كيف يتعامل الاعلام المصرى مع تحديات العولمة؟

سعد هجرس

2009 / 3 / 17

هذا السؤال هو العنوان الرئيسى لهذه الجلسةن تحت العنوان الفرعى لحلقتنا النقاشية بأكملها، والذى يطرح سؤالاً ثانياً عن "دور الإعلام فى تعزيز العمل اللائق ونشر الوعى بالتحولات الاقتصادية والاجتماعية".
والسؤالان – الرئيسى والفرعى – يشملان ضمناً تساؤلات أخرى متعددة حول كثير من الاشكاليات النظرية والعملية المتعلقة بأكثر من مجال، سياسى واقتصادى ومعرفى واجتماعى ومهنى، لكل مجال منها استقلاليته النسبية لكنها – تقاطع وتتشابك وتتداخل كلها بالضرورة وتتبادل التأثر والتأثير.
ولنبدأ بمنطوق السؤال الرئيسى: كيف يتعامل الاعلام المصرى مع تحديات العولمة؟
فى محاولة الاجابة على هذا السؤال تجدر الاشارة أولاً إلى أن "الإعلام المصرى" ليس وحدة متجانسة ولا يمكن وضعه كله فى سلة واحدة، لأنه يعبر عن "تعددية" تغطى مجال الطيف الفكرى والسياسى والمهنى.
وفى ظل هذه التعددية يصعب تقديم إجابة "واحدية" للسؤال المطروح، فليس هناك كيفية واحدة لـ "التعامل" مع تحديات العولمة، وإنما توجد العديد من المناهج والرؤى المتنوعة والمختلفة.. بل والمتناقضة.
لكن يمكن وضعها كلها ثلاث فئات رئيسية:
الفئة الأولى: تنظر إلى العولمة باعتبارها "مؤامرة" غربية، استعمارية، هدفها تدمير ما تبقى لبلدان العالم الثالث – وبالذات البلدان العربية والإسلامية – من مقدرات وإمكانات.
والفئة الثانية: تنظر إلى نفس الظاهرة باعتبارها تتويجاً لمسار "حتمى" للبشرية بأسرها، ينبغى السير فى ركابه والتأقلم مع متطلباته، وأيضاً دفع استحقاقاته، ثمناً للبقاء، وتجنباً للانقراض.
أما الفئة الثالثة: فلم تنظر إلى العولمة باعتبارها شيطاناً ولا ملاكاً، وإنما نظرت إليها بوصفها "عملية تاريخية" فى مرحلة التشكل، وأن هذه العملية تنطوى على "فرص" مثلما تحمل "تحديات"، وأن الموقف منها – بالتالى – لا يجب أن يكون موقف "السمع والطاعة" ولا موقف "الإنكار" و"الإعراض"، وإنما يجب أن يكون موقفاً "نضالياً" إذا جاز التعبير، بخلق أوسع تحالف ممكن من أجل التأثير فى مسارها – الذى لا يزال موضع التشكل – فى محاولة تعظيم الاستفادة من "فرصها" وتحجيم من طر "تحدياتها".
وهذه الفئة الثالثة لا تنظر – بالتالى – إلى العولمة كما لو كانت قضية مسلماً بها، أو قضاء وقدراً لا يمكن الحيلولة دون وقوعه ولا يمكن سوء الرجاء باللطف فيه وفى مصائبه.
وكما لا تنظر إليها على أنها "نقمة" مطلقة، فإنها لا تنظر إليها – بالمقابل – كما لو كانت "نعمة" مطلقة.
بل إنها – حتى – لا تنظر إليها كمسألة واحدة. بل ترى أن هناك "عولمتان" إذا جاز التعبير.
عولمة متوحشة: عنوانها "دافوس"، منتجع الجليد وأممية رأس المال ومقر الحكومة الخفية للكرة الأرضية، والمحل المختار لمجلس إدارة العالم الحقيقى.
وعولمة بديلة: عنوانها "بيليم"، مدينة المانجو وبوابة الأمازون، خلقاً لبورتو ألليجرى بالبرازيل، حيث يلتئم المنتدى الاجتماعى العالمى الذى يضم أكثر من عشرة آلاف من منظمات المجتمع المدنى من سائر أنحاء الدنيا تطرح أجندة مناقضة تماماً لجدول الاعمال الذى يبحثه منتدى دافوس فى نفس الوقت.
وهذه "العولمة البديلة" ليست مجرد مجموعة تزيد أو تقل من منظمات المجتمع المدنى من سائر القارات، وإنما هى بمثابة تيار عريض له روافد كثيرة تتنوع أشكالها وأهدافها، لكنها تتفق على رفض الأجندة المتغطرسة للعولمة المتوحشة التى تعبر عن طموحات وأطماع "اللنيوليبرالية" و"المحافظين الجدد" بسياساتهم الأكثر يمينية داخلياً والأكثر عدوانية ومغامرة خارجياً.
بل إننا لاحظنا فى السنوات الأخيرة دعماً لهذه "العولمة البديلة" من جانب محافل ومنظمات دولية مهمة، ربما يكون من أهمها "إعلان منظمة العمل الدولية بشأن العدالة الاجتماعية من أجل عولمة عادلة، وهو الاعلان الذى اعتمده مؤتمر العمل الدولى فى دورته السابعة والتسعين، المنعقدة فى جنيف، فى 10 يونيه 2007.
وكما يقول حوان سومافيا، المدير العام لمنظمة العمل الدولية، فإن "هذا الاعلان يأتى فى فترة سياسة حاسمة ويعكس توافق الآراء الواسع حول الحاجة إلى بعد اجتماعى متين للعولمة لتحقيق نواتج محسنة ومنصفة للجميع. وهو يشكل إطاراً للنهوض بعولمة عادلة قائمة على العمل اللائق، وأداة عملية لتسريع التقدم فى تنفيذ برنامج العمل اللائق على المستوى القطرى. وهو يعكس أيضاً نظرة استشرافية منتجة من خلال تسليط الضوء على أهمية المنشآت المستدامة فى خلق المزيد من العمالة وفرص كسب الدخل للجميع".
وليس "إعلان منظمة العمل الدولية بشأن العدالة الاجتماعية من أجل عولمة عادلة" هو المبادرة الدولية الوحيدة، بل سبقته ولحقته مبادرات أخرى تصب فى نفس الاتجاه، منها على سبيل المثال إعلان مؤتمر القمة العالمى للأمم المتحدة المنعقد عام 2005 الذى أكد على ضرورة دعم ما أسماه بـ "العولمة المنصفة".
وأهمية التركيز على أن هناك "عولمتان" – وليس عولمة واحدة – لا تعود فقط إلى ضرورة التمييز بين اتجاهات مختلفة ومتعارضة داخل هذه العملية التاريخية، المستندة إلى أسس موضوعية أفرزت ظاهرة العولمة، تتمثل أساساً فى الثورة المعلوماتية ثالث ثورة تعرفها البشرية بعد ثورة الزراعة وثورة الصناعة..
وأما تعود أيضاً إلى أن مقاومة العولمة المتوحشة لا يمكن أن تنجح إلا على نطاق "معولم" أيضاً للأسباب الموضوعية ذاتها.
وهذا ينقلنا مباشرة إلى الإعلام، وبخاصة إلى ما يسميه البعض بـ "الإعلام المعولم".
وفى حديثى عن هذا "الاعلام المعولم" سأعتمد بصورة أساسية على دراسة مهمة للباحث المحترم الدكتور محمد شومان نقوم فرضيتها الأساسية على أن "آليات العولمة ومظاهرها على الصعيد الاعلامى ممثلة فى التطور التكنولوجى السريع والمتواصل أدى لانتشار البث المباشر الذى قلص من قدرة الدول والحكومات العربية على التحكم فى المضامين والأشكال الاعلامية التى تصل إلى مواطنيها، وقد ترافق مع هذا التطور التكنولوجى تنامى قطاع الاعلام والمعلومات والترفيه واندماجها وتحولها إلى صناعة عملاقة تتحكم فيها ونفوذها مجموعة من الشركات متعددة الجنسيات. وقد ظهر الاعلان والترويج لثقافة الاستهلاك كآلية عملاقة لتمويل تلك الصناعة وتشغيلها، مما يخلق تحديات هائلة – ثقافية وسياسية واقتصادية – أمام الشعوب العربية".
وفى سياق هذه الفرضية سعى الباحث إلى رصد الآثار المتبادلة بين عولمة الاعلام على الصعيد الدولى والنظام الاعلامى العربى بكافة مكوناته.
وعلى هذا الطريق بدأ برصد أهم مكونات وخصائص النظام الاعلامى العربى وحددها فى الآتى:
1- تشابه السياسات الاعلامية ووجود اتجاه قوى لفرض سيطرة وهيمنة الحكومات المركزية على منح التراخيص وممارسة الرقابة بأنواعها، وتوظيف وسائل الاعلام للترويج للسياسة الحكومية.
2- هيمنة دولة على الهياكل المالية لوسائل الاعلام، سواء من خلال الملكية المباشرة أو غير المباشرة.
3- التبعية الاعلامية على مستوى استيراد تكنولوجيا الاتصال والمضامين الاعلامية والأشكال الفنية التى تنتج من خلال البرامج.
4- تشابه الخطاب الاعلامى رغم تنوع الشكلى، فثمة اتفاق على التركيز المتزايد على الشئون المحلية مع إبراز وجهة النظر الحكومية، وتقديم مضامين ترفيهية متشابهة مع تهميش متزايد للمضامين الثقافية والتعليمية.
5- ضعف ومحدودية مشاركة الجماهير (مستقبلون فقط).
6- محدودية دور منظمات العمل الاعلامى العربى التابعة لجامعة الدول العربية.
7- تهميش دور ومكانة الجمعيات والنقابات الخاصة بالعاملين فى وسائل الاعلام (لا وجود لنفايات للاعلامين فى كثير من البلدان العربية).
ويمكن تلخيص كل ذلك بالقول بأن الاعلام العربى – قبل العولمة – يعانى من أوضاع سيئة وصعبة. فماذا فعلت به العولمة؟ هل ألقت به بطوق النجاة أم أنها زادت الطين بلة؟
هناك إجابتان متناقضتان بهذا الصدد.
الأجابة الأولى: نرى أن العولمة هى توسيع للحداثة من نطاق المجتمع إلى نطاق العالم، وأن عولمة الاعلام تدعم التدفق الحر للمعلومات وحق الاتصال وتوفر للجمهور فرصاً غير محدودة لحرية الاختيار بين وسائل الاعلام والمعلومات (أنطونى جيدنز).
والاجابة الثانية: ترفض التعويل على ايجابيات عولمة الاعلام وتنظر إليها باعتبارها نفياً للتعددية الثقافية وتسييداً لقيم الربح والخسارة وآليات السوق فى مجالات الاعلام والاتصال والمعلومات، وتقويض سلطة الدولة لصالح الشركات الاحتكارية متعددة الجنسيات (هربرت شيللر صاحب الاسهامات المهمة عن الامبريالية الثقافية، التى يؤكد فيها أن التكتلات الرأسمالية عابرة الجنسيات تستخدم وسائل الاعلام كحافز للاستهلاك عبر إدخال قيم أجنبية تطمس أو تزيل الهويات القومية أو الوطنية).
ولدينا أيضاً الأفكار المهمة لناعوم تشومسكى التى تؤكد أن عولمة الاعلام هى الزيادة الضخمة فى الاعلان، خاصة الاعلان عن السلع الأجنبية.. والتى العولمة هى التوسع فى التعدى على القوميات من خلال شركات عملاقة شاملة ومستبدة يحركها أولاً الاهتمام بالربح وتشكيل الجمهور وفق نمط خاص، بحيث من الجمهور أسلوب حياة قائم على حاجات مصطنعة، مع تجزئة الجمهور، وفصل كل فرد عن الآخر، بحيث لا يدخل الجمهور الساحة السياسة، ويزعج أو يهدد النظام الحاكم أو السيطرة على المجتمع).
وبتطبيق ذلك على الاعلام العربى بعد تعرضه لرياح العولمة يخلص الدكتور محمد شومان إلى القول بأن "عولمة الاعلام اثرت فى النظام الاعلامى العربى بطريقة مركبة وغير متوازنة قياساً بما أحدثته فى كثير من دول العالم وفى مجال اقتصاديات وأنشطة الإعلام.
فبقدر ما أتاحت عولمة الاعلام من فرص للمعرفة وتبادل الأخبار والمعلومات والآراء فى سرعة ودون قيود، بقدر ما أثارت من إشكاليات مثل إشكالية القدرة على تزييف الحقائق وتطور آليات التزييف والدعاية".
ولتوضيح ذلك قام برصد الفرص والمحاذير التى فجرتها تأثيرات عولمة الاعلام فى النظام الاعلامى العربى على النحو التالى:
1- تقليص دور الدولة نتيجة تطور تكنولوجيا الاتصال.. ومن ثم ظهور مجال عام للنقاش بين الشعوب العربية.
2- تركز الملكية والأداء الاعلامى المهنى المحترف والقادر على المنافسة فى عدد محدود من القنوات الفضائية والمواقع الاعلامية على النت.
3- تنامى دور شركات الاعلام متعددة الجنسية فى النظام الاعلامى العربى نتيجة تراجع دور الدولة من جهة، وعولمة الاعلام من جهة ثانية وفى هذا السياق ظهرت العديد من الطبعات العربية لمجلات وصحف تمتلكها شركات إعلامية متعددة الجنسيات، كما تتنافس المجموعة والشركات المسيطرة على أهم الفضائيات العربية على القيام بدور الوسيط أو الوكيل المحلى للعديد من القنوات الأمريكية التى تقدم للمشاهد العربى برامج ومضامين أمريكية بعد ترجمتها.. رغم ما قد يكون بها من تعارض المصالح العربية.
4- تنامى دور الأنشطة الاعلامية والدعائية الأجنبية الناطقة باللغة العربية داخل النظام الاعلامى العربى (الفضائية الإسرائيلية العربية إذاعة سوا الأمريكية التى تبث 24 ساعة يومياً على موجة Fm على ثلاثة أقمار صناعية / قناة الحرة / روسيا اليوم/ BBc العربية/ العالم الإيرانية.. مشروعات لاطلاق Cnn العربية وقناة فرنسية بالعربية..الخ) والأشكال هنا أن هذه القنوات تتمتع بمصادر تمويل قوية ومهنية عالية وخطاب إعلامى جذاب مما سيخلق فاعلا جديداً داخل بنية النظام الاعلامى العربى ينتج ويوزع خطابات دعائية تتعارض بدرجات مختلفة مع مصالح الشعوب العربية.
5- ضعف ومحدودية تأثيرات عولمة الاعلام فى أوضاع الاعلاميين العرب (استمرار تدنى الأجور – حبس الصحفيين – عدم توافر قوانين للمعلومات – الرقابة.. الخ).
6- غير أن ذلك كله لا ينفى حقيقة توسيع الخيارات والبدائل الاعلامية المتاحة أمام الجمهور، حيث وفرت عولمة الاعلام فرصاً هائلة أمام الجمهور للانتقاء بين وسائل الاعلام التقليدية ( صحف – إذاعة – تليفزيون) والحديثة (البث الفضائى الرقمى – الأنترنت – الصحف الالكترونية).
ويختتم الدكتور محمد شومان دراسة المهمة بالقول بأن عولمة الاعلام فرضت نفسها على النظام الاعلامى العربى لكن تأثيرها ظل محدودا لأسباب سياسية، وموزعا من حيث القوة والقدرة على التأثير فى كافة مستويات النظام الاعلامى العربى (تأثير كبير فى مجال الفضائيات مقارنة بالصحافة المطبوعة والأنترنت) وقد نجحت الحكومات العربية- حتى الآن – فى احتواء عملية عولمة الاعلام وتحجيم آثارها، حيث دخلت فى تحالفات مع مجموعات مالية كبيرة تمتلك وتدير أهم الفضائيات، لكن ربما كان التأثير الأكبر للعولمة حتى الآن أنها سمحت بتنامى أدوار فاعلين جدد فى النظام الاعلامى العربى هم الشركات الاعلامية متعددة الجنسيات إضافة إلى وسائل إعلامية ودعائية لدول أجنبية لها مصالح فى المنطقة وتريد التأثير فى الشعوب العربية بما يتفق وسياسياتها، الأمر الذى يشكل تهديداً ينبغى الالتفاف إليه، ليس من خلال الاعتماد على جهود الحكومات العربية بل إن هناك ضرورة لتفعيل دول المجتمع المدنى العربى وتشجيعه – تشريعياً – بالدخول كفاعل رئيسى فى النظام الاعلامى العربى يدافع عن حقوق المواطن العربى فى الاتصال والاعلام على أساس حرية الرأى والتعبير والمساواة، والاستفادة من الفرص التى تتيحها العولمة فى ضرورة مقدمة الاعلام والحوار مع الشعوب والثقافات الأخرى والتصدى لكل محاولات الدعاية التى تستهدف إثارة الكراهية والحروب".
ونفتح هنا قوساً لجملة اعتراضية من "الأصوليات" – والتى أخذت قوة دافعة كأعراض جانبية لاندفاع عربة العولمة – حيث نلاحظ أن الحركات الأصولية تلعب بنشاط لاستغلال تكنولوجيا العولمة من أجل تحقيق اختراق إعلامى مؤثر.
وهذا يعنى أن المواطن العربى الغلبان.. أصبح عقلة محل تنافس بين الأصوليين والحكومات المستفيدة والشركات متعددة الجنسيات والباعة الجائلين وأجهزة الدعاية لدول من الشرق والغرب وبلاد تركب الأفيال!
وبهذه المناسبة يجدر أيضاً أن نفتح قوساً لجملة اعتراضية ثانية عن الشركات متعددة الجنسيات التى ما يزال ا لكثير منا يقللون من شأنها. ويكفى أن نشير إلى أنه حسب احصائيات عام 2005 فإن دولة مثل اندونيسيا يزيد عدد سكانها عن 240 مليون نسمة يبلغ الناتج المحلى الاجمالى لها 175 مليار دولار، وفى نفس العام كان حجم معاملات شركة جنرال موتورز 170 مليار دولار. وأن دخل شركة "سونى" كان 48 مليار دولار بينما كان الناتج المحلى الإجمالى لمصر – بجلال قدرها – 44 مليار فقط، أى ان دخل شركة سونى اكبر من الناتج المحلى الإجمالى لجمهورية مصر العربية بسكانها الذين كانوا يقتربون من الثمانين مليون نسمة!!
المسألة الأخرى التى يجدر ألا تغيب عن بالنا أن ثورة الاعلام أساسها التكنولوجيا، لكن التكنولوجيا لا تعنى "الهارد وير" أو الآلات والمعدات وإنما هى قبل ذلك حالة اجتماعية ذهنية وثقافية وحضارية. أى أن التكنولوجيا مجموعة قيم محملة بجملة من الرموز والتصورات والتمثلات. وتكنولوجيا المعلومات فى هذا السياق ليست مجرد استخدام للكمبيوتر أو شبكة الانترنت فى تحرير الجريدة المطبوعة مثلاً، وإنما هى منظومة متكاملة تشمل الأقمار الصناعية والفضائيات والكوابل المدفونة تحت الأرض والغارقة فى قاع البحار والمحيطات، وقطاع المعلومات، الذى تندمج فيه الآن ثلاث وسائط كانت منفصلة سابقاً وتشهد زواجاً أبدياً فى وقتنا الحاضر هى : التليفون والتليفزيون والكمبيوتر.
وبهذا المعنى بإنه ليست لدينا فى العالم العربى تكنولوجيا معلومات، بل نقل لهذه التكنولوجيا وهذه إشكالية أخرى تتحدث عنها باسهاب أدبيات ما يسمى بـ "التبعية التكنولوجية".
قارن ذلك "بتوطين التكنولوجيا" على يد اليابانيين والكوريين والصينيين الذين أخذوا التكنولوجيا الحديثة من الغرب وزرعوها فى ثقافاتهم الوطنية.
وعندما نتحدث عن توطين التكنولوجيا فإن ذلك ليس من قبيل "الترف" ، بل إن هذه قضية مصيرية تتعلق ببقائنا كأمة متحضرة، فى عالم تتسع فيه الفجوة الرقمية، وغيرها من الفجوات، بصورة رهيبة. ويكفى أن نعلم أن الصحافة الورقية التى نعرفها اليوم مرشحة للانقراض بدءاً من عام 2018.. أى أننا على مرمى حجر.. فهل نقف مكتوفى اليدين ومسلوبى الإرادة أمام هذه التحولات الدراماتيكية؟!




https://www.ahewar.org/lc
مركز دراسات وابحاث الماركسية واليسار