه حسابات رأس المال ( البزنس ) تتعامل فقط مع أشياء خارجية : أرقام العضوية , عدد الأصوات , مقاعد البرلمان , المناصب ( مراكز ) المسيطرة . كانت ماديته مادية برجوازية , تتعامل مع الآليات , و ليس مع الكائنات البشرية . لم يكن قادرا في الواقع على أن يفكر بتعابير اجتماعية تاريخية . البرلمان بالنسبة له هو برلمان , مفهوم مجرد في الفراغ , يحمل نفس المعنى في كل الشعوب , في كل الأوقات . لقد أدرك بالفعل أن البرلمان قد مر بمراحل مختلفة و أشار إلى هذا في مناقشاته , لكنه لم يستخدم هذه المعرفة في نظريته و ممارسته . اختبأ في جدالاته دفاعا عن البرلمانية خلف البرلمانات الرأسمالية المبكرة في مرحلة صعود الرأسمالية , لكي لا تنفذ منه حججه . و حتى عندما هاجم البرلمانات القديمة فقد فعل ذلك من الموقع الأفضل للبرلمانات الفتية و التي كانت قد اختفت منذ وقت طويل . باختصار , لقد قرر لينين أن السياسة هي فن الممكن . لكن السياسة بالنسبة للعمال هي فن الثورة .
6
يبقى أمامنا أن نتعامل مع موقف لينين من مسألة المساومات . أثناء الحرب العالمية الأولى جرى بيع الاشتراكية الديمقراطية الألمانية للبرجوازية . على الرغم من هذا و على الضد من رغبتها فقد ورثت هذه الاشتراكية الديمقراطية الثورة الألمانية . أصبح هذا ممكنا إلى حد كبير بمساعدة روسيا , التي ساهمت بنصيبها في قتل الحركة المجالسية الألمانية . هذه القوة ( السلطة ) التي هبطت في حضن الاشتراكية الديمقراطية لم تستخدمها في أي شيء . قامت الاشتراكية الديمقراطية ببساطة بتجديد سياساتها القديمة في التعاون الطبقي , راضية بتقاسم السلطة على حساب العمال مع البرجوازية في مرحلة إعادة بناء الرأسمالية . واجه العمال الألمان الراديكاليون هذه الخيانة بهذا الشعار : "لا مساومة مع الثورة المضادة" . نحن هنا أمام حالة محددة , وضع محدد , يتطلب قرارا واضحا . لكن لينين العاجز عن إدراك القضايا الحقيقية التي هي موضع الاهتمام , جعل من هذه المسألة المحددة ( الخاصة ) الملموسة مشكلة عامة . بسمو جنرال و عصمة كاردينال , حاول لينين أن يقنع اليساريين "المتطرفين" بأن المساومات مع الخصوم ( الأعداء ) السياسيين تحت كل الظروف هو واجب ثوري . إذا قرأ المرء اليوم تلك المقاطع من كراس لينين عن المساومات , سيجد نفسه و هو يقارن ملاحظات لينين في عام 1920 بسياسة المساومات الستالينية الحالية . لا يوجد أي خطأ قاتل في البلشفية لم يصبح واقعا بلشفيا تحت حكم لينين .
بحسب لينين , يجب على اليساريين "المتطرفين" أن يكونوا مستعدين لتوقيع معاهدة فرساي . لكن الحزب الشيوعي , بالتوافق مع لينين , قام بمساومة و احتج ضد معاهدة فرساي بالتعاون مع الهتلريين . "البلشفية القومية" التي قامت بالدعاية في عام 1919 في ألمانيا من قبل اليساري لاوفينبرغ كانت في رأي لينين "سخف يصرخ طالبا بالجنة" . لكن راديك و الحزب الشيوعي – مرة أخرى بالتوافق مع مبدأ لينين – قاموا بمساومة مع القومية الألمانية , و احتجوا ضد فساد حوض الروهر و احتفلوا بالبطل القومي شلاغتر . عصبة الأمم كانت و بكلمات لينين نفسه , "عصابة من اللصوص و قطاع الطرق الرأسماليين" , الذين يجب على العمال أن يقاتلوهم حتى النهاية . لكن ستالين – بما يتوافق مع تكتيكات لينين – قام بمساومة مع نفس قطاع الطرق هؤلاء , دخل الاتحاد السوفيتي بموجبها العصبة . فكرة "القوم" أو "الشعب" برأي لينين هي تنازل إجرامي لإيديولوجيا الثورة المضادة للبرجوازية الصغيرة . هذا لم يمنع اللينينين , ستالين و ديميتروف , من القيام بمساومة مع البرجوازية الصغيرة لكي يبدؤوا حركة "جبهة شعبية" فظيعة . كانت الإمبريالية بالنسبة للينين أكبر أعداء البروليتاريا العالمية , و يجب حشد كل القوى ضدها . لكن ستالين , أيضا بطريقة لينينية صحيحة , منشغل اليوم كلية في طبخ تحالف مع إمبريالية هتلر . هل من الضروري أن نعطي أمثلة أكثر ؟ تعلم التجارب التاريخية أن كل المساومات بين الثورة و الثورة المضادة تخدم الأخيرة فقط . إنها تؤدي إلى إفلاس الحركة الثورية . كل سياسات المساومات هي سياسات الإفلاس . ما يبدأ فقط بمساومة مع الاشتراكية الديمقراطية الألمانية سينتهي بالمساومة مع هتلر . ما برره لينين على أنها مساومة ضرورية وجد نهايته عند ستالين . في تشخيصه لسياسة اللا مساومات الثورية "كمرض طفولي في الشيوعية" كان لينين يعاني من مرض العصر القديم للانتهازية , للشيوعية الكاذبة ( المزيفة ) .
7
إذا نظر المرء بعيون منتقدة إلى صورة البلشفية التي يقدمها كراس لينين , فيمكنه عندها إدراك النقاط الرئيسية التالية كخصائص مميزة للبلشفية :
1 – البلشفية عقيدة قومية . وضعت في الأصل و بالضرورة لتحل مشكلة قومية , و رفعت فيما بعد إلى مصاف نظرية و ممارسة ذا منظور عالمي و إلى عقيدة عامة . تتضح طبيعتها القومية أيضا في موقفها من النضال في سبيل الاستقلال القومي للشعوب المضطهدة .
2 – البلشفية هي نظام سلطوي . حيث ذورة الهرم الاجتماعي هي النقطة الأكثر أهمية و حسما . تتجسد السلطة في الشخص كلي القدرة ( مطلق القدرة ) . في أسطورة الزعيم ( القائد ) تحتفل الشخصية البرجوازية المثالية بانتصارها الأعلى .
3 – أما تنظيميا فإن البلشفية شديدة المركزية . للجنة المركزية كامل المسؤولية عن كل المبادرات , القيادة , الإشراف , توجيه الأوامر . كما في الدولة البرجوازية يلعب الأعضاء القادة في المنظمة دور البرجوازية , أما دور العمال الوحيد فهو إطاعة الأوامر .
4 – تمثل البلشفية سياسة كفاحية في سبيل السلطة . مهتمة حصريا بالسلطة السياسية , إنها لا تختلف عن أشكال الحكم في الدولة البرجوازية التقليدية . حتى في تنظيمها لا يتمتع الأعضاء بحقهم في تقرير مصيرهم . يخدم الجيش الحزب كنموذج هائل للتنظيم .
5 – إن البلشفية ديكتاتورية . من خلال العمل عبر قوة همجية و عبر إجراءات إرهابية , فإنها توجه كل وظائفها نحو قمع كل المؤسسات و الآراء غير البلشفية . إن "ديكتاتورية بروليتاريتها" هي ديكتاتورية البيروقراطية أو ديكتاتورية شخص واحد .
6 – البلشفية هي أسلوب ميكانيكي . إنها تدعو إلى تعاون أوتوماتيكي , توافق مضمون تقنيا , و إلى أكثر توليتارية فعالة كهدف لنظامها الاجتماعي . الاقتصاد "المخطط" مركزيا يخلط بشكل واعي المشاكل التنظيمية – التقنية بالمسائل الاقتصادية – الاجتماعية .
7 – البنية الاجتماعية للبلشفية هي ذات طبيعة برجوازية . إنها لا تلغي نظام العمل المأجور و ترفض تقرير البروليتاريا بنفسها لنتاج عملها . هكذا فإنها تبقى داخل الإطار الطبقي للنظام الاجتماعي البرجوازي . إنها الرأسمالية المستدامة ( و قد جرى تأبيدها ) .
8 – تكون البلشفية عاملا ثوريا فقط في إطار ثورة اجتماعية . غير قادرة على فهم النظام السوفيتي , فهي لذلك غير قادرة بالضرورة على أن تحول بنية المجتمع البرجوازي و اقتصاده . إنها لا تقيم الاشتراكية بل راسمالية الدولة .
9 – ليست البلشفية جسرا يقود في النهاية نحو مجتمع اشتراكي . فمن دون النظام السوفيتي , من دون ثورة راديكالية شاملة للبشر و الأشياء , لا يمكنها أن تحقق أكثر المطالب الاشتراكية ضرورة , لتنهي الاغتراب الذاتي الإنساني الرأسمالي . إنها تمثل آخر مرحلة من المجتمع البرجوازي و ليست الخطوة الأولى نحو مجتمع جديد .
تمثل هذه النقاط التسعة تناقضا لا يمكن جسره ( حله ) بين البلشفية و الاشتراكية . إنها تستعرض بكل وضوح الطبيعة البرجوازية للحركة البلشفية و علاقتها الوثيقة بالفاشية . القومية , السلطوية , المركزية , ديكتاتورية القائد ( الزعيم ) , سياسات السلطة , الحكم الإرهابي , الديناميات الميكانيكية , العجز عن أن تصبح اشتراكية – كل هذه الخصائص الأساسية للفاشية وجدت و لا زالت موجودة في البلشفية . إن الفاشية هي نسخة فقط عن البلشفية . لهذا السبب فإن النضال ضد أحدهما يبدا بالنضال ضد الأخرى .

نقلا عن http://www.marxists.org/archive/ruhle/1939/ruhle01.htm

• تعليق المترجم : هذا نص هام جدا في تحليل الظاهرة اللينينية – التروتسكية – الستالينية , المسماة بالبلشفية و قد ترجم مرارا في مراحل تاريخية مختلفة تميزت بصعود النضال الذاتي المستقل للطبقة العاملة في أوروبا و أمريكا و خارجها , كتب النص عام 1939 و هو يترجم للعربية عام 2011 , يمكن إذن فهم كم نحن متأخرون في محاولتنا لاكتشاف و فهم تعدد المقاربات الفكرية و السياسية داخل الحركة العمالية العالمية , خاصة التيارات الثورية التحررية المناهضة للتيار السلطوي الذي كان سائدا فيها في أغلب مراحل القرن العشرين ! أعتقد أيضا أن العنوان , و الاستنتاج الذي انتهى إليه أوتو راهل ( احد اكثر الشخصيات ثورية و استقلالية في الحركة العمالية الألمانية بعد الحرب العالمية الأولى و في حزب العمال الشيوعي الألماني و من ثم المنظمات النقابية التحررية الكفاحية قبل و أثناء صعود النازية للحكم ) ينطبق إلى حد كبير على وضعنا اليوم , أن نقد الستالينية , الشكل الأرقى للبلشفية , و التي تحمل كل صفات الديكتاتوريات العربية التي تواجهها جماهيرنا اليوم , هو اليوم ( خاصة على مستوى اليسار العربي و لا سيما اليسار العربي الجديد ) شرط ضروري لنقد الستالينية العربية , المتمثلة في الأنظمة الشمولية , و التي منها نظام بشار الأسد في سوريا و القذافي في ليبيا , بل لعل النقد العميق من وجهة نظر راديكالية حقيقية مرتبطة بالجماهير لظواهر مثل الأصولية و التي تحمل صفات مشتركة شمولية أو توليتارية الطابع مع الستالينية أو البلشفية , يتطلب أيضا نقدا صريحا لكل هذه الصفات المعادية لحرية الجماهير و المعادية للنشاط و التنظيم الذاتي المستقل للجماهير المشتركة بين هذه التيارات الشمولية , بالنسبة لي كشيوعي تحرري سوري , فإن نقد البلشفية , الستالينية أو التوليتارية الأم , ضروري لنقد النظام السوري , النظام التوليتاري لرأسمالية دولة بشار – ماهر الأسد – آصف شوكت , إن نقد ستالين سوريا الهزيل و تحطيم أصنامه الفكرية و الواقعية يبدأ بالنسبة لي بنقد ستالين الأصل , الصورة الأصلية لكل ستالين ظهر أو قد يظهر , يبقى من الضروري الإشارة إلى أن بعض أفكار راهل التي تعبر عن الشيوعية المجالسية قد نقدت أيضا من الشيوعيين التحرريين , انظر ترجمة مقال علاقة الماركسية التحررية باللاسلطوية ( الأناركية ) للاسلطوي الأمريكي واين برايس http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=248343



https://www.ahewar.org/lc
مركز دراسات وابحاث الماركسية واليسار