المحكمة الاتحادية العليا في العراق

شمخي جبر
shamki61@yahoo.com

2007 / 4 / 11

المحكمة الاتحادية العليا في العراق
دراسة تطبيقية في اختصاص المحكمة والرقابة التي تمارسها معززة بالأحكام والقرارات

تأليف:مكي ناجي
عرض: شمخي جبر : مركز مدارك للبحوث والدراسات

يأتي كتاب الأستاذ مكي ناجي مدير عام المحكمة الاتحادية العليا في سياق التعريف بهذه المؤسسة المهمة وتبيان الهدف من تأسيسها والمسؤوليات التي تتصدى لها ،إذ يقول المؤلف ،انه وبعد قيام المحكمة بممارسة اختصاصها لاحظت ان هناك عدم وضوح رؤية في اختصاصات المحكمة لدى أصحاب الحرفة من المحامين والقانونيين حيث تأكد لي ذلك من خلال الاستفسارات وطلب المشورة،وكانت التساؤلات تدور حول من له الحق في التقدم بالدعاوى ؟ وما هي نوعية الدعوى؟ وما هو نوع الرقابة التي تمارسها المحكمة؟ وهذا الكتاب يجيب عن كل الأسئلة المطروحة بهذا الشأن بما فيها،أسئلة ،ما هي اختصاصات المحكمة ؟ وكيفية رفع الدعوى أمامها؟من له الحق في رفعها؟ والرقابة التي تمارسها والتطبيقات من خلال الأحكام والقرارات التي أصدرتها.
الرقابة الدستورية

لان الدستور أعلى القوانين في الدولة فلا يجوز للقانون الأدنى ان يخالف أحكام الدستور،ومخالفة أي قانون لأحكام الدستور تجعل من هذا القانون غير دستوري ويجب الامتناع عن تطبيقه او إلغائه،والهيئة التي تنظر في هذا الأمر وتقرر مدى دستورية القوانين والأحكام هي المحكمة الاتحادية العليا في العراق.وفي الدول التي تطبق الرقابة الدستورية على القوانين لديها نوعان من الرقابة،الأولى الرقابة من قبل الهيئة السياسية ،والثانية رقابة من قبل هيئة قضائية.ولكل طريقة أسبابها إلا أن المؤلف يرى ان الأخذ بطريق الرقابة من قبل هيئة قضائية،هي الطريقة المثلى لان تحديد القواعد الدستورية معناه تفسير هذه القواعد،وتفسيرها مهمة المشتغلين بالقضاء،والرقابة على دستورية القوانين تعني في حقيقتها إلغاء او تعطيل القانون المخالف للدستور ،لذا فان القضاء هو المؤهل للقيام بهذه المهمة،وممارسة الرقابة عن طريق هيئة قضائية وسيلة منطقية يفرضها حكم عمل القاضي لأنه وهو يقوم بتطبيق القانون على ما يعرض أمامه من منازعات يكون ملزما بتطبيق حكم الدستور،فالقاضي مقيد في حكمه بقوانين الدولة العادية كما هو مقيد بالدستور الذي يعد القانون الأساس لها.ومادامت النصوص القانونية في الدول مختلفة في الدرجة فان المنطق يقضي بتطبيق القانون الأعلى وعدم تطبيق القانون الأدنى في حالة التعارض بينهما .وتمتاز الرقابة القضائية بحياد القاضي وبعده عن التيارات السياسية وأهواء الأحزاب،كما إن التكوين القانوني لرجال القضاء يؤهلهم للقيام بالرقابة على دستورية القانون نظرا للطبيعة القانونية التي تتصف بها موضوعات هذه الرقابة.وتهدف الرقابة القضائية على دستورية القوانين الى تمكين الدولة القانونية القائمة على سيادة القانون،والحيلولة دون الأخذ بمفاهيم لم يسمح بها المشرع الدستوري،والدفاع عن إرادة الشعب الذي أصدر الدستور وبالتالي حماية الديمقراطية. وذهبت غالبية الدول الى جعل الرقابة القضائية بيد جهة واحدة هي المحكمة الدستورية وهو ما يسمى بمركزية الرقابة.

كيفية النظر في دستورية القوانين

المحكمة الاتحادية العليا لا تنظر في دستورية قانون ما من تلقاء نفسها،أي لابد إن تتحرك الرقابة على دستورية القوانين بطلب من الغير، فقد يكون على شكل دعوى تقام من أفراد او هيئات، وقد تثار الرقابة على دستورية القوانين كوسيلة من وسائل الدفاع يلجأ إليها الخصم ليدفع بعدم دستورية القانون المراد تطبيقه عليه، وهذه الرقابة هي رقابة بطريق الدفع. وإذا وجد القاضي ان القانون مخالف للدستور يمتنع عن تطبيقه على القضية المعروضة أمامه.
وفي الولايات المتحدة التي تأخذ في (الرقابة القضائية بطريق الدفع) نجد طرقاً أخرى للرقابة القضائية أهمها: الرقابة بطريق الأمر القضائي،والرقابة عن طريق الأمر القضائي.

الرقابة الدستورية في العراق

يتابع المؤلف بحثه في هذا الموضوع، منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921، وصدور أول دستور عراقي في 21 آذار 1925 والذي سمي (القانون الأساسي العراقي) وكيف كانت الرقابة على دستورية القوانين في ظله ،وان لم تمارس في الواقع التطبيقي إلا مرة واحدة إلا إن سندها القانوني كان موجودا في المواد(80 ـ86 )منه.ثم ينتقل المؤلف الى العهد الجمهوري،وقيام الجمهورية الأولى عام 1958 والذي لم يتضمن أي نص بتشكيل محكمة عليا تتولى الرقابة على دستورية القوانين،ويقول المؤلف إن سكوت الدستور المؤقت عن تنظيم الرقابة على دستورية القوانين لا يعني نفيها بل يعني إنها تخضع للقواعد العامة في الموضوع، والتي تجيز الرقابة على دستورية القوانين عن طريق الدفع بعدم الدستورية في حال سكوت الدساتير عنها، ويكاد الفقه يجمع على إن الرقابة على دستورية القوانين، بطريق الدفع بعدم الدستورية هي من صميم واجبات القضاء مما لا يحتاج الى نص خاص عليها، وهذا ما ذهب إليه الأستاذ الكبير الدكتور عبدالرزاق احمد السنهوري إذ قال: (على القضاء ممارسة هذه الرقابة لأنه يتعين عليه أن يمتنع عن تطبيق تشريع يكون في تقديره باطلا لمخالفته الدستور) وقد مورست الرقابة على دستورية القوانين بطريق الدفع بعدم الدستورية والامتناع عن تطبيق النص المخالف للدستور في ظل الدستور المؤقت للجمهورية الأولى،عندما امتنعت إحدى المحاكم عن تطبيق نص احد قوانين الإصلاح الزراعي لمخالفته للدستور.

الرقابة الدستورية بعد التغيير 2003

وكانت البداية بعد صدور أول وثيقة دستورية،المتمثلة بقانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية،اذ نصت المادة الرابعة والأربعين على إنشاء محكمة اتحادية عليا مهمتها الرقابة على دستورية القوانين والنظر في المنازعات التي تنشأ عن تطبيق القوانين الاتحادية،فأصدر مجلس الوزراء بناء على موافقة مجلس الرئاسة وحسب صلاحياته التشريعية الأمر رقم(30 )لسنة2005 (قانون المحكمة الاتحادية العليا)وجاء في المادة (1)منه مايلي(تنشأ محكمة تسمى المحكمة الاتحادية العليا ويكون مقرها في بغداد تمارس مهامها يشكل مستقل لا سلطان عليها غير القانون)كما نصت المادة(2)من القانون على استقلالية المحكمة ماديا وإداريا.
وأكد الدستور العراقي 2005 في المادة(92 )أولا على ما جاء في قانون المحكمة الاتحادية النافذ بان المحكمة هيئة قضائية مستقلة ماليا وإداريا،إلا أن الفقرة ثانيا من المادة(92 )نصت على تكوين المحكمة الاتحادية يختلف عن تكوينها الذي نص عليه قانون إدارة الدولة العراقية الانتقالية وقانون المحكمة النافذ ،فقد نصت على (تتكون المحكمة الاتحادية العليا من عدد من القضاة وخبراء الفقه الإسلامي وفقهاء القانون يحدد عددهم وطريقة اختيارهم وعمل المحكمة بقانون يسن بأغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب

من له حق التقدم بالطلبات والدعاوى

نصت المادة (3) من النظام الداخلي رقم (1) لسنة 2005 على (إذا طلبت المحاكم من تلقاء نفسها أثناء نظرها دعوى البت في شرعية نص في قانون او قرار تشريعي أو نظام أو تعليمات بتعلق تلك الدعوى فترسل الطلب معللا الى المحكمة الاتحادية العليا للبت فيه ولا يخضع هذا الطلب الى الرسم.وأعطى النظام الداخلي رقم (1) لسنة 2005 حق التقدم بالدعوى لثلاث جهات:
1ـ الخصم أمام محكمة الموضوع.
2ـ الجهات الرسمية.
3ـ الأفراد من الأشخاص الطبيعية والمعنوية.
نحن لم نكن نريد أن نقدم تلخيصا لهذا الكتاب ،فنقدم بديلا عن قراءته لان هذا أمر صعب في حالة التعامل مع كتاب علمي لا يمكن إغفال جانب وإبراز آخر منه، بل أردنا أن نقدم هذا الكتاب لأهل الاختصاص من القانونيين والمحامين والسياسيين وكل المهتمين بالتجربة السياسية في العراق ،بل هو كتاب فضلا عن مضامينه القانونية فهو تاريخ للرقابة الدستورية في العراق.


وصف ببليوغرافي


وإذا أردنا أن نقدم للقارئ وصفا ببليوغرافيا للكتاب،نعرض من خلاله عرضاً لأبوابه وفصوله ،فانه يتكون من خمسة أبواب، الباب الأول فيه عدة فصول أهمها الفصل الأول نبذة عن الرقابة الدستورية، والفصل الثاني الرقابة الدستورية في ظل القانون الأساسي العراقي ،والفصل الثالث الرقابة الدستورية في ظل دساتير جمهورية العراق المؤقتة.الباب الثاني يقدم المحكمة الاتحادية في ظل قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة نتقالية، إنشاؤها وتكوينها واختصاصاتها،وانعقادها،وفصل في إدارة المحكمة وتخويل الصلاحيات.والباب الثالث عالج المؤلف من خلاله المحكمة الاتحادية في ظل الدستور الدائم 2005 ،وتكوينها واختصاصاتها،كاختصاصها بتفسير نصوص الدستور،وطلب التفسير وضوابطه وأثره.
ويدرج المؤلف بعض طلبات التفسير لبعض النصوص الدستورية التي تصل الى المحكمة الاتحادية من السلطات والمؤسسات في الدولة العراقية ،مثل ديوان رئاسة الجمهورية،ومجلس الوزراء،مجلس النواب،وأجابت المحكمة عن جميع طلبات التفسير الواردة إليها من تلك الجـهات.
وفي الباب الرابع من له حق التقدم بالطلبات والدعاوى وشروط التقدم بالطلبات،وإجراءات الفصل في الطلبات والطعون،والطعن بالأحكام والقرارات ،ودور الادعاء العام أمام المحكمة الاتحادية العليا،ودور الخبراء والاستشاريين في ظل النظام الداخلي رقم(1 )لسنة2005 .
وتضمن الباب الخامس تعديل قانون المحكمة الاتحادية العليا النافذ وفق نصوص الدستور،ودور خبراء الفقه الإسلامي وفقهاء القانون.


استقلالية القضاء والمحكمة الاتحادية


وهناك فصل بشان النصوص الدستورية التي تخل باستقلالية القضاء والمحكمة الاتحادية العليا، ويناقش المؤلف المادة(61/ خامسا) من الدستور الدائم، حيث اخضع الموافقة على تعيين رئيس ونائب رئيس وأعضاء محكمة التمييز ورئيس هيئة الادعاء العام ورئيس هيئة الإشراف القضائي الى التصويت بأغلبية الثلثين من مجلس النواب، ويرى المؤلف ان هذا يعد إخلالا جسيما بمبدأ فصل السلطات ومبدأ استقلال القضاء في الوقت الذي يتطلب دعم استقلال القضاء عن طريق ضمان عزل عملية الاختيار عن ضغوطات المصلحة السياسية،وهذا ما سارت عليه تجارب الدول الحديثة ،والمواثيق الدولية ومنها ميثاق القضاة الأوربيين الذي أشار في المادة (4) منه الى وضع المسؤولية في اختيار القضاة على أساس معايير موضوعية مصممة لضمان الكفاءة المهنية من قبل جهاز قضائي مستقل يمثل القضاة وان لا يلعب أي مؤثر خارجي خاصة المؤثر السياسي أي دور في عملية الاختيار والتعيين ومجلس القضاء الأعلى في العراق هو خير من يحدد الضوابط في المرشح للمنصب القضائي،لان التقييم يمر بمرحلة غير يسيرة عبر تشكيلات المجلس ويرى المؤلف أهمية إلغاء الفقرة(أ / خامسا)من المادة (61) وعبارة بأغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب الواردة في آخر المادة(92 / ثانيا )من الدستور، ويناقش المؤلف نصوصاً أخرى في هذا الاتجاه.
ويختتم كتابه بملحقين، الأول يتضمن قانون المحكمة الاتحادية العليا رقم(30 )لسنة 2005 ،والثاني النظام الداخلي للمحكــمة الاتحادية العليا.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن