تساؤلات حول لبنة بناء الكون

قاسم أمين الهيتي
kassimalhiti@hotmail.com

2007 / 6 / 8

غصت نشرات الأخبار بالقراءات السياسية عن الذرة وأخبارها، مرة تحدثوا عن قصف مفاعل، وأخرى عن انفجار في أخر، ولم ينقطع الحديث عن مفاعل مشبوه، ولم تغيب سياسة ازدواج المعايير عن الساحة ، وهنا نسأل: هل هناك مجال للحديث عن عالم الذرة وتاريخه في ظل هذا الهوس؟. ربما أبتغي من هذه السؤال (الفتوى الذاتية) الولوج في أسئلة حول لبنة بناء كوننّا.

1-1 تمهيد

الذرة علم متكامل يمكن معرفته عبر تطوره التاريخي من قديم الزمان، على الرغم من أن بداية تلك المفاهيم كانت فلسفية غير خاضعة للتجارب والقياسات المختبرية آنذاك. كما أن مؤرخي العلوم القديمة لم يتفقوا على تحديد منشأ النظرية الذرية. ففي القرن السادس قبل الميلاد نشأت على ضفاف نهر الكنج في الهند نظرية في إطار المفهوم المادي البدائي القديم للكون والأشياء، مفادها أن للمادة وجهان؛ الوجه المتجمع الكيفي الذي يظهر أمام أعيننا وحواسنا وحوالينا، والوجه الآخر الدقيق المتناهي في الصغر والمسمى البارانوما، وهذا ما يشابه لحد كبير مفهومى المايكرو والميكرو الحديثي الاستعمال حالياَ في القياسات. وكانت النظرية أقرب إلى الافتراضات العامة منها إلى الموضوعية العلمية القابلة للاختبار، علما إنها ظهرت قبل تطور المفاهيم الروحية في الحضارة الهندية. وتتضمن افتراضاتها فيما تتضمنه بان المرادف لوجه البارارمانوات تكون السكاندا التي تحمل الصفات الحسية للأشياء مثل؛ اللون والطعم والرائحة، القريب من المفهوم الجزيئي الحالي. وقد بين هذا المفهوم بان الذرة هي الجسيم الأكثر دقة وصغر، وان ليس لها شكل ولا صلابة ولا ثقل، لكنها عندما تحل بالروح تكثفها وتثقلها وتتعبها وعندئذ يغيب الشكل المرئى والحسي للذرة.

في مرحلة لاحقة مكملة لفلسفة الهنود القديمة أيضا تجسدت فكرة الذرات" انيو" من قبل الفليسوف كندا تقول، بأنها الأجزاء الصغيرة للغاية للمواد، وإنها ذات أشكال كروية على أساس أن الشكل الكروي بنظرهم عنصر أولى كامل لا يمكن تجزئته، وأنها تتحرك بقوى شاملة مطلقة دائمة غير مرئية. وهي تتواجد على أربع أنواع تمثل العناصر الأساسية للمواد والأشياء الموجودة في الطبيعة ألا وهي: ذرات الأرض التي تمثل اصل الرائحة، ذرات الماء التي تمثل اصل الطعم، ذرات الغاز التي تمثل اصل اللون، وذرات الهواء التي تمثل اصل الحس. أي أن مفهوم الذرة في هذه المرحلة من التاريخ يرتبط بالشكل الأصغر المرئي الحسي لها. وهذا يقترب من مفاهيم فيزيائي المدرسة المالطية قبل سقراط.

وعموماَ يمكن القول بأن الفلسفة الهندية القديمة تعدّ الذرة مفهوماَ نسبياَ ثنائياَ متلازماَ بين الروحية والمادية. فهي وحدة أساسية متناهية في الصغر تطل على المبدأ الروحي، وأنها بين تحول وآخر وبين موت وولادة لأنها ثابتة خالدة رغم تبدل مواقعها ومواضعها وأشكالها وهيئاتها. وهكذا ابتدأت خيمة الدلائل السائدة في كل حقبة، من مفاهيم : الزمان، المكان، الشىء المحدد، الحتمية، الصدفة، الحركة، السكون، وانتهاءٌ بفكرة الخلاص من الألم والعذاب والموت" الصوفية الروحية الحالية". فقد كانت النظرية الذرية لديهم مادية بدائية طبقا لقدمها، كما هو الوضع الغالب على كافة النظريات التي صبغت الهند بصبغة خاصة. إذ مرٌت النظرية بالمرحلتين معا وتبدلت طبقا لذاك التغير.

أما مفهوم الذرة في الفلسفة اليونانية القديمة فكان اكثر تطورا مما هو عليه في الفلسفة الهندية. فقد أصبحت الذرة تمثل وحدة أساسية أولية مادية مغلقة لا نوافذ فيها على الروح. وتختلف الأجسام والأشياء نتيجة الاختلاف في الترتيب الهندسى وفي التمازج والاختلاط الكمي للذرات. وأول من وضع نظرية ذرية واضحة في تاريخ الفلسفة اليونانية القديمة هو لوكيبوس الذي عاش بين 460 و 370 قبل الميلاد. إذ تتلمذ على يده ديموقراطيس. لذا نجد أن هناك تقارباَ وتجانساَ بين أفكارهما في الذرة وفي المؤلفات الأخرى لكليهما. فالأشياء بنظر لوكيبوس مؤلفة من وحدات مادية دقيقة لا عدّ لها ولا حصر. وهذه الوحدات غير مرئية لصغرها ودقتها وأنها تتحرك في الفراغ وعند ارتباطها ببعضها تظهر الأشياء إلى الحيز الحسي. وقد دعاها الذرة AT OME وهو مصطلح مؤلف من كلمتين تعني لا تنفصل. وفي رأيه أيضا أن الذرات لم تنشأ ولا يمكن تولدها بل أنها أزلية خالدة في الكون لا تفنى ذات خواص وصفات متشابهة في الجوهر لكنها تختلف في الشكل والترتيب والوضع بسبب حركتها الدائمة المستديمة.

ما أضافه ديموقريطس " بين 460 و 370 ق. م." إلى نظرية لوكيبوس هو أن للذرات أشكالا متنوعة. منها الأملس ومنها الخشن والمنحني والحاد والمدبب والمستدير والمسنن الناتئ والكروي. وتختلف أحجامها نتيجة اختلاف الهيئة والشكل الهندسي لا على أساس الوزن والثقل. وأضاف إلى أن هناك ذرات واقفة وأخرى نائمة. لقد ركز ديموقريطس على أن للذرة صفة أولية أساسية وجوهرية هي: أنها صلبة لا تحوي على فراغ ولا تتجزأ. لقد فقأ ديموقريطس عينيه كي يتعمق في معرفة الذرة. أي انه فقد بصره ليسيطر على بصيرته. مما يدل على مكانة النظرية الذرية في الفلسفة اليونانية القديمة، لأنها أساس الوجود واللاوجود.

أما أبيقور الذي عاش بين 342 و270 ق. م. فقد أضاف صفات أخرى للذرة هي الوزن والثقل، وعلى الرغم من أن للذرة إشكالا وحجوما عديدة إلا أن عدد هذه الأشكال والحجوم يبقى محدودا. وثبت مبدأ تكون الذرة من أجزاء صغيرة للغاية تبلغ ادنى مرتبة في الصغر المطلق. وهذه الدقائق لا يمكن أن تتواجد مستقلة عن الذرة، كما أن مجموعها لا يكون الذرة. فالذرة في رأيه وحدة أساسية غير متجزئة وغير منقسمة.

وعليه فقد تطورت النظرية الذرية لدى قدماء اليونان في محاور التأملات العقلية لفكرة الكون والوجود التي ظللت هذه النظرية آنذاك. وأن الوجود بنظرهم هو وحدات مادية عديدة متحركة. وظهور الأشياء إلى حيز الوجود والعناصر الأساسية الأولية التي تتكون منها الموجودات.

ومع ذلك تبقى لدينا هناك تساؤلات حائرة هل أبحرت النظرية الهندية – خلال نهر الكنج- باتجاه الغرب عبر مالطا إلى اليونان نتيجة الحركة التجارية وتلقفتها الفلسفة اليونانية ثم صقلتها؟. أم أن كلاً من النظريتين تكونتا ونمتا في تربتين منفصلتين تماما؟. وهل أن نشأة النظرية الذرية الحالية وتطورها هي امتداد للنظرية الذرية عند الهنود الأقدمين في القرن الخامس قبل الميلاد؟. أم امتدادا للنظرية الذرية عند اليونان الأقدمين في القرن السادس قبل الميلاد ؟. ولماذا؟.

1-2 العصر الذري
يمكننا القول دون إجحاف بحق الاقدمين أن العصر الذرى الحالي بدأ عام 1938 عندما انقسمت الذرة عمليا. وثبت انه لا توجد ذرات(أو أجسام دقيقة) لا تنقسم. إذ إن الفكر العلمي يفرض بأنه مهما اعتبرنا دقة الأجزاء فإن كل جزء منها يمكن أن ينقسم إلى قسمين أو اكثر من الأقسام الأدق على أساس أن الطبيعة حتماَ خلقتها من أجزاء أدق. وإذا افترضنا بان هناك جزءا لا ينقسم فسيكون هذا الحكم مناقضاً لمعرفتنا أصلاً بأصل الجزء الأدق. ولو حكمنا أن هناك من خلق الجزء الأدق في الذرة وغير القابل للتقسيم [كجسم أولى] فيبقى بإمكان ذلك الخالق(بغض النظر عمن هو ذلك الخالق) أن يقسم ذاك الجزء الأدق الذي خلقه، لأنه لا يبطل قدرته وليس هناك من مبرر أن تبطل تلك القدرة بعد خلقه له. وعليه فأن كافة الأجسام الأولية قابلة للتقسيم في مختبر ما في مكان ما من الكون. لقد أمكن تجزئة مكونات الذرة مثل النيوترون إلى بروتون وإلكترون. على الرغم عن قصر معلوماتنا الحالية لتجزئة البروتون بل أمكن اتحاده مع الإلكترون لتكوين النيوترون. ويعد هذا النوع من الاتحاد أول تزاوج في الكون. ثم التقى بعد ذلك البروتون وارتبط مع النيوترون وولدت النواة ثم نمت وتكاملت بالإلكترونات وتكونت الذرة. فهل تكونت الذرة قبل تكون الكون؟. أم تكون الكون وتولدت عنه الذرة ؟. ولنرجع إلى البروتون والإلكترون وهما دقيقتان صامدتان لا تنقسما في مختبراتنا الأرضية حالياَ فاذا سلمنا بذلك كحقيقة تؤيد وحدة الجسيمات الأولية إذن ما موقفنا من فلسفة التجزئة والتجزيء؟.

ذكرنا تواَ انه قبل اكثر من 2600 سنة قال الفيلسوف الهندي كندا إن الأجسام كافة تتألف من دقائق صغيرة تختلف عن بعضها البعض بخصائص مختلفة سميت بارامانو. كذلك أكد الفيلسوف اليوناني أبيقور قبل 2300 سنة، أن جميع الأشياء في الكون تتألف من جسيمات صغيرة جداً لا تنقسم، وهي الأساس والأدق وسميت آتوم وتعني غير القابلة للتجزئة. أما نيوتن قبل 200 سنة تقريبا فقد افترض أن المادة تتكون من جسيمات صلبة متحركة لها وزن ولا يمكن اختراقها، وإن لها أبعاد وأشكال وخواص مختلفة فيما بينها، وهي اكثر صلابة(وليس صلادة) من الأجسام التي هي جزء منها. كما افترض ً أن ذرات كافة العناصر هي ذرات مضاعفة لذرة الهيدروجين، وبقيت فكرة نيوتن سائدة حتى نهاية القرن التاسع عشر.

1-3 مكونات الذرة
عام 1897 اكتشف العالم الإنكليزي جي . جي تومسن الإلكترون. وبدأ التفكير فيما إذا كان الإلكترون جزء من الذرة أم لا ؟ سيما وأن كتلة الإلكترون صغيرة جداً مقارنة بكتلة الذرة. وتألف الجهاز الذي استخدمه في اكتشاف الإلكترون، من أنبوبة زجاجية تحتوي على صفيحتين معدنيتين يمكن تسليط جهد كهربائي بينهما، كما يمكن تفريغ الأنبوبة من الهواء (رسم 1-1 ). وكانت هذه التجربة واحدة من تجارب عديدة تبحث في موضوع التفريغ الكهربائي خلال الغازات في تلك الآونة.

رسم (1-1) تجربة تومسن

قام تومسن بتفريغ الأنبوبة إلا من قليل من غاز بقي فيها، وعندما سلط على قطبيها فرق جهد عالي لاحظ اسوداد الأنبوبة عدا بقعة واحدة مضيئة قبالة القطب السالب. وضع تومسن في الطريق داخل الأنبوبة قطعة معدنية مثقوبة، وتم له ما أراد إذ وجد أن البقعة الضوئية أصبحت أصغر من السابق وأن البريق يواجه فقط ثقب القطعة على خط مستقيم مع القطب السالب. مما كان جدير به للاعتقاد بأن هناك دقائق تنبعث من القطب السالب وتسير عبر الثقب وترتطم بالأنبوبة وأسماها الإلكترونات. وأن انبعاث الإلكترونات كان بسبب ارتفاع درجة حرارة القطب السالب (الكاثود) ثم قام بتجربة أخرى قاس فيها الشحنة النوعية: نسبة شحنة الإلكترون إلى كتلته e/m) )للإلكترون.

1-4 نموذج تومسن للذرة
وضع تومسن بعد اكتشافه للإلكترون نموذجا لتركيب الذرة مفاده، أن الذرة كرة متجانسة من الشحنة الكهربائية الموجبة تسبح فيها شحنات سالبة الكهربائية هي الإلكترونات كما هو الحال في البرتقالة الحاوية على البذور، لكن الإلكترونات تتحرك داخل هذه الكرة وليس ساكنة كسكون بذرة البرتقالة كما في الرسم (1- 2).

رسم (1- 2) يبين نموذج تومسن الذري.



1-5 نموذج رذرفورد للذرة
سنة 1911 أجرى رذرفورد تجربة تقاطعت نتائجها مع ما افترضه تومسن. إذ سلط حزمة من دقائق ألفا(جسيمات من مصدر مشع) على شريحة رقيقة من الذهب. وكان يُِعتقد "حسب مفهوم تومسن" أن تتوقف دقائق ألفا أو تنعكس بنفس الاتجاه ولا تخترق الرقيقة. لكن العكس هو ما حدث، إذ إن معظم الذرات اخترقت الذهب دون أية إعاقة وكأن أغلب مساحة رقيقة الذهب فراغ. بعض الدقائق تشتت بزوايا كبيرة وبعض منها فقط انعكس قريبا من مصدر ألفا. مما حدا برذرفورد على الاعتقاد بأن الشحنة الموجبة التي افترضها تومسن لا تعدو أن تكون سوى كتلة صغيرة جداً في الذرة وليست موزعة على أنحائها كافة. ويبين الرسم (1-3) النموذج الذي افترضه رذرفورد للذرة على اثر تجاربه.


رسم (1-3) نموذج رذرفورد الذري

ملخص نظرية رذرفورد هو أن الذرة تحوي على نواة موجبة الشحنة صغيرة الكتلة لكنها ثقيلة تقع في وسط الذرة. تقدر هذه الكتلة بنحو 99.9 % من كتلة الذرة. أما الإلكترونات فتتحرك على مسافات بعيدة عن النواة بسرع عالية تمنعها من التجاذب معها. وافترض أن أنصاف أقطار نوى العناصر بين 10 –14 وبين 10 -15متر. ولما كان نصف قطر الذرة 10 -10متر، فإن الإلكترونات تقع على مسافات تقدر بين 10 آلاف إلى 100 ألف مرة بقدر نصف قطر النواة، مما يدلل على أن معظم الذرة فراغ على الرغم من عدم تعريفنا لمعنى الفراغ. وأضاف رذرفورد بأن الإلكترونات تدور بأفلاك حول النواة كما تدور الكواكب حول الشمس. وهكذا أرست نظرية رذرفورد المعطيات الأساسية للذرة، لكنها لم تحل المشاكل كافة التي تتعلق بالنظرية الذرية.

لم تستطع نظرية رذرفورد الإجابة على بعض المعضلات التي كانت تكتنف حركة الإلكترونات التي تدور حول النواة، لا سيما فيما يتعلق بطاقة الدقائق التي تدور بأفلاك. فعند ما يدور الإلكترون بفلك حول النواة، ينبغي أن يفقد طاقته رويدا رويداً بسبب فقدانه طاقة أثناء الدوران ثم على هذه الفرضية يقل نصف قطر دورانه شيئا فشيئا إلى أن يدرك النواة. أو أن ينجذب إليها بخط مستقيم طبقا لقوانين كولوم الإلكتروستاتيكية. ولكن الحالة الفعلية لا هذا ولا ذاك، إذ يبقى الإلكترون يدور حول النواة.

1-6 نموذج بوهر للذرة
تبنى بوهر سنة 1913 نموذج رذرفورد الذري في محاولات لحلّ هذه الاشكالات وركز دراسته على ذرة الهيدروجين على أساس أنها أبسط الذرات، إذ إنها تتألف من نواة ذات شحنة موجبة واحدة وإلكترون واحد خارج الذرة. واعتمد على الإشتقاقات الرياضية لوضع نموذجه الذري وهي أولى المحاولات الرياضية لتفسير طيف ذرة الهيدروجين أيضاً. وادخل فكرتين جديدتين في نموذجه لتطوير نموذج رذرفورد الذري وهما:-

أولاً : هناك مدارات منفصلة عن النواة ومحددة يتحرك الإلكترون فيها حول النواة، وأن الإلكترون المتحرك لا يشع(أي لا يفقد) أية طاقة أثناء دورانه الاعتيادي في هذه المدارات. وأن الطاقة المنبعثة من هذه الإلكترونات ذات قيم محددة مضاعفة لقيمة معينة وليست قيم متصلة.

ثانياً : الإلكترون يبعث الطاقة عندما يهبط من مدار عال إلى آخر واطئ و يمتص طاقة في حالة القفز من مدار واطئ إلى مدار اعلى منه. وإن قيم الطاقة المنبعثة او الممتصة " طاقة فوتون الإشعاع الكهرومغناطيسي الناتجة" عن هذه الحركة تساوي الفرق بين مستويي المدارين .

ملاحظة يمكن لقارئي الكريم غير المختص بالفيزياء عبور الفقرات التالية المكتوبة بالعريض المائل دون التأثير على نسق المقالة.
[هاتين الفرضيتين، تعني أن التركيب الذري يتكون من عدة مستويات طيفية للامتصاص وللانبعاث الإشعاعي محدد بمستويات طاقية لمدارات الإلكترونات، تعطى هذه الطاقة بالمعادلة:

hμ = E1 - E2 ........ ( 1-1)

إذ إنE1 الحالة العالية للطاقة، E1 الحالة الواطئة للطاقة و hμ طاقة الفوتون.

و يمكن أن نستنتج الآتي :
أولاَ: إن نصف قطر مدار الإلكترون سيكون:
r = n2 h2 / 4 π2 k z e2 m . . . (2-1)
وأن نصف قطر أي مدار في أي ذرة سيكون كآلاتى :
r = 0.529 x 10-10 n2 / z2 meter . .. . . . . .(3-1)
وأن نصف قطر ذرة الهيدروجين هو 0.529 x 10-10 متر .
ثانياَ: سرعة الإلكترون في مداره هي :
V = 2π k z e2 / nh meter / sec . . . . . . . .(4-1)
وأن سرعة أي إلكترون ( انطلاقه ) في أي ذرة هي :
V = 2.19 x 10 6 z / n meter / sec . . . . . . (5-1)
وأن انطلاق إلكترون ذرة الهيدروجين هو 2.2 x 10 8 متر لكل ثانية.
ثالثاَ: الطاقة الكلية للإلكترون(E) كالآتي :
= - 13.6 z 2 / n 2 e v ... ... .. ..(6-1)

والطاقة الكلية لإلكترون ذرة الهيدروجين هي13.6 ــ إلكترون فولت وهي طاقة تأينه. فإذا هبط إلكترون من المدار الثالث إلى المدار الثاني فإن الطاقة المنبعثة من ذرة الهيدروجين هي :
-13.6 / 3 2 - -13.6 / 2 2 = 1.89 e v ... ...(7-1)

كما أضافت النظرية الكمية في أواخر سنة 1920 مفاهيم اكثر دقة للتركيب الذري. و تؤمن أن خواص الأشعة الكهرومغناطيسية ذات طبيعة ازدواجية؛ أن هذه الأشعة ذات طبيعة موجية ودقائقية ليس لها كتلة. أي أنه من الممكن أن يكون للفوتون عزم على الرغم من عدم وجود كتلة له.


1-7 اضافات دي بروكلي
سنة 1921 افترض دي بروكلي الآتي :
1- الدقائق المتحركة لها خواص موجية فضلا عن خواصها الدقائقية كلها بضمنها الكتلة .
2- لهذه الدقائق طول موجي وخواص موجية وأن عزم الدقيقة يمكن حسابه بالاستعانة بثابت بلانك فضلا عن إمكان حسابه وفق مفاهيم الميكانيك الكلاسيكي. وبيّن دي بروكلي على أن هذا هو طول موجة الدقيقة التي تتحرك بسرعة اقل من سرعة الضوء بقليل.
و أن نصف قطر الإلكترون هو :
r = n λ / 2 π . . . . . . (8-1)
أن نموذج دي بروكلي يقرر الآتى :
أن محيط مدار الإلكترون في الذرة هو مضاعفات صحيحة لطول الموجة التي يبعثها الإلكترون. أي أن الصورة الحقيقية للمدار الإلكتروني الذي يدور فيه الإلكترون حول النواة؛ هي موجة ثابتة معلومة الطول الموجي. وبسبب الطبيعة الموجية لحركته فلا يمكن تحديد موقعه بالضبط ضمن الغلاف الموجي للمدار. أما نصف قطر مدار ذرة الهيدروجين فيمكن حسابه فيما لو علم طول الموجة التي يبعثها في الطيف.]

إذن الصيغة الحديثة للذرة تعدها مكونة من نواة صغيرة مركزية يحيط بها عدد من الدقائق المتحركة في مدارات بيضاوية هي الإلكترونات. الصفات الكيميائية للذرة تحدد بعدد الإلكترونات التي تمتلكها. إذ إن التفاعلات الكيميائية الاعتيادية بين العناصر تجري بين إلكترونات القشر الخارجية لذرات العناصر.

يحمل الإلكترون شحنة كهربائية سالبة واحدة بالمقياس الفيزيائي للكتل الذرية وقدرها 10-10 × 4.8 وحدة الكتروستاتيكية، ويزن 10 -31× 9.11 كيلو غرام، أي ما يقرب 1 : 1836 من وزن أخف الذرات وهي ذرة الهيدروجين التي تتكون من بروتون واحد وإلكترون واحد. وحدة قياس طاقة الإلكترون وهي إحدى وحدات قياس طاقة الإشعاعات عموما هي الإلكترون فولت ( ev ) وهي الطاقة التي يكتسبها إلكترون واحد عندما يتعجل خلال فرق جهد كهربائي قدره فولت واحد، ومضاعفاتها هي الكيلو إلكترون فولت والمليون إلكترون فولت.

تنتظم الإلكترونات في مدارات حول النواة وتدور بسرع عالية، وهي عرضة للانتقال من مدار إلى آخر يصاحبه انبعاث أو امتصاص طاقة كي يستمر التوازن الطاقي للذرة. تمثل طاقات المدارات بخطوط متوازية أفقية:
1- افتراض طاقة الإلكترون الحرّ هي طاقة الصفر، التي تعني أن ليس للإلكترون الحرّ طاقة ارتباط مع الذرة. وهذا ما يدعو أن تكون الإلكترونات كافة المرتبطة بالذرة ذات مستويات طاقية سالبة، ويأتي متفقا مع مبدأ إعطاء طاقة للإلكترونات كي يمكن تحريرها من الذرة.
2- عرض الفسح بين المستويات الطاقية للقشر غير متساوية، وهذا يعني أن الفروق الطاقية بين المستويات تكون مختلفة القيم. فالفرق بين مستوى طاقة مدار K وبين مستوى طاقة مدار L أوسع من الفرق بين مستوى طاقة مدار L وبين مستوى طاقة مدار M ................وهكذا.
3- يختلف كل مدار عن المدار الآخر في عدد الإلكترونات التي تنتظم فيه. ولذا يختلف كل مدار في المستوى الطاقي الكلي الذي يحمله؛ فالمدار الأول، القريب من النواة ويطلق عليه مدار K يستوعب إلكترونين، والمدار الذي يليه هو مدار L يستوعب ثمانية إلكترونات ويستوعب مدار M ثمانية عشر إلكترونا. وتعتمد الصيغة2n2 لحساب الحد الأقصى من الإلكترونات الذي يمكن أن يستوعبه مدار ما في الذرة. إذ يمثل n رقم المدار ويعوض عنه بواحد أو باثنين أو بثلاثة وهكذا عن مدار Kأو L أو M على التوالي، كما في الرسم(1-4).
4- يختلف نصف قطر كل مدار عن نصف قطر المدار الآخر. نصف قطر مدار K اصغر من نصف قطر مدار M وهكذا، فضلا عن اختلاف أنصاف أقطار المدارات المتماثلة في الذرات المختلفة. ويلاحظ اعتماد نصف قطر مدار الإلكترون على عاملين هما رقم المدار والعدد الذري للعنصر. كما أن سرعة الإلكترون في مداره هي دالة لكل من العدد الذري للعنصر ولرقم المدار، ويلاحظ (أن هناك اختلاف واضح بين الحالتين). إذ إن زيادة العدد الذري للعنصر تقلل من نصف قطر مدار محدد (في ذرتين مختلفتين) وتزيد سرعة الإلكترون. أما الزيادة في رقم المدار (المدارات العليا في نفس الذرة) فإنها تزيد من نصف قطر المدار وتقلل سرعة الإلكترون في ذلك المدار.

1-8 ملامح الذرة الحالية
انتقال الإلكترون من مدار واطئ لآخر أعلى أو لقشرة أعلى في نفس المدار يتطلب تزويد الذرة بطاقة محددة، وهذا ما يغير التوازن الطاقي للذرة الذي يجعلها في حالة تهيج لا تستقر عليه طويلا ما لم تتخلص من طاقة التهيج بإطلاق طاقة(فوتون )على شكل موجة كهرومغناطيسية يحمل كمية طاقة التهيج ذاتها. الإلكترونات عرضة للانفصال بعيداً عن الذرة في حالات تبادل الطاقة بينها وبين فوتون أو دقيقة أخرى وتدعى هذه الحالة بالتأين. وفي حالة التأين تفقد الذرة تعادلها الكهربائي وترجح كمية الشحنة الموجبة فيها بمقدار وحدة واحدة عند انفصال إلكترون واحد.
مما تقدم نلخص أهم ملامح النظرية الذرية الحالية بآلاتى:
1ــ تتكون الذرة من ثلاثة أنواع من الدقائق الرئيسة هي الإلكترون ،البروتون والنيوترون.
2ــ تختلف كتلة وشحنة كل نوع من هذه الدقائق الجسيمية.
3ــ يمكن تحويل كل من البروتون إلى نيوترون وبالعكس.
4ــ تختلف ذرة عن أخرى عند ما يختلف عدد الدقائق فيها.
5ــ الدقائق متحركة وليست ثابتة داخل الذرة.
6ــ ترتبط الدقائق فيما بينها بقوى ذات طبيعة خاصة تدعى القوى النووية.
7ــ تتفتت الذرة كما تنقسم نواتها ايضا.
8ــ تبعث الذرة كما تكتسب طاقة فقط عندما تحصل تغيرات وهي:
أ- تغير مدار الحركة…..تغير مكاني.
ب- تحول الدقيقة……...تغير نوعي.
ج- تغيرعدد الدقائق……تغير كمي.
د- فقدان الترابط …….تغير وظيفي.
9ــ الطاقة المنبعثة تظهر على شكل موجات كهرومغناطيسية ذات طبيعة مزدوجة موجية وجسيمية.
10ــ الحالة الجسيمية على شكل فوتون وهو تكاثف طاقي متحرك داخل موجة متماسكة لا كتلة له لكن له زخم.

1-9 مناقشة ديموقراطية
لنعد الآن إلى مناقشة القوى بين دقائق الذرة، كمية الطاقة في المادة، الزمن، الإدراك، والموت والحياة في ضوء مفهوم الذرة. وسأترك تصحيح المفاهيم البرجوازية عن الكتلة والطاقة والمادة لمقالة أخرى. قلنا أن دقائق الذرة في حالة حركة دائمة غير متقطعة ومحرك الحركة قوى نووية ذات مواصفات خاصة- لا يسمح المجال هنا لذكرها- تختلف عن القوى الثلاث المعروفة لدينا: الكهربائية،المغناطيسية، وقوى التجاذب الأخرى. ولما كانت مواصفاتها كذلك فقد تكون بين مواصفات القوى الكهربائية وبين مواصفات قوى الحب. وان الحركة هي مبدأ طبيعي مادي أزلى ابدي لهذه الدقائق. وهي حالة كل الدقائق والجسيمات، والأشياء والكون والوجود كنتيجة لفكرة لملأ الفراغ . و يقول الروحانيون ضمناً بأن الحركة هي عناية ربانية فيها اتفاق وتوجيه وغاية وقصد من الخالق، وان الكون يخضع لعلة عاقلة متفق عليها. وعند ذلك تكون الذرة مسيرة وليست مخيرة. وتكون الحركة هي الحالة الطبيعية والسكون الحالة الطارئة على الأشياء، وهذا ما يفضي بنا إلى وجود شىء خارج هذا الكون ككل وليس الكرة الأرضية، يحرك الكون ويغيره ولكن ما مدى قدرات التحريك والتغير؟. وهل هذا الكون محدود وما هي حدوده؟. وما هو الحد وراء الحد؟. وهناك سبعة أكوان، ماذا بعد كرسي العرش؟. وماذا بعد سدرة المنتهى؟.

كمية الكتلة والطاقة (وليس المادة والطاقة) ثابتة في الكون، ضمن مفهوم الدقائق والموجات. وانه لا وجود لمحرك أزلى، ينتج كل الطاقة التي تدخله. لقد أمكن الحصول على طاقة من النقص بالكتلة كما في إنشطار اليورانيوم في المفاعلات وفي القنابل الذرية الانشطارية منها والاندماجية. وأمكن الحصول على كتلة من اختفاء الطاقة كما في ظاهرة تكون الزوج"البوزترون والإلكترون". فهل يحوي العدم طاقة أي "أشعة غير منظورة"؟. قد يكون العدم هو نفسه طاقة، وان هناك كون للعدم، والطاقة يزودنا بها كون العدم، فيما إذا كانت الذرات قد أتت من كون العدم. وبذا تفنى الذرات وتنعدم ويسقط مفهوم أن الذرات لا تفنى ولا تأتى من العدم.

والآن ماذا يعني الزمن في مفهوم الحركة "المحورية المدارية" للدقائق النووية داخل الذرة؟. فأما أن للزمن وجود في حدود ذاته بعيدا عن نطاق معرفتنا الحسية والتصورية، وان له وجود خارج مفهوم حركة الأشياء في الكون المحدد بمعرفتنا، أو أن وجوده داخلنا فقط. ومن ثم ينبغي أن نعرج على تفسير التفكير والإدراك تفسيرا ذريا. قد يحدث التفكير ذاتيا شخصيا بمعزل عن ما يدور حول الذات، وقد يكون موضوعيا كنتيجة للعلاقة بالأشياء. أم أن هناك ارتباط عضوي بين الحالتين، وان التفكير عملية تفاعلية مزدوجة بين الذات والموضوع؟. أما الإدراك الحسي والشعور والمشاعر والنفس البشرية ذات علاقة بحركة وبدخول الذرات داخل حدود الجسم. وعند ذلك تكون لمفاهيم الحياة والنوم والموت علاقة بعملية دخول الذرات داخل الكائن الحي. فقد تكون هناك ذرات محددة تنشطر في اليقظة، تم تتكاثف وتهدأ عند النوم، وتخرج وتغادر الجسم عند الموت.

أنا اعرف تمام المعرفة أن الولوج في موضوع الحياة والموت على صعيد النشر أمر على غاية من الحساسية في هذه الغفلة من الزمن الحالي اللعين. ولكن ليكن"ويسألوك عن الروح؟ قل الروح من أمر ربي! (صدق الله العظيم) "ان علاقة الروح بالمادة تعنى أن هناك تداخل مادي روحي يشمل أجزاء الكون كافة "الجماد والنبات والحيوان". فإذا حلّت الذرات بالروح فستثقلها، وعند حلول الروح بالذرات تحييها. فهل أن ماهية الروح هي ذرات محددة تدخل في أول شهيق، ولذا يصرخ الطفل عند الولادة نتيجة هذا الاقتحام الذري للجسم الصغير الناعم؟. وهل تخرج هذه الذرات في آخر زفير عندما يبدأ بالغصات، أو ما يسمى بسكرات الموت (عندما تطلع الروح) فهل تطلع الذرات عبر الهواء بين فضاءات الذرات. ويتخلص الجسم من هذا الثقل ويرتاح الراحة أبدية؟. لكن الذرات لا تعرف الجمود والطبيعة في تغير مستمر، كما هو في ذرات النبات والحيوان والجماد. و أن الذرات تتحرك في الفضاء وتلتقي وتتجمع وتتكاثف. فهل الروح تتناثر ثم تتجمع ثم تخرج وتتبعثر وتدخل وهكذا من جسم لآخر؟. وان ما في داخلنا من ذرات كانت بجسم آخر؟. فإن نظرية تناسخ الأرواح تكون على مقربة من هذا المفهوم. وإذا كان الامر كذلك؟. فقد صح ما أنشدت به أم كلثوم في رباعيات عمر المختار:
امشي الهوينا إن أديم الثرى من أعينن ساحرة الاحورار



1-10 المصادر.
1) S.Y. Zemansky, University physics, Fifth edition, Addison-westey publishing company, U.S.A. 1976.
2) R.T.Beyer, Foundation of nuclear physics, Dover publ..inc., New Yourk ,1979.
3) J.G. Feimberg, Histoire de l"Atome, Correa 1953.
4) P.Quenneville, L Atome pour tous, Seghers,1963.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن