الحزب الشيوعي العراقي..ضمير وطن ..!

هادي فريد التكريتي

2007 / 3 / 30

باقة من الورد الأحمر للحزب الشيوعي العراقي في 31 آذار ، يوم تأسيسه ..
من الصعب جدا أن نجد مثيلا للحزب الشيوعي العراقي بين الأحزاب العراقية ، التي نشأت أو تكونت خلال الحكم الوطني ، وحتى الساعة الراهنة ، كما تصعب المقارنة ، بين أهدافه وأهداف غيره من تلك الأحزاب ، بما فيها الأحزاب الوطنية والديموقراطية ..أغلب الأحزاب العراقية منذ نشأتها وحتى اضمحلالها وتلاشيها ، كانت تنطلق من أهداف ذات منطلقات قومية ـ عنصرية أو دينية ـ طائفية ، وهذان المنطلقان ، تأثيرهما محدود في المجتمع العراقي ، بالحدود التي ينتهي تأثيرهما القومي ـ العنصري ، أو الديني ـ الطائفي ، أما الأحزاب التي كانت تتبنى نهجا وطنيا أو ديموقراطيا ، فعلى الرغم من قلتها ، وضآلة منتسبيها ، وموسميتها في العمل ، كانت محدودة الأهداف ، والبرامج ، تقف عند حد ما يسمح به برنامجها المعلن من إصلاحات ، لا تتجاوز أهداف ومصالح بعض الفئات التي تتشكل منها ، ونشاطها لا يتعدى تحقيق بعض أهداف هذه الفئات ، وأحيانا سرعان ما تتلاشى هذه الأحزاب ، أو تعطل نشاطها السياسي ، حتى قبل أن تحقق أي هدف من أهدافها ، عندما تتعرض لاضطهاد السلطة ، أو عندما تتجاوز الخطوط الحمر ، التي وضعتها السلطة مسبقا لنشاط مثل هذه الأحزاب ، ولو تتبعنا مسيرة تلك الأحزاب ، وقت تأسيس الحزب الشيوعي ، لما عثرنا على اسم واحد منها في الوقت الحاضر ، يمارس نشاطه .
العراق كان ولا يزال متعدد القوميات والأديان والطوائف ، كما هو مجتمع طبقي ، فلا يصلح له نظام حكم ، يؤسس على نظرية عرقية أو عنصرية أو دينية ، كما هو الواقع في العراق ، والحزب الشيوعي العراقي ، أسس ليشمل كل النسيج العراقي ، المتكون من قوميات وأديان وطوائف متعددة ، فأعضاؤه العاملون في صفوفه ، يتم قبولهم الطوعي للعمل في صفوفه ، وفق أسس ومعايير النزاهة والوطنية والطبقية ، بغض النظر عن انتماء قومي أو ديني أو طائفي ، لأنه يستمد من الفكر الماركسي نظريته في الحكم ، التي تجسد إزالة الفوارق بين البشر ، وتقرالحرية والعدالة الإجتماعية ، والمساواة بين المواطنين أمام القانون ، دون تمييز بين الذكر والأنثى ، ووفق هذه المبادئ اجتذب إلى صفوفه ، النخب المثقفة ، من المفكرين والعلماء والطلبة والمتعلمين ،والمراتب الدنيا من الطبقة الوسطى ، والفئات المسحوقة من المجتمع ، وكل الفئات ، الحالمة بالعدالة ، وبحرية الفكر والمعتقد ، والغد الأفضل ، إضافة إلى طبقتي العمال والفلاحين ، اللتان يشكلان حجر الزاوية في نظرية الحكم ، من أجل بناء مجتمع معاد للقهر والاستغلال .فمبادئ الحزب وصلابة أعضائه وتفانيهم الوطني ، جعلته في فترات مختلفة من الحكم الملكي ،والجمهوري ، من أقوى الأحزاب السياسية ، وأكثرها فعالية على الأرض ، على الرغم من إعدام قادته ، وحبس رفاقه ، وتحريم نشاطه ، وملاحقة السلطة الملكية ، العميلة للأجنبي ، المتحالفة مع الإقطاع وشيوخ العشائر ورجال الدين بكل طوائفهم . لوحق سابقا ، ويلاحق حاليا ، بسبب مبادئه العادلة وأهدافه المعادية للإستغلال ، التي تفتقر إليها كل الأحزاب القومية ـ العنصرية ، وكل الأحزاب الدينية ـ الطائفية ، حتى اللحظة ، لذا كان الحزب الشيوعي العراقي ، ومنذ تأسيسه ، هدف تكفير واستباحة وقتل ، تحرض عليه ، وتمارسه ، كل هذه القوى .
الحزب الشيوعي العراقي ، ومنذ بواكير تأسيسه ساند الحركة القومية الكردية ، ووقف إلى جانبها في كل ما تعرضت له من اضطهاد وعسف ، إبان الحكم الرجعي الملكي ، وباقي العهود ، ومؤيدا ليس الاعتراف بحقوقها القومية ، فقط ، بل وحقها في تقرير مصيرها كأمة ، وكشعب ، أقرها في وثائقه ، قبل أن يتبناها أي حزب كردي من قبل.
ساهم الحزب الشيوعي العراقي في العام 1957 بنشاط وفعالية متميزين ، في جبهة الاتحاد الوطني ، المتشكلة من أحزاب قومية وديموقراطية ضد الحكم الملكي ، وبعد فترة زمنية وجيزة ، من نجاح ثورة 14 تموز ، تلاشت كل تلك الأحزاب واندثرت، وعندما تواطأ القوميون ، والطائفيون من رجال الدين ، مع الأجنبي لإسقاط النظام الجمهوري ، لم يجدوا غير وطنية الحزب الشيوعي في مواجهتهم ، أثناء وبعد ردة " شباط السوداء " في العام 1963 ، وبذلك فقد الكثير من قياداته وكوادره ومؤيدية ، من أجل حرية الشعب والوطن ، إلا أنه لم يلق السلاح ولم ُيَسلم لهم الوطن ضحية باردة ، قاوم وخسر شهداء من مختلف أطياف الشعب العراقي ، من ضمنهم قيادة مجربة وكوادر لامعة ..أثناء النضال ، وجراء نتائجه ، وقع في أخطاء جسيمة ، إلا أنه لم يهادن ، أعداء الشعب ، ولم يستسلم ..
عند عودة البعث في العام 1968 ، تم اغتيال الكثير من كوادره المجربة ، وبذا سيطرت قيادة يمينية على الحزب ، قادته لتوقيع جبهة إذعان وخنوع مع البعث ، أبرز نتائجها ، كان ، التخلي عن تنظيمات الحزب في الجيش ، مرورا بكافة المنظمات المهنية والديموقراطية ، تزامن هذا التنازل للبعث ، مع إعلان الحزب موقفا ، مشينا ، مناهضا لقيادة المرحوم الملا مصطفى البرزاني ، في ثورته ضد البعث ، فقرار الحزب كان ملتبسا ، اكتنفه الغموض ، لأنه صادر عن مكتب سياسي ،لحزب شيوعي ، يقوده كردي مخضرم ، لم ُيبرر مثل هذا الموقف حتى اللحظة . بعد فترة وجيزة من فك تحالف الحزب الشيوعي ، مع الحركة الثورية الكوردية ، بدأ حزب البعث بالهجوم على الحزب اللشيوعي ، وبوشر بتصفية منظماته في كل أنحاء العراق ، فكان الجلاء عن العراق ، وبذا تمكن البعث من الشعب العراقي . ..!!

في الخارج تمت إعادة بناء منظمات الحزب ، وتشكلت منظمة " الأنصار الشيوعيين ": في منطقة كوردستان العراقية ، كما تشكلت جبهات ، " جوقد " و"جود" بين قوى سياسية كورستانية وعربية ، كان الحزب الشيوعي ، رغم جراحه التي لم يشف منها بعد ، محركا لها وفاعلا في نشاطها ، لتمتين العلاقات الوطنية بين أطراف التحالف ، من أجل إسقاط النظام الفاشي ، هكذا كان شأنه ، عملا بوصية قائده الراحل " فهد " : ـ (.. قووا تنظيم الحركة الوطنية..) إلا أن قيادته نسيت الفقرة الأولى من مقولته ( قووا تنظيم حزبكم ..) ...
تشكلت " لجنة العمل المشترك " في العام 1990، بعد حوارات بدأت في بداية العام 1989 ، بين أطراف من الحركة الوطنية الديموقراطية والقومية ، والإسلامية ـ الطائفية العراقية ، كان الحزب الشيوعي العراقي ، طرفا أساسيا فيها ، بعد سقوط النظام ، القوى المشاركة في " لجنة العمل المشترك " دخلت العراق ، ولم تنفذ بنود الإتفاق المتفق عليه ، لأنها قد حققت ، بموجب مبدأ المحاصصة الأمريكي ، أكثر مما كانت قد اتفقت عليه ، ما عدا الحزب الشيوعي ، فالجميع قد تناسوه ..هكذا هي دائما جبهات المعارضة معه .
الحزب الشيوعي العراقي كان من أول التنظيمات العراقية التي دخلت بغداد ، إلا أنه لم يستول على عقار أو ممتلكات مملوكة للدولة أو للأفراد ، كما فعلت حاليا ، القوى القومية والدينية الطائفية ، فمبادئ هؤلاء تقول " ..الحزبي أول من يستفيد وآخر من يضحي .." والشيوعيون مع الكثير من المواطنين الذين ُهٍجروا والذين أُكرهوا على مغادرة الوطن لم تُسترجع لهم ممتلكاتهم حتى كتابة هذه السطور ..هذا هو الفارق بين حزب شيوعي وطني ، وغيره طائفي أو قومي ، من القوى الأخرى ، وسيبقى الشيوعيون يحملون هموم الشعب ، بكل طوائفة وقومياته ، قبل هموم أعضائه ومنتسبيه ..معادلة صعبة الفهم على من يتخندق بحصانة الدين والقومية..!!
تنظيمات الحزب ،إبان الحكم الفاشي ، داخل العراق وبغداد بالذات شبه معدومة ، نتيجة للقمع والإرهاب ، الذي مارسه النظام الفاشي على الساحة العراقية بحق كل القوى والأحزاب العراقية ، إلا أن ما لحق بالحزب الشيوعي كان الأكثر والأعنف ، من بين كل القوى السياسية ، لأنه كان ضمير الشعب ، والأمل في عيون المقهورين ، فالتنظيمات الكوردية ، كادت أن تكون سليمة ، عندما انتقلت إلى معاقلها في المنطقة الكوردية ، بعد انتفاضة آذار في العام 1991، وبعد أن فرض مجلس الأمن الحماية الدولية على المنطقة الكوردية ، والقوى الإسلامية تمتعت بحماية الجوامع والحسينيات ، عندما ابتدأ صدام حملته الإيمانية ، بعد انسحابه من الكويت ، وبقي الحزب الشيوعي ، الحزب الوحيد الذي لم يجد له مأوى يقيه تصفيات نظام الحكم الفاشي ضده ، منذ منتصف سبعينات القرن الماضي وحتى سقوطه في العام 2003..
كل القوى القومية والطائفية ، استفادت من مبدأ المحاصصة ، في تقاسمها لإرث دولة البعث ، مناصب وحقوق مسلوبة ، ولم تخسر سوى القوى الوطنية والديموقراطية ، وعلى رأسها الحزب الشيوعي ، بعد أن أشاحت بوجهها عنه ، الكثير من القوى السياسية والقومية الوطنية ، والدينية ، التي تعاون معها على إسقاط النظام ، وخصوصا الحلفاء الكورد ، فالغنيمة يتقاسمها الأقوياء ، وبما يملكون من مليشيات وسلاح ، ومرجعيات طائفية ، جاهزة لإصدار فتاوى التكفير والقتل والتهجير .. إلا إن المعركة لم تحسم بعد ، بين الطائفية والوطنية ، والقوى الكوردية لازالت تحيط بها وبقضيتها ، المخاطر وتحتاج لحليف ستراتيجي ، كالحزب الشيوعي ، فالطائفية بكل أشكالها ، لا تؤتمن ولا تمتلك غير برنامج يتضمن فتاوى الآيات ، إذا ما اصطدمت بالواقع .
فمنذ أربعة أعوام ، والسلطة بيد القوميين ـ العنصريين وإسلام الطوائف ، وحكومتهم لم تحقق سوى النهب للمال العام وسرقته ، فنوابهم ووزراؤهم منهمكون بالسفر خارج / داخل العراق لضمان أفضل ريع في البنوك الأجنبية ، للأموال المسروقة والمقتطعة من أفواه الشعب ، والشعب لن يصبر على هذا الحال ، فالأمر محال ، أن يستسيغ العيش شعب ، كالشعب العراقي ، على فتاوى طائفية ، لا تسمن ولا تغني من جوع ، فالحياة لا تدوم بوهم وعود لم يصدقها حتى مطلقوها ، الحياة تستمر وتتواصل وتدوم فقط بالعمل وبالعدل وإقرار الأمن والسلم بين المواطنين ، وهذه مهمة فشلت في تحقيقها حكومة المحاصصات ، ولن تقدر عليها سوى القوى الوطنية والديموقراطية العراقية ، مجتمعة ، المشهود لها بالنزاهة والوطنية والكفاءة ، متحالفة مع حزب شيوعي مجرب في مواقفه الوطنية ، لا يخون حليفه ولا ينقض له عهدا ، خصوصا بعد أن تعافى من مصائب الحكم الفاشي والآثار التي خلفتها ديكتاوريه البعث عليه ، من جديد سينهض ، كما عود الشعب العراقي في كل الملمات ، على تحمل أعباء الشعب وهمومه ، فهو الأمل والمُخٍلص ، من أجل العراق وتحرره ، ورفاهية شعبه وسعادته ، فهو ضمير شعب ووطن ..!.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن