سياسة برجوازية أم سياسة عمالية؟ بقلم: نشرة البوصلة. إحياء للذكرى الثالثة والعشرون لاغتيال المناضل الاشتراكي الثوري عبد الله موناصير، يعيد رفاقه ورفيقاته، في تيار المناضل-ة، تباعا، نشر الرصيد الإعلامي لهذا المناضل.

المناضل-ة
mounadila2004@yahoo.fr

2020 / 5 / 21

كي تضمن استقرار الاستغلال، تعمل البرجوازية بواسطة دولتها لجعل النقابات العمالية تمارس سياسة برجوازية داخل الصفوف العمالية. وهي سياسة تقوم على جعل العمال يقبلون تأبيد عبوديتهم والاكتفاء ببعض التحسينات التي سرعان ما تعصف بها تقلبات اقتصاد السوق.
طالما بقيت النقابات ملتزمة حدود هذا النوع من السياسة فإن الرأسماليين يرتاحون ويتركون النقابات وشأنها. لكن ما أن تبدأ المنظمات العمالية في تلمس طريق سياسة عمالية طبقية حتى يتدخل حراس الرأسمال للتنبيه من مغبة التوغل في هذا الطريق. وهكذا تتعالى الصيحات بأن النقابات تمارس السياسة متخلية عن دورها. وتكون هذه الصيحات إنذارا بإجراءات عملية للحد من فعل النقابات.
منذ تأسيس الكنفدرالية الديموقراطية للشغل، وعبر المعارك التي خاضتها، استمرت محاولات ردعها بتهمة السياسة. وكانت المفاوضات الأخيرة مع الحكومة، بعد تأجيل إضراب 25 فبراير 1994، فرصة أخرى لاستعمال تلك الفزاعة. فإزاء مطلب احترام الحرية النقابية، أعلنت الحكومة عن استعدادها للالتزام الكامل بما تطلبه النقابات بشرط الابتعاد عن السياسة. واقترحت أن تضع النقابات بيانا عن الحرية النقابية وتقوم الحكومة بإعلانه باسمها بشرط أن تلتزم النقابات بما هو في حكم القانون، أي ما يدخل في صلاحية النقابات-النقابة نقابة والسياسة سياسة-.(1)
إن هذا الاقتراح- الفخ يعني في الواقع ما يلي: لنضمن استغلالكم في هدوء واستقرار نترك لكم حرية أن تصنعوا القيد الذي سنتولى نحن أمر إحكامه في أيديكم. فالرأسماليون ليسوا ضد ممارسة النقابات للسياسة، بل هم أول من يشجعها ويدفعها إليها. فقط يريدون سياسة الوفاق الطبقي أي قبول الاستغلال الرأسمالي وتحمل المزيد من التضحيات ليتجاوز الرأسمال ما يعترضه من مشاكل دورية. ويعطي الوصولي عقا الغازي صورة عن السياسيين العماليين الذين لا تنزعج منهم الحكومة ولا تطالبهم بالفصل بين السياسة والنقابة لأن سياستهم نافعة لها.
يلخص عقا الغازي هذه السياسة قائلا: (2) "مرتكزاتنا قائمة على 3 أصعدة
1- الحوار ثم الحوار ثم الحوار
2- تطابق مصالح الطبقة الشغيلة من عمال ومأجورين مع مصالح المقاولات الوطنية، الأمر الذي يجعلنا أصلا نرفض فكرة وفلسفة الصراع الطبقي
3- الحرية الفردية في إطار التضامن، الأمر الذي يجعلنا نرفض بكل قوة الليبرالية الوحشية" لا مجال إذن للنضال، فقط الحوار أي كما يفهمه أولياء نعمته: المماطلة والوعود الكاذبة لربح الوقت وإيهام العمال أن البرجوازية ستتخلى عن طيب خاطر عن مكاسب للعمال.
إن هذه السياسة البرجوازية المعدة للعمال ترمي إلى إفساد وعيهم بطمس تناقض مصلحتهم مع مساعي الرأسمال لشل قدرتهم على النضال وجعلهم طائعين خانعين. إن الهدف هو إطلاق يد الرأسماليين لاستغلال العمال كما يحلو لهم، وهذا هو ما يقصد بالحرية الفردية: حرية استعباد الأغلبية الكادحة من قبل الكمشة المستحوذة على وسائل الإنتاج.
أما التضامن في سياسة عقا الغازي فهو تضامن العمال مع الرأسماليين بالتحلي بالصبر، وتحمل عواقب السياسات التي تضعها البرجوازية للخروج من أزمات اقتصادها مثل ما يسمى بالتقويم الهيكلي. ثم تضامن الرأسماليين مع العمال أي إلقاء بعض الفتات كلما لاح خطر زعزعة استقرار الاستغلال. باختصار إنها سياسة السلم الاجتماعي.
ليس عقا الغازي إلا الوجه الوقح لهذه السياسة، إذ هناك اتجاها أكثر ذكاء ومرونة يعمل لجر العمال إلى سياسة السلم الاجتماعي بحجج مخادعة وماكرة تدعي نصرة الجانب العمالي(راجع مثلا مشروع الميثاق الاجتماعي الذي أعده حزب علي يعته عام 1991). مهما كان فإن الكنفدرالية الديموقراطية للشغل نقابة طبقية كفاحية رفضت مند تأسيسها كل دعوات السلم الاجتماعي.
جاء في البيان التأسيسي لكدش(نوفمبر 1978) " ... جاء شعار " السلم الاجتماعي" كوسيلة تستعملها الطبقات المستغلة لتغطية طبيعة وأسباب الأزمة الحقيقية ولتهدف إلى التخفيض من تعبئة الجماهير العمالية والحد من نضالاتها وفي النهاية لكي تكدس ثرواتها ولترفع من حدة الاستغلال..." وبرفضها لكل سياسة برجوازية موجهة للعمال تسير كدش مناضلة على طريق سياسة عمالية طبقية " إننا نحاول تأسيس ممارسة ديموقراطية وأن نكون نقابة الجميع. لنا خطنا السياسي العام الذي لا يهادن الطبقات المستغلة والذي يطمح إلى تشييد مجتمع اشتراكي متحرر يعتمد التسيير الذاتي..." (3) هذا ما جعل رد كدش في المفاوضات الأخيرة حاسما باعتبار أطروحة نقابة غير سياسية منتهية مند إضرابات 1979 التي قادتها كدش، وبالتأكيد على سياستنا تدخل في إطار مواجهة الأسباب الحقيقية للوضعية الاجتماعية والخروقات النقابية.
إن أطروحة النقابة غير السياسية ما هي إلا قناع لتمرير سياسة معادية للعمال وتكمن خطورتها في قدرتها على خداع وتضليل الصفوف المتأخرة من العمال، خاصة في بلد تقلصت فيه الحرية السياسية إلى درجة الصفر. لذا فهذه الأطروحة سلاح لتشتيت شمل العمال لا يمكن إبطال مفعوله إلا بالعمل الدائم على إيقاظ العمال الأقل وعيا وإذكاء حسهم الطبقي ورفع إرادة الكفاح لديهم بفضح كل أبواق الرأسمال بين صفوفهم، وإبراز التناقض الجوهري بين الرأسمال والعمال في كل وقائع الحياة اليومية.
وتلك إحدى المهام الملقاة على عاتق الإعلام النقابي الطبقي
البوصلة، العدد 3، يناير 1995
هوامش:
(1) كلمة الأموي في المجلس الوطني يوم 16 أبريل 94، (راجع الديموقراطية العمالية-ماي 94)
(2) مقابلة مع عقا الغازي رئيس النقابة الوطنية الشعبية، (المجلة المغربية العدد 28)
(3) راجع: جدلية النقابي والسياسي: عرض ألقاه الأموي في ندوة " التحولات الراهنة وعالم الشغل" بتعاون مع الكنفدرالية العامة للشغل(فرنسا) أيام 17-20 ماي 90 (الديموقراطية العمالية عدد 94 – شتنبر 92)



https://www.ahewar.org/wc
مركزابحاث ودراسات الحركة العمالية والنقابية في العالم العربي