جدلية النور والظلام والموت والحياة

أمل فؤاد عبيد

2007 / 4 / 4

عند محاولة التقاط البعد النفسي والقيمي في هاتين الآيتين الكريمتين :
* تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي وترزق من تشاء بغير حساب * 27 آل عمران
" وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون .. والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم " يس
سوف نلاحظ أنه في الآية الأولى قد جاءت في سياق دعاء المؤمنين لله .. تأكيدا لصفات الله في فعله .. أما الثانية فهي آية بينة لمن يعقل .. وكأنه هناك جدل بين الآيات البينات والآيات التي تختص بالدعاء والمناجاة .. فالله المعلم الأول وكاشف عن ذات فعله في خلقه .. ولنقيم ملاحظتنا على تلك الحركية للعلاقة بين الأولى والثانية لاستخراج البعد النفسي والقيمي من هاتين الآيتين .. ونقيم وزناً للبعد النفسي على اعتبار انه ما يخصنا هنا .. ولنعرف كيف يتم الاستفادة من كتاب الله في علاج الكثير مما يصادفنا من عدم فهم ووعي .. لأنني أرى المشكلة كثيراً ما تكون عدم فهم أو سوء استقبال لآيات الله وعدم التمكن من الوصول إلى غاية الحكمة من قول الله تعالى .. ومن هنا أصبح كتاب الله مهجورا في كثير من الأمور ..
لذا سوف نقيم ربطا موضوعيا ومعنوياً بين الآية الأولى والثانية مستخرجين البعد والحكمة من هذا الإدراج والربط بين النور والظلام والحياة والموت من خلال عرض لا يعتمد نهج التعليل بقدر ما يعتمد نهج التحليل للوصول إلى غايتنا بأمر الله. لقد كان امتياز الفهم دوما يأتي على صورة مادية صرفة .. وقد هجر الجانب الروحي أو النفسي في طيات الشروحات .. من هنا أصبح الإنسان في تعاطيه لكتاب الله مرتكناً إلى البعد المادي فقط .. رغم أن ما في الكتاب هو مقروء على بينة حسية من الإنسان من خلال الكون .. ذلك أن القرآن كون مسطور والكون كون معروض للحواس أو منظور .. والليل يأتي بعد النهار والنهار يأتي بعد الليل .. والبعد هذا قد يلغي القبل في تتابع الأحوال والأحداث .. لما لا نقول مثلا كان الليل قبل النهار .. أو النهار قبلا من الليل .. هذا البعد البعدي ألغى فكرة الما قبل .. ومن ثم لم يكون هناك فهماً جدليا عند الجميع يوضح كيفية صنع الله لحدث النور والظلام .. أو حتى فكرة الولوج هذه كيف يمكن أن تكون على المستوى النفسي قبل المادي .. وهي فكرة رمى الله بها ليس فقط للكشف عن مقدرات إبداعه في كونه .. وإنما في تلك الآيات .. آيات لمن يعقل كيفية الحركة .. حركة النور والظلام في داخل النفس البشرية .. أو لنقل حركة الموت والحياة وخروج الميت من الحي وخروج الحي من الميت .. كانت أيضا فكرة مرهونة بالولادة أو الزرع أو الإنجاب بكل أشكاله والخلق بكل ما له .. ولكن فكرة الخلق .. خلق الحياة من قلب الموت .. أو خلق الموت من قلب الحياة .. فكرة مرتبطة شيد الارتباط بالنور والظلام .. أو لنقل هي تؤكد على ذلك البعد الغيبي والروحي والنفسي البعيد الغور .. والذي لا يهم الله في كونه سواه .. الإنسان وما يختلج في داخله من تردد بين النور والظلام .. أو بين الموت والحياة .. لأن الله قد خلق الكون مسخراً بأمره للإنسان وجعله خليفة .. بالعقل والمستوى الحسي والروحي العالي .. ومدى ارتباطه بالله .. وقال ويقول ما خلقت الإنس والجن إلا ليعبدون .. من هنا .. نجد أن الله يعلم كيفية العبادة ومستواها .. وفروقات مستوى التعبد من إنسان لآخر ووصف كثيرا مقامات العباد عنده في الحياة الدنيا والحياة الآخرة .. لذا لو حددنا البعد النفسي أو استطعنا فهم الآيتين مترابطتين معاً نعي فكرة مشاركتنا في صنع النور أو الظلام .. أو اتساع الظلام .. أو شموله .. وأيضا النور .. وكذلك .. مشاركتنا في خلق الحياة من مواتنا ..؟ أو البقاء على موتنا .. رغم الحياة .. فليس الموت هنا يبقى مرهوناً فقط عضويا أو حيوياً اقصد مادياً .. لربما هو الموت المعنوي اكثر قسوة وأكثر موتاً وظلمة من موت القبر .. وأيضا .. لربما حياة الروح وترفعها عن مستوى الموت المعنوي وارتفاع الروح لمستوى الحياة مع الله لهي أسمى حياة وأرفع حياة .. بل هي الحياة الحقيقية .. بكل جوارحها .. إن الأصل هو الظلام .. العدم .. ومن ثم كان فعل الله للنور ونشره ومن ثم الوجود والإيجاد .. حتى أننا لنرى أن النبات ذاته يحتاج للنور .. والظلام معاً والإنسان بطبيعته الفطرية جعل الله له الليل سكناً والنهار مبصراً و امتداداً .. وما بين الظلام والنور يقيم الله جدل الوجود من خلال حرفة الصنعة والإيجاد والإبداع والخلق .. كما أن الوعي لا يمكن أن يدرك فارق إدراكه لقيمة النور أو العكس الشعور بفقده .. إلا من خلال التضاد هذا .. بين الوجود والعدم .. وبين النور والظلام .. وبين الحياة والموت .. ومن ثم .. كيف يكون تعريف هذه الآيات جملة لا تفصيلا فقط .. نقول أن جملة الآيات تقرر التوازي الحقيقي واليقيني بين الخلق والفناء .. وبين النور والظلام .. في البداية نستطيع تأويل الآية الأولى على أن ولوج الليل في قلب النهار معبراً عن الردة والكفر والظلمة .. ظلمة النفس .. من هنا كان التوكل على الله في مسألة الهداية أمراً حتمياً .. لا يمكن الوصول إلى الله سوى بالله ونوره وهديه .. كما أن ولوج النهار في الليل تعبيراً حقيقياً على الهداية والتبشير بالخير والرجاء في وجه الرحمن .. بأنه يقدر على هداية من يشاء .. والتحاقاً بهذا جاء سياق الآية معبراً عن الموت والحياة .. وجدل الخلق بينهما .. يخلق أو يخرج الحي من الميت .. ويخرج الميت من الحي .. لهو إشارة غير مباشرة على قدرة الله على إحياء القلوب والنفوس والأرواح .. وأيضا تضليلها وعتامتها.. وظلمتها .. فهو خالق كل شيء وكما يقول تعالى خلقكم وما تفعلون .. لذا كان فضل الله عظيماً على من يهتدي .. ليس بإرادته ولكن من خلال إرادة الله .. من هنا كان طلب العبد لله طلباً عظيما ً والجهاد في هذا الطلب جهاداً أوفى الله حقه بأكثر من الجهاد في ساحة القتال .. لو وقف المصلي على صلاته محققاً هذا الدعاء .. كما جاء في سياق الآية .. ربنا إنك تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي وترزق من تشاء بغير حساب .. لهو دعاء أحق بالتفكير والتفكر .. فهو يبغي وجه الله وفعله وقدرته على إخراج موات النفس والروح إلى الحياة مع الله .. وأيضا .. ولوج نور الله في الصدور .. لهو أحق بالاعتبار من ولوج الليل في النهار أو ولوج النهار في قلب الليل .. هذا أنه مرتبط بالسياق الإنساني العميق في رباطه مع الله عز وجل ..
وهي مسألة لابد من التفكر فيها .. وتقدير الله حق قدره من خلال ما يطرحه لنا في سياق كتابه الكريم من آيات .. ومن ثم تكون الآية الثانية في سورة " ياسين " ما هي إلا تدليل .. على هذه الآية الكونية التي يختص الله بها الإنسان ليتفكر قدرة الله في الكون .. فكيف يكون على مستوى النفس أو الروح .. لأنه أبسط من أن يكون اختراق ظلام الليل بنور النهار .. أو انسلاخ النهار من الليل .. أو جريان الشمس لمستقر لها .. كذلك نور الله .. يجري بين العباد لمستقر له .. حيث يريد الله وحيث أراد .. العبرة في ما يتحقق حولنا من آيات ليس فقط التفكر في قدرة الله ولكن أيضا .. التفكر في كيف يمكن للإنسان أن يحقق معادلة أو علاقة جدلية بينه وبين الخالق والكون من حوله .. وأن يكون الكون ما هو غلا دلالة ومدخلا لفهم ,إدراك قدرة الله عز وجل وتقديره حق قدره .. حتى كلمة ولوج تنبئ عن قدر السهولة بأمر الله .. وهو كانسياب الماء وجريانه .. ليس هناك من صعوبة في هذا .. أو تعطيل .. هذا الانسياب والانسيابية دليل على القدرة ومطلق التسخير من قبل الله للكون وحركته .. وأن كل شيء مطاع لله ومسخر بأمره ولأمره .. كذلك يبشر الله عباده بأن حركة النور والظلام .. ليس بأمر صعب .. بل يتوقف على الله وقدرته عزل وجل .. ولكن يبقى الفعل والإرادة غاية الإنسان هي القرب من الله وعبادته حق العبادة .. ليست عبادة طوعية فقط .. ولكنها عبادة مدركة واعية متفهمة دورها ودور الله في الكون .. ومشيئته وإرادة الإنسان في قلب إرادة الله تعالى ..
إن الله لم يبخسنا حق التفكير أو يسلبنا حق الطاعة بفكر وعقل .. ولكن قد يسلبنا حق النور .. إذا بات الظلام فكرة متأصلة للإنسان ونفسه .. أو لربما هو نداء خفي من الله للعباد بأن نور الله قريب ومباشر لا يصعب الحصول عليه ..
من هنا كانت الآية الأولى دليل للدعاء والطلب .. والترغيب والترهيب أيضاً .. ذلك أن الفرد منا لا يعتمد على تحصيل النور إلا بفضل الله .. فليتحرى العابد مكر الله .. إذا اعتمد على قوته الذاتية أو هدايته بنفسه .. وإنما تحصيل الخير بيد الله فقط وبأمره .. من هنا كان هذا الدعاء مطلوب تسخيره للعباد في كل وقت .. فهو أجل من أن يترك سدى ..



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن