مجلس الحكم بين مطرقة السخط الجماهيري وسندادالاحتلال الامريكي!

جليل شهباز

2003 / 8 / 25

                                                        
يبدو واضحا" إن مجلس الحكم في العراق يكتوي الآن بسعير نارين، نار السخط الجماهيري الذي يتوسع ويتعمق يوما" بعد يوم، ونار الاحتلال الامريكي الذي تركتها لرحمة أمواج القدر والذي لا يعلم أحد إلى أين ستأخذهات  تلك الأمواج. ولكن قبل الدخول في  تفاصيل هاتين الحالتين نرى من الضروري الاشارة إلى تركيبة القوى السياسية الأساسية داخل ذلك المجلس وكذلك تحديد القوى الاجتماعية التي تمثلها تلك التركيبة السياسية. وبهذا الخصوص لا يخفى على أحد ان الخصائص العرقية والطائفية هي التي تميز مجلس الحكم لأن المقاعد السياسية موزعة فيها حسب نسبة التركيب العرقي والطائفي داخل المجتمع العراقي ولذلك نرى أن المقاعد المخصصة للشيعة تمثل  الغالبية ثم تأتي بعدها المقاعد المخصصة للسنة ثم الأكراد والتركمان فالآشوريين. أما الأحزاب والشخصيات التي تمثل سياسيا" مجلس الحكم فإن شعاراتهم وبرامجهم وتطلعاتهم السياسية ليس فقط لا يختلف عن طبيعة التركيب العرقي والطائفي للمجلس بل يعكس بكل وضوح انتماءاتهم العرقية والطائفية وحتى المشروع السياسي الذي أتفقوا عليها من خلال مؤتمرات  لندن وصلاح الدين  والناصرية وبغداد وكذلك تركيبة مجلس الرئاسة توكدان على نفس الشيء، وعليه فإن الممارسة السياسية والسلوك السياسي للمجلس لايمكن أن يتعارض مع انتماءاتهم العرقية والطائفية ولهذا نرى إن الممارسة السياسية للمجلس لم تؤشر إلى غير ذلك لحد الآن، حيث أن آلية العمل في مجلس الرئاسة تؤكد ذلك كما وأن التقارير الخبرية الواردة حول تشكيلة مجلس صياغة الدستور تؤكد أيضا" أنها على نفس الشاكلة.. كما وأرى من الضروري الإشارة أيضا" إلى أن مجمل الاتفاقات التي تمت بين تلك القوى لم تكن نتيجة للتفاهم والأهداف والتوجهات المشتركة وقناعتهم بضرورة العمل السياسي المشترك في هذه المرحلة، بل تمت كنتيجة مباشرة للضغط الامريكي حيث أن السيرة الذاتية والتاريخ السياسي لتلك القوى تؤكد على أنهم أخفقوا في الاتفاق فيما بينهم حتى على أتفه الامور، وفي معظم الأحيان تحولت تلك التناحرات إلى صراعات دموية رهيبة فيما بينهم وهذا ماحصل بين الأحزاب القومية الكردية ونفس الحالة حصلت بين الأحزاب القومية الكردية وبين مختلف الأحزاب والمنظمات الدينية في كردستان العراق، أما التناحرات القائمة بين مختلف أجنحة التيار الديني في وسط وجنوب العراق فقد وصلت الآن إلى ذروتها، في حين إن التناحرات التي كانت موجودة بين مختلف القوى والأحزاب السياسية المؤتلفة قسريا" في مجلس الحكم لم يتم تسويتها بل تم إخمادها حاليا" وهي الآن كالجمرة تحت الرماد ومن المحتمل أن يشتعل في كل لحظة وبهذا الخصوص فإنني أؤكد في حالة زوال الضغط الامريكي عليهم فإن تلك التناحرات ستنفجر من جديد وسيمزقون كروش بعضهم البعض بالسيوف والخناجر.. ويظهر جليا" من الطبيعة السياسية لتركيبة مجلس الحكم بأن الدور الجماهيري في الممارسة السياسية واختيار شكل السلطة غائب كليا" وإن هذه الطبخة السياسية تم اعدادها في الأصل لابعاد الجماهير وحرمانهم حتى من ممارسة ابسط الأدوار في ذلك المجال حيث أن أي دور للجماهير ليس فقط في تحديد السلطة بل حتى في الحياة السياسية فأنها بالضرورة ستصطدم بالوجود الامريكي في العراق وباستراتيجيتها القائمة على أساس إعادة رسم خريطة المنطقة وإعادة تشكيل الموازنات السياسية والترتيبات الأمنية والعسكرية وفق المصالح الاقتصادية  الامريكية وعلى هذا الأساس نرى إن مختلف المسؤولين الامريكيين يؤكدون على أن القوات الامريكية ستبقي في العراق حتى يتم تشكيل حكومة عراقية منتخبة وصياغة دستور دائم للعراق فإذا تم تقييم مثل هذه التصريحات بشكل موضوعي سيظهر بوضوح وجود أزمة السلطة في العراق وإن امريكا لا تثق بإمكانية تلك القوى والأحزاب السياسية المؤتلفة بشكل قسري في مجلس الحكم على تشكيل سلطة سياسية منسجمة وقوية ولذلك فإن امريكا تلعب سياسيا" على أمرين أو بالأحرى على احتمالين أولهما/ بذل كل الجهود الممكنة بغية تكوين اتجاه أو حزب، سياسي تحظى بالتأييد الشعبي في عموم العراق وموالي لامريكا أو مروض لها وعلى أن لا يتعارض فقط، سلوكها السياسي أو ممارسات مختلف هيئاتها مع المصالح الاقتصادية والسياسية والعسكرية الامريكية في منطقة الشرق الأوسط، بل يجب أن تكون بمثابة الحارس الأمين لتلك المصالح وبمثابة أفضل القنوات لتمرير السياسات الامريكية وتطبيق استراتيجيتها في المنطقة. أما ثانيهما/ فإذا اخفقت امريكا في تشكيل مثل تلك السلطة وعلى الأرجح أنها ستخفق في ذلك فأنها ستتجه نحو عملية تقسيم العراق وذلك لسهولة السيطرة على الأجزاء الصغيرة بالإضافة إلى سهولة ترويض القوى السياسية فيها أو تكوين قوى بديلة لها.. وكل الدلائل تشير إلى إن الاحتمال الثاني هو الأرجح لأنها أخفقت فعليا" بعد مرور أكثرى من أربعة أشهر على سقوط النظام البعثي من السيطرة على العمليات التخريبية التي تنفذها الدخلاء الأجانب وبقايا فلول النظام البعثي بالإضافة إلى اخفاقها في ايجاد عنصر سياسي كفوء للاعتماد عليها في بناء السلطة السياسية وإعادة تشكيل الدولة العراقية ومن ثم التوجه نحو تنفيذ بقية حلقات مخططها الامبريالي، وكل الدلائل تشير إلى انها بدأت من الآن بالتحضيرات للتعاطي مع ذلك الاحتمال ولهذا نرى طريقة تعامل امريكا مع الأحزاب القومية الكردية والملف الكردي مختلفة تماما" عن مثيلاتها في باقي مناطق العراق فلم يشمل قرار نزع السلاح المليشيات الكردية بل تم اعتبارهم بمثابة الحلفاء ويقومون الآن بتدريبهم وتسليحهم وكذلك حصل نفس الشيء في الميدان الاقتصادي وعمليات إعادة البناء الاقتصادي وإعادة اعمار المنطقة حيث أن المنطقة الكردية تحظى برعاية امريكية خاصة.. وفي الجنوب يمكن ملاحظة نفس الشيء تقريبا" حيث ان زمرة المجلس الأعلى الذي يتزعمه الحكيم على الرغم من أنها أقل تطرفا" من زمرة الصدر إلا أن امريكا أصرت على نزع أسلحة قوات بدر التابعة لتلك الزمرة والموالية لإيران في حين ان مقتدى الصدر قد أسس جيشا" أمام أعين الإدارة الأمريكية ويتحرشون بكل شيء يميل للتمدن والعلمانية والحداثة وبالإضافة إلى طرح أنفسهم كبديل للسلطة في الكثير من مناطق الجنوب وحتى في العاصمة بغداد ألا أنه مع كل ذلك فإن الجيش الامريكي لم يتحرك ساكنا" وكأن شيئا" لم يحدث، ويبدو واضحا" أن امريكا تغذي التناحرات السياسية القائمة بين مختلف أجنحة التيار الديني بغية اضعاف الجميع وبالتالي ايجاد البيئة السياسية الملائمة لفرض بديلها السياسي عند إيجادها على الجميع.
وعليه فإذا كانت هذه هي الصورة السياسية والاجتماعية التي تبدو عليه مجلس الحكم فما عساها أن تفعل لجماهير العراق! بالتأكيد أنها لا تستطيع أن تفعل شيئا" فبالإضافة إلى الأزمة السياسية الخانقة التي غرقت فيها هناك حركة جماهيرية جبارة تقف بوجهها كالغول الهائج تتمثل بحركة العاطلين عن العمل واتحادها وكذلك بالمظاهرات والاضرابات التي نضمتها وستنضمها العمال والموظفين والمستخدمين والكسبة في مختلف القطاعات الأقتصادية بغية الدفاع عن حقوقهم ومطالبهم، فبعد ثلاثة عقود من الاستبداد والقمع والبؤس الاقتصادي والحرمان من أبسط الحقوق ومقومات الحياة الإنسانية، وبعد ثلاثة حروب مدمرة حرقت الأخضر واليابس في العراق والتي راح ضحيتها مئات الالوف من خيرة شباب العراق وكفاءاتها البشرية، وبعد الأنفال والمقابر الجماعية وحملات التهجير والترحيل والتعريب والتبعيث، وبعد ثلاثة عشر عاما" من الحصار الاقتصادي اللعين الذي قصم ظهر العراقيين وحصد أرواح مئات الالوف من أطفال وشيوخ العراق من جراء حرمانهم من الغذاء والدواء! لا يمكن لكائن من كان أن يرسخ أقدامه في السلطة وفي نفس الوقت يدير ظهره للجماهير ولا يبالي لحقوقهم ومطالباتهم.. وهذا مايحدث الآن في العراق حيث أن ذلك الغول الجماهيري الجبار يحوم الآن فوق مجلس الحكم والإدارة الامريكية كالشبح ويمارس عليهم الضغط من خلال الاعتصامات والمظاهرات لإرغامهم على تلبية حقوقهم العادلة، ولذلك فلا تلوح في الافق أية علامات تدل على أن مجلس الحكم ستنجح في مهامها لأنها اختارت أن تدير ظهرها للجماهير! ولنفس السبب نرى بعد أكثر من أربعة أشهر من سقوط النظام البعثي الدموي مازالت حالة الانفلات الأمني سائدا" في الكثير من المدن العراقية وخصوصا" العاصمة بغداد ومازال الوضع الاقتصادي يميل نحو المزيد التدهور والتي تسبب في ازدياد حالة الفقر والبؤس الاقتصادي على كاهل الجماهير كما وأن والبنية التحتية للاقتصاد العراقي لازال مدمرا" وتعاني المؤسسات الخدمية والمعاشية من قلة الكفائة ومزيد من التدهور نتيجة لضعف عمليات الصيانة وفقدان قطع الغيار وخصوصا" نحن الآن في عز موسم الحر ويوما" بعد يوم يلتحق أفواج جديدة بالجيش المليوني للبطالة ويزداد معها معدلات الجريمة و... وكان أمرا" طبيعيا" أن يتصاعد الاعتراض الجماهيري على خلفية تلك الأوضاع المتردية. أما مجلس الحكم فلا نرى في خططها وبرامجها وممارساتها السياسية اليومية أي شيء يدل على اهتمامها يأهداف الجماهير وتطلعها نحو الحرية والمساواة فإن كل ماكان يهمهم يتمثل في الصراع من أجل المزيد من النفوذ والحصول على المزيد من المقاعد في مجلس الحكم وبعد الولادة العسيرة لذلك المجلس وعلى الرغم من مرور مايقارب من شهرين على تأسيسها أخفقوا في تشكيل الوزارة لأن مركز الصراع السياسي بين القوى العاملة فيها قد تحول نحو تشكيل الوزارة والآن كل يسعى من طرفه للحصول على اكبر عدد من الحقائب الوزارية ولا يهمم انقطاع الخدمات عن الجماهير نتيجة غياب عمل تلك الوزارة.. وإن مايثير الدهشة هنا أنهم يدعون بأن الوزارة ستكون مستقلة وليس لها علاقة بالتركيبة السياسية لمجلس الحكم، لنفرض جدلا" بأن ذلك صحيح وإن جميع الوزراء مستقلين وإن الوزارة ستتألف من الاخصائيين وسيغلب على اسلوب عملهم الطابع المهني، ولكن أليست الوزارة مؤسسة تنفيذية ويجب أن تنفذ خطط وبرامج مجلس الحكم! ولكن هل يمكن أن تكون تلك البرامج والخطط خالية من التأثير الطائفي والعرقي الذي يتألف منها المجلس؟ بالطبع لايمكن ذلك ويستحيل على قوة سياسية طائفية أو عرقية أن تسمح إصدر قرار يتعارض مع تكوينهم وتوجهاتهم الطائفية أو العرقية وتقاليدهم السياسية، إلا رغما" عنهم وفي هذه الحالة سوف لا تكون مثل ذلك المجلس سوى صورة كاريكاتيرية لا حول لها ولا قوة، ويجب أن نعلم أن كل ما أشرنا إليه يعتبر جانب من القضية أما جانبها الآخر فيتمثل بأن جماهير العراق الذي تحرر لتوه من الدكتاتورية السافرة والاستبداد المطلق بدأ يتعلم كيف يدافع عن حقوقه ومصالحه وكيف يسير نحو الحرية والمساواة والرفاهية وماهية الوسائل النضالية التي تحقق لها ذلك فنرى يوما" بعد يوم توسع دائرة الاعتراض الجماهيري وانضمام قطاعات جديدة من العمال والمستخدمين والموظفين والكسبة إلى الصف الجماهيري المعترض كما ونرى يوما" بعد يوم استخدام وسائل أرقي في تنظيم صوفهم وقيادة نضالهم وبهذا الخصوص فإن اتحاد العاطلين عن العمل قد أصبح نموذجا" يهتدى بها في كل مكان فإن ذلك الاتحاد قد تحول خلال مدة قياسية إلى أفضل الوسائل النضالية بيد العاطلين والجماهير الكادحة للدفاع عن حقوقهم وخلال مدة قصيرة أيضا" انضم عشرات الالوف من العاطلين إلى هذا الاتحاد في مختلف مدن العراق بالاضافة لتنضيمها الكثير من المظاهرات الجماهيرية في العديد من المدن وخصوصا" العاصمة بغداد، وليس هذا فقط بل نرى إلى جانب ذلك الاتحاد تأسيس العديد من المجالس والاتحادات العمالية المستقلة بمبادرة من العمال الطليعيين بغية تنضيم صفوفهم وقيادة نضالهم وفي نفس الوقت نضمت تلك المجالس والاتحادات العديد من المظاهرات والأنشطة الجماهيرية للدفاع عن مطالبهم وحقوقهم الاقتصادية وحقوقهم السياسية والمدنية، وبهذا الخصوص فليعلم الجميع بأن العمال والعاطلين عن العمل لا يقفون لوحدهم في هذا الخندق النضالي بل أن كل أحرار العراق وكل دعاة الحرية والتمدن والحداثة وكل المدافعين عن حقوق الإنسان في داخل العراق وخارجه يقفون إلى جانبهم وكان ذلك واضحا" أثناء المواجهات التي حصلت مؤخرا" بين اتحاد العاطلين وبين مسؤولي التحالف وبعض الزمر الإسلامية في العاصمة بغداد ومدينة الناصرية حيث أنهالت عليهم مذكرات الاحتجاج في مختلف أرجاء العالم.. وبما أن مجلس الحكم لا يجسد الإرادة والتطلعات الجماهيريتين فلابد من اصطدامها بهذه الجبهة فور مباشرتها بإدارة المجتمع التصرف بمقدرات معيشة المواطنين ومستلزمات حياتهم وفي هذه الحالة يستوجب عليهم إما الوقوف إلى جانب الجماهير وتلبية جميع مطالبهم واحترام حقوقهم الإنسانية والمدنية وإما الوقوف في الجبهة المعادية وفي هذه الحالة لا أظن أنها، أي مجلس الحكم، المؤلف من ذلك الخليط السياسي الغير متجانس والمؤتلف قسريا" في ذلك المجلس، بإمكانها الصمود حتى لساعات قليلة أمام مقاومة واعتراض الجماهير المنضم في اتحاداتها ومنظماتها المستقلة.. وبما ان المشروع السياسي الامريكي المتعلق بتشكيل السلطة السياسية وبناء الدولة في العراق بعد سقوط النظام البعثي قائم أساسا" على ابعاد اي دور للجماهير في المشاركة فيها فلا أتوقع أن تمنح سلطات الاحتلال ذلك المجلس سوى بعض الصلاحيات المحدودة التي لا تحل ولا تربط!  وإن المساعي الامريكية التي تصب في هذا المجرى تبغي إلى تحويل مجلس الحكم إلى غطاء وطني لسلطة الاحتلال وعلى هذا الأساس فإن تقابل واصطدام مجلس الحكم الامريكي مع هذه الجبهة الإنسانية سيصبح أمرا" حتميا".
أما الاحتلال الامريكي وكما هو مذكور فيما سبق فأنها أخفقت لحد الآن في بناء سلطة سياسية قوية ومنسجمة وقائمة على قاعدة شعبية عريضة بسبب هشاشة القوى السياسية البرجوازية بمختلف ميولها وأجنحتها السياسية العاملة حاليا" في الساحة السياسية العراقية وبعدها عن الجماهير وكذلك بسبب اصطدام الادارة المدنية الامريكية وقوات الاحتلال بجدار المعارضة الجماهيرية العريضة ولذلك فأنها تسعى بكل قوتها لبقاء الوضع القائم على حاله أي حماية يقاء واستمرارية  حالة الفوضى وانعدام الأمن وحرية ممارسة الجريمة وإطلاق عنان العصابات الإسلامية المتوحشة والبربرية للتحرش بمختلف القطاعات الجماهيرية والانقضاض حتى على أبسط مقومات الحياة الإنسانية العصرية داخل المجتمع العراقي، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: لماذا تسير امريكا في ذلك الاتجاه؟ إن الجواب على هذا السؤال واضح، حيث أن قوة الاحتلال بحاجة إلى ذرائع ومبررات منطقية لتبرر بها بقاء حالة الاحتلال أمام الراي العام والمجتع العالميين وحتى عملية تشكيل مجلس الحكم هي الاخرى تصب في نفس القناة لأن قوة الاحتلال بحاجة إلى غطاء وطني لتكون بمثابة واجهة محلية لسلطة الاحتلال وهذا من شأنه أن يعزز سلطة الاحتلال وأمر وجودها وعلى هذا الأساس فإن استمرارية الوجود الامريكي في العراق يختزل من مجلس الحكم الصفة الشرعية وإمكانية القيام بأي دور سياسي مستقل في الحياة السياسية للمجتمع العراقي كما وإن سلطة الاحتلال بدورها سوف لا تمح المجلس سوى بعض الصلاحيات الشكلية أي يترك لها حرية الحركة في إطار الإرادة الامريكية وخططها وبرامجها الهادفة إلى إدارة الصراع في المنطقة عموما" والعراق خصوصا".. ومن المحتمل أن تكون أمريكا هي التي تخطط لتعقيد الامور أكثر فأكثر بغية تبرير وجودها العسكري لأطول فترة ممكنة في العراق فإذا كانت الهدف الحقيقي للحملة العسكرية الامريكية على العراق تتمثل بتغيير الخارطة السياسية لمنطقة الشرق الأوسط، فلاشك أن امريكا لازالت في بداية المسيرة وعلينا أن لا نتوقع تسوية الوضع في العراق بسهولة أوخروج قوات الاحتلال من العراق بصورة أسهل أما شكل السلطة السياسية ومستقبل تلك السلطة في العراق فسوف لا يطرأ عليها أي تغير يذكر خارج ما اشرنا إليه ربما يتم بناء السلطة بكل أجزائها التشريعية والتنفيذية والقضائية التي تعتبر بمثابة الأساس المادي لبناء الدولة وهيكلتها ولكن ما عساها أن تفعل والبلد في حالة احتلال حيث ستبقى مثل تلك الدولة أسيرة للمشروع السياسي الامريكي ومقيدة بالخطط والسياسات الامريكية الرجعية أي أن الفيتو الامريكي سيكون هو الحاسم والفيصل في كل المسائل والقضايا المصيرية المرتبطة بالحاضر السياسي للعراق أومستقبله وستكون كل المفاصل المحورية لهيكل الدولة والنظام الاجتماعي القائم مرهونة مباشرة بطبيعة واسلوب إدارة الصراع السياسي والاقتصادي والعسكري الامريكي في المنطقة وسوف لا يتغير هذا الواقع حتى إذا افترضنا بأن امريكا سوف تنجح في اقامة نظام سياسي قوي ومنسجم وقائم على قاعدة شعبية عريضة، لأن مثل ذلك النظام سيكون نظاما" مروضا" لها وستكون مقيدة بالسياسات الامريكية بألاف القيود الاقتصادية والسياسية والعسكرية وسوف لا يصعب حتى على أصغر موظف في البيت الأبيض أو البنتاكون أو السي أي أي ازاحتها من السلطة بلمحة البصر ملخص الكلام أنها ستبقى لقيطا" سياسيا" وابنا" لاشرعيا" لامريكا، ولكن رب سائل يسأل، إذا كانت المعارضة البرجوازية العراقية غير قادرة حاليا" على إدارة المجتمع وقيادتها أليس من الأفضل بقاء سلطة الاحتلال من حالة فراغ السلطة والفوضى السياسية السائدة وانعدام الأمن؟ في الحقيقة إن مثل هذا الطرح غير صحيح فإذا كانت البرجوازية العراقية بكل أجنحتها عاجزة عن القيام بتشكيل السلطة السياسية وعملية بناء الدولة وبالتالي إدارة المجتمع العراقي فإن ذلك لا تعني أن بقية القوى السياسية والاجتماعية عاجزة عن القيام بذلك حيث أن تجربة الحركة المجالسية في انتفاضة آذار سنة 1991 قد أثبتت العكس تماما" حيث أن تلك الحركة كانت قائمة على الإرادة الجماهيرية المباشرة وتمكنت لفترة من الوقت من إدارة مدن بأكملها وإن تلك المجالس جسدت السلطة المباشرة للجماهير ولم يشتكي أحد من ممارساتها السياسية وأسلوبها في ممارسة السلطة بل كانت موضع التعاطف والتأييد من قبل غالبية الأوساط الشعبية وأنها كانت النقطة المضيئة الوحيدة في انتفاضة آذار كما وأنها كانت الذكرى الجميلة الوحيدة التي بقيت محفورة في ذاكرة العمال والكادحين وكل الجماهير المضطهدة والمحرومة في كردستان.. وحاليا" بدأت نواة تلك الحركة بالظهور من جديد حيث أن المواطنين في بعض المحلات الشعبية في مدينة كركوك وفي بعض القطاعات الاقتصادية والصناعية في بغداد قد بادروا إلى تأسيس مجالسهم وهي الآن تدير شؤن حياتهم على أكمل وجه.. وعليه فمن الممكن تعميم ذلك النموذج للسلطة والتنظيم الجماهيري على كل مناطق العراق، لأن هذا النموذج  تعبر مباشرة" عن الإرادة الجماهيرية وتجسد سلطتها، ولأنها يتطابق مع الطبيعة الإنسانية بحكم تركيبتها الجماهيرية والإنسانية ولأنها تعبر عن التطلعات الجماهيرية وتسعى فقط إلى تحقيق أهدافهم وأمانيهم الإنسانية.. وبما أن ذلك النموذج ينشأ من المبادرة الجمايرية وتضمن مشاركتهم المباشرة في السلطة فلابد أن يلتف الجماهيري حولها وتحافظ عليها وتحميها وتصحح مسيرتها عندما ينحرف تلك السلطة عن مسارها الإنساني أو عندما ترتكب أي خطأ كان ولاشيء تعيق المبادرة الجماهيرية من تصحيحها أو حتى إلغاء المؤسسات التي ترتكب مثل تلك الأخطاء، إذا دعت الضرورة ذلك، وبما أن المشاركة السياسية للجماهير تعتبر اساسا" لبنيان هرم السلطة في هذا النموذج فإن آليات عملها وميكانيكية حركتها ستكونان بالضروة نابعتان من الطابع الجماهيري والجوهر الإنساني لتركيبة هذا الشكل من السلطة السياسية، وستكون المجالس مصدرا" لكل السلطات في هذا النموذج ولا يجوز فيها الفصل بين السلطات اسوة" بما تفعله البرجوازية بغية ضمان بقاء السلطة بكل اجزائها خادما" مطيعا" وأمينا" لحماية النظام الرأسمالي والسيطرة الطبقية للبرجوازية على المجتمع بمعزل عن الدور الجماهيري في مراقبة السلطات وتقييمها ومحاسبتها، في حين إن العكس تماما" هو الذي يحصل في النموذج المجالسي للسلطة حيث أن كل شيء خاضع للمراقبة الجماهيرية المباشرة وبإمكانها اقصاء أي كان عن منصبه واستجوابه سواء كان وزير غير كفوء ومهمل  أو قاضي ظالم وغير عادل أو نائبا" شعبيا" فاسدا".. ولذلك فقط بوسع مثل هذه السلطة الجماهيرية أن تقتلع ظاهرة انعدام الأمن والاستقرار وشيوع حالة الفوضى من جذورها.. فقط بوسع سلطة كهذا أن تضمن الحرية والمساواة والرفاهية للجميع وتزيح نهائيا" شبح الحروب والاستبداد والانهيار المعنوي عن كاهل جماهير العراق .
21 آب 2003



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن