شرعية التدخل الخارجى الحقوقى فى مصر

عبد العزيز عبد العزيز
azizabdelaziz@gmail.com

2007 / 4 / 22

يثير موضوع التدخل الخارجى بشأن الدفاع عن حقوق الإنسان فى مصر الكثير من العواصف على الساحة السياسية، حيث تتسم المعارضة للتدخل الحقوقى دائما بعدم الموضوعية و المزايدة على الوطنية، متهمة الحقوقيين بالخيانة لمصر. و فى حين أنه من الواجب أن نرفض تسييس حقوق الإنسان، و الذى قد يأتى متخفيا تحت أقنعة مختلفة، إلا أن المعارضين للتدخل الحقوقى يرفضونه رفضا أعمى بغض النظر عن مشروعيته. و من أجل المساهمة فى الحوار حول أحقية و أهمية التدخل الخارجى الحقوقى و بعيدا عن المبالغة والمزايدة يزعم هذا المقال أن التدخل الحقوقى مشروع لأنه يوافى إختبارين أساسيين و هما: (1) إحترام سيادة الدولة، و (2) الحفاظ على المصالح القومية. و لكن قبل الخوض فى المنظور الدولى للتدخل الخارجى يتحتم إلقاء بعض الضوء على المنظور المجتمعى و المنظور الحكومى المعادى للتدخل الحقوقى ربما ساعد هذا على فهم مصدر المعارضة العمياء.

المنظور المجتمعى:
تترسخ فكرة العار من اللجوء للتدخل الخارجى فى نسيج المجتمع المصرى، من الخلية الإجتماعية الأولى (الأسرة) لتشمل المجتمع ككل. و الدلائل على هذا توجد فى علاقات الأفراد فى المحيط الأسرى و علاقات الأسر فى نظيره المجتمعى وبلا شك علاقات الأفراد بمؤسسات الدولة فى نطاق الحياة العامة.

ففى مصر و من منطلق مبدأ إحترام "حرمة البيت"، لا حق لأى عنصر خارجى فى أن يتدخل فى علاقة أفراد الأسرة بعضهم ببعض، حتى و لو فى حالة إعتداء أحد أفراد الأسرة على الآخر. و على الرغم من وجود القوانين التى تحمى الفرد من العنف الأسرى، إلا أن العادات الموروثة و الأفكار المترسخة تحد من فاعلية و تطبيق هذه القوانين. و فى الدول المتقدمة تتدخل الدولة فى الأسرة لحماية أى فرد يتعرض لعنف أسرى، بل و تصر الدولة على محاكمة مرتكب هذه الجريمة، حتى و لو رفضت الضحية (إبن أو إبنة أو زوج أو زوجة) ذلك. و موقف الدولة هنا بالإصرار على معاقبة الجانى بغض النظر عن موقف الضحية ينطلق من إدراكها بأن الضحية قد تكون واقعة تحت حصار عاطفى أو إقتصادى أو خوف قد يمنعها من الشكوى.

ومن الطبيعى فى مجتمع ذكورى مثل المجتمع المصرى حيث تشير إحصائيات عديدة إلى تعرض الغالبية العظمى من النساء و الأطفال لنوع أو أكثر من أنواع العنف الأسرى أن يقوم الذكر بترسيخ فكرة العار تجاه لجوء الضحية لخارج نطاق "الجدران الأربعة" إلى الأهل و الأقارب و الأصدقاء من أجل طلب المساعدة ناهيك عن لجوئها إلى البوليس أو القضاء. و يترك الذكر هنا الضحية تعانى ليس فقط من إنتهاكاته بل أيضا من عقدة الذنب تجاه فكرة اللجوء للمساعدة الخارجية. وتمتد هذه الظاهرة لتشمل ليس فقط علاقات الأسرة الواحدة بل العلاقات بين الجيران.

وهكذا فعندما يطرق البوليس باب بيت إرتفع منه العويل و تطل إمرأة بوجه دامى فتقسم بأنها قد "إنزلقت على الأرض", و يقسم الجيران بأن خناقتهم لم تكن غير "سوء تفاهم" و الذى رغما عن الدماء "لا يجب أن يفسد للود قضية".

ويعزز التراث الثقافى هذه الفكرة من خلال قصص خيالية و أفلام سنيمائية و مسلسلات تليفزيونية و حتى أغانى و مواويل تصور لنا مدى "صبر" الضحية على "ظلم" الذكر و إصرارها على حمايته. و نجد فى أفلام الفتوات أن فكرة العار من اللجوء للبوليس مترسخة ليس فقط كجزء من أخلاقيات المافي،ا بل من مبادئ المجتمع ككل. فـ "يتخانق" الفتوات فى "الغرزة"، و حينما يشير "الناضورجى" إلى أن البوليس على وشك الحضور يستعيد "الشجيعة" مجالسهم و تتعالى ضحكاتهم و "تدق المزيكة" ثانية و كأن شيئا لم يكن، بينما يقف ضابط البوليس و قوته عاجزين عن التصرف رغم الكلوبات المكسرة و زجاجات الخمر "المشطوفة" قبل أن ينصرفوا إلى من حيث أتوا.

المنظور الحكومى:
وتبدو الدولة و كأنها تعمل من خلال مؤسساتها على ترسيخ فكرة "العار" بالنسبة للتدخل الخارجى. ففى الحياة العامة
نجد أن ناظر المدرسة و ومدير الشركة و رئيس مجلس الإدارة و الوزير و غيرهم قد نصب كل منهم نفسه "أب" لمرؤسيه و بالتالى يقع المرؤسين تحت عقدة المنزل حيث لا يجب الشكوى ضد الأب. و يصر رئيس الجمهورية على أنه "أب" للأسرة المصرية و يصبح من العار أن يشكو الفرد الأب و خاصة لمن يستطع أن يؤثر على سلوك هذا الأب من أجل حماية حقوق الإنسان التى تنتهك تحت سمعه و بصره.

ولا شك أن تفشى هذه الظاهرة يعكس غياب الثقافة الحقوقية و التى بدونها لا تزدهر الديمقراطية وتصبح سيادة القانون "على الورق فقط ". وهذا أيضا مسئولية الدولة. فالحكومة تثير الرعب فى قلوب الأفراد ليس فقط من خلال سلاح "الوطنية" التى تستخدمه لتحقير شأن الحقوقيين و الإصلاحيين ونشطاء المجتمع المدنى بل أنها تقوم بحملات إعلامية واسعة النطاق تندد بالمنظمات الدولية و الأفراد الذين يتعاونون معها من أجل نشر الوعى بالحقوق المدنية و السياسية فى المجتمع و الذى تشجعه الدول الديمقراطية لأنه يقويها و تشجبه الأنظمة الأوتوقراطية لأنه يضعفها.

المنظور الدولى:
والتعريف العام للتدخل الخارجى هو أن قوة ما تقبع خارج حدود دولة معينة تحاول أن تؤنر على سلوك هذه الدولة سواء على الصعيد المحلى أو الإقليمى أو الدولى من أجل أن تدفع أو تحمى تلك القوة مصالحها القومية الخاصة . و هناك أشكال عديدة للتدخل الخارجى فمنه السياسى و الإقتصادى و العسكرى و الحقوقى إلى آخره. و الكثير لا يستسيغون تعبير و فكرة "التدخل الخارجى" لأن كلمة "تدخل" تحمل معنى سلبى و غير مرغوب فيه بسبب المفاهيم المجتمعية المتوارثة السابق ذكرها و تعزيزالحكومة لها.

ولكن على الرغم مما تحتويه عبارة "التدخل الخارجى" من معانى سلبية، و على الرغم من أن الواقع السياسى على المسرح الدولى يخبرنا بكم هائل من الضغوط غير الاخلاقية و التى تمارسها بعض الدول، فالتدخل الخارجى هو حقيقة تعيشها سلبيا و إيجابيا أى دولة تتفاعل مع دولة أو دول فيما يسمى بالتعاون الدولى، حيث من المفترض أن الدولة لا توجد فى فراغ، بل تتفاعل مع دول أخرى من أجل دفع و حماية مصالحها القومية. و فى حين أن هناك تدخل خارجى غير مشروع يهدف لخدمة المصالح القومية لبعض الدول على حساب مصالح الدول الأخرى، فهناك أيضا تدخل خارجى مشروع يحدث نتيجة تفاعل هذه الدول بعضها ببعض و نتيجة موافقة الدول على أن تسأل عن التزاماتها.

والتدخل الخارجى المشروع هو جزء من ديناميكية التعاون الدولى، و الذى هو مبنى على مبدأين أساسيين و هما "إحترام سيادة الدولة" و "حماية و دفع المصالح القومية". ومن هذا المنطلق فإن غالبية أاشكال التدخل الخارجى تتم عن طريق الإتفاقيات الثنائية أو الدولية المتعددة الأطراف بشقيها الإقليمى و العالمى كنتيجة طبيعية لمبدأ الشراكة مثلما فى الزواج أو الأعمال، حيث أن هناك إتفاقيات أو عقود تحكم العلاقة بين الأطراف بما يضمن الوفاء بالإلتزامات و الحصول على الحقوق. و طبقا للأمثلة السابقة فإنه عند الدخول فى علاقة تحكمها إتفاقية دولية، فإن كل دولة تتنازل بمحض إرادتها عن جزء من سيادتها يعتمد على الإلتزامات التى تأخذ على نفسها تحقيقها، و بالطبع فكل ذلك فى نظير الحصول على الإمتيازات أو الحقوق المتوقعة من هذه العلاقة.

1) إحترام سيادة الدولة:
التدخل الخارجى الحقوقى لا يتعارض مع إحترام سيادة الدولة و يكفله الدستور المصرى. والتدخل الخارجى بصفة عامة من خلال الإتفاقيات الدولية لا يتعارض مع إحترام سيادة الدولة،بمعنى أنه لا يستحوذ من سيادة الدولة على أكثر من الجزء التى تطوعت به أو تنازلت عنه الدولة لطرف أو أطراف أخرى بتصديقها على إتفاقية ما. و فى هذا الإطار فإن الوثائق الدستورية لمعظم الدول تعتبر الإتفاقيات الدولية المصدق عليها من قبل السلطة التشريعية هى جزء من قانون البلاد. فعلى سبيل المثال تنص المادة 151 من الدستور المصرى على التالى:

"رئيس الجمهورية يبرم المعاهدات، ويبلغها مجلس الشعب مشفوعة بما يناسب من البيان. وتكون لها قوة القانون بعد ابرامها والتصديق عليها ونشرها وفقا للأوضاع المقررة.."

وفى حين أن النظم الدستورية فى بعض البلاد تعطى السلطة التشريعية حق مناقشة و تحديد موضع مواد الإتفاقيات الدولية من القانون المحلى للبلاد إذا ما كانت هناك تعارض بينهما فإن المحكمة الدستورية العليا فى قد أعطت أولوية التطبيق لمواد الإتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان إذا ما كان هناك تعارض بينها و بين مواد القانون المصرى.

إذن فالتدخل الخارجى لطرف فى إتفاقية دولية لحقوق الإنسان هو أمر يشرعه ليس فقط تصديق مصر على إتفاقية دولية، و لكن أيضا يكفله الدستور، وهو أكبر دليل على شرعية التدخل الحقوقى و براءته من المساس بسيادة الدولة.

2) تحقيق المصالح القومية:
ومن المنطق أن نفترض أن الدولة تدخل فى معاهدة دولية من أجل حماية أو تحقيق مصالحها القومية. و لكن فى حين أنه يمكن قياس الإختبار الأول بمدى إحترام مبدأ و مضمون سيادة الدولة بأسلوب موضوعى من خلال إستعراض المعاهدات و موقف الدستور منها، يعتبر قياس مدى إحترام التدخل الخارجى للمصالح القومية معقدا بعض الشئ لأن الدولة تحتكر تعريف المصالح القومية من خلال سلطاتها، و غالبا ما تستخدم الدولة هذا الإمتياز لتصنيف القوى السياسية و الحقوقية بداخلها إما "وطنية" أو "غير وطنية". و لذا فمن المنطق أيضا أن نقر بأن تعريف الدولة للمصالح القومية يستمد مصداقيته من شرعية الدولة نفسها. ففى الدول الديموقراطية يمكن حسم هذه الأمور من خلال مؤسسات الدولة و عن طريق الرأى العام الذى يتكون من خلال مناخ تكفل فيه الدولة حرية التعبير للقوى السياسية و الحقوقية المختلفة.

أما فى النماذج التى تتغلب فيها الأوتوقراطية و الكبت على الديموقراطية و حرية التعبير فلا شك أن البحث عن المصالح القومية يبدأ بالتساؤل عن شرعية الدولة و سلوكها على الصعيدين المحلى و الدولى. فلا شك أن المصالح القومية تقتضى إصلاح الدولة التى تدعى حمايتها. و من هنا نجد أن تعريف المصالح القومية فى مصر التى تعانى تحت وطأة الأوتوقراطية المتسلحة بقانون الطوارئ قد أصبح مهمة القوى الإصلاحية و الحقوقية بالبلاد، و يجب أن تطالب هذه القوى الدولة بتطبيق المعاهدات الدولية التى دخلتها الدولة من أجل حماية و تحقيق هذه المصالح. و إذا تطلب الأمر أن تتعامل هذه القوى مع الأطراف المعنية لهذه المعاهدات من أجل تحقيق هذه المصالح من خلال الحيز التى تطوعت به الدولة بتصديقها على هذه المعاهدات فالتدخل هنا و السعى من أجله لا يمكن أن يعتبر كنشاط ماس بالمصالح القومية بل العكس صحيح و لذا فهو أمر مشروع ويجب على جميع القوى الوطنية أن تقيمه بموضوعية.

إذن على المعارضون للتدخل الخارجى الحقوقى أن يسألوا أنفسهم لماذا صدقت الدولة على هذه الإتفاقيات الدولية لحماية حقوق الإنسان؟ و لماذا سمحت بأن تسأل عن سلوكها مع الأفراد الذين من المفروض أنهم يتمتعون بحمايتها؟ و لماذا قبلت بأن تقدم تقارير دورية عن إنجازاتها و العواقب التى تقابلها فى إطار إدراك حقوق الإنسان طبقا لمواد هذه الإتفاقيات.

إنه فقط عند الإجابة بصدق على هذه الأسئلة سيصبح الحوار حول حقوق الإنسان فى مصر حوارا بناء، و حينه سيبدأ مشوار الألف ميل نحو إدراك حقوق الإنسان فى مصر، و الذى قطعت فيه غالبية شعوب العالم مئات الأميال.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن