أسباب ظهور الخلايا الجهادية حاليا ، و الحركات الثورية مستقبلا لإعلان الكفاح المسلح ضد الملكية بالمغرب

علي لهروشي
alilahrouchi@hotmail.com

2007 / 3 / 20


إن الأفكار أنواع ، منها الهدامة ومنها البناءة ، وكم تسببت في إراقة الدماء ، دفاعا عن مشروعيتها ، ورغبة في تطبق فحواها على أرض الواقع ، إلا أن الأفكار البناءة لا يمكن قتلها ، ومحوها ، و اغتيالها أو اختطافها ، لأنها ليست تجريدا في الأذهان ، بل هي مجسدة في وقائع و أحداث ملموسة ، و مستمدة منها ، وبذلك تظل رؤيتها وصحة منطقها لا يُفنيان و لا يموتان ، وهي أفكار لا تقيد بالزمان ولا بالمكان ، ولا بالسن والعمر، لكونها في الأخير أفكارا مستقبلية ، تدفع المؤمنين ، والمتشبعين و المناضلين من أجلها إلى التضحية بالروح ، والنفس ، و النفيس ، من أجل تثبيتها على أرض الواقع وتحقيق مضمونها ، قصد الخلاص والتخلص من الأفكار الهدامة ، ومروجيها بين أفراد الشعب ، خاصة إذا هيمنت تلك الأفكار البناءة على عقل الإنسان و صار بذلك متشبعا بها ، أما الأفكار الهدامة و المخربة ، فهي لا تختلف عن نقيضها - الأفكار البناءة- إلا بكونها- أي الأفكار الهدامة- تحاول التأثير في الأحداث من وراء الستار ، ولكنها مهما فعلت ، ومهما طال زمن إخفاء صانعيها فإنهم لن يظلوا كذلك ، بل سيكشفهم التاريخ القريب ، أو المتوسط ، أو البعيد ، لأنه كما قيل في كتاب " تاريخ الفكر السياسي" ترجمة "علي مقلد" ( أن ترابط الأفكار وتنظيمها يعني بالضرورة ترابط الأحداث ، والأشياء وتنظيمها ، وكل شيء يتم بفعل الأفكار، إنها تنتج الأحداث التي هي منها كالغطاء أو الرداء ، و الأفكار هي ذلك الشهاب الذي يثقب عالم المستقبل ، عالم المجهول، إنها هي التي تحرك الناس و الشعوب ، ومن خصائص الأفكار أنها قاسية لا ترحم) وبالتالي فقد يظل تصادم الأفكار هو مصدر الأحداث التي تعرفها مناطق العالم ، والمغرب منطقة من هذه المناطق ، التي يعتبر فيها كل شيء غامض لا يحمل لونه ، ولا طعمه ، و لا حجمه الحقيقي ، إلى حد جعل المغاربة يشكون في كل شيء ، ُمقنعين وُمقتنعين بفكرة شعبية مفادها " مادمت في المغرب فلا تستغرب " وجوهرها أن كل شيء ُممكن في المغرب ، لأنها المنطقة الوحيدة في العالم ، التي تستطيع فيها تجاوز ، وتزوير ، وتحريف كل شيء ، فمهما كان حجم وخطورة جريمتك ، فإنها قد تصير صغيرة ، أو قد ُتقبر نهائيا ، لكون الحكم بالعُرف ، والرشوة ، والزبونية ، والمحسوبية ، هم من يحل محل القانون العادل الذي لا وجود له في الأصل ، وقد يمكنك بالمال، والمعارف أن تتبول إن صح التعبير حتى عما يسمى بالقانون غير العادل الموجود ، الذي ُيظهر القضاة ، والمحامون ، وبنايات المحاكم الوسخة المهترئة ، وموظفيها المرهقين و الفاشلين ، كأن الأمر طبيعي ، في مغرب ُيظهر نفسه للآخرين خارجه ، ممن لا يعرفون عنه سوى القليل ، على أنه بالفعل بلد يمكن أخذ وزنه بعين الاعتبار ، لكن الشعب المغربي وحده من يعرف حق المعرفة ، أنه في سجن كبير يطلق عليه اسم دولة ، وبالتالي فلمن يحق أن تنسب يا ترى الأفكار الهدامة ، و الأفكار البناءة ؟ ومن هو منتجها ومروجها ؟ الشعب ممثلا في تنظيماته السرية ، التي تهدف إلى التغيير ، مهما كانت إيديولوجيتها ، سلفية ، دينية أصولية ، أو اشتراكية ، شيوعية ثورية ؟ أم القصر و الملكية المدعمة بالسلطة العسكرية كالدرك ، والجيش ، و الشرطة ، و المخزن ، والمخابرات ، ثم بالسلطة السياسية كالأحزاب ، والإعلام ، والمنظمات و الجمعيات الشرعية ، ومختلف الجواسيس من هنا وهناك... ؟؟؟ هذا ما سيتم توضيحه من خلال هذا المقال ، الذي سيتطرق إلى أسباب بروز الحركات الجهادية بالمغرب حاضرا، أو الحركات الثورية التقدمية التي تتبنى الكفاح المسلح كحل لفرض التغيير مستقبلا ، والتي ستبرز على الساحة المغربية في المدى القريب أو المتوسط ، ثم العودة للتوقف عند الظاهر والخفي وراء الانفجار الذي عرفته منطقة " الدر البيضاء" إن القارئ و المتتبع لما يكتب حول المغرب من خلال أفكار المحللين ، والسياسيين و الفاعلين الاقتصاديين، ومن كتب ومقالات ، وحوارات عبر الإعلام السمعي منه ، والبصري و المقروء ، مقارنا إياها مع الأحداث التي هزت – الدار البيضاء- يوم 26 مايو 2003 و أودت بحياة ثلاثة وثلاثون شخصا منهم أثنى عشر استشهاديا ، بالمتفجرات التي استهدفت مقبرة يهودية ، وفندق يقال على أنه من ملكية يهودي أيضا، ثم مطعما اسبانيا ، ومكتبا يهوديا مجاور للقنصلية البلجيكية ، قد يلاحظ أن الأحداث منظمة جدا، و قد تمت بدقة متناهية ، مما يظهرها وهي تحمل بصمات متخصصين، ومتدربين حق التدريب ، وعارفين حق المعرفة بمجال المتفجرات ، التي لم يسبق للمغاربة من الشعب أن شهدوها إلا عبر شاشة التلفاز ، أو السينما ، لأن الشعب ممنوع عليه التعرف ، و الإطلاع والتدريب على السلاح و المتفجرات ، مهما كانت نوعيتها ، لأن هذا من اختصاص السلطة وحدها المتدربة على ذلك ، ومن هنا يطرح السؤال التالي نفسه : من هو الفاعل الحقيقي والمتستر وراء تلك الأحداث الانفجارية إذا كان أفراد الشعب لا يعلمون عن السلاح شيئا ، بل لم يسبق لهم حتى لمسه أو رؤيته ؟ ألم تكن السلطة الممثلة في الاستخبارات هي الفاعل الحقيقي لحشد التضامن الداخلي ، بتخويفها الشعب من الفوضى و البلبلة ، والخارجي عبر استهداف اليهود لاستقطاب السلطة و الملكية للدعم و التضامن الدولي معها ، بهدف إيقاف الأقلام و الأصوات الخارجية المنتقدة للملكية ، و لديكتاتوريتها في إدارة البلاد ، بإظهار المغرب كضحية لما تسميه أمريكا ، وحلفائها " بالإرهاب" من جهة ، ثم العمل على تمرير مواقف ، و مخططات ، ومراسيم ، وبناء ترسانة من القوانين المجحفة ، والظالمة للشعب المغربي ، على أساس حماية الملكية التي هي على وشك النهاية و الانهيار من جهة ثانية ؟ كلها أسئلة مشروعة ، و حقيقية حتى يثبت العكس، وتظل تراود كل المغاربة ممن يعرف منهم حق المعرفة شراسة الملكية ، و تاريخها الملطخ بالدم ، ومصلحتها الحقيقية من تلك الأحداث.. كما أن الوقوف بتأمل في عمق كل من كتاب الفرنسي – جيل بيرو- تحت عنوان " صديقي الملك " أو كتاب " حدائق ملك" لزوجة الجنيرال المغتال من قبل الملكية – محمد أوفقير- أو كتاب بنته البكر – مليكة أفقير - تحت عنوان " السجينة " ثم كتاب المعارض المغربي – مومن الديوري- " حقائق مغربية " أو كتاب – محمد بن سعيد أيت يدير – " صفحات من ملحمة جيش التحرير بالجنوب المغربي " أو كتاب – مصطفى أعراب- " الريف بين جيش التحرير وحزب الاستقلال" أو تصريحات وحوارات مع شخصيات مغربية التي جعلت بينها و بين القصر الملكي مسافة كلها أشواك ومنعرجات ، فإن الاستنتاج الوحيد من هذه القراءات المعمقة لهذه الكتب ، والتصريحات ، يقود إلى احتمالين لا ثالث لهما ، بتبني رؤية لا يتقبلها سوى العقل الناضج ، المتشبع بالجرأة و المنطق مبنية على خلاصة و أفكار جوهرية مفادها كاحتمال أول كون الملكية ، والسلطة التابعة ، والخادمة لها ، و المدافعة عن استمراريتها هي المسئولة الوحيدة عن تلك الأحداث التي هزت ، وستهز المغرب أجلا أم عاجلا ، بطريقة مباشرة عبر إحداث تفجيرات ، ونسبها للإسلاميين بكونهم موضوع الساعة ، لأنهم من يتصدر عناوين الصحف، لكونهم العدو الأول للصهيونية العالمية ، لذلك تم استهداف اليهود عمدا ، لما يتلقاه هؤلاء بسرعة من تضامن عالمي ، نظرا لتحكم الامبريالية الصهيونية التي هم جزء منها في القرارات الدولية ... أو بطريقة غير مباشرة كاحتمال ثاني يتجلى في تخوف الملكية من الانفجار الشعبي الغاضب الذي هو على وشك الوقوع ، بسبب زرع كل أنواع الفساد من قبل القصر وسلطته بالمغرب ، ومن خلال هذه الزوايا يجب النظر لما يتعرض له المغرب من هزات ، و مؤامرات ، ويظل القاسم المشترك بين الاحتمالين الممكنين هو درس كل جوانب القضية بأفكار تستحضر الجرأة ، سواء لقراءة الحدث ، أو لتقيم الموضوع من بدايته حتى نهايته ، مع ربطه بجشع ، وتعنت ، وتصلب ، وتعجرف ، وتكبر الملكية ، وحكمها الفردي المطلق ، و هوما يقود إلى نتيجة مفادها أن الملكية ، و السلطة الخادمة لها هما اللذان لهما المصلحة الكبرى فيما وقع يوم 16 مايو 2003 ، وما سيقع مستقبلا ، وذلك للاعتبارات التالية : أولا: تعرف السلطة بالمغرب بتعدد أجنحتها السرية منها و العلنية ، وهي مجموعات وأفراد يسود بينها الانتقام، عبر تصفية الحسابات ، والوشاية ، والنميمة ، ونشر الدعاية المغرضة ، وخلق الفخاخ بين البعض للبعض ، والهدف من كل هذا الصراع الداخلي الذي لا يعرفه الشعب قاطبة ، لم ينتج عن سبب من سيستطيع حماية المغاربة ، وأمنهم وسلامتهم ، بل هو ناتج عن الأنانية و الوصولية ، وزرع روح الإقصاء ، وتسلق البعض على حساب الأخر تحت عنوان عريض اسمه المصلحة الشخصية ، والذاتية ، وبالتالي فلا أحد بدءا بالملك يفكر في مصلحة الشعب و الوطن ، وهذا الواقع المر ، والاستنتاج العاقل لا يستنتجه سوى الذين لهم الاحتكاك الدائم و المستمر مع مختلف شرائح المجتمع ، و الشعب الذي تحسب السلطة أنفاسه ، وهي سلطة سرية ، وعلانية ، فمن جهاز القائد المتحكم ، والمسيطر على بادية أو قرية ، لا يتعدى سكانها ثلاثة ألف ساكن، وما يحيط به من شيخ ومقدم ، وجواسيس من النمامين ، و العريفة ، وهي أنثى متخصصة للتجسس على النساء ، وصولا إلى جهاز المخازنية و الدرك الملكي المراقب لتحركات هذا القائد ، وأعوانه ، ومن تم الانتقال إلى القائد الممتاز بما يسمى بالدائرة، المتحكم في مجموع قرى متعددة ، فوقه العامل المهيمن على عمالة متكونة من مجموعة دوائر محسوبة ، وما يحيط به من ترسانة من مختلف الجواسيس من كل الأشكال و الأصناف ، يأتي فوقه الوالي المتربع على كرسي الولاية ، المتحكم في عدد من العمالات ، لتأتي وزارة الداخلية كمحرك لهؤلاء ، وهنا لا يمكن التكلم ، والحديث عن المجالس التي تسمى بالمنتخبة ، و التي تتماشى وفق هذا التقسيم السلطوي للمغرب ، وللمغاربة ، كالمجالس القروية منها ، أو الجماعية أو الحضرية ، وصولا حتى مجلس النواب بغرفتيه ، لأنها منتخبة شكليا ، ومعينة ضمنيا عبر التزوير ، وتحريف النتائج الانتخابية ، و بذلك فهي تظل بلا فائدة ، وتواجدها أو عدمه لا يغير شيئا من الحكم المطلق للملكية ، ناهيك عن جهاز يطلق عليه المحافظة على التراب الوطني ،- د.س.ت- ، ثم المخابرات العسكرية ، ومخابرات الدرك الملكي ، ثم الاستعلامات العامة بجناحيها المعروفين- أ.ر.ج- و – د. ر.ج- وفي داخل كل مجموعة متخصصة في نفس المجال ، يوجد مخبر له علاقة بجهاز سري أخر، ولكل مخبر جواسيس، سواء وسط الأحزاب أو الجمعيات أو النقابات ، أو المنظمات ، أو الاتحادات سياسية كانت أم ثقافية ، أم إعلامية أم اجتماعية ، فهي جهات سلطوية بشكل رسمي مباشر ، أو جهات متعاونة في الخفاء بتأمرها على الشعب ، لحماية الأقوى الذي هو الملكية ، و الغرض هو متابعة ، ومراقبة ، و إحصاء أنفاس الشعب ، وهذه السلطة تعرف بذلك حتى الوجبات المستهلكة من قبل الأسر، أفرادا كانوا أو جماعات ، فلن أبالغ إن قلت أن السلطة بالمغرب تحضر الحفلات ، و الأعراس ، و الجنازات ، والمأتم و المراسيم ، السعيدة منها أو الحزينة ، وحتى مراقبتها لأوقات الصلوات و الدروس الدينية ، و هي سلطة ذات العيون التي لا تنام ، حيث أنها تلاحق الأفراد و الجماعات حتى داخل بيوتهم مع أسرهم ، كما تعرف كل صغيرة وكل كبيرة عن الأفراد و الجماعات المتحركة ، والنشيطة في مختلف المجالات الاجتماعية ، والسياسية ، و الثقافية ، والدينية ، والحقوقية ، والنقابية ، و الطلابية ، والجمعوية ، وتواجد السلطة في قلب المجتمع هو الذي جعلها تكون السباقة لاختيار ودعم المرشح في الانتخابات ، و الذي تراه مناسبا لسياستها القمعية و التخديرية للشعب ، إذ تعمل السلطة على إنجاحه ، وبذلك تتكون المجالس المنتخبة مهنية كانت أم جماعية ، أم قروية ، أم بلدية ، أم برلمانية ، أم جهوية ، وبتلك الخروقات و التزوير يتم نشر كل أنواع ، و أشكال الميوعة ، و الفساد على جميع المستويات ، وعلى رأسها الرشوة ، واختلاس ونهب المال العام ، بلا رقيب و بلا حسيب ، وهو ما يفتح المجال ليحل العرف محل القانون ، ويتحول المجتمع بذلك إلى مجرد غابة ، تحكمها التعليمات ، ويتم فيها تزوير وتحريف كل شيء ، مما يحول السياسة المغربية إلى مجرد مسرحية بالهواء الطلق ، بطلها السلطة وضحيتها الشعب ، لأن السلطة هي العارفة بطريقة إخراج تلك المسرحية ، مستعملة الديكور المناسب لها ، وهي على معرفة بما يروج بكل المؤسسات لأنها هي التي صنعتا في الأصل ، وهي التي تقوي ، و ترفع من شأن الحزب أو الجمعية أو المنظمة ، أو الجريدة حسب مدى تقبل هذه التنظيمات ، وإتقانها لفن اللعبة مع السلطة بمسرح الشعب، أو تضعفها ، وتحط من شأنها محولة إياها من عملاق إلى قزم، حيث نهاية هذه التنظيمات بعزم وتعليمات من السلطة ، في حالة غضبها أو عدم رضاها عن تنظيم من التنظيمات الذي يزعجها، وتظل اللعبة مستمرة بين السلطة ، وبين من يدعي تمثيلية الشعب من تنظيمات تتحرك في دائرة مغلقة بحدود ما يسمى بالشرعية القانونية ، فيما يظل الشعب هو الخاسر الأكبر من هذه اللعبة ، لأن أمواله تنهب باسم القانون ، عندما تخصص ، وترصد منها الملايير من السنتيمات ، و الدراهم للانتخابات ، أو لدعم الأحزاب و المنظمات ، و الجرائد مثلا ، مع العلم أن الهدف من ذلك هو شراء صمت الجميع ، كما يعرف من قبل الجميع أن السلطة قد خططت لخريطة سياسية ، للحفاظ على استمراريتها بتمويلها ودعمها لعملائها من أجل إقصاء ، من يضايقها ، فما الجدوى إذن من الحملات الانتخابية ؟ ولماذا تسرف أموال الشعب فيما لا يرضي الشعب؟ ولماذا الأحزاب و المنظمات أصلا إذا كان الجميع لا يستطيع انتقاد الوضع عبر استقالات -النوام- عفوا النواب ، أو اعتصاماتهم لفضح اللعبة ؟ أم أن ما يروج في المغرب تحت بطش الملكية يرضي الجميع ؟ أم أن الجميع يرضي نفسه بالاستفادة بقدر من أموال الشعب مقابل التزامه الصمت ؟ إن الحقيقة المرة كون الجميع مجرد سلطة تسبح بحمد الملكية ، التي لا يهمها شيء أخر غير أمنها ، وبقائها ، وسلامتها ، واستمراريتها ، تاجا على رؤوس المغاربة ، ولو كان ذلك عبر القتل ، و الحبس و الاغتيال ، وقد يعتبر المغرب كأول بلاد في العالم التي تسرف الأموال الباهظة من الميزانية العامة للشعب ، من أجل حماية الملكية ، وخلق مناصب سلطوية لا جدوى منها ، فلو كانت الديمقراطية ، والعدالة وحقوق الإنسان هي السائدة ، فما معناه إذن أن تجند الملكية كل هذه الحشود من أفراد السلطة لحمايتها إن كانت ديمقراطية فعلا ، و لا تخشى بذلك الشعب؟؟ وكيف يتقبل العقل أن تكون الأحداث التي وقعت بالدار البيضاء عبر تفجير متفجرات في قلب المدينة أريد لها من قبل السلطة التي لا تنام أن تحمل توقيع جماعات إسلامية ، منحدرة من أحياء الفقر ، و البؤس ، و الحرمان ، في الوقت الذي يعرف على أن تلك الأحياء هي التي تعرف مراقبة لا ينقطع نظيرها ، لما تشكله من خطورة على السلطة ؟؟ ألم تكن تلك الأحداث تتطلب وقتا طويلا من أجل الاستعداد ، وهو الوقت الذي ستكشف فيه السلطة بسرعة كل التحركات قبل حتى التفكير في التخطيط للحدث ، وما بالك من استكمال مخطط التفجير في غياب تام عن عيون السلطة التي لا تنام ؟ إنها السلطة الثانية الظالمة في العالم بعد جهاز الموساد الإسرائيلي ، وهي التي تستطيع القيام بأي شيء حسب أنانية أفرادها مقابل حصولهم على الامتيازات ، وتحقيق أهدافهم، ونزواتهم الشخصية ، و العائلية ، و الفردية ، و الجماعية ، لكونهم لا يؤمنون بوجود قانون في العالم يستطيع ردعهم ، لأن الأحكام العرفية ، و منطق التعليمات لا يتركان مجالا للتفكير حتى في ما يسمى بالقانون، فالملكية بالمغرب تتوفر على جميع ما يروج بالمغرب وداخل الشعب، كما تعرف حق المعرفة كل الأشخاص الذين مارسوا الاختلاس ، و السرقة ، و النهب للمال العام ، وتعرف أيضا حق المعرفة ، كل الذين اغتنوا بطرق غير شرعية وعلى حساب المصالح الشعبية ، لكنها لا تستطيع التضحية بأي لص من هؤلاء اللصوص ، لكونها واحدة من بينهم ، وحتى إذا ظهر غيور واحد من أفراد تلك السلطة ، ويظهر عليه أنه يتوفر على قليل من الحس الوطني ، و الإنساني ، فإنه سرعان ما تتم تصفيته ، وإبعاده ، وإقصائه عن جسم السلطة المهيكل على شكل المافيا ، فكيف لها يا ترى أن تجهل ظهور تيارات إسلامية أصولية ، وتركها تعقد الاجتماعات ، و اللقاءات لفترات طويلة من الزمن خارج الشرعية ، التي لا يحق لأحد منحها غير السلطة نفسها ؟ متى كانت السلطة بالمغرب بعيدة عن الأحداث، و لا تراقب اللقاءات ؟ وكيف يمكن أن تنام أعين السلطة ولا تشم رائحة صنع المتفجرات ، التي استعملت في الدار البيضاء ، إن تم ُصنعها بسرية فعلا بالمغرب كما روجت السلطة لذلك ؟ ألم تكن السلطة من وراء تصريحها بالصنع الداخلي لتلك المتفجرات ، رغبة منها فقط في إبعاد أصابع الاتهام عنها وحولها ، لأنها المسئولة على مراقبة الحدود ، عبر الشرطة ، و الجمارك والدرك و الجيش ، والقوات المساعدة ، و المخابرات المتخصصة في ما يسمى بالمحافظة على التراب الوطني ، في حالة قدرة البعض على إدخال تلك المتفجرات إلى المغرب عبر منح رشاوى للسلطة نفسها بدءا بالجمارك حتى أخر قزم من أفراد السلطة ؟ إذن فإذا كانت تلك المتفجرات التي استعملت في تلك الأحداث من الصنع الداخلي فأين هي عيون السلطة التي تسرف عليها الأموال الباهظة من ميزانية الشعب ، و إذا كانت تلك المواد المتفجرات مستوردة من خارج المغرب ، فإن كل شيء قد مر بسلام على أعين نفس السلطة ، التي غضت الطرف بمختلف نقط العبور، بعدما تم شراء صمتها كالمعتاد عبر الرشوة ؟؟ وفي كل الحالات فإن المسؤولية المباشرة ، أو غير المباشرة للسلطة ثابتة بدون منازع ، وهذا ما سيتناوله هذا الموضوع لإظهار ، والوقوف عند تلك المسؤولية للسلطة وراء تلك الأحداث ، وما هو تكتيكها المعتمد ، و إستراتيجيتها لتحقيق أهدافها السياسية على حساب الشعب في ذلك؟ كلها أسئلة تبدأ بالشك المؤدي ليقين ، مفاده أن السلطة بالمغرب هي المضلعة في تلك الأحداث ، قد يتأكد ذلك للجميع من خلال المزيد من التعرف على شراسة السلطة ، و ممارستها القمعية الظالمة ، و أسالبها التي توحي إلى القرون الوسطى ، من جشع ، وبطش ، ولهفة ، وأنانية ، وخدع ، وكل الخصال الرديئة التي يتصف بها المنتمون لها ، الذين يستطيعون بيع فروج أمهاتهم ، وأزواجهم ، وبناتهم ، ومؤخراتهم من أجل المال ، و الاغتناء الفاحش ، وتلك هي السلطة المغربية ، فكيف لها إذن أن لا تكون المسئولة المباشرة ، وغير المباشرة ، عن كل ما يجرى من فضائح وأحداث بالمغرب ، التي لا يروح ضحيتها سوى الأبرياء من أبناء الشعب ، وتلك هي الحقيقة التي يتهرب منها المنافقون من المغاربة المحسوبين عن المعارضة أو اليسار، كيف ما كانت اهتماماتهم ، و إيديولوجيتهم... ثانيا : إن الأجهزة السرية ، و العلنية ، التي تتركب منها السلطة بالمغرب تلعب فيما بينها لعبة القط و الفأر مند نشأتها ، بعد خروج الحماية الفرنسية و الاسبانية من المغرب، فكل جهاز يراقب الأخر مراقبة صارمة ، وشديدة دفاعا عن مصالح كل جهاز ، وعن مكانة كل شخص متحكم فيه ، فقد يلجأ جهاز معين لاقتحام مقر جهاز أخر ، بكل ما تتطلبه المغامرة في ذلك ، التي تؤدي أحيانا حتى للتصفية الجسدية ، عن طريق القتل و الاغتيال ، لا لشيء سوى لسرق الملفات ، وإخفاء الأسرار، و المنافسة ، والتنافس بين تلك الأجهزة ، لإظهار ولاء الصغار رتبا للكبار منهم من جهة ، ثم إظهار ولاء الكبار للقصر و للملك من جهة ثانية ، في غياب تام للاهتمام بالصالح العام ، ولا بأخذ الشعب بعين الاعتبار، إذ يهرول الجميع لخدمة الملكية و القصر فقط ، ولتحقيق من وراء ذالك الرغبات الذاتية ، ونزوات العاملين بأجهزة تلك السلطة ، التي لا تتجه إلى الشعب سوى لقمعه ، و لحبس ، ولسجن ، و لمحاكمة أبنائه من أجل إسكات وقمع أصواتهم المنددة بالفساد ، ولاء وطاعة منها للملكية ، وهي وقائع مدونة عبر الكتب المشار إليها ، أو في تصريحات عميد المخابرات السابق المدعو " البخاري" في حواراته مع مختلف الجرائد ، وذلك الصراع و التطاحن بين مختلف أجهزة السلطة يتم بشكل سري وداخلي للغاية ، و في بعض الأحيان قد يظهر للعلن كما حصل عندما تمت الإقالة المفاجئة لوزير الداخلية السابق المجرم المدعو " إدريس البصري" حيث تم إحراق مقر المخابرات بالرباط ، وهو ما يندرج في تلك المواجهة الداخلية بين أجهزة السلطة ، وقد يسجل الحدث ضد مجهول ، بالطبع لأن الصراع قد يكون في ذلك الحدث بين خدام ملك جديد لا يريد من الوزير المقال أن يفر بملفات قد تجر الملك و أسرته إلى حبل المشنقة ، والعكس صحيح ، حيث إمكانيات تحرك أتباع الوزير المقال لحرق ملفات قد تجرهم وسيدهم الوزير كذلك إلى حبل المشنقة ، وفي كل الحالات يظل الاثنين مجرمين في حق الشعب ، إلا أن كلاهما يحاول إخفاء جرائمه ، و الأدلة التي قد تتحول إلى حجج ضده في يوم يستعيد فيه الشعب الحكم بالمغرب . والصراع بين أجهزة السلطة يندرج في هذا البعد ، ناهيك عن استنفار كل جهاز لأفراده الكبار و الصغار منهم كلما شعر هذا الجهاز بتهديد المصالح الشخصية و الذاتية ، وامتيازات أفراده ، من قبل جهة معينة كيف ما كانت ، حتى و إن هي جهاز أخر ينتمي بدوره إلى هيكل السلطة ، لأن أيادي السلطة ممتدة في كل شيء ، وصولا حتى القيام و السهر على تهريب المهاجرين غير الشرعيين نحو الخارج ، تم تهريب السلع ، و الممنوعات ، وترويج المخدرات بمختلف أنواعها ، و السهر على إجراء صفقات وسمسرات غير قانونية ، قاسمها المشترك التزوير ، والتحريف ، ونصرة القوي على الضعيف ، وهذا لا يدخل من باب المزايدة على السلطة ، أو تلفيق التهم المجانية لها ، بل قد تقع أحداثا بين حين وآخر ، وتتسرب معلوماتها المدققة نحو الإعلام الخارجي ، وُيفضح سر السلطة ، كما حدث ما من مرة ، كان أخرها ما تناوله الإعلام الاسباني القريب من الحدث الواقع بشمال المغرب ، حيث تورط جهاز كل من المخابرات ، والجمارك و الأمن و الدرك ، والقضاة و المنتخبون ، وصولا حتى القصر الملكي في عملية تهريب المخدرات ، و المهاجرين السريين ، و السلع المهربة ، وما إلى غير ذلك من جرائم بطلها السلطة ، وكيف إذن لهذه السلطة الفاسدة أن تحمي البلاد من ترويج و استيراد المتفجرات ؟ وممارسات السلطة الفاسدة لا تخفى على أحد ، بل تنفجر بين حين وأخر على مرأى ومسمع الجميع ، سرعان ما يتم طي الحدث الأول بصنع حدث الثاني الأقل منه خطورة ، من أجل تجاهل و نسيان الحدث الخطير الأول ، بعدما تم تدجين الإعلام المغربي ، وصنعه على مقاس السلطة ، وجعله يرقص حسب طربها ، ويغني حسب لحنها ، مما حوله إلى حقل إعلامي فاسد بدوره ، و انتهازي وصولي حقير ، منزلق عن الرسالة النبيلة التي خلق الإعلام عامة من أجل تأديتها بأمانة ، ونضال وشجاعة ، ومسؤولية ، مهما كان الثمن ، ولدى اعتبر حقل الإعلام بمهنة المصاعب ، لكن الإعلام بالمغرب يعتبر عكس ذلك لكونه تابعا للسلطة الفاسدة الحقيرة ، وفي هذا الإطار لا يمكن استبعاد مسؤولية السلطة فيما حدث من تفجيرات بالدار البيضاء يوم 16مايو2003 ، مع تورط الإعلام في ذلك عبر ترويجه لحكايات ، مرددة على ألسنة السلطة ، و أنتجت عنها مقالات ظالمة قد تلفق التهم للأبرياء . خاصة وأن الإعلام يعرف مدى تعذيب السلطة للمعتقلين ، وجعلهم يختارون ما بين الموت ، عبر التعذيب أو توقيعهم عن المحاضر المنجزة وفق رغبة ومزاج نفس السلطة . ثالثا : لقد تم شن حملة إعلامية ، من قبل كل المنابر المحسوبة على الإعلام بالمغرب ، لما أطلقوا عليه " بالعهد الجديد" عهد النزاهة ، و الشفافية ، و الحداثة ، وحقوق الإنسان ، و الحرية ، والعدل ، و المساواة ، و الديمقراطية ، وصولا حتى تسمية الملك بملك الفقراء... وما إلى ذلك من أكاذيب ، و افتراءات ، و إغراءات ، الهدف منها مساعدة الملك الجديد للتمكن من التربع على كرسي العرش ، بنفس الإخراج و السيناريو للمسرحية السياسية التي تم تأليفها من وراء ظهر الشعب ، وبنفس الخداع ، و المكر ، والغدر ، الذي مورس على الشعب المغربي لتثبيت أقدام نفس السلالة والقبيلة العلوية عبر الإرث ، فعند خروج الحماية الفرنسية من المغرب تم الترويج لظهور الملك " محمد الخامس" على واجهة القمر ، ثم الرمي به في المنفى وسط مجموعة من الأسد ، و الأفاعي ، من قبل الفرنسيين ، من أجل قتله و التخلص منه ، لكن تلك الأسود و الأفاعي قد بايعته في منفاه ، ولم يمس حينها بأذى ، وهي سياسة الأساطير المكونة لمملكة العلويين ، لأن" محمد الخامس" لم يكن في المنفى بل كان يعيش في أفخم الفنادق ، من أجل إنقاذه من الموت المحقق من قبل التيار الثوري داخل جيش التحري ، أو من قبل القبائل الرافضة له ، لكن المروجين لتلك الخدع قد كانوا على علم بالمستوى الفكري البسيط آنذاك للشعب المغربي ، وهم من استغل ضعفه وسذاجته ، وهم من يستحق المحاكمة في ساحة عمومية ، حتى وإن استدعى الأمر إخراج عظامهم من القبور لإحراقها ، نظرا لما أسدوه للشعب من مكر وخيانة وجرائم ، واحتقار ، وهي نفس الأشخاص و العقول ، و الأقلام الذين تم تسخيرهم لإشهار وارث عرشه الملك " الحسن الثاني" وحبك سيناريو جديد لمسرحية قديمة ، فعملوا على تصوير هذا الملك الطاغي للشعب المغربي النبيل ، على أنه ملكا متواضعا ، وهو يشتغل لثلاثة تواني على التوالي ، لأخذ صورة له عبر الإعلام الملعون إلى جانب العمال لتمرير طريق الوحدة ، ومن هنا روج الانتهازيون ، والوصوليون ، والعملاء من المسخرين بكون ذلك العهد ، عهدا للازدهار و البناء ، والمؤسسات ، والعدل ، والإخاء و المساواة ، و الحقوق ، و الحداثة ، و الديمقراطية ... لكن الواقع و المستقبل أظهر عكس كل ذلك ، مفندا كل تلك الشعارات الجوفاء ، عندما تأكد للعالم أنه عهد تحت حكم مطلق لملك متكبر متعجرف طاغي ، لا يوازي عهده سوى عهد الظلم و الطغيان ، والقهر ، والاستعباد ، والتجويع ، والتشريد و الإقصاء ، و القتل و الاختطافات ، و الاعتقالات ، و الاغتيالات ، و التزوير ، والتحريف ، وقمة الفساد في كل المجالات ، مع ممارسة العنصرية و الاحتقار ، إنه عهد الديكتاتورية ، والحقد والكراهية ، و مع ذلك و بتورط ، ومساومة من يدعي الدفاع عن الشعب و تمثيليته ، طال حكم الطاغي حوالي أربعين سنة ، كلها حكم مطلق مبني على النشوة و النزوات ، وعلى منطق التعليمات ، ذاق فيها الشعب كل أنواع و أشكال العذاب و المرارة ، والعلقم ، وبالتالي ليس من السهل مسح الذاكرة الشعبية مهما حاول المجرمون ذلك بمختلف تخصصاتهم ، وتنوعاتهم ، الذين تركوا وراثة فاسدة تحاول نهج طريق أسلافها الفاسدين ، وحبك مسرحية سياسية بحلة قديمة ، ليظهروا حكم الملك الحالي " محمد السادس " كحكم لصالح الفقراء ، مبني على الصدق ، والصراحة ، والحرية والشفافية ، وهو الأمر الذي سيفنده المستقبل القريب أو البعيد ، لأن المثال يقول : "لا يوجد بين القنافذ أملس" ، و المغاربة يرددون مقولة شعبية : "لا تلد أنثى الكلب ألا الكلاب " وبالتالي فإنه ليس من السهل كما يعتقد الانتهازيون أن يتم محو الذاكرة الشعبية ، وطي ملف الماضي ، بخزعبلات ما أطلق عليه بالتعويضات المالية لضحايا التجاوزات ، أو الانتهاكات ، أو عبر ما يسمى بالعفو الملكي ، لأنه من يحق له أن يعفي على من ؟ ومن هو المجرم الذي ارتكب تلك الجرائم ، و التجاوزات؟ هل هو الشعب بأغلبيته ومناضليه ، أم الملكية بأقليتها ، وقبيلتها وأعوانها من العبيد و الخدم ؟؟؟ فالمنطق يقول أن الشعب هو من يحق له أن يصدر العفو عن الملك ، و ليس العكس ، كما هو الحال في المغرب ، ألم يكن من السذاجة المفضوحة أن يتحرك البعض ممن يطلق على نفسه فعاليات المجتمع المدني لتركيز مطالبهم على التعويض ، و الكشف عن الحقيقة ، و المحاسبة ، والمساءلة ، و المصالحة و الإنصاف ، وتوجيهها إلى نفس الطاغي ؟؟ وكيف حصل لهؤلاء أن اقتنعوا بأن الجلاد نفسه سيتغير في يوم من الأيام ليصبح رحيما ، وحاكما عادلا ينصف الجميع ؟ كيف تجاهل هؤلاء أن السلطة بالمغرب وعلى رأسها الملكية ، هي المسئولة على معانات الشعب المغربي وما تعرض ولا يزال يتعرض له تحت حكمها المطلق ؟ إذن بما أن السلطة بالمغرب هي التي تصنع كل شيء ، فإنها بذلك أصبحت متمرسة على خلق سيناريوهات ، وإخراج مسرحيات سياسية بخدع سينمائية مضبوطة ، تندرج في لعبة يتبادل المنافقون ، و الخونة أطوارها ، و بذلك فإنها من جديد عملت كعادتها على تجنيد ما يسمى بالإعلام بمختلف أشكاله ، وتسخيره للترويج لما سمي بالعهد الجديد ، وما يصاحب ذلك من مفاهيم فلسفية ، لا وجود لها على أرض الواقع بالمغرب ، تحت الحكم الملكي المطلق ، وقد جندت وراء تلك الخدع كل الأحزاب ، والمنظمات ، والجمعيات ، والأندية ، والاتحادات و الوداديات ، الرجعية منها التي تتحرك في العلنية تحت ما يسمى بالشرعية القانونية ، وكانت حملاتها في خدمة الملكية وخدع الشعب فاشلة ، لم تنجح كسابقتها المعتمدة على الأساطير لتثبيت عرش الملكية ، وهذا الفشل جسده ظهور المجتمع المدني الحقيقي ، حتى وإن لا يزال ذلك الظهور جنينيا في مهده ، وهو مجتمع مدني بمعناه الحقيقي ، ممن يتحرك خارج الإطارات الحزبية و الجمعوية ، و النقابية ، والمؤسسات الرجعية المزورة ، التي لا تمت بالديمقراطية بشيء ، ويبقى تحرك المخلصين لقضايا الشعب محدودا ، حسب ما يسمح به ميزان القوى العالمي من انفراج ، وهو الأمر الذي أخاف الملكية وخدامها ممن فضل أن يبقى في ُحضنها عبيدا ، رقيقا ، وأسرعوا بذلك إلى استخدام تلك الأحداث ، و التفجيرات ذريعة لتمرير قوانين على الشعب ، والمصادقة على مراسيم عبر ما يسمى بالبرلمان ، الهدف منها التضييق ما أمكن عن حرية التعبير ، التي لم يسمح بها في الأصل يوما ، تحت حكم القبيلة العلوية ، التي يعتبر الملك زعيمها الروحي ، فتمت بذلك المصادقة على قانون الصحافة الذي أغضب جميع المناضلين المتحررين من عبودية الملكية ، ثم مدونة الأسرة التي لم تلبي مطالب دعاة الحداثة ، ثم مدونة الشغل ، التي لا تعطي الحقوق الواجبة للعمال ، وأخيرا تمرير قانون أطلق عليه قانون الإرهاب ، و الانبطاح سمعا وطاعة للإملاء الأمريكي الصهيوني العالمي ، الذي أملى على الحكام التابعين له من العرب و المسلمين تنفيذ هذا الأمر : " إن أمريكا لن تسمح لأي برلمان عربي أو إسلامي أن يتجاوز فيه الإسلاميون نسبة 35% من مقاعد ممثلي الشعب" وهو مطلب أمريكي صهيوني مفروض على كل أتباعها ، الذي يعتبر الملك بالمغرب واحد منهم ، الذي عمل كعادته كل ما بوسعه لإرضاء أمريكا ، و الصهيونية العالمية المدعمة لبقائه على تربعه كرسي العرش ، ومعروف أن تمرير كل تلك القوانين ، والمراسيم غير العادلة ، التي لا تخدم مصالح الشعب أكثر مما تخدم الملكية ، يتطلب التستر وراء قوة معينة ، أو صنع حدث معين ، أو نشر دعاية مغرضة ، تجنبا لغضب الشعب ، وبما أن الملكية مجبرة لتحقيق مطالب أسيادها الصهاينة ، فإنه ليس من السهل عليها تمرير كل تلك الترسانة القانونية على الشعب المغربي ، مرة واحدة ، و في ذلك الوقت الوجيز ، وهو الأمر الذي سيتطلب منها تحريك طرف من السلطة المجسدة في كل الأجهزة العلنية منها والسرية ، وتكليف جهة منه بغاية من السرية للعمل على خلق ذلك الحدث المعين ، أو لنشره لتلك الدعاية المغرضة ، وفبركة مسرحية محبوكة لجر أنظار الشعب ، وجعله تائها بين أسئلة عديدة ، وبذلك قامت بعملية التفجيرات ، والقتل مع سبق الإصرار و الترصد ، بدفعها للأبرياء إلى الموت عن طريق التفجير ، بشحن أجسادهم بالمتفجرات التي قد لا يعلمون عنها شيئا ، وتفجيرها من بعيد عن طريق التحكم فيها ، لكون المغاربة لا يعلمون شيئا عن الأسلحة و المتفجرات ، ولما لا يحق لنا أن ننطلق من الشك لبلوغ اليقين متسائلين : هل يعلم فعلا المنفجرين أنهم كانوا حقا يحملون معهم المتفجرات ؟ أم أنهم استُعملوا من قبل السلطة دون علمهم بذلك ؟ لأنه من مصلحة السلطة وقوع حدث معين يكون الشغل الشاغل للشعب مرحليا ، لتمرير ما يمكن تمريره من القوانين ، والمواقف ، والمشاريع ، لحماية الملكية من الزوال و الانهيار ، ثم لإرضاء أمريكا و الصهيونية من جهة ، مع عدم إدراك الشعب بذلك من جهة ثانية ، وهي عملية ضرب عصفورين بحجارة واحدة ، وتلك الحجارة هي القيام بعملية الانفجار لصنع الحدث . كلها فرضيات وافتراضات مرحلية، سيكشف التاريخ القريب أو البعيد عن صحتها ، كلما وقع وأن صحا ضمير فرد من أفراد تلك السلطة المخزنية ، المبنية خططها كاملة على الأفكار الهدامة ، لأن ذلك الانفجار قد مكن الملكية من ربح الرهان ، بالتفافها على الشعارات المزيفة في الأصل ، كشعار العهد الجديد ، والحداثة ، والديمقراطية ، والحقوق ... و الحد من المد الإسلامي سواء باكتساحه للشارع أو للمؤسسات ، والمعاهد و الكليات ، الذي جاء نتيجة الغضب الشعبي ، ومعاقبته للاشتراكيين الطوباويين ، و اليساريين الانتهازيين ، من أصحاب نظرية النضال من داخل المؤسسات الملكية الفاسدة ، إلا أن هذا لا يعني تنزيه الإسلاميين من الأخطاء و الجرائم ، فهم من ُصنع أمريكا و الصهيونية الامبريالية لمواجهة الشيوعية و الاشتراكية التقدمية ، وتجنيدهم من قبل السعودية العاملة لأمريكا ، لتدمير القوة الثانية بالعالم التي هي الاتحاد السوفيتي ، كما أن المغرب ليس مستقلا عن السياسة الأمريكية ، وبالتالي فقد عمل بدوره على تجنيده للإسلاميين للحد من طموحات الشيوعيين ، و المناضلين الاشتراكيين التقدميين ، الذين لا يؤمنون بالمؤسسات الصورية ، ولا بالشرعية الممنوحة ، بل بالشرعية المنتزعة عبر النضال ، و المواجهة كيف ما كانت نتائجها... إلا أن الطريف في هذه الأحداث العالمية ، أنه و لأول مرة ينقلب فيها المصنوع عن الصانع ، فوقع أن انقلب الإسلاميون المصنوعين عن صانعهم أمريكا بعد تمكنهم من تحطيم الاتحاد السوفيتي ، وهو نفس الحدث الذي كان سيقع في المغرب لولا أن السلطة كانت بالمرصاد ، فصنعت بذلك حدث الانفجار لتنسبه للإسلاميين ، على أساس أن ُتظهر نفسها ضحية انفتاح العهد الجديد ، وتقنع الجميع بالعودة إلى أساليب الماضي حيث الانغلاق ، و لتحقيقها لذلك لا بد من كبش الضحية الذي هو الإسلاميون ، فهل يعقل أن تجهل السلطة بالمغرب الذين تطوعوا كمجاهدين نحو أفغانستان ، ونحو الدويلات التي كانت تواجه الاتحاد السوفيتي ؟ ألم يغادر هؤلاء الحدود المغربية تحت أنظار السلطة ، وبتأشيرات نحو الأماكن المقصودة ؟ ألم يعد هؤلاء من الناجين الأحياء ، أو الأموات ممن يسمى بالمجاهدين عبر نفس الحدود ، وبنفس الجوازات للسفر ؟ هل كان سيسمح لهؤلاء بالمغادرة أو بالعودة من و إلى المغرب ، لو كان ذلك التوجه نحو ما يسمى بالجهاد ، قد تم بعيدا عن أعين و رضا السلطة ؟ وهل ستسمح السلطة المغربية بممارسة الجهاد بدون تلقيها إذنا من أمريكا؟ رابعا : إن السلطة المغربية السرية منها ، و العلنية ، تتصارع من أجل المواقع ، و النفوذ ، للمزيد من النهب ، و الاحتيال ، و اختلاس المال العام ، والترامي على أراضي و ممتلكات الأبرياء ، والإنفراد بالامتيازات ، والخيرات التي يزخر بها الوطن ، وتقسيمها بين أقويائها بعيدا عن الضعفاء ، وبالتالي فهي تعرف حق المعرفة أن الحداثة و الديمقراطية ، و الحرية ، والمساواة شعارات قد تشكل على مصالحها خطرا حقيقيا ، وتهددها بالزوال و المحاسبة والسجن ، وبذلك يجب إحباط كل تلك الشعارات بأي وجه كان ، قبل ولادتها على أرض الواقع ، ومن هنا لا يمكن استبعاد تورط السلطة في تلك الأحداث ، للحد من كل طموحات دعاة التغيير، و التقدم و الديمقراطية والعدل على المستوى الداخلي ، ثم إسكات المنتظم الدولي على المستوى الخارجي ، الذي يضغط بكل السبل على الملكية بالمغرب لحل مشاكلها الداخلية المجسدة في الإقرار الفعلي بحقوق الإنسان ، ومعاقبة المجرمين ، ونشر الحريات ، وهو الحل الوحيد للتخفيف من مشاكل الدول الأوروبية التي يغرقها المغرب بالمخدرات ، والهجرة السرية ، و الكل يتم تحت أعين أو بمشاركة ومباركة السلطة ، وقد كانت تلك الأحداث و الانفجارات التي وقعت بالمغرب ، بمثابة صفعة للمنتظم الدولي ، الذي التزم الصمت في شأن مطالبته الملكية بالمغرب نحو الانفتاح و الحداثة ، ولم يعد يطالبها بشيء ، بل بالعكس صار يمولها ويساندها ماديا و معنويا ، مطالبا منها القضاء على شبح اسمه الإرهاب ، وبذلك تم تحقيق أهداف الملكية بخطة محكمة ، بتخلي المنتظم الدولي عن تلك المطالب التي كان يطالب بها الملكية المسلطة بالمغرب ، وتحويل الجلاد في نظر العالم إلى ضحية ، حينها تم شن حملة من قبل السلطة بالمغرب على الإسلاميين الذين صنعتهم بالماضي القريب ، وقد سمح بذلك حدث الانفجار للسلطة لإقصاء الإسلاميين ، واعتقالهم ، واختطافهم ، وإهدار دمهم ، وهي نفس السياسة السائدة منذ احتلال القبيلة العلوية كجلاد لكرسي العرش بالمغرب ، فيما تتغير الضحية ، حسب تغيرات العالم ، وميزان قواه ... خامسا : لقد كانت السلطة بالمغرب تدعم الإسلاميين بالمساجد ، والزوايا ، والأضرحة لنشر التخلف ، و الخرافات ، وتركيز سياسة الأساطير المكونة للملكية ، و لقبيلتها العلوية ، وبذلك لا يعقل أن تكون نفس السلطة على غير علم بما يحدث داخل المدن و البوادي ، والمداشير ، وأحياء الصفيح و القصدير ، التي ساهمت نفس السلطة في تكوينها، لابتزاز المنتظم الدولي ، و التسول على حساب معاناة القاطنين بها ، كما انه من باب المستحيل أن تتجاهل تلك السلطة تحركات رجال ملتحين ، ونساء محتجبات ، وفيما تتفرغ إلى البحث عن المدمنين من مستهلكي الخمر و المخدرات ، أو عن المناضلين من الشباب التقدمي بالجامعات ، و المعاهد ، والمؤسسات ، للرمي بهم في السجون بظلم وعدوان ، مع العلم أن الهم الوحيد ، واليومي للسلطة هو مراقبة ، من تراهم من الخارجين عن طاعتها ، بل تعمل على تجنيدها لبعض الشباب العاطل من بعض المحرومين ، والمهمشين للقيام بعملية الإنزال بهذه الجامعات ، و الكليات ، و المعاهد من أجل مناهضة مناضلين تنعتهم السلطة بالملحدين ، و المرتدين من المعروفين بالرفاق ، من المدافعين عن التوجهات التقدمية ، و الاشتراكية الشيوعية ، وقد تتم تلك المواجهة أمام أعين أفراد تلك السلطة المتفرجة ، كما لا يعقل أن تجهل هذه الأخيرة إقدام الملتحين ، و المحتجبات على مساعدتهم لبعض الصعاليك ، و السكراء من المقصيين من حركة المجتمع ، وجمع التبرعات و الأموال ، ومنحها لهم كقروض بلا فوائد ، من أجل إنقاذهم من الشارع ، مقابل أدائهم القسم بالله و بالكتاب ، و ولائهم للجماعة ، ولأميرها ، وهو ما يجعل أولئك يظلون أوفياء للشخص الذي التفت إلى وضعهم ، وأنقذهم من الضياع عبر تلك القروض ، وتشجيعهم ، وحثهم على ممارسة التجارة عوض الإجارة ، وترويجهم للكتب الدينية ، والعطور ، وملابس أفغانية ، وباكستانية ، وكشميرية ، وهي ظاهرة انتشرت بشكل سريع ، وفي وقت قصير بالمغرب ، كما أن تلك الفئات المحرومة ، و المهمشة كانت لا تنتظر سوى الموت الذي يأتي و لا يأتي ، و بالتالي لا يمكنها أن تنسى أبدا أن الفضل في تغيير وضعها قد تحقق بقوة وبتدخل ملتحي ، أو محتجبة ، الذي غير فجأة وضعها من البؤس إلى الأمل ، ومن الفشل إلى النجاح ، و من الانهزام إلى النصر ، ومن قطع الأمل إلى الطموح ، ومن هنا يتم غسل عقول تلك الفئات الاجتماعية محدودة الوعي ، كي لا يتسنى من أخرجها من الظلمات إلى النور ، دون الالتفاتة إلى السلطة التي رمت بها منذ البداية في عالم الظلومات ... فإذا كان هذا يتم في واضحة النهار ، فأين أعين السلطة التي لا تنام ؟ ألا يمكننا الجزم بأن للسلطة المسؤولية المباشرة في الانفجار الذي عرفته الدار البيضاء , الذي سيكشف التاريخ القريب أو المتوسط أو البعيد عن أسراره .؟ إن هذه الاعتبارات الخمسة تجعل السلطة ، و الملكية ، هما المسئولان المباشران عن تلك الأحداث ، عن طريق تنفيذها المباشر ، أو عبر خلقها لهذا الوضع الذي أل إليه الشعب المغربي ، حيث بروز جزيرتين متناقضتين ، جزيرة الأغنياء ، وجزيرة الفقراء ، التي تتخبط في الحرمان ، و البؤس ، و اليأس ، والعناء ، والشقاء ، وهو الوضع الذي سيفرز مستقبلا طبقيا لا مثيل له ، عندما تعي ، وتدرك جزيرة الفقراء ، أن وضعها المزري ، و المأساوي ، لا يمكن قبوله ، بشكل انهزامي ، استسلامي ، وبالتالي الاهتمام بالبحث عن الحلول ، ومكامن ضعف المجتمع ، و معرفة حق المعرفة أن الملكية هي من كان السبب لإجبارها على العيش في الذل ، و الهوان ، حينها قد يتأكد للجميع أن الملكية بالمغرب تعيق الديمقراطية ، وأن الحرية ، و الحقوق ، و المساواة ، لا تخرج ، ولن تخرج من أفواه الملوك ، بل تخرج من أفواه المدافع ، و عبر النضال ، و التضحية ، و المواجهة ، لأجل جمهورية ديمقراطية ُينتخب فيها الرئيس بشكل ديمقراطي ، و شفاف ونزيه ، وذلك هو الحلم المنشود ودور المثقف ، لكن هيهات أين هم المثقفون الغيورين على الشعب وقضاياه بالمغرب؟ فلا أحد يجادل في كون الثقافة شيء ، والسياسة شيء آخر، فهما مجالان شاسعان وعظيمان ، فإن حصل واجتمعا كلاهما في شخص واحد فإنه يصبح بذلك إنسانا بالمعنى الحقيقي للإنسانية ، حيث بفضل ثقافته وسياسته ، وحنكته يصبح مناضلا صنديدا لا تهزمه الإغراءات ، ويعرف حق المعرفة معنى الأخلاق ، يكون مجردا من المواصفات الشريرة و المشبوهة كالأنانية ، والانتهازية و الوصولية و الخيانة و الخوف و الطاعة العمياء للحكام الأشرار الذين فرضوا أنفسهم بقوة السلاح و الجيش ، وبخرافات الإيديولوجية حيث الاتصاف بالقدسية و الانفراد بجوهر المعتقد لممارسة السلطة ، حيث الجاه و المال ، وكل أنواع الفساد ، وما يليه من خراب ودمار وحط بكرامة الإنسان ، إذن من خلال هذا الوضع السيئ يبرز دور المثقف السياسي المناضل بالمعنى الحقيقي للنضال ، لأن الشغل الشاغل لهذا المناضل هو الاهتمام بالشأن العام وفق الحياة اليومية للإنسان ، و الدفاع عن لقمة العيش للكل سواسية كأسنان المشط ، وذلك بالدفاع المستميت عن الحلول الواقعية و الموضوعية حتى ولو أدى الأمر بالمدافع عنها إلى الاعتقال ، أو غير ذلك من العذاب الأليم الذي ينتظر مصير كل غيور صادق في نضاله الثقافي و السياسي و الفكري ، لكونه إنسانا شقيا ومعذبا يضحي بنفسه من أجل راحة الآخرين من أبناء الشعب ، لأن هذا المثقف السياسي المناضل لم يأت من الوسط الطبقي السلطوي الحاكم كي يرضى بذلك الوضع ، ولهذا يتحمل المسؤولية الكبيرة في تغيير أحوال البلاد والعباد ، وتحريرهم من غطرسة الظلم ، والقهر ، والقمع و الإهمال و التهميش و العبودية و الحرمان ، انطلاقا من مكانته في المجتمع و العالم ، ومن ثقافته تلك التي تفتح له الأبواب ليس كغيره من العامة من الناس ، لنسج أفكار وحلول مرضية وواقعية ، وفق المتغيرات الدولية ، مما يتطلب منه تحديه لهيمنة السلطة المخزنية التي لا شأن لها سوى ضمان راحة ، واستمرار ، واستقرار الحاكم وحاشيته حتى ولو كان حاكما طاغيا كما هو الحال بجميع المجتمعات العربية و خاصة بالمغرب الذي تحاول فيه الملكية وسلطتها التابعة لها أن تخدع الجميع بإعلانها بين حين وحين عن ميلاد مؤسسة من المؤسسات وهي في الأصل إلا وجها لعملة واحدة ، مجسدة في الجور، و الظلم ، والطغيان ، و الفساد ، وهي مؤسسات متكاملة بعضها للبعض أو متناقضة أو متعارضة الأحكام و الممارسات ، وهو الأمر الذي يفند بالأساس ديمقراطيتها ، أو حيادها عن التعليمات الفوقية ، أو نزاهتها وشفافيتها ، كما يتم بشكل ضمني وساذج الإقرار بفسادها كمؤسسات، من قبل الملكية نفسها التي تعين الساهرين على سير أشغالها ، وعلى سبيل المثال : ما هو دور المحكمة الابتدائية ، ومحكمة الاستئناف ، ومحكمة النقض و الإبراء ، إلى جانب المجلس الأعلى للقضاء ، ووزارة العدل ، ومجلس حقوق الإنسان ، ووزارة حقوق الإنسان ، ومجلس المظالم ؟ أليست كلها مؤسسات وسلطات الظاهر شكلا منها هو العدل و الإنصاف ، فيما أن الخفي منها مضمونا هو الجور والظلم و الطغيان ؟ إنها مؤسسات ذات نفس الاختصاص الذي هو الإدعاء باحترام حقوق الإنسان فيما العكس هو الحاصل في الواقع العيني المغربي ، مما يؤكد أيضا تحكم الملكية ومؤسسات القصر في خيوط اللعبة من خلال إنشائها لهذه المؤسسات الصورية ، وتعين المسئولين عنها من المحسوبين على الوسط الثقافي و السياسي أو الجمعوي ، ورغم اختلاف درجات ، و ألوان أولئك المعينين فيما بينهم ، فإنهم يتفقون ،ويجتمعون ويتوحدون في بورجوازية ، تجعلهم يهرولون خلف المناصب التي تدر عليهم الأموال بتقربهم لحاشية الملكية و القصر ، الذي خلق هذه المؤسسات الصورية ، من أجل امتصاص ما يمكن امتصاصه من الفاعلين و البارزين بالمجتمع المغربي ، الذي تتخذه الملكية وسلطتها كأرضية خصبة لإجراء تجاربها المدمرة ، وفي هذا الإطار يظل دور المثقف السياسي المناضل نقيضا و معارضا لكل المخططات و الأفكار الهدامة للحاكم ، اللهم إلا إذا كان هذا الحاكم عادلا ومتواضعا وديمقراطيا ، وهو الأمر المنعدم بكل المجتمعات العربية و الإسلامية ...ويظل التغيير ضرورة ملحة وأساسية لحاضر و لمستقبل الأمم و الشعوب المقهورة ، ومطلب من مطالب تطورها وتقدمها و انعتاقها و النظام الذي يقاوم هذا التغيير قد يصير خارج التاريخ مع مرور الزمن و هي الملامح التي يبشر العصر بها خاصة بعد عجز بعض المثقفين على ابراز دورهم و الاضطلاع بالمسؤولية لقيادة هذا التغيير الذي جاء بطيئا ومتأخرا فيما يخص المجتمع المغربي ، لأن المثقف بالدول العربية عامة وبالمغرب خاصة قد خان الأمانة الملقاة على عاتقه ،وهو الأمر الذي جمد حركة المجتمع فلو حصل العكس فإن هذا المجتمع سيتحرك نحو الأمام سيرا في الاتجاه الصحيح الذي يصب في المصلحة العامة ، يكون فيه ثقل ووزن المثقف ايجابيا ، لكونه القادر على التأكيد على مطلب التغيير و الحرية و النمو على جميع الأصعدة ، أو سلبيا حيث فتح المجال للسلطة الظالمة من قبل المثقف المحايد ، لنشر التيئيس والتخلف و الخوف و الحقد و العبودية و العنصرية و الكراهية و الاحتقار و الاستغلال و الدمار ، وبذلك يتضح تلازم الارتباط بين التغيير و المثقف السياسي ، لأن أكبر الأحداث التي عرفها التاريخ البشري لم يستثنى منها المثقف السياسي المحنك المناضل ، وتبقى نتائج التغيير و التحول الذي يخرج عن هذه السكة فاشلة مزيفة ، مما يؤكد أن الثقافة البعيدة عن التغيير الحقيقي لا يمكن اعتبارها ثقافة أكثر ما يتم النظر إليها بكونها انتهازية ونهايتها هامش التاريخ ، أو أحضان النظام الديكتاتوري الحاكم ، كما هو الشأن في الواقع المأساوي الذي انتهى به و إليه بعض المثقفين المغاربة المهرولين لاحتلال مناصب بمؤسسات الملكية وسلطتها الظالمة فإذا نظرنا إلى المغرب فإننا نجده بمفترق الطرق ، حيث يصعب عليه الاختيار ، وذلك راجع إلى تعنت الملكية وتماديها في طغيانها ، وعدم قدرتها على التصالح الحقيقي مع ماضيها وحاضرها السيئان المثقلان بكل ما لا يمكن أن يتبادر إلى ذهن الإنسان العاقل ، وهذا التذبذب بين الماضي و الحاضر السيئان و المستقبل المجهول ، هو الذي جعل شجرة المغرب تنمو فوق الرمال كأرضية هشة ، وهي معرضة من قبل الرياح للسقوط مهما بلغت قوتها ، فلا أحد يجهل أن الملكية قد فرضت نفسها على الشعب بالحيل ، وسياسة الأساطير أحيانا ، وبالقوة والجبروت ، والاستعانة بالقوات الخارجية أحيانا أخرى ، كما حدث سنة 1912 عندما استغاث السلطان بالمغرب بالحماية الفرنسية ، كما جرد الشعب من هويته الأصلية إذ أن ما يتجاوز نسبة 95% من المغاربة من السكان الأصلين هم أمازيغ ، ولا يحق لهم تسمية أبنائهم بأسماء أمازيغية ، ولا بممارسة لغتهم الأصلية ، وهو ما جعل من الصعوبة عليهم التأقلم بالمدارس العربية ، التي لا يحسنون استعمال لغتها. كما أن سياسة الاستمرار و الاستقرارووفرة الأمن للملكية قد أثرت سلبا على جميع الخدمات الاجتماعية حيث انتشار الفقر المدقع ، والأمية والجهل ، والعوز و الحرمان و المزيد من تهميش الطبقات الشعبية و أبناء الفقراء على حساب إرضاء غيرهم من أبناء البرجوازيين أو ما يسمى بأبناء المقاومين ، وجيش التحرير ، وأبناء الأقاليم الصحراوية ، بالرغم من أن الملكية هي المسؤولية على مرحلة الحماية الفرنسية و الاسبانية المفروضة على الشعب المغربي ، ثم على مخلفاتها كمشكل الصحراء الغربية ، و الأراضي و المدن و الجزر المغربية المحتلة ، وهي المشاكل التي عرفت تقصيرا من قبل الملكية يشهد عليه التاريخ . أما غياب القانون وسيادة العرف فقد فتح المجال للزبونية ، والمحسوبية والرشوة ، وإعطاء الأوامر عبر الهاتف ، ناهيك عن تعدد سماسرة الملكية المحتمين في القصر والمختصين في حل جميع القضايا من توظيف ومحاكم وهجرة سرية وسجون ، مهما كان حجم القضية مقابل أموال باهظة وحلي وهدايا خيالية تمنح لأهل البيت وما أدراك ما آل البيت فيما شرد ويشرد أهل الأرض و الوطن الأصليين الأمازيغ الذي بنيت وأقيمت عليه جدران ذلك البيت !!! زيادة على هدر المال العام بشكل فظيع ، وتوزيعه على الفعاليات والسفارات ، لإقامة الأعياد و الحفلات ، وفي خلق حقائب وزارية عديدة لا توجد حتى بالصين الشعبية التي تتوفر حكومتها على مليار ونصف من السكان ، ناهيك عن المبالغ الباهظة التي تسرف لمجلس النواب ومجلس المستشارين اللذان لا جدوى من تواجدهما مادامت سلبياتهما أكثر من ايجابياتهما ، ومن خلال هذا قد يستخلص المتتبع للشأن المغربي أن الملكية وسلطتها المطلقة تعارض بشكل فظيع التطور و الحداثة و الديمقراطية ، مادامت غير مهتمة بمساءلة ومحاسبة ومحاكمة المسئولين عن التجاوزات التي طالت حقوق الإنسان ، حيث الاعتقالات ، والقتل و الاغتيالات و النفي و الطرد للأبرياء من المناضلين المغاربة السياسيين و النقابين من غير المساومين منهم ،و إذا كانت الملكية غير ذلك فلماذا الخوف من المحاسبة ؟؟أخيرا إن الدستور الحالي قد عارضه الشعب المغربي قاطبة ، ومع ذلك فرض بالقوة و التزوير و الجبروت ، كم أن الشعب لم يضع يوما ثقته في البرلمان ، لكنه يفرض عبر التزوير ، وتحريف إرادة الشعب ، إذن فإن الحكومات المنبثقة عن ذلك البرلمان غير شرعية سياسيا و قانونيا ، وغير شعبية ، فإذا كان الإنسان ابن بيئته فإن الوزير لا بد أن يكون ابن برلمانه فلا يحق بذلك لحكومة مثل هذه الحكومات أن تضمن انتخابات نزيهة وشفافة ، كما لا يمكن للانتخابات أن تحظى بالقبول الشعبي كأرقى أشكال الديمقراطية في بلاد بعيدة كل البعد عن الديمقراطية و المواطنة ، حيث عدم الإقرار بالحقوق الأمازيغية وحقوق المغاربة وحريتهم السياسية و الثقافية و النقابية ، وجعلهم سواسية كأسنان المشط أمام الحق و العدل ، والوظائف و الشغل و الفرص ، مع تحديد المسؤوليات و المحاسبة و المحاكمة واستعادة المال العام و ذلك لن يأتي أبدا من داخل مؤسسات ملكية محكومة ، ومقيدة الأيدي و الأرجل من قبل الملك صاحب الأمر و النهي ، وتظل الانتخابات و الاستفتاءات في الوضع السائد ، والظروف الحالية ما هي إلا مجرد خدعة سينمائية من إخراج فضاء هوليود ، ولا يمكن بذلك لأي عاقل وديمقراطي ونزيه كيف ما كان موقعه ، واهتمامه أن يزكي هذا الوضع الفاسد تحت الحكم الملكي الفاسد ... لقد أعلن في المغرب يوم الثلاثاء 11 نونبر 2003 عن تشكيل مديرية لمحاربة الهجرة السرية ، متكونة من مختلف أجهزة السلطة التالية: مرصد الهجرة ، وزارة الخارجية ، وزارة الداخلية ، وزارة العدل ، القوات المسلحة ، الدرك الملكي ، و الجمارك ، والشرطة ، وهي المؤسسات المعروفة من قبل الجميع بالنهب ، والاختلاس ، والرشوة ، كما أنها الجهات التي تسهر بسرية على ممارسة كل أشكال التجارة المربحة بدءا بتهريب السلع والمخدرات ، وصولا إلى تهريب البشر ، عبر تغاضي الطرف على ما يسمى بقوارب الموت ، لأنه لا يعقل أن ينظم المهربين أنفسهم بتلك الطريقة الشبيهة بممارسات المافيا ، بعيدا عن أعين السلطة ، كما أنه من المستحيل أن يدخل الأجانب من الأفارقة و الأسيويين أرض المغرب خلسة ، ممن يتخذونه كممر لهم نحو أوروبا ، دون أن تعلم السلطة بذلك ، وهل تستطيع تلك السلطة أن تتهاون لو تعلق الأمر بمس الملكية ، أو دخول مسلحين إلى المغرب ؟ ألم تعد السلطة بالمغرب أول من يشم الحدث قبل وقوعه ، لو كان ذلك الحدث ناتج عن معارضين للملكية ؟ فما بالك بدخول الأجانب ، وتنظيم الرحلات بالليل و النهار وتزوير التأشيرات ، أو على مختلف شواطئ البحر ، عبر قوارب الموت ، إنها مجرد لعبة تتقن السلطة فصولها ، حتى تتمكن من تحقيقها للربح السريع ، مستغلة المبالغ المالية التي تنهبها من جيوب الفقراء الراغبين في الهجرة السرية ، ثم تلك المبالغ المالية المتهاطلة عليها كالأمطار من قبل الاتحاد الأوروبي ، و الدول المتضررة مما تروجه السلطة المغربية من مخدرات ومهاجرين سريين ، وبذلك تكون هي الرابحة الكبرى في سياستها المعتمدة على ضرب عصفورين بحجارة واحدة ، كما أن نفس السلطة هي التي تسببت بجشعها ، وأنانيتها في الوضعية المأساوية التي وصلت إليها حالة المغاربة الفقراء ، الذين يفضلون الموت على البقاء بالمغرب ، تحت راية القمع و القهر ، والبطالة القاتلة ، والاستبداد و التهميش ، والحرمان ، والفقر المدقع ، الذي تسبب في انتشار كل الأمراض بما فيها العقلية و النفسية ، وتلك السلطة الممثلة في مثل تلك المؤسسات هي التي قسمت المغاربة ، و الأجانب من الراغبين في الهجرة السرية إلى صنفين ، صنف الميسورين الذين يسددون مبالغ مالية عن طريق الرشوة تتراوح مابين خمسة ألف درهم ، وسبعة ألف درهم ، و التي توزع بين ممثلي السلطة المتواجدين بعين المكان ، حيث مد هذا المهاجر بوثائق مزورة ، لتتم الرحلة والهجرة في أمن و أمان عبر الباخرة الرابطة بين الموانئ المغربية و اسبانيا ، ثم الصنف الثاني من المهاجرين الفقراء الذين يتوجب عليهم تسديد مبالغا تتراوح ما بين ألف ردهم حتى أربعة ألف درهم ، وهذا النوع يهاجر عبر قوارب الموت بحماية من السلطة ، بدءا من إعداد الرحلة و المغامرة إلى انطلاقتها ، وهي مبالغ باهظة تعمي بصيرة السلطة ، التي قد لا يصل فرد من أفرادها تحقيق هذا المبلغ كأجرة شهرية على عمله ، إلا في حدود اشتغاله عشرة أشهر من العمل ، إلا أن الخطير في الأمر هو كون المسئول عن قيادة القارب الخشبي ، قد يتجرد من حسه الإنساني ، كلما شعر بخطر السلطة الاسبانية ، حيث يسرع لفرغ المهاجرين في عمق البحر ، مع العلم أنهم لا يتقنون السباحة ، وهروبه للعودة بجسمه سالما ، وبأسراره عن السلطة المغربية ، التي ساعدته ، بعدما تخلص من المهاجرين ، وكل واحد منهم يحمل السر معه نحو القبر ، إذ يخشى أن يعيد معه أولئك المهاجرين في حالة فشله في إيصالهم إلى الضفة الأخرى ، فيطالبه هؤلاء بالمبالغ المالية التي سددوها لغرض الهجرة التي لم تتحقق ، حينها سيتم إحراج هذا المهرب ، لأنه قد فرق ووزع أموال أولئك المهاجرين بين أفراد السلطة الرابطة في عين المكان ، والتي ستعتقله في حالة مطالبتها باستعادته لتلك الأموال ، قصد إعادتها للمهاجرين من الذين فشلت رحلتهم ، وهو ما يجعل هذا المهرب يفضل التضحية بأرواح الأبرياء مقابل حفظ ماء وجهه ، ومواصلة صفقاته مع السلطة ، وهناك حالات من المهاجرين الناجيين بأعجوبة ، يتواجدون بمختلف الدول الأوروبية ، وهم مستعدون لسرد حكاياتهم مع السلطة و المهربين ، وهو ما يجب تدوينه على المستوى الأوروبي حتى يتم جمع ملف عن جرائم تلك السلطة تحت الحكم الملكي الجائر ، وهو ما يجعل العقل المتحرر ، والمتتبع للأحداث المأساوية بالمغرب ، التي لا يروح ضحيتها سوى الأبرياء ، أن يجهر علانية على أن حل الإشكالية بالمغرب ، على جميع الأصعدة ، ليست بإنشاء المديريات أو المؤسسات ، بل بالزجر و الضرب بالحديد على يد كل من شارك من بعيد أو من قريب ، في قتل الأبرياء بتلك الطرق الغير إنسانية ، حيث يتم في البدء تجريدهم من أموالهم ، عن طريق الحيل و الإغراء و المكر و الخدع ، ثم أخيرا الرمي بهم أحياءا في البحر ، وهي الجرائم التي لم تحصل حتى لليهود في عهد النازية و الفاشية ، بينما تحصل للمغاربة في عهد يقال عنه ، أنه عهد الديمقراطية وحقوق الإنسان !! وهذه المأساة ناتجة عن جهل ، وتعنت السلطة ، واتخاذها لمشكل الهجرة السرية بمثابة لعبة يتم عبرها ابتزاز الدوائر الأوروبية ،وهذه الأرباح المحققة عبر الابتزاز هي التي جعلت السلطة بالمغرب تتمادى في ارتكابها ، وتشجيعها لمثل هذه الجرائم الإنسانية ، و التي كانت ستحارب في رمشة عين لو تعلق الأمر بإشكال سياسي ، أو تمرد عسكري أو عصيان مدني ، أو إعلان الجهاد ، أو الكفاح المسلح ضد الملكية ، حينها أكيد أن السلطة بالمغرب ستتحرك بآلاتها القمعية لتصل كل ركن وزاوية من أرض الوطن لضبطه ، ووضعه تحت السيطرة الكاملة ، و المراقبة الصارمة والدائمة ، وهذا ما يحصل عند مداهمة السلطة للبيوت و المنازل ، والمعاهد و الجامعات لاغتيال وتعذيب و اختطاف ، واعتقال المواطنين ، من عمال وطلبة ، ومحاكمتهم بأعداد غفيرة ، بتهم الانتماء لمنظمات غير شرعية ، أو التجمهر بدون ترخيص ، أو الإساءة لشخصية الملك بتهمة إهانة المقدسات ، أو الإخلال بالأمن العام ... و التنكيل بهم ، وممارسة عليهم كل أشكال التعذيب الوحشي الجسدي حتى الموت ، و النفسي حتى الإصابة بالجنون ، فيما أن هذه السلطة لا توفر جهدا ، و لا تتوفر عن الإرادة الجدية في التعامل مع المشاكل الأخرى الحقيقية ، كحوادث السير ، والهجرة السرية التي تحصدان أرواح الأبرياء من المغاربة ، بأعداد لم يحصدها العتاد الحربي الأمريكي بالعراق ، أو الإسرائيلي بفلسطين و لبنان ، وهو ما يجعل الشعب المغربي في حرب مستمرة مع السلطة الظالمة ، و ممارساتها التعسفية ، و المعتمدة على الكيل بمكيالين ، و هي الأسباب التي تجعل القريب منها ، أو العارف بخطورتها على الشعب ، يختار طريق الجهاد ، أو الكفاح المسلح ، ضد الواقع المر الفاسد ، الذي يعصف بالبلاد ، ويزيد من مأساة العباد ، كما يزداد من فقدان ثقة هذا العارف في الملكية وسلطتها من جهة ، وفي العالم الغربي وخاصة الأوروبي المتفرج عن جرائم الملكية ضد الشعب المغربي البريء من جهة ثانية ، بعدما يقتنع الجهاديون بفكرة مفادها أن " ملة الكفر واحدة " فيما يقتنع الثوريون التقدميون ب " لا نظرية ثورية بدون ممارسة ثورية " وهما الفكرتين المؤديتين إلى هدف واحد ، وهو محاربة الطغاة المتسببين في مأساة الشعب ، وعلى رأسهم الملكية بكل الوسائل المتاحة ، والتي هي في متناول اليد . فإذا تعرض النموذج الاشتراكي في بعض الدول إلى الفشل و العرقلة ، فإن ذلك قد وقع بسبب الإنسان الذي اعتمد على الإتكالية على الدولة ، والخمول ، وعدم احترام الوقت و العمل ، ولا الإنتاج ووسائله ، مع تحميل المسؤولية للأخر و الإنتظارية ، و الكسل وعدم تقديم الخدمات الضرورية للدولة لتحقيق متطلباتها ومتطلبات الإنسان ، و الحيوان ، و البيئة ، و بالتالي فقوة الدولة مرتبطة في هذا الشأن بقوة الإنسان المواطن ، وقد تصبح ضعيفة حسب ضعف هذا المواطن نفسه ، ومن هنا سقطت وفشلت التجربة الاشتراكية نظرا لفشل إنسانها ، وما دام العقل الإنساني و البشري هو المبادر و المفكر ، و المبدع لصناعة الأشياء ، ووضع النماذج المختلفة للحياة ، فإن الإنسان المناقض للتوجه الاشتراكي قد فكر في النموذج الرأسمالي للحياة ، وهو معرض بدوره للانهيار و الفشل الذريع في غياب المحاسبة ، و المراقبة ، و التعامل بالصرامة ، و الديمقراطية المقرونة بالحرية الإبداعية ، و الفكرية قولا ، وفعلا ، وهي المتطلبات الشعبية الغائبة بالبات و المطلق بالنموذج المغربي ، و رأسماليته التبعية الوحشية حيث فتح كل أبواب الخراب ، و الدمار ، فصارت فيه الممنوعات مبيحات ، والمبيحات ممنوعات ، حيث من العادي أن تقدم الرشوة بالعلن ، وتمارس الزبونية و المحسوبية و قهر القوي للضعيف ، بالإدارة ، و المؤسسة ، أو بالشارع ، و النهب و الاختلاس للمال العام ، و الترامي على ممتلكات الغير ... كلها جرائم منظمة من قبل السلطة ، التي تعد مافيا منظمة داخل جهاز المخزن ، وأفرادها مندسون في ذلك الجهاز الوسخ المتمثل من أخر عون ، أو مقدم ، أو شيخ وصولا حتى الملك ، وما يجمع بينهم من وسطاء وسماسرة هدفهم الوحيد الجشع و الهرولة خلف تحقيق أرباح سريعة ، وتكديس الثروة لشراء موقع متميز بالسلطة ، وهو ما انكشف منفجرا مؤخرا بمنطقة الشمال المغربي ، حيث كشفت الأيام الأخيرة عن تصفيات الحسابات بين السلطة فيما بين مختلف أجهزتها ، وتم على إثر ذلك اعتقال ضباط في مختلف الأجهزة من جهاز الشرطة ، و الدرك الملكي و الجمارك ، والقضاة ، وصولا حتى الاستماع إلى المدير العام للأمن الوطني ، بعدما تناول الإعلام الدولي تلك الفضائح بالمغرب التي تزكم أنف العالم ، وهو الملف الذي تم إقباره بسرعة ، ومسح التهم على المتورطين لكونهم أفرادا تابعين لمافيا تلك السلطة ، لكونهم عملاء وخدام وضحايا المافيا الكبيرة المخفية داخل رحاب القصر الملكي ، و لكي يتم تخدير الشعب المغربي و العالم المهتم بما يجري في المغرب ، أعطيت تعليمات لإجراء حركة انتقالية وتبديل المجرمين ، و القتلة من منصب لأخر و من إدارة لأخرى ، لامتصاص الغضب الشعبي ، و العالمي ، لكن الإجرام ظل في مكانه لم يتغير ، لكون أولئك المجرمين يتوفرون على حماية ، و حصانة من القصر عبر توفرهم على ما يسمى بالبطاقة البيضاء ، ومهما فعلت الملكية في محاولاتها العديدة للتستر على جرائمها ، فإن ذاكرة الشعب لن يتم غسلها بتلك التغيرات ، و التبديلات في المناصب و الإدارات ، و الذي بإمكانه غسل تلك الذاكرة الشعبية هو المحاسبة ، والمسائلة والمحاكمة ، وإعادة تكوين وترتيب هياكل السلطة ، لتدمير التنسيق والتحالف البرجوازي ضد الشعب ، الذي تشكلت منه كل أجهزة السلطة عبر كل الوسائل غير المشروعة ، و على رأسها الرشوة ، وهو ما أثبت عن عدم قدرة هؤلاء على تحمل المسؤولية الملقاة على عاتقهم ، فأفسدوا بسلوكاتهم ، وممارساتهم المشينة كل شيء ، وعلى رأس تلك الأشياء القضاء ، و العدل ، بتورط القضاة ووكلاء الملك كأعضاء في المافيا المنظمة ، مع العلم أنهم هم من يحكم على الأبرياء من أبناء الشعب بقضاء فترات طويلة من أعمارهم خلف القضبان بالسجون و المعتقلات ، بظلم وعدوان وحقد وكراهية ، وكم صرخت ، و لازلت أصرخ ضد هذا الفساد المنتشر في جهاز مافيا السلطة ، وكم نعتني البعض بشخص يسيء لبلاده في الخارج ، أو كشخص مسخر من جهة معينة لها مصلحة في زعزعة ما يسمى باستقرار المغرب ، وكلها تهم سهلة على اللسان لكنها صعبة في الميزان ، وهي مجرد تهم لا تخرج إلا من أفواه المستفيدين من الوضع المغربي الفاسد ، وتلفيقها للغيورين الصادقين ، المخلصين لقضايا الشعب ، أصحاب الأيادي الطاهرة النظيفة ، و رغم انكشاف تلك الجرائم عن طريق الصدفة ، وفضح مافيا السلطة بالمغرب ، هل اهتزت بذلك مشاعر الذين ينصبون أنفسهم من الإعلاميين المرتزقة ، و المثقفين العملاء ، و المحامون الخونة ، ممن يدافع منهم عن الخزعبلات ، و عن ما يروج كالحداثة و الديمقراطية و الحرية ، و القضاء على كل بقايا ما يطلقون عليه بالعهد القديم ، و كأنه بالفعل هناك فرق بين العهد القديم و العهد الجديد ! وهم من يقسم حياة الشعب وتاريخه إلى عهود مختلفة منها القديم و الحديث و المستقبل ، وما إلى ذلك وفق الصيرورة التاريخية التي ينتجونها كعملاء للملكية ؟؟ ومن كان يبيع أسرار المغرب مقابل تلقيه لتسهيلات يتمكن من خلالها إجراء صفقاته المربحة وتهريب المخدرات ، و البشر ، و السلع ، عبر النقط الحدودية المغربية ، خصوصا في اتجاه الجارة اسبانيا ؟ أين هم الهاربون من أفراد السلطة ، والمتورطون في الجرائم ؟ ولماذا لم يمارس العنف ، و الاختطاف ، و الاعتقال ، أو الاغتيال الذي كان يمارس على المناضلين المغاربة المدافعين منهم عن قضايا الشعب ؟ ألم يكن أفراد السلطة الفاسدة هم من أسدوا و يسدون الضربة الموجعة للمغرب و للمغاربة من خلال جرائمهم المنظمة ، و أفعالهم السيئة بعدما أعمى المال أبصارهم ، ولا شيء يهمهم سوى الثراء الفاحش ، وتمكنهم من الحصول على الجاه ، و الخدم و الحشم ، والسلطة المطلقة ، التي تنزههم عن أية محاسبة ، أو مسائلة أو محاكمة ؟ ومن استفاد من الوضع عبر الفساد في ماضي وحاضر ومستقبل المغرب ، الملكية و سلطتها أم الشعب ؟ ومن يسيء حقا للمغرب و للمغاربة ؟ هل الملكية وجهازها السلطوي بما يمارسونه من أعمال فاسدة سيئة ، مبنية على الظلم ، والقمع ، و الجور ، و الفساد ، و التزوير، و التحريف ، والقتل و الاختطاف ، و الاعتقال ، والتهريب ، وترويج المخدرات ... إلخ أم من يدافع عن المغاربة لمحاربة الملكية و السلطة الفاسدة ؟؟؟ لقد تجند ما يسمى بالإعلام المغربي ليصدر أحكاما مسبقة وقاسية ضد الحركات الجهادية ، إن كانت هي حقا التي قامت بتنفيذ عملية الدار البيضاء ليوم 16 مايو سنة 2003 ، حيث أسرع الجميع بعاطفة تشبه عاطفة النساء إلى التجريم ، و التحريم ، دون الاهتمام بالأسباب المؤدية لتلك الأحداث ، ودون تعميق التحليل في إمكانيات تورط السلطة في تلك الأحداث ، حتى يتسنى لها إعادة التحكم بقبضة من حديد في الشعب المغربي ، بعدما تم خدعه بإظهار ليونة من قبل السلطة ، تمكن من خلالها الملك من وراثة أبيه بلا حدث يزعزع عرشه ، كما أن لا أحد من جيوش الإعلاميين يهتم بالشأن الشعبي لتعرية واقع المغرب تحت الحكم الملكي ، الذي دفع بالفقراء إلى النبش في قمامات الأزبال ، و اتخاذ الشارع مسكنهم ومأواهم الوحيد ، بعدما شردوا ، وحرموا من حقوقهم ، فمنهم من يمسح الأحذية ، ومنهم من يبيع السجائر بالتقسيط ، ومنهم من يتسول ، ومنهم من ينتظر الموت المحقق ، لأنه لا يستطيع القيام بذلك ، ومع ذلك يطاردون ، من قبل السلطة التي تجردهم من الأموال التي حصلوا عليها ، عن طريق التعب و الشقاء و اللاكرامة ، وهو التدهور الاجتماعي الخطير ، المؤدي إلى حالات نفسية خطيرة ، التي يعيش فيها الفقراء ، والمحرومين ، والذين سينجرون اليوم أو غدا خلف الأفكار التي تنادي بإحداث التغيير عن طريق القضاء ، و هزم الملكية ، التي تعيش في النعيم ، محروسة ، ومحاطة بالسلطة القمعية ، التي لا تعتبر أحدا من أبناء الشعب الفقراء ، حتى ولو كانت تلك الرغبة في التغيير ، وإعطاء بديل أخر ناتج عن حركات جهادية إسلامية ، أو عن الحركات الثورية التقدمية ، أو حتى من الجيش أو من الخارج ، لأن التغيير ضروري ، و لا يمكن قبول الوضع الفاسد مهما كانت المبررات ، التي يتشدق بها البعض من الانتهازيين ، و الوصوليين من الأحزاب ، و المنظمات ، و الإعلاميين ، الذين يتجاهلون أن القوات الجماهيرية التي تعيش تحت الضغط لا يمكنها أن تستسلم لهذا الضغط ، و أن كل ضغط يولد الانفجار ، و العارفون بمنطق الأمور وكيف تسير عجلة أي مجتمع وشعب مقهور ، سيستنتجون ذلك من خلال ظهور الحركات الثورية المؤثرة في تاريخ البشرية كماركس و لنين ، و ماوتستونغ ، وكل من حارب القياصرة ، بإيديولوجية اشتراكية شيوعية ، وكذا محمد الذي حارب قريش وتجار البشر منطلقا من الإيديولوجية الإسلامية الداعية للمساواة و للتحرير و التحرر ، وهي الأفكار و الإيديولوجيات التي ستعود مهما طال الزمن ، مادام الشعب يعاني الحصار ، و الظلم ، و الطغيان ، تحت الديكتاتوريات الشبيهة بالقياصرة وقريش ، الحاكمين بعهدنا هذا على بعض المجتمعات كالمغرب، التي لا علاقة لها بالديمقراطية كواقع ملموس ، بل هي ديمقراطية الواجهة الشبيهة بأصباغ على وجه مومس متوحش ، سرعان ما ينكشف زيف جماله ، كما هو شأن الملكية بالمغرب التي سخرت كل وسائلها لتزين وجهها كالعاهرة ، مستخدمة المثقفين ، و الإعلام و الأحزاب ، و المنظمات ، و الجمعيات ، من المغرر بهم ، و المسخرين ، للازدحام و للتدفق بأتباعها من الجهلاء نحو الشارع للتنديد ، و استنكار ، و إدانة انفجار16 مايو ، فلو كانت الملكية ، وسلطتها ، وأتباعها ، من الخدم ، والعبيد بالفعل ديمقراطية ، حينها لا أحد ينتقد إنزال الجماهير للشارع للتنديد بأسلوب حضاري بكل من يريد تخريب تلك الديمقراطية ، و مكاسب الشعب من العدل ، والحرية و الحقوق ... وبما أن الأمر ليس كذالك ، فإن إنزال تلك الحشود إلى الشارع ، و العمل على شحنها بأفكار مغلوطة ، يعد في العمق دفاعا عن الديكتاتورية الملكية ، وسلطتها المطلقة ، ومحاربة للديمقراطية ، التي لا يمكن أن تمنح للشعب ، إذا لم يقاتل الأعداء من أجلها ، لفرضها بكل الوسائل المتاحة ، إذن فهل تستطيع تلك الحشود المشحونة من قبل الأعداء ، و الخونة ، بما فيهم الإعلام المسخر ، أن تنزل إلى الشارع للمطالبة بالديمقراطية ، وبحقوق الفقراء ، والمحرومين ، والمهمشين ، وبإفراغ السجون المملوءة بالأبرياء ، و تنظيف المغرب من المافيا المسلطة ، المتسترة في السلطة ، و الأحزاب و النقابات و المنظمات ، والمنتخبون عن طريق التزوير ، ومحاكمة كل من ارتكب عملا إجراميا ضد الإنسانية ، انطلاقا من مواقعهم السلطوية ، إذ لا يعقل أن يحكم الضابط ، أو القاضي المجرم على المرء البريء ؟؟ إن تورط القضاة وممثلي السلطة في الجرائم التي انكشفت خيوطها بالشمال المغربي ، هي الإساءة الكبرى و الضربة القاضية التي تلقتها السلطة ، و أعوانها ، والمغرر بهم ممن يحسبون أنفسهم على المجتمع المدني ، ممن قادوا ونظموا التظاهرات ضد انفجار الدار البيضاء ، لأنهم بذلك يكيلون بمكيالين ، منافقين للشعب ، حين يظهرون له أنهم إلى جانبه ، حيث الدعوة للقيام بالمظاهرات علانية ، فيما أن هدفهم الضمني هو بعثهم من خلال تلك المظاهرات لرسالة ضمنية إلى الملكية ،مغزاها أنهم يظهرون وطنيتهم ، وملكيتهم ، و لن يسمحون لمن سيتطاول لا على الوطن ، ولا على الملكية ، معتبرين إياها تاجا على رؤوس الجميع ، ورمز للجميع ، وهي خرافة لا يمكن قبولها ، ويجب محاربتها بكل الوسائل ، لأن المغاربة منهم من لا يقبل بالذل ، و الاستعباد ، و العنصرية ، والميز العرقي ، الذي تمارسه تلك الملكية ، وسلالتها وقبيلتها العلوية ، أمام أعين الجميع ، فإذا كانت هذه النظرة مغايرة للواقع ، فلماذا لم تتم عملية الإنزال بالشعب إلى الشارع للمطالبة بإعادة ترتيب المؤسسات بالمغرب ، وشطب كل الأحكام القضائية التي سبق وأن صدرت في حق المغاربة على يد القضاة ، ووكلاء الملك المجرمين منهم ؟ بعدما ثبت في حقهم أنهم غير مؤهلين لتولي مسؤولية القضاء ، و بالتالي فأحكامهم غير عادلة ، مع تقديمهم لمحاكمة علنية لإعطاء الدرس القاسي لغيرهم حتى يتأكدوا ، أن الحق يعلى و لا يعلى عليه ، مع الاعتذار العلني و المسئول للشعب من أعلى جهاز بالسلطة ، وذلك أضعف الإيمان ، لأن الدولة التي هي حقا دولة لابد أن تقدم حكومتها استقالتها الفورية ، حين يتم تورط المسئولين بأجهزتها السلطوية في فضائح أخلاقية ، أو جرائم الفساد ، أما الأمر في المغرب فقد يختلف عن باقي المجتمعات ، والتجمعات البشرية ، المتواجدة على الكرة الأرضية ، حيث انتشار الفساد الأخلاقي ، و الجرائم بمختلف أصنافها بجهاز السلطة ، عبر كل سلمها الإداري ، بدءا من أخر عون وصولا حتى الملك ، رغم أن كل مغربي يعرف حق المعرفة ، أن أي مسئول بالسلطة ، لا يستعمل لباسه الرسمي ، وكرسيه الجلدي ، إلا لممارسة السرقة ، والنهب ، وامتصاص جيوب الأبرياء عن طريق تسلمه الرشوة منهم ، لتخصصه في التزوير و التحريف ... وبذلك ينتج أفراد المجتمع أفكارا، والسهر على تكوين جماعات ، و العمل على إقناع المزيد من الأفراد للانضمام لتلك الجماعات ، و الخلايا ، بعدما يتم الاتفاق الفردي و الجماعي ، وتوحيد الرؤية بصدق ، وإخلاص على مواجهة الكارثة التي تسببها فساد السلطة ، وعلى رأسها الملكية ، ويتم التفرغ لتطوير تلك الأفكار بين المنضمين ، و المنظمين ، في ذلك الإطار السياسي السلفي الجهادي ، أو الاشتراكي الثوري التقدمي ، وهم مهتمون بالبحث عن مخرج من ذلك الضيق ، بالقضاء على مافيا السلطة المنظمة فيما يسمى بجهاز الدولة ، وهي أفكار تسعى إلى إحداث التغيير بالمجتمع المغربي بغض النظر عن نوعية التغيير المرغوب فيه ، لأن ذلك يتحدد في إيديولوجية الجهة المنفذة ، و الساهرة على إحداث ذلك التغيير المنشود ، حتى و إن حصل وأن تم انتزاع الحكم وتسليمه لطاقات المجتمع المتكونة من مناضلين ، ومعطلين ، من المقصيين ، والمهمشين ، و المبعدين عمدا ، وفق سياسة العنصرية ، و الميز ، والقبلية ، و الاحتقار التي تمارسها الملكية في حق أبناء الشعب ، وذلك هو الحلم و الطريق الوحيد لإنقاذ المغرب و المغاربة من مافيا السلطة الظالمة ، ورد الصاع صاعين ، بوضع جميع المسئولين المتورطين رهن الاعتقال ، حتى تتم براءتهم ، عبر المسائلة ، و المحاسبة ، و المحاكمة ، وجعل غير المتورطين منهم يختارون بين جديتهم في الخدمة وولائهم للشعب أولا و للوطن ثانية ، أو الطرد من الخدمة بعد المحاسبة . وهو الطريق الصحيح الداعي إلى دعم ومساندة كل الحركات السلفية الجهادية ، أو الثورية التقدمية ، التي تنادي بهذا التغيير، عوض شحن الأبرياء للخروج للشارع من أجل التظاهر للتنديد بها ، لو كان من يدعي تمثيلية الشعب ، و المجتمع المدني صادقا حقا ، ومخلصا لقضية التغيير ، وتثبيت ركائز مجتمع حضاري ، يقطع مع منطق السيد و العبد ، الموجود حاليا بالمغرب، ليحل محله منطق المواطن و المواطنة... إن مافيا السلطة بالمغرب قد قسمته إلى مناطق مختلفة ، من حيث مردودية كل منطقة على حدا ، إذ لم يقتصر تواجدها بالشمال فقط ، نظرا لموقعه الجغرافي القريب من أوروبا ، حيث تهريب العملة ، و المخدرات ، و السلع الغير خاضعة للضرائب ، وتهريب البشر ، وهي المنطقة التي تتدفق منها الأموال غير الشرعية على المسئولين بغزارة ، و لهذا يتصارع أفراد السلطة ، حيث يفضل الجميع العمل بها ...فإن كان للسلطة امتيازات تغريها لرغبتها في مزاولة العمل بالشمال لاعتبارات عديدة ذاتية ، وأنانية ، وشخصية ، قوامها الفساد ، فإنه توجد هناك مافيا متخصصة في الإدارة بالعاصمة ، وهي المتلاعبة ، و المتاجرة ، في كل أنواع الرخص التجارية ، و الأراضي الفلاحية ، و المنح الدراسية بالداخل و بالخارج ، و الأدوية بالمستشفيات ، و المساعدات الدولية ، باعتبارها مركز المافيا القريب من القصر الملكي الحاكم ، كما أن هناك أنواع و أشكال من وسائل الفساد المعتمدة لتحقيق الربح السريع ، وغير المشروع من قبل مافيا السلطة عبر كل أرضية المغرب ، كالرشوة في كل صغيرة وكبيرة ، و السطو على عقارات ، وضيعات فلاحية ، وأملاك المجتمع و الشعب ، وخلق أحياء الصفيح و القصدير ، و تشويه المدن و القرى ، و ابتزاز المغاربة عبر الضرائب غير الشرعية ، وإجبارهم على تقديم الرشوة في منحهم رخص السواقة ، أو البناء ، أو حتى في الرخصة للسماح لهم بالسكن في منازلهم التي بنوها من عرق جبينهم ، وهي أكبر جريمة في حق الإنسان ، وما إلى غير ذلك من نهب للمصالح الشعبية ، و امتصاص لجيوبهم في أي تحرك عن طريق الظلم و العدوان ، وعندما أتكلم هنا عن المافيا بالمغرب فإنني لا أقصد الأشخاص غير المنتمين لجهاز السلطة ، من المحسوبين على أنفسهم ، ما دام هؤلاء هم من اختار طريق غير شرعية في حياتهم ، مما قد يعرضهم أجلا أم عاجلا للعقاب و السجن أو الموت ، خاصة خارج المغرب ، إذ لا أحد يحميهم ... وإنما أقصد المافيا المنظمة داخل أجهزة السلطة . فأين هم دعاة الشعب للنزول للشارع للتظاهر ضد من نفذ انفجار الدار البيضاء ؟ أين هو الإعلام ، ومن يدعي تمثيلية الشعب ؟ كم من هؤلاء قدم استقالته من مؤسسات الملكية لاعتراضه على الفساد الذي يسري بها ، تضامنا مع الشعب حقا ؟ من تكلم منهم عن مافيا السلطة التي كانت تفرض على النساء و الرجال حصولهم على الوصل ، عبر الشيوخ ، والمقدمين ، القواد بالبوادي ، حتى يتسنى لهم شراء كيس من الدقيق العادي من أموالهم الخاصة ، التي جمعوها عبر العناء و الشقاء ، لإطعام ذويهم وعائلتهم ، وكانت السلطة تدعي قلة مادة الدقيق ، ولابد من تقسيمها بين الناس حتى يتمكن كل واحد منهم التوفر على هذه المادة ، في حالة الشح و الكساد ، بينما الأمر ليس كذلك ، بل كانت السلطة تتسلم توقيعات الناس من الأبرياء ، مدعية أنها منحتهم تلك الأكياس من الدقيق غير الممتاز بالمجان ، فيما أنها كانت تبيع لهم تلك الأكياس بالرغم من كونها قد تسلمتها من جهات مانحة ، كمساعدة للمغاربة الفقراء ؟؟؟ ألم يكن كل الصامتين عن تلك الجرائم مجرمون بدورهم مهما كانت مواقعهم ؟ مع ذلك ُتجند الآلة الإعلامية بمختلف أبواقها السمعية منها ، و البصرية ، والمرئية ، و المقروءة ، كلما نادى ربها بذلك ، وكلما أمر مسخرها عن ذلك وفق الظروف السياسية ، و الاقتصادية ،التي أرادها المتحكمين في خيوط اللعبة كالأطفال ، وهم يسيرونها بحكمة وثبات متصنعين ومظهرين الرحمة ، والشفقة ، على الجانب الاجتماعي كي يستقطبوا ما يمكن استقطابه من أموال المحسنين بمختلف أنحاء العالم ، مدعيين أنهم يلتفتون ، ويعينون المحتاجين ، ويقفون بتضامن وخشوع إلى جانب الفقراء ، و اليتامى ، و المشردين ، لكن الواقع العيني ، و التاريخ و الأحداث ، ونفس الوجوه الفقيرة تكذب مفندة لتلك الادعاءات المغرضة ، التي نصبت على الفقراء ملكا بلا مملكة ولا وطن ، ملكا على الفقراء ، و للفقراء على سطح القمر ، أو الشمس ، أو زحل أو بمملكة المحال ، ومع ذلك صفق الرجال ، و النساء مرتدين أثوابا ، و ألبسة تتعدى أثمانها ، وتضاعف ميزانية كل الفقراء ، وما سيستهلكونه في ظرف سنة أو سنتين ، فيظهر الرجال والنساء وهم مجتمعين بأفخم القاعات ، و المباني مستهلكين حلويات ، وفواكه ومأكولات ، و مشروبات يتعدى ثمنها اليومي ، ميزانية جماعة من الجماعات الحضرية في السنة ، منتظرين بشغف دخول ملك الفقراء ، ويا له من ملك للفقراء ! ومع ذلك فهؤلاء فرحين مسرورين ، مصابين بالولع ، و الشوق ، الممزوجين بالنفاق ، و الحقد و الكراهية للفقراء ، وهم من يتحدى مشاعر الشعب ، لكنهم يظهرون مبتسمين على شاشات التلفاز ، ومتصدرين الصفحات الأولى للجرائد النتنة القذرة ، وهم متواجدين بأفخم القاعات المفروشة بالمرمر والورد و الحرير ، ملتفين كالجياع خلف الطاولات المستديرة ، المغطاة بأغلى الأثواب ، و المليئات بمختلف أنواع المأكولات المذكورة في الكتاب على أنها غير متواجدة سوى بالجنة ، فتسود المجاملة و النفاق عبر التفوه بجمل قصيرة ، يخيم عليه الخوف ، و الارتباك ، من جراء تخوف البعض من الآخر ، إذ لا أحد منهم يملك الأيادي النظيفة ، إلا أنهم يختلفون وفق درجات جرائمهم ضد الشعب والمجتمع ، ومع ذلك يحاولون إخفاء خوفهم بهيمنة الغرور على أنفسهم ، وهم يشعرون كأنهم مسئولون ، وبدونهم قد ينهار الوطن ، ويموت الشعب ، وتحدث الكارثة ، وكل واحد منهم يمارس لعبته ، وحيله للتزلف لمن يفوقه رتبة أو لملك الفقراء !! رغبة منه في المزيد من التقرب نحو منابع القصر ، حيث تتمركز الامتيازات ، ويعم الفساد ، ولذلك الغرض يتحمل الصغير رتبة ، إهانة و احتقار وإذلال الكبير منه رتبة أو السامي عنه في السلم و الدرجة ، وكل واحد منهم يتقن أكل لحم الكتف ، مدركا أين تكمن حلاوته ونسمته ولذته ، في الوقت الذي يشعر الغيورين على الشعب أنه من العار أن يعتبر المغرب دولة كما يحلو للبعض أن يسميه بذلك ، لأنه من الأفضل أن ينعت بتجمع بشري داخل غابة اسمها المغرب ، يأكل فيها الكبار الصغار كالقطط ، وعار على جبين كل من يلتزم الصمت حول المبالغ المالية الهائلة التي تسرف في الفراغ ، و فيما يهدر في الرحلات ، والتنقلات ، واللقاءات الرسمية بدون جدوى ، من أموال الميزانية العامة ، فيما أن السواد الأعظم من الشعب على وشك الموت جوعا ، إنه الجوع الذي رمى بالأطفال إلى الشارع لمزاولة الأعمال الشاقة بلا رحمة ولا رأفة ، بتجاوز صارخ للقانون الدولي الذي يحمي الأطفال من الاستغلال ، ناهيك عن الفتيات الصغيرات ، و اللواتي لم يبلغن سن الرشد بعد ، اللواتي يشتغلن في البيوت ، ويعاملن معاملة العبيد ، بالمنازل ، و الفيلات ، و المقاهي ، و الحانات ، والفنادق ، مستعبدات ، ومغتصبات بأبشع الطرق ، فيما أن الأجر التي يتقاضونها لا تكفي لإشباع كلب أو قطة من الحيوانات المنزلية الأليفة بهولندا أو فرنسا ، مما يتسبب في فرارهن لممارسة الفساد ، والدعارة والعهارة ، مما صنف المغرب كثاني دولة على المستوى العالمي بعد البرازيل ، التي تفشت فيها ظاهرة الشذوذ و البغاء ، وممارسة الجنس على الأطفال ، من الإناث و الذكور ، إنه الجوع و اليتم والعوز الذين رموا بالأطفال ، و الرجال و النساء إلى الشارع ، كماسحي الأحذية ، أو بائعي السجائر بالتقسيط ، أو الموت في البحر رغبة في الفرار و الهجرة عبر قوارب الموت ، فانتشرت الجرائم ، وتعددت المشاكل ، مما يملئ مخافر الشرطة ، حيث المزيد من الاحتقار وتدنيس ما تبقى من كرامة أولائك الفقراء من قبل السلطة ، فمن كان لابد من إلقاء عليه القبض يا ترى : الجائع الفقير أو الغاني المستغل للوضع ؟ ومن يجهل السجون ، و مخافر الشرطة ، وما يقع فيها من حط لكرامة الإنسان ؟ إن أساليب الشرطة بشكل خاص و السلطة بكامل أجهزتها بشكل عام ، غير إنسانية وغير حضارية ، لأن أفرادها و العاملين في سلكها ، أناس مغرورون بمهنتهم وسلطتهم ، ويفتقرون إلى المعرفة و الثقافة ، اللتان قد تمكنهم من معرفة أساليب الحوار و التواصل ، و التوفر على الحس الوطني ، و الإنساني ، لكن هيهات فقد يعتبر ذلك من رابع المستحيلات ، ولن أنسى مقولة أحد معارفي من العراقيين المتواجدين بالمغرب ، ونحن نتجاذب الحديث في مجال الوضع بالمغرب ، و بالدول العربية عندما سألني قائلا : أتعرف أسوأ مهنة في العالم ؟ فقلت له مهنة الشرطة . حينها أضاف قائلا : أتعرف أسوأ شرطة في العالم . فقلت صادقا - لا - حتى لا أظهر على أنني ربما حاقد فقط على الشرطة بالغرب ، فبادر مجيبا بقوله : إنها الشرطة المغربية يا صديقي . فوجدته بالفعل على حق ، لأن الشرطة بالمغرب لا تعي بالبات و المطلق مدى إنسانية الإنسان ، و أفرادها لا يفهمون ، ولا يعرفون حدود عملهم ، فهم بذلك مجرد طغاة صغار ، وفق التدريبات و التمرينات ، و التعليمات و التربية التي تلقوها لخدمة الطغاة الكبار ، و السهر على أمنهم ، وسلامتهم ، وراحتهم ، أما الشعب حسب تصرفاتهم ، ومنطقهم فليذهب للجحيم... ولهذا فإن الحركات الجهادية أو الثورية ، لم تولدا في أرض أخرى غير أرض المغرب ، ولم يأتي أفرادها وجماعاتها من المنتمين إليها من قارات وشعوب أخرى بل أفرزهم الشعب المغربي ، وهم فقراء أحرار من الرافضين للذل ، والهوان ، و الظلم و العدوان ، وهم من سيعمل المستحيل ، و الممكن من أجل محاربة الظلم و الطغيان ، و التعريف بقضايا المحرومين ، و المشردين ، و المقصيين من الفقراء ، والمساكين و المحتاجين ، سواء على الصعيد الداخلي ، أو على الصعيد الخارجي ، مع تنبيههم لكل الدول و الحكومات المتعاملة ، وفق مصالحها مع الملكية الديكتاتورية بالمغرب ، على أن كراهية هؤلاء الفقراء لها ناتجة عن تلك المساندة التي تساند من خلالها تك الدول للملكية الطاغية ، في مؤامرات ، و تحالف تصنفه الحركات الجهادية بمنطق "أمة الكفر واحدة " فيما تعتبره الحركات الثورية بالتحالف الامبريالي الرأسمالي الذي يجب القضاء عليه ، وبالتالي فقد تجني الدول و الحكومات الهلاك على شعوبها من خلال تحالفها ذلك مع الملكية الطاغية. لأن ذلك التحالف قد تنتج عنه الكراهية ، والحقد ، و الانتقام بعدما يتم الوعي ، واستيعاب أسباب تخلف المغاربة ، الذين عانوا ولازالوا يعانون ، وسيعانون من بطش الملكية ، وكل من يساندها ، ويتستر عن جرائمها ، ومهما ادعى المنافقون من الإعلاميين ، والسياسيين ، والنقابيين ، وغيرهم ممن ينصبون أنفسهم مدعين أنهم يدافعون على الشعب ، وقضاياه ، أو ما يطلق عليه بجمعيات ، وممثلي المجتمع المدني ، رغم أن دار لقمان لازالت على حالها ، ولم يتغير شيء في الوضع المغربي ، وبالتالي فإن إدعاءاتهم وتحركاتهم في هذا الصدد ، ما هي إلا مجرد لعبة لامتصاص غضب الشعب الكادح من الفقراء ، والمساكين ، و المحتاجين ، لأن الحق بين ، والباطل بين ، لكن من يمتلك الجرأة الفعلية للجهر بذلك في وجه الملكية الطاغية ، مهما كان الثمن ، لأنه في الأخير لا يمكن سجن كل المغاربة من الرافضين لطغيان وجبروت تلك الملكية . وذلك هو الطريق الحقيقي لتحقيق ما يصبوا إليه الشعب ، من الحرية ، و الحداثة ، و الديمقراطية ، و حقوق الإنسان.. إذن فإن المتتبع و المكتوي بنار السياسة المغربية تحت الحكم الملكي المطلق ، يجد نفسه أمام حادث الانفجار الذي حصل بالدار البيضاء ليلة الجمعة 16 مايو 2003 أمام حالة نفسية تجعله يتأسف كامل الأسف ، معتبرا أن ضحايا الحادث مهما كانوا فهم أبرياء ، يضافون ، ويحسبون على باقي أبرياء الشعب ، من المتضررين ، و المصابين بالظلم ، و الطغيان ، لكن في نفس الوقت يعتبر حدث الانفجار ضروريا ، سواء جاء من توقيع الإسلاميين ، أومن توقيع الشيوعيين ، متمنيا أن لا يكون من توقيع السلطة ، التي تهدف من راء الحدث ذلك لتحقيق أغراضها ، ومع ذلك يتم نسبه وتلفيقه للغير ، لأن المغرب قد وصل حالة خطيرة من الدمار ، واليأس ، والحزن الذي يشمل ، و يستحوذ على نفسية أكثر من خمسة عشر مليونا من سكانه الأمازيغيين الأصليين الفقراء ، الغارقين في الجهل و الأمية و التخلف ، و الإحباط على جميع المستويات ، بسبب طغيان الملكية ، وممارسة العنصرية ، وسياسة الإقصاء ضدهم ، و الكل يعرف ذلك و يتعامى عنه ، بل ليس هناك من يجهل أن الأحزاب السياسية كيف ما كانت ألوانها ، و المنظمات ، و الجمعيات ، تتفاوت درجاتها في المطالب و البرامج ، لكنها كلها تعمل داخل الإطار المرسوم ، والمحدد لها من قبل الملكية ، وهي تتحرك في هامش ضيق ، حتى صارت بدون هدف و لا فائدة ، ومنعدمة التواجد ، بالرغم من المؤسسات القائمة في ظل الطغيان و الظلم ، و الاحتقار ، و التزوير ، و القمع ، الذي يتفرج فيه الجميع ، وبذلك استنفدت هذه الأحزاب و الهيئات النقابية والجمعوية إمكانية تواصلها مع الشارع ، لأن الشارع يعرف حق المعرفة أهدافها الوصولية ، و الانتهازية ، و التقرب للملكية ، ومن هنا لابد من بروز تفكير جديد تماشيا مع المتواجد على الساحة الدولية . لا أحد يجهل الصراع الذي عرفه التاريخ البشري بين كل من الرأسمالية ، بزعامة الامبريالية الأمريكية وعبيدها من الدول ، وما بين الاشتراكية الشيوعية بزعامة الاتحاد السوفيتي ، وبما أن منطق تلك المواجهة التي انتهت رحاها بالحرب الباردة ، كان يفترض على كل طرف استخدام طاقاته وإمكانياته في تحطيم عدوه ، فأن الامبريالية الأمريكية قد استخدمت الإيديولوجية الإسلامية ، و الإسلاميين ، من خلال تحريكها للملوك ، و الرؤساء الرجعيين من عبيدها ، بدول الخليج العربي ، والمغرب للعمل على تحريض ما يسمى بالمجاهدين الإسلاميين عن طريق شحنهم ، باعتبار الشيوعية خطيرة على الإسلام ، وبالتالي يتوجب مقاومتها، و القيام بعمليات عسكرية تديرها أمريكا من وراء الستار ، في مواجهتها غير العلنية مع الاتحاد السوفيتي ، مستغلة بذلك جهل المسلمين بخطورة أمريكا نفسها على العالم برمته ، والذي أثبته التاريخ ، والمستقبل .وعندما انتصر النموذج الامبريالي على النموذج الاشتراكي النبيل ، لم تجد القنابل التي صنعتها نفس الامبريالية أين تنفجر ، فكان أن انفجرت ضد من صنعها ، وفي مخازنها ، والمغرب خزان من مخازن تلك الامبريالية ، وما صنعه من تيارات إسلامية لتحقيق أهدافه الشريرة تجاه الشيوعية و الاشتراكية النبيلة ، وهاهو الآن يواجه تمرد صناعته عليه ... لقد أدنت سابقا كل أعمال ، و أفعال ، وممارسات ، تلك التيارات الإسلامية ، ضد الأبرياء من الشعب ، بمبرر نشرهم الدعوة الإسلامية ، ومعاقبتهم لكل من يعاكسها ، أو لا يطبق تعليماتها ، معتقدين أنهم من يقوم بدور ، وصي الله في الأرض ، وعبرت عن استنكاري لهم ولأفعالهم ، و لنهجهم السلفي المتجاوز والغير الصالح ، للعصر الحالي ، لكنني لن أدين أعمالهم إذا وجهوا حركاتهم الجهادية للمس بالملكية ، وتوجيه إنذارا صريحا لها ، ورسالة واضحة من خلال تلك الانفجارات ، التي لا يسعني إلا أن أزكيها ، بل أدين و استنكر كل الذين أدانوا و استنكروا ذلك الحدث ، لأنهم يكشفون عن نفاقهم الخطير ، وإن لم يكونوا منافقين ، فلماذا لم يتظاهروا يوما ليستنكروا وليدينوا أفعال الملكية وسلطتها ، وما تسببت فيه من فقر وتجويع ، ومآسي للشعب المغربي المقهور ، الذي يعيش في البوادي ، و القرى ، والمداشير ، وأحياء الصفيح و القصدير بالخبز والشاي، وعانى ويعاني أبناؤه من فقر الدم ، وكل أشكال الإهمال ، والحرمان و الإقصاء ، و التهميش ، حتى صاروا يعيشون في الجحيم ، فيما يظل الملك وسلطته التابعة له ، وكل من يسبح بحمده ، من أحزاب ومنظمات ونقابات ومؤسسات ، وإعلام ينعمون جميعا وسط النعيم، وهم نيام وغافلون ، لن يستيقظوا حتى يحل يوم الحساب ، وهاهي قد بدأت تظهر علاماته في بروز الحركات الجهادية السلفية حاليا ، و الحركات الثورية التقدمية مستقبلا ، لتصفية ذلك الحساب .. خلاصة القول فإن المغرب مجتمع وتجمع بشري يمتاز جغرافيا على بعض المجتمعات البشرية الأخرى ، نظرا لموقعه ، حيث يطل على البحر الأبيض المتوسط بالشمال ، وعلى المحيط الأطلسي بالغرب ، وثرواته الطبيعية مختلفة ، ومتنوعة، حيث الصحراء ، والماء ، والوديان ، و الأنهار ، والبحر و ألغابات ، والصيد البحري ، و الرمال و الأحجار ، وكل ما لا يمكنه أن يتبادر على الذهن ، لكن الفضيحة ، والجريمة الإنسانية الكبرى التي ارتكبتها الملكية ، أنه لا حق للفقير في كل تلك الخيرات ، وهو الأمر المرفوض جملة ، وتفصيلا من قبل العقل الناضج ، و الإنساني ، كما أنه الأمر الذي يستدعي التنديد و الاستنكار و المواجهة حقا ، أما الانفجارات التي حدثت في الدار البيضاء ، و إن كانت فعلا من توقيع الإسلاميين ، فمن زرع الأشواك لا يمكنه أن يحصد سوى الأشواك ، و الذي يمتلك رؤية سياسية متكاملة ، وغير عاطفية حول الأوضاع الفاسدة بالمغرب ، وهو لا يتصف بالنفاق و الغرور ، و الأنانية و المصلحة الذاتية ، و لا يكيل بمكيالين ، فإنه لن يفاجأ بما حصل بالمغرب ، بل قد يسانده ، عسى أن يخرج المغرب و المغاربة من عنق الزجاجة التي هم فيه ، ومن النفق المسدود ، وبذلك يتلقى كل واحد جزاءه ، فيما أسداه من ضربات موجعة ، ومتتالية للمغرب ولشعبه الفقير و النبيل فالسياسة أفكار من وحي العقل البشري التي تحولت إلى علم ، و ُرسخت كمبادئ ، وأخلاق ، ونضال وقيم ، وهي في الأخير فن المكن ، في مجال تسيير الفرد لنفسه ، أو لغيره، أو للجماعة أو للمجتمع نحو طريق الازدهار ، والتقدم و التضامن والوحدة ، من أجل ترسيخ القيم الإنسانية في إطار الحداثة ومواكبة العصر ، في وسط تسوده الديمقراطية ، والنزاهة ، والشفافية ، التي هي العماد الصلب ، و الحقيقي لإنتاج مواطن صالح يعرف حق المعرفة معنى المواطنة ، وما تمليه عليه من حقوق ، و واجبات داخل محيطه الاجتماعي ، والمجتمعي ، ومن هذه الزاوية يمكن اعتبار هذا المجتمع دولة ذات الأوصاف التي تنطبق على باقي الدول ، وبدون ذلك يظل الأمر مجرد أوهام ، يبني عليها البعض مقالاته ، وأفكاره الهدامة وتحليلاته ، وكل هذه الضروريات يجب أن تكون حاضرة لدا من يهتم بعلم ومجال السياسة المبنية أولا و أخيرا على الأفكار البناءة ، لأنه في غياب الاعتماد على هذه الأفكار البناءة ، فإن السياسة بذالك تتحول إلى فن للمستحيل ، كما أن الفن هو من إبداع العقل البشري كذلك ، وهو الذي وضع المنطق لمعرفة الأشياء على حقيقتها ، والتدقيق في مسائل قد لا تقبل التراجع ولا يمكن أن يساوم عليها ، كالعدل و المساواة بين الأشخاص كيف ما كان مركزهم ، وضمان الحقوق بكل أصنافها المدنية منها و السياسية ، و النقابية والجمعوية والثقافية ، و الاجتماعية ، وغيرها ... كما أن فن السياسة هو علم يجعل المهتم به ، ودارسه كشخص ملم وعارف لأمور قد لا يعرفها العامة من الناس ، فقد عانت المجتمعات البشرية عبر التاريخ من الممارسات السيئة ، و التصرفات المشينة ، و السلوك الفردي أو الجماعي ، الذي يصدر عن الأقوياء المتحكمين في تسيير تلك المجتمعات ، لكن بفضل الأفكار البناءة ، وتضحيات المخلصين للسياسة من المناضلين ، الذين ساهموا في التغيير نحو الأفضل ، و التطور حتى في علم السياسة ، فإذا كان بالفعل علم الساسة قد تطور نحو الأفضل عبر النضال ، و التضحية ، و الإخلاص للسياسة التقدمية ، المرتكزة على الأفكار البناءة ، وتحويل المجتمع بفضل ذلك من عالم ُمظلم إلى عالم متنور ، فإنه بذلك يتوجب على السياسة أن تضع قطيعة مع العالم المظلم و الظالم ، و إلا تم اعتبارها سياسة رجعية مبنية على أفكار هدامة ، وبالتالي فهي فنا للمستحيل ، أي مجرد لعبة تتبادلها النخبة الحاكمة فيما بينها ، متحكمة في خيوطها من بعيد أو من قريب ، و في الخفاء و العلن ، وبالتالي فهي ليست فنا للممكن . إن تقسيم وتفكيك علم السياسة، وتصنيفه إلى فن للممكن ، وفن للمستحيل هو نفس التقسيم الذي ينطبق على الكون برمته ، حيث أن التجمعات و المجتمعات المتخلفة هي التي تمارس فيها النخبة الحاكمة سياسة المستحيل بطريقة فنية ، الهدف منها تخدير الشعب ، وخدعه ، وإقصاءه ، عبر الظلم ، والقهر ، والقمع ، ونشر الفساد بكل أنواعه ، وفي كل مجال ، ثم استفحال كل الظواهر كالتخلف ، والأمية والجهل ، والأمراض الفتاكة ، حتى يتسنى للأنظمة الديكتاتورية عسكرية كانت أو مدنية أن تزيد في تحكمها ، وهيمنتها على هذا النوع من المجتمعات ، الذي يعتبر فيه كل ما يتم الحديث عنه كمصالح ، أو مكاسب للشعب مجرد أكاذيب تدخل في سياسة النفاق كفن للمستحيل ، فمهما ادعت النخبة على أنها تمارس السياسة دفاعا عن الشعب ، فإن ذلك مجرد إغراءات وهمية ، جوهرها التخدير و التنويم ، وجر الشعب للمشاركة في الانتخابات ، و الاستفتاءات المعروفة نتائجها في السر قبل إجرائها في العلن ، لتمرير قوانين ، ودساتير مزورة وشكلية مجحفة في حق الشعب ، وقد يتم ذلك عبر التحكم في كل المنابر الإعلامية بمختلف تخصصاتها و اهتماماتها ، وتأسيس أحزاب يتم تصنيفها بين يمين ، وما يسمى بالمعارضة ، فيما أن الواقع العيني يفند تلك الادعاءات و الشعارات الفجة التي ترفعها هذه الجهة أو تلك ، لأن الجميع يتسابق في الأخير نحو تقسيم كعكة الشعب ، و الحصول على أكبر قدر ممكن من الأموال العامة ، لتحقيق حياة شخصية وعائلية يسودها البذخ ، و الثراء الفاحش ، وهي ممارسات تصدر عن النخبة التي يمكن اعتبارها بالوسيط ما بين الشعب الضحية ، والحاكم الجلاد ، الذي يخفي ديكتاتوريته وراء هذه النخبة ذات الوجهين ، حيث أنها لا تلتفت إلى الشعب بوجهها الثاني إلا في حالة الانتخابات، أو الاستفتاء ، فيما يظل وجهها الأول خادما مطيعا ، وعبدا رقيقا للحاكم الطاغي ، وبتوفر النخبة على هذين الوجهين المتناقضين ، استطاعت بذلك أن تمزق أفكار الشعب إلى الأفكار الهدامة ، وإلى الأفكار البناءة ، حتى لا يتمكن من التوحد والوحدة ، لإنتاج الأفكار البناءة دفعة واحدة ، وبشكل جماعي ،الهادفة إلى التغيير عبر اعتبار واتخاذ السياسة كفن للممكن ، حيث الدفع بالمجتمع و البلاد نحو التقدم و الحداثة ، بالقضاء على الديكتاتورية ، والنخبة التابعة لها ، ممن يتخذ السياسة كفن للمستحيل ، وترسيخ شعار لا يسمح فيه أبدا لا لرئيس الدولة ، و لا لرئيس الحزب أو النقابة أو الجمعية بالترشيح إلى ذلك المنصب لأكثر من ولايتين ، مع محاسبته وعائلته قبل توليه لذلك المنصب ، وبعد مغادرته له ، كما هو الشأن بالدول المتقدمة والمتحررة ، التي استطاعت بفضل تحرر، وتحرك شعوبها ، وتجريدهم من الأنانية العمياء إلى اتخاذ السياسة كفن للممكن ، ومن ذلك المنطلق تم تحقيق النمو على جميع الأصعدة ، بل صارت ترنو تلك الشعوب إلى أفق بعيد يجعل اكتشافاتها ، و إبداعاتها ، وحريتها ، وحقوقها ، في جميع المجالات تبهر العقل البشري بنظرتها للمصلحة ، وللصالح العام ، بل قد تذهب بعيدا في أبحاثها عن مكامن الضعف ، للوقوف عند نقط الإخفاق في أي مجال ، وتكون أبحاثها ميدانية ، واقعية تهتم بكل كبيرة وصغيرة حتى تتمكن من الوصول إلى الداء ، ليتم بذلك بتره و القضاء عليه ، أو معالجته في حينه إذا أمكن ذلك ، ومن هنا يصعب عليها أن تخطو خطوة نحو الوراء حيث التخلف ، ولذا كانت هي المجتمعات و الشعوب المتحررة ، و السباقة إلى اتخاذ ، والتعامل مع السياسة كفن للممكن ، وليس كفن للمستحيل كما هو الشأن بالمجتمعات المتخلفة التي يعتبر المغرب واحدا منها..... وهم بذلك من يعرف أن العنصرية سلوك بشري مرتبط بالأنانية ، والحقد ، والكراهية ، وقد لا تلتقي العنصرية مع الوعي بحقوق الإنسان ، و الإنسانية ، والعنصرية هي مصطلح صعب في فهمه وعمقه ، وأسباب بروزه في نفسية الإنسان الناقص فكريا ، لكن العنصري لا ينظر إلى نفسه بذلك النقص ، بل يرى نفسه كاملا كلما احتقر الأخر ، واستعبده ، لا لشيء إلا لأن العنصري يمتلك القوة ، أو الجاه ، أو السلطة ، وهي الثلاثية التي كان يمتلكها الإنسان الأبيض في القرون الوسطى ، و بها استطاع ممارسة تجارته حتى في البشر مثله ، وهي جريمة لا يزل التاريخ يتذكرها ، لكن مع تطور العصر و بروز الإيديولوجيات المتناقضة فيما بينها ، والمتحاربة تحت غطاء الأفكار البناءة ، والأفكار الهدامة ، كان الانتصار في العالم المتقدم للأفكار البناءة الهادفة إلى تحرير الإنسان ، و القضاء على الجرائم من ذلك النوع ، واعتبار الإنسان فوق كل شيء بالنظر إلى إنسانيته ، وشرفه وكرامته ، وبفضل تلك الأفكار البناءة تم تحطيم الأفكار الهدامة في مجال استعباد الإنسان ، لكن هذا الهدف لم يشمل كل المجتمعات التي لا تزال متخلفة ، حيث أنه إذا تم توقيف الاتجار بشكل علني في الإنسان كعبيد ، ورقيق ، فإن تلك التجارة لم تتوقف نهائيا ، بل استمرت بطرق سرية حتى وقتنا هذا ، وخاصة بقصور الملوك ، والوزراء ، والرؤساء ، وكبار الأعيان بالمجتمعات العربية والإسلامية ، وغيرها من المجتمعات المتخلفة ، وتلك هي قمة العنصرية و الاستعباد ، فكيف يمكن محاربة ذلك بالمغرب مثلا ؟ يتعرض الفقراء بالمغرب كمتجمع من تلك التجمعات البشرية المتخلفة لكل أشكال الحرمان ، والإقصاء ، والتهميش ، والعنصرية ، والظلم ، والقهر ، فيما أن الميسورين من العائلات التي يتواجد أفرادها في مواقع القرار ، و السلطة بما فيها الأحزاب النخبوية ، قد تحولت بسبب نشر كل أشكال الفساد و الميوعة ، إلى شبكة مستفيدة على حساب الشعب ، وهي النخبة أو العصابة التي تتاجر مستغلة كل ما هو شعبي ، بدءا بنهب ماليته العامة ، واستغلال إداراته ، ومؤسساته العامة ، وصولا حتى استنزاف خيراته ، وثرواته الطبيعية ، واستعمال خدماته المجانية كالهاتف ، والبنزين ، و السكن ، والمنح المسلمة في الداخل و الخارج ، والسيارات ، وكل شيء يسدد على حساب فواتير ما يسمى بالدولة ، وهذه النخبة كشبكة منظمة على شكل عصابة ، وأفرادها ، وجماعاتها يتبادلون فيما بينهم المصالح ، و الزيارات ، فيكفي أن يرن الهاتف ، فيعرف المتلقي صاحب المكالمة ، حينها يتم قضاء الأمر و الحاجة ، والقيام بالمهمة ، إما عن طريق القوة حسب النفوذ السلطوي للمتكلم ، أو عن طريق المحسوبية ، والقرابة العائلية ، والرشوة ، والزبونية ، والسمسرة ، وهذا لا يتوقف في ما يخص المال ، و القضايا في المحاكم التي يهيمن عليها الظلم و الجور ، و التزوير فقط ، بل قد يصل أمر التعليمات حتى المستشفيات لإعطاء الأولوية ، و الأسبقية في العلاج ، لأفراد هذه النخبة و العصابة ، ويبقى بذلك الفقير المسكين ، لا حول و لا قوة له ينتظر على الأرصفة و الممرات ، متدفقا على مكاتب الاستقبالات ، وعلى أبواب المسئولين دون جدوى ، حتى ولو كان الأمر يتطلب حالة قد يتم فيها إنقاذ مريض أو مصاب من الموت ، وهي قمة الإهمال ، و العنصرية في ظل حكم ملكي عموده الفقري هو الفساد في كل المجالات ، وبشتى أنواعه ، فلا يندى جبين الملكية وخدامها من العملاء ، بما فيهم القضاة بالمحاكم الذين يحكمون بغير حق على الأبرياء ، ثم الحراس بالسجون الذين يقمعون وينهبون ويدنسون كرامة السجناء ، ناهيك عن الأطباء بالمستشفيات الذين لا تحرك وضعية المريض الفقير في نفوسهم ذرة من الرحمة ، وهي المواقع التي تتطلب من العاملين فيها التضحية ، و استحضار إنسانيتهم ، وحسهم الوطني ، وضمائرهم ، وشعورهم العاطفي ، لأنه يفترض في هؤلاء أن يكونوا قلوب الرحمة ، والعطف و الحنان ، و أن يتفهموا ألام ومعانات الإنسان المقهور ، و المسكين الفقير ، لكن هيهات قد يتحرك الحجر من مكانه ، ويتنازل الجبل عن شموخه ، وتنحدر المياه من الأعلى نحو الأسفل ، فيما يظل أفراد النخبة والشبكة المستفيدة الوحيدة بالمغرب و بالمجتمعات المتخلفة ، من خلال ممارستها الفرعونية ، وأعمالها المشينة والمذلة للإنسان ، و للوطن ، لا لشيء إلا لأن الحكم الملكي ظالم وغير عادل ... لقد شاءت الظروف خلال مدة زمنية ممتدة ما بين 1989 و2000 ، أن أحتك مع البعض من هذه المؤسسات ، التي تتحكم فيها العصابات بأساليب النازية و الفاشية ، حيث كنت في تلك الحقبة مراسلا لجريدة – أنوال- و لمختلف المنابر الإعلامية ، التي انخدعت بكوني أرى فيها أنها تتبنى هموم ومعانات الفقراء المظلومين ، وقد كنت شابا مناضلا يساريا غيورا ، رافضا للديكتاتورية الملكية الحاكمة ، ولمؤسساتها الظالمة ، فكانت الدروس التي تلقيتها من خلال تلك التجربة ، أنني قد اطلعت عن كثب على جملة من المشاكل الاجتماعية التي يتخبط فيها الفقراء الأبرياء ، و الذين لا يحق لهم في القانون المغربي سوى تنفيذ البيت الشعري للشاعر الفلسطيني - محمود درويش- " من حقكم أن تعلقوا صوري على الجدران " إذ لا يحق للفقراء بالمغرب سوى تعليق صورة الملك الديكتاتور على جدران مساكنهم ، رأيت خلال تلك الفترة ما لن يتبادر للعقل البشري ، حيث يترامى الفقراء من باب إلى أخر بالمحاكم الوسخة ، والمستشفيات المحتلة من قبل عصابات اللصوص من الممرضين والأطباء الخونة ، وهم يواجهون بأرذل أشكال العنصرية ، ويعانون من الإهمال ، والتهميش ، و الإهانة ، وهم يطردون كالخرفان جماعات و أفراد من قبل أشباه رجال السلطة الظالمة ، ومما يزيد من معانات أولئك الفقراء ، أن المستشفيات قد لجئت لاستئجار شركات تسخر، وتستخدم أشخاص مفتولي العضلات لحراسة أبواب تلك المستشفيات ، وطرد الفقراء من المرضى ، و المصابين ، لعدم شرائهم ، أو توفرهم من أموالهم الخاصة على لوازم التطبيب و العلاج ، المصحوبة بالرشوة ، و اعتراضهم طريق كل زائر للمستشفى قد يظهر من خلال ملابسه أنه فقير... فهل يعتقد هؤلاء أن المستشفى يعتبر مكانا للنزهة ، حتى يمنعون الفقراء من ولوجه ؟ ألم يكن المرض و الألم هو من يأتي بهم لتلك المستشفيات الشبيهة بالسجون ، الثكنات العسكرية ؟ إنها إشارات جعلتني أكره الملكية بالمغرب ، معتبرا سياستها في هذا الباب من أكبر السياسات وأخطرها عنصرية بالعالم ، ولن أنسى مهما طال عمري ما سجلته ذاكرتي في هذا الصدد ، وما رأيته بقرة عيني بمختلف مستشفيات ومحاكم سجون المغرب ، ناهيك عن مستشفيات الأمراض العقلية التي لا يمكن نقل بشاعتها عبر الكتابة ، حيث أنه من الأفضل نقلها عبر التصوير حتى يتم إظهار المغرب كتجمع بشري لا تعرف فيه السلطة للرحمة وللرأفة معنى ، وبالتالي يتوجب تغيرها بكل الأشكال التي يسمح بها العمل الثوري ، أو الجهادي ، لأنه لا يعقل أن يتقبل الغيورين من المغاربة ما هو على أرض الواقع ،الذي هو التدهور و الدمار و الخراب ، وما هو على أرض الخيال حين يتم الاستماع لصوت الملك أو الوزير، مخاطبين الشعب من منبر الحكم الديكتاتوري مصرحين أو مشيرين إلى الميزانيات و الأموال المخصصة لما يسمى بوزارة الصحة ، فأين تذهب تلك الأموال ؟ إذا كان الفقير مجبر وملزم حتى لشراء الحقنة ؟ كما أن حال المؤسسات العمومية نتنة قذرة ، وسيئة المعاملة والتعامل لدفع الفقير للتوجه نحو القطاعات الخاصة فأين خطاب الملك أو تصريح الوزير على أرض الواقع ؟ إن الحداثة و الديمقراطية المتحدث عنهما في المغرب ، لا يمكن الوثوق بهما لكونهما فوقية في الأساس تستثنيان الفقراء و المعوزين ، وبذلك تعتبران في نظر الغيورين و المناضلين ، مجرد أساليب وسياسة عنصرية اتجاه شريحة اجتماعية فقيرة ، وهي سياسة طبقية للاستهلاك الإعلامي و السياسي ، ومحاولات تغيير الصورة الوقحة للملكية بالمغرب ، أمام المنتظم الدولي ، الذي يعرف حق المعرفة أكاذيبها ، وما تمارسه من تعتيم ، وضغط و إهانة للشعب المغربي النبيل ، وقد يأتي يوم الحساب العسير حيث ستؤدي تلك الملكية فاتورة أخطائها ، عندما ينظم المنتظم الدولي إلى المطالب الشعبية بالمغرب ، واعيا بذلك خطورة صمته مرحليا عن جبروت الملكية ، وما سينتج عن ذلك الصمت من فرز للحركات الجهادية أو الثورية التي ستواجه كل مساند للملكية الطاغية ، ومن هذا الوعي سيأتي يوم يفرض فيه القانون الدولي نفسه ، ويقول كلمته ، ولن يبقى بذلك مجال للطاغي ، وللصوص ، والمحتالين ، والمختلسين لأموال الشعب و استغلالها للفائدة الشخصية بلا حشمة ، ولا خوف و لا حياء ، تحت حكم ملكي عسكري مخزني قمعي ديكتاتوري... فلا يمكن الحديث عن الديمقراطية ، و الحرية إلا من داخل المجتمع الذي يمارسها ميدانيا ، و على أرض الواقع ، والمغرب بعيد كل البعد حتى عن هذا الحديث ، لأن كل شيء فيه يجهض مباشرة في الرحم قبل الحمل ، و الإنجاب ، لأن وسائل الإعلام التي كان عليها أن تسهر على نقل هذا الحديث كرسالة للجميع ، بأمن و أمانة ، كي يتم ربط التواصل بين الكاتب ، و المفكر و القارئ لتطوير هذا الحديث ، نجدها متخاذلة ومشاركة في لعبة الصمت ، و أصبح الإعلام بالمغرب مسخرا من قبل الملكية ، وخدامها الأوفياء ، وخير دليل على ذلك تلك المبالغ المالية الباهظة التي تتهاطل من حين لأخر على الصحف ، من جرائد ، ومجلات ، وبرامج إذاعية فاشلة ، لا لشيء إلا لأنهم يستهلكون الأوراق ، و الأقلام ، و الحبر في تخديرهم للشعب ، فلو كانت تلك المبالغ المالية ترصد لمشاريع العاطلين ، والمعاقين ، و الفقراء من المحتاجين ، لتم القضاء على المشاكل الاجتماعية المتراكمة ، التي تندر بالكارثة في أية لحظة ، ولكن عندما تحالف الجاهل مع المجهول ، ضاعت مصالح الشعب في ذلك التحالف ، حيث السهرات وقضاء الليالي الحمراء بفواتير النضال ، وتحت خدع تمثيل الشعب ، ومع ذلك يهتم الإعلام في المغرب بملفات متجاوزة ، أو تخص جهات معينة فوقية ، و التحدث عنها بخوف وبشكل ايجابي ، دون التطرق إلى الجهات الأخرى الفقيرة ... وبما أنني أؤمن حق الإيمان أن الأبيض أبيض ، و الأسود أسود ، و لا مكان للرمادي بينهما ، فإنني سأحاول قدر الإمكان تفسير هذا الموضوع عسى أن يتحلى الجميع باليقظة ، و المسؤولية ، لإنقاذ المغرب المتواجد بين سندان الملكية المطلقة ومطرقة الاشتراكية المزيفة. فالمغرب قد مر من فترات عسيرة ، وغامضة في حياته السياسية نظرا لعوامل عديدة ، من ضمنها اختراق الأجهزة الأمنية لصفوف الأحزاب مند فترة ولادتها على الساحة السياسية ، إضافة إلى أن الغموض الأيديولوجي الذي يلف بدوره هذه التوجهات السياسية ،و هما العاملان الأساسيان في تفجير الأوضاع الداخلية لتلك الأحزاب ، محدثان انشقاقات تستغلها القيادات الحزبية للاستفادة من المناصب العليا بالمجتمع ، كما تستغلها السلطة للحد من المد السياسي الشعبي ، الذي يعرف مدا من حين لأخر، لأنه الوحيد الذي يكتوي بنار الإهمال ، و الاهانة ، و التهميش ، وتظل تلك الحالة المرضية لم تعالج بعد ، مادام المناضلون الحقيقيون ، لم يقفوا وقفة صارمة عند جذور هذا الداء للقضاء عليه ، وهو ما أثر ويؤثر سلبا على مستقبل السياسة المغربية ، ويجعلها فريسة سهلة بين أيادي السلطة و الانتهازيين ، من المتربعين على كراسي قيادات تلك الأحزاب ... إن السلطة بالمغرب كأية سلطة متخلفة في العالم فرضت استمراريتها عبر العنف و المجازر، و التخطيط لخلق خريطة سياسية تخدم مصالحها ليس إلا ، وقد تورطت الأحزاب التي تدعي أنها وطنية ومعارضة ، التي تتحمل قسطا من المسؤولية فيما وصل إليه حال المغرب و المغاربة ، من تزوير وتحريف ، وظلم ، وفساد ، وإخفاء للحقائق ، و الملفات وتشويه للتاريخ النضالي للزعماء ، والتستر عن جرائم الملكية ، والدعاية المفبركة لخلق زعماء وهمين ، مع العلم أنهم من ساهم في تصفية أعضاء جيش التحرير ، والحركة الوطنية ، من الرافضين للملكية وللحماية الفرنسية ، ولمنطق المساومة ، والاستسلام للسلطة المزيفة ، التي شوهت تاريخ المغرب و المغاربة ... فإن ذلك من ساعدها على العودة إلى كرسي العرش بعدما كان التخطيط في السر ، و الخفاء لتأسيس ، قوتين سياسيتين مناقضتي التوجه و الإيديولوجية ، فكانت ولادتهما بما يعرف - بدار المخزن- إذ ظهر حزب الاستقلال سنة 1944 بتوجه رأسمالي ليبرالي ، تحت غطاء إسلامي كأيديولوجية بزعامة الفقهاء ورجال الدين ، في المقابل بروز و تأسيس الحزب الشيوعي المغربي بتوجه اشتراكي ، وغطاء شيوعي كإيديولوجية ، وكانت الملكية تتلاعب بالحزبين معا ، وهي تنتظر بذلك حسم الصراع الدولي بين القوة الاشتراكية بزعامة الاتحاد السوفيتي ، و بين القوة الرأسمالية الامبريالية بزعامة أمريكا ، حتى يتسنى للملكية في ذلك اختيار الحزب المناسب لما آل إليه لوضع الدولي آنذاك ، لتضمن بقائها على العرش ، فكان أن ظهرت لها بوادر انتصار المعسكر الغربي الرأسمالي ، ومن هناك عقدت تحالفها التاريخي مع الحزب الرأسمالي الذي هو حزب الاستقلال للقضاء على تيار جيش التحرير ، و المقاومين من الرافضين للملكية ، فيما تم اختراق الحزب الشيوعي المغربي من قبل المخابرات ، للكشف عن المناضلين الثوريين المدافعين عن الاشتراكية ، و الحرية ، و الديمقراطية ، لاعتقالهم و القضاء عليهم بطرق مختلفة ، بل ذهبت المخابرات إلى أبعد من ذلك حيث خلقت صراعا وتطاحنا بين الحزبين ، مما أدى إلى زعزعة كيانهما معا ، فكانت اللعبة متداولة في الظل ، حتى تم إعلان ولادة الحزب الوطني للقوات الشعبية ، الذي جمع في كيانه وشتاته الداخلي بين المنتمين للنظريتين المتناحرتين ، وللتوجهين المتناقضين ، فشملت صفوف الحزب الجديد الأعضاء الفارين من حزب الاستقلال بعقلية ليبرالية ، والغاضبين عن الحزب الشيوعي بعقلية اشتراكية ، فكيف يعقل يا ترى أن يجتمع هذين التوجهين في وعاء وحد ، الذي هو الحزب الوطني للقوات الشعبية ؟ وإلى متى سيستمر هذا التحالف المبني على النفاق السياسي ؟ ألم يجسد هؤلاء بذلك طرح كون السياسة في المغرب مجرد فن للمستحيل ؟ لقد شاءت لعبة السلطة أن تعصف كالرياح العاتية بقوة الحزب الوطني للقوات الشعبية ، وتخرجه للوجود كأمثاله ، وتعمل بذلك على خلط الأوراق في أدهان المناضلين الثورين ، و الرافضين للملكية ، بل يتم مطاردتهم ونصب الفخاخ لهم حتى ممن كانوا يعتبرون رفاقهم في النضال و الكفاح ، فتم بذلك إقصاء الزعماء ، ممن لا يؤمن بالمساومة ، فظلت السلطة إلى يومنا هذا هي صاحبة الحل و العقد ، والتقرير في مصير أية قوة سياسية أو جمعوية .. وبما أن انطلاقة العمل الحزبي في المغرب كانت خاطئة في بدايتها وإقلاعها ، فلابد أن تكون نهايتها كذلك ، لأن السلطة هي الماسكة بخيوط اللعبة السياسية ، وهي من تتحكم فيها من قريب و من بعيد ، وهي البارعة في خلق وصنع الأحزاب ، وتنصيب قادتها ، كما تمكنت من الجمع يبن المتناقضات ، فجمعت بين الرأسمالية الممثلة في الملكية وحزب الاستقلال ، وبين الاشتراكية التي يتبناها الحزب الشيوعي ، مما أفرز الحزب الوطني للقوات الشعبية حيت اختلطت فيه التقدمية و الرجعية وهو التناقض الذي يشل كل الأحزاب المغربية ، التي لم تستطيع القطع مع هذا الإرث السياسي الخبيث ، والثقيل ، وهو المرض الذي واكب مسيرتها الحزبية والنقابية والجمعوية بالمغرب ، الذي تعد فيه السياسية فنا للمستحيل ، وسوقا للمتاجرة في الأصوات ، بعيدا عن المبادئ ، والأخلاق النبيلة ، والمواقف البناءة ، وهو التسيب الذي أنتج أكثر من ثلاثين حزبا . إن الغموض و التناقض و التذبذب السياسي و الإيديولوجي و الأخلاقي ، الذي ولد مع ولادة العمل الحزبي بالمغرب ، هو نفس التناقض الذي لا يزال يسود صيرورة العمل السياسي ، فحين نجد مثلا الحزب الشيوعي أو حزب الاتحاد الاشتراكي كأحزاب ترتدي قميص الاشتراكية ، بينما هي مزيج من الآراء والتصورات المختلفة و المتناقضة ، بولائها الأعمى للملكية ، وهي تحكم مع الطاغي من جهة ، ثم تطعن في شرعية البرلمان الحالي بغرفتيه ، نظرا لما لحق الإرادة الشعبية من تزوير وتحريف من جهة ثانية ، ثم تتسلم مقاليد الحكم و الاستوزار ، منصبة ، ومدعمة من قبل نفس البرلمان المطعون فيه بالتزوير ، كما يتم الطعن من قبل دعاة الاشتراكية في شرعية الأحزاب الأخرى معتبرين إياها بأحزاب إدارية مصنوعة من قبل وزارة الداخلية و المخابرات ، و خبيثة تجر المجتمع للهلاك ، ومع ذلك عندما تستدعي مصلحتها الحزبية ، ومصلحة قادتها الشخصية ،عقد التحالف مع تلك الأحزاب المرفوضة إلى وقت قريب لخلق أغلبية صورية ، كما يحدث في المغرب ، بأكاذيب مبررات مصلحة الوطن ، كلها عوامل جعلت الشعب المغربي يكره العمل السياسي ، وهو يدري رويدا رويدا حسب التجارب كون السياسة بالمغرب مجرد فنا من فنون المستحيل ، مما جعل تاريخ المغرب تحت الحكم العلوي بدون قيمة ، لما لحقه من زيف وتشويه ، وطمس للحقائق ، وهو ما جعل الأجيال الصاعدة تشك في مصداقية الذين يشار إليهم برموز ما يسمى بالحركة الوطنية ، كما أن الأحزاب بالمغرب هي الوحيدة بالعالم التي يظل زعمائها على أعلى هرم الحزب حتى يزولوا عبر الموت و الفناء ، بعدما يتركون الوصية لمن سيرث عرشهم ، إذن هل سيظل الشعب المغربي مكتوف الأيدي في انتظار المزيد من الخيانة ؟ بالطبع لا يمكن الانتظار ، وهو ما فتح المجال أمام البعض لتداول الأفكار، بحثا عن وسائل وسبل التحرر ، و الخروج من تلك الوضعية الفاسدة ، وبما أن الأمر مطروح بجدية وعلى كل المستويات ، فقد ظهر للمتشبعين بالإيديولوجية الإسلامية أن الحل الوحيد هو الجهاد في سبيل نصرة الحق، فيما سيتبين للثورين المقتنعين بالاشتراكية و الإيديولوجية الشيوعية ، أن ممارسة الكفاح المسلح ، هو المخرج الوحيد لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. لكن هذين الطرفين يواجهان بغطرسة الملكية ، وما تملكه من قوة داخلية متمثلة في تحكمها في العتاد و السلاح ، والأتباع من مختلف مكونات السلطة بما فيها الأحزاب و النقابات و الجمعيات و الإعلام ، وقوة خارجية مجسدة في القوة الامبريالية الصهيونية ، التي تتبادل معها المصالح على جميع المستويات ، وبالتالي كان على هذين التوجهين أخذ بعين الاعتبار كل هذه العوامل قبل التحرك ، ثم التحلي باليقظة والحذر لتنفيذ المبتغى ، و المتفق عليه ، مع استثناء وحياد الأبرياء في أية عملية ، فهل يستحضر هؤلاء هذه المعطيات الدولية والإقليمية ، مع مراعاة ميزان القوى العالمي في أية خطوة يخطونها ، لمواجهة غطرسة الملكية ، وخدامها وعبيدها من المناصرين والمؤيدين لها ؟ إن المغرب يتوفر حقا على طاقات لا تعد و لا تحصى من المناضلين والمناضلات من المخلصين و المخلصات لقضايا الشعب ، إلا أن البعض من هؤلاء تذهب جهودهم سدى ، لكونهم ينتمون للأحزاب الشرعية ، فتنقلب إستراتيجيتهم التي هي النضال ضد السلطة الطاغية على البلاد و العباد ، إلى النضال لتغيير قيادات الحزب ، الذي هم فيه أعضاء ، هنا تهدر طاقاتهم ، وتضيع جهودهم ، وهم منشغلين ليس في هدفهم الأول ، الذي هو النضال ضد السلطة ، بل في مواجهة قيادات أحزابهم التي تتجاوز أساليبها القمعية أحيانا أساليب المخزن ، فينعتون بشتى الأوصاف القدحية السخيفة ، لا لشيء إلا لأنهم تجرؤا لقولهم كلمة حق في وجه حاكم أو قيادة طاغية ، وقد تنطبق عليهم مقولة " ما أقسى حكم الأصدقاء علينا " فتُكون بذلك الملكية حصنا حصينا بين عرشها وبين رياح التغيير ، التي كانت ستعصف بها لولا تخاذل الأحزاب ، لدى فمن الواجب أن تظل مجهودات وتضحيات المناضلين الذين وهبوا حياتهم لأجل بناء وطن متقدم ، كنزا يفتخر به الشعب و الأجيال الصاعدة ، ويكون البوابة التي يطل منها على المستقبل الديمقراطي ، في إطار سياسي يجيب بكل شفافية وتحدي على الأسئلة الكبرى المتمثلة في : من نحن ؟ وماذا نريد ؟ ومن خلال الجواب على هذين السؤالين تتضح الرؤية للجميع ، ويستطيع المرء أن يختار ما بين التوجه الاشتراكي الديمقراطي ، المبني على السكة الصحيحة لتحقيق الجمهورية ، وما بين التوجه الليبرالي المحافظ على الملكية كنظام للحكم ، وهو الاختيار الصائب كي تتضح للشعب الرؤية الفكرية والإستراتيجية السياسية لكل توجه ، كما أنها الطريقة الذكية ، للقضاء على كل من يستغل الدين أو الوطن أو الشعب ، والحل الوحيد في العمل السياسي للقضاء على الاشتراكيين الطوباويين ، و الانتهازيين ، الوصوليين من جهة ، وعلى التيارات التي تفرخ من حين لأخر لتميع العمل السياسي ، داخل هامش يعطي للملكية ولأتباعها ، من الخدم و العبيد الفرصة ليلعبوا ، ويتلاعبوا ، بهذه التناقضات التي صنعوها في الأصل من أجل ذلك ، وهو السبب الرئيسي الذي أفقد ثقة الشعب في كل الممارسة السياسية برمتها ، فيما أمن ذلك استقرار و استمرار الملكية ، التي لا تزال تعيش بسبب عزوف الشعب عن السياسة ، وعدم تركيزه و اهتمامه بمسألة التغيير ، وهي محاطة بالإعلام ، والأحزاب الخائنة لقضايا الشعب ، هذا الشعب الذي مافتئ يحلم بتحقيق الجمهورية المغربية ، المحكومة بانتخابات رأسية ، و برلمانية ، وقروية وحضرية ديمقراطية ، نزيهة وشفافة ، تليها المحاسبة ، و المسائلة ، و المحاكمة في حالة التورط في تجاوز ما كيف ما كان نوعه ، بجعل القانون كعصا على رؤوس الجميع سواسية أمام القضاء ، و العدالة كأسنان المشط ... أوعلى أقل تقدير التوفر على الجرأة لإعلان ميلاد حزب جمهوري ديمقراطي متوفر على برنامج شامل ، يجيب على كل الإشكاليات المطروحة قولا ، وممارسة ، و يؤمن بالانتصار و الانهزام ، يضع الشعب المغربي أمام الاختيار عن طريق المطالبة بتنظيم الاستفتاء كل خمس سنوات ، تحت رعاية المنتظم الدولي ، للتصويت عن زوال أو بقاء الملكية في الحكم ، حينها سيكون حسم الشعب أقوى لصالح الملكية ومن يدور في فلكها من خدم وعبيد ، أو لصالح الجمهورية عندما يمنى الطرف التابع للملكية بالانهزام ، وذلك أضعف الإيمان ، كما أن البعض من أصحاب الآراء الانهزامية الذين لهم المصلحة في بقاء الوضع المغربي على ما هو عليه ، هم أول من سيسخر من هذا الطرح والرأي ، مبررين ذلك بمصطلحات كالمغامرة ، و الطهرانية ، والفوضوية ... وهي مصطلحات لا تصدر إلا عن الجهات التي رضيت بالوضع الفاسد ، و المستفيدة منه باصطفافها خلف الملكية الطاغية . إن كل الأطراف المكونة لجسم اليسار الحقيقي و الثوري بالمغرب كانت عرضة للإقصاء ، و الطرد ، و التهميش ، من قبل الأحزاب التي لا تخدم سوى توجهات السلطة ، لكونها جزء منها ، مكرسة للتخلف و الرجعية ، بتسترها على الحقائق ، بل ينشب صراع داخلها ما بين التوجه الثوري ، وما بين التوجه الإصلاحي الانتهازي ، الذي ينتصر دائما بفضل الدعم العلني و السري الذي يتلقاه من قبل السلطة ، وعلى رأسها الملكية ، و الغريب أن الوقت قد طال ولم تحن بعد تلك اللحظة التاريخية المنتظرة ، حيث السير على النهج الصحيح للخروج برأي واضح ، وتصور متكامل في التعامل مع المجتمع المغربي ، الذي يتخبط في الغموض ، و الظلام والعتمة ، بعيدا عن الحدود المرسومة والموضوعة من قبل الملكية ، التي هي الإجماع المزعوم ، و المزيف المتجاوز ، حول قضايا عديدة كالخوض في موضوع الصحراء الغربية ، أو في موضوع الملكية التي ظلت محرمة ، يمنع التداول فيها ، الأمر الذي يزيد من ضيق الشعب ، ومن إفساد سمعة المغرب و المغاربة بالداخل و الخارج . كما أن بروز التوجه الجمهوري قد لا يستدعي بالضرورة القيام بالثورة الدموية التي يتستر البعض وراء التخوف منها ، بل يضع في حسابه المواجهة الديمقراطية بطرق حديثة و معاصرة تقفز بالمجتمع المغربي من تجمع بشري إلى دولة ، يوضع فيها حدا للفساد على جميع المستويات ، و للظلم ، والقهر و الطغيان ، والقمع ، والبؤس و اليأس و التهميش و الحرمان ... وفتح باب المنافسة بين الطرفين الجمهوري و الملكي ، وجعل الطرف المنتصر يهتم بالشأن الشعبي ، لأن الشعب هو الذي سيمنح الانتصار أو الهزيمة لطرف من الطرفين المتصارعين ، لكونه المصدر الوحيد للسلطة و للسيادة ، كما أن التوجه الجمهوري يعتمد على الثورة الدموية إلا في حالة جره لذلك ، بسبب تعنت الملكية ، وعدم خضوعها ، و قبولها لما يفرضه عليها الواقع من تغيير، وما يتوجب عليها القيام به اتجاه الشعب ، وانصياعها في حال اختيار الشعب بحرية لهذا التوجه الجمهوري ،الذي سيعمل من بين أولوياته على بناء دولة مغربية ، ديمقراطية ، أمازيغية ، عربية ذات الحرية الكاملة في الاعتقاد ، ونشر القيم الديمقراطية المعادية لأي شكل من أشكال العنصرية ، والميز و التمييز ، والاستغلال و العبودية ومن بين تلك الأولويات أيضا لهذا التوجه الجمهوري هي : 1 تغيير الدستور وإعادة صياغته بشكل يستجيب لمتطلبات الشعب مع تفسيره عبر وسائل الإعلام وبكل اللغات المتداولة بالمغرب كي يتسنى للجميع إبداء رأيه ومشاركته في بناء مستقبل المجتمع ، مع اعتبار هذا الدستور قابلا للتغيير والتعديل كلما تطلبت الظروف الوطنية و الدولية ذلك. 2 تحديد أجرة الملك أو رئيس الدولة ، وعلى كل من يحيط بهما من حاشية ومساعدين وخدم ، وفرض الضرائب على مشاريعهم وحذف النفقات الهائلة على أسرهم التي تؤخذ من مالية الشعب ، مع جعلهم متساوون أمام القانون مع باقي أفراد الشعب ، وتجريدهم من الامتيازات و الأراضي والأموال المكتسبة بطرق غير شرعية و إعادتها للمالية العامة لتسرف فيما يخدم الشعب. 3 حل وزارة الأوقاف و الشؤون الإسلامية ، ووزارة القصور والتشريفات و الأوسمة ، مع محاسبتهما منذ نشأتهما ووضع ماليتهما لخلق مناصب شغل طارئة لأبناء الشعب الكادح. 4 تقريب جميع المصالح الإدارية ، و السياسية ، والحيوية من المواطن، مع نزع كل الرخص المسلمة للأغنياء لاستغلال النقل ومقالع الرمال و الأحجار ، و الصيد البحري ، والغابات ، والضيعات الفلاحية ، وتجريد كبار المسئولين من كل الامتيازات ، وتقسيمها للفقراء ، وذلك للقضاء النهائي على الفقر والسكن العشوائي ، وعلى الفوارق الطبقية. 5 التقليص من الحقائب و المناصب الوزارية ، ومن أعضاء الغرف ، والبرلمان والمؤسسات المنتخبة ، ومن أجورهم مع حذف المناصب العليا السامية ، و اختيار الوزراء من الوطنين الصادقين المخلصين المعروفين بنزاهة الضمير ، مع استعمال السيارات و المعدات الرخيصة لقضاء أغراض الدولة. تقول إحدى الأمثلة الهولندية :" الحقيقة تؤلم " وبالفعل فمن يتجرأ على قوله الحقيقة قد ينظر إليه بعين حاقدة من قبل الرافضين ، والمقاومين لتلك الحقيقة ، لأنهم أول من يمس من خلال قولها ، لأنها لا تتماشى مع رغباتهم ومصالحهم الذاتية و الأنانية الصرفة ، وبالتالي فقد يلتف أعداء الحقيقة للإساءة وجرح ، ومواجهة ، بل محاصرة ومحاربة بكل الوسائل كل من يجهر بتلك الحقيقة ، دون علم أعداء الحقيقة أنهم يصرخون وينددون بسلاح بالي الذي هو الغش ، والزيف واللاحقيقة ، وتلك معضلة فلسفية تستحق المزيد من التفسير و النقاش ، وتبادل الآراء و الأفكار لتعليم الناس على تقبلهم للحقيقة مهما كان ثمنها ، دون أن يصاب أحدهم بالجرح ، أو الندم و الأذى ، لأنها في الأول و الأخير مجرد حقيقة ، ومن هذا الباب يجب الوقوف على الحقيقة المغربية التي مهما طال تستر السلطة بمكوناتها الحزبية والإعلامية عليها ، وتبديلها بغير الحقيقة ، فإن الأيام ستكشف عن زيف ، واعوجاج اختيار طريق النفاق ، والكذب ، والمراوغة ، لكونها مجرد أصباغ سرعان ما تنكشف للجميع على أنها غير أصلية ، وبالتالي يكون الحساب مضاعفا وعسيرا ، خاصة في مسألة خدع الشعب ، التي هي من بين الجرائم التي لا يعفى عنها ، ولا تغتفر لأحد ، و التي لا يمر حسابها بسهولة ، وإن حقيقة ما ألت إليه الأوضاع السياسية والاقتصادية ، والاجتماعية و الثقافية ، و الوطنية بشكل عام قد يندر بكارثة لا تحمد عقباها ، وما يظهر بين حين وحين من هزات وحركات ُمؤطرة من قبل الإسلاميين ، ما هي في الواقع إلا بداية العاصفة التي جاءت متأخرة ، لأن تشويه التاريخ المغربي ، وتمزيق جغرافيته لا يمكن السماح به مطلقا ، وهيمنة الملكية على الحكم بعدما تمكنت قبيلتها العلوية أو ما يسمى ب - الشرفاء العلويون – لن يدوم طويلا ، مهما حاولوا مع خدامهم وعبيدهم من الأعوان والأتباع تغيير طموحات الشعب المغربي ، والقيام بعملية الغسل و المسح لذاكرته ، لأنه يعرف على الأنظمة الديكتاتورية أنها تركز أساسا على تحريف تاريخ الشعوب ، وتنقيحه بحذف كل ما لا يتلاءم ، و أهداف تلك الديكتاتورية هكذا قال - جان جنيه - العارف بشؤون المغرب متسائلا : " أية سلالة حاكمة لم تقم سنواتها الألف من الحكم على الزيف ؟" كما يقول الكاتب المغربي – مومن الديوري- في مقدمة كتابه - حقائق مغربية - " إن التاريخ مادة قابلة للانفجار لدى يحرص الطغاة على تشويهه ، أو تحريفه على الأقل بما يتلاءم ونهجهم السياسي ، وهكذا يتم إلغاء دور الآلاف من الرجال و النساء ، الذين سحقوا بلا رحمة ، لرفضهم استبداد الحاكم ، فيتم بذلك إلغائهم عن عمد ، وبالنسبة للنظام الملكي في المغرب تبدو طريقة الإلغاء هذه التي يتقنها جيدا، فنا حقيقيا من فنون تخريب الذاكرة الجماعية ، والتلاعب بها ، ولا بد من القول هنا أن انتهازية الطبقة السياسية لا تجعل عادة من الأحزاب التي تشرف عليها مؤسسات من شأنها أن تعكس مختلف اتجاهات الشعب ، وإنما محطات ملائمة تتيح لها ممارسة دور اسمي في حكومة مخلصة إخلاصا مطلقا للملك ." ومن هذه الزاوية تم تشويه العمل السياسي بالمغرب ، بخلق مؤسسات مزيفة ، ولجن ، ومجالس مصطنعة ومفبركة على مقاس الملك وسلطته ، وهو الشيء الذي أضر بكل المجالات في المغرب ، وصولا حتى مجاله الاقتصادي ، بحيث أن الملكية توزع ثروات وميزانيات ، ومنح وخيرات الوطن على المقربين و المطيعين لها من الوصوليين و الانتهازيين و الخونة ، وهو ما أنتج بورجوازية متخلفة متعفنة ، لا وطنية ، ولا ديمقراطية ، و لا شعبية ، وسخة الأيادي بدماء أبناء الشعب ، فزادت من تخريب ما تبقى من المؤسسات بنشرها لمرض الرشوة ، والمحسوبية والزبونية ، مما زاد من غضب ، وعناء ومعانات الطبقات الشعبية الكادحة ، التي تتعرض لكل أشكال التعسف و الإهانة ، و الإقصاء و التهميش و الجوع و الحرمان ، واستفحلت في صفوفها بذلك الأمية و الأمراض الفتاكة ، وهيمن واقع الأسياد و العبيد على الوضع ، فلم يعد أحد يشعر من أفراد وجماعات الشعب الكادح بالأمن و الأمان ، و الطمأنينة ، داخل مغرب مسير بالعصا لمن عصى ، و بالتعليمات والمزاج ، وبمنطق "اليوم خمر و غدا أمر" لقد فقد الشعب كامل ثقته في السلطة والأحزاب و المؤسسات بالمغرب ، فلولا التهديد ، والوعيد ، والانتقام الذي يتعرض له المغاربة من أبناء الشعب من قبل السلطة ، ممن لم يشارك فيهم في التصويت سواء بالاستفتاءات ، أو الانتخابات ، لظلت بذلك صناديق السلطة و الأحزاب فارغة ، لا تحتوي على أية ورقة من الشعب ، ولكن وعي السلطة بتلك الخطورة جعلها تحرك ، جواسيسها من قواد وشيوخ ومقدمين ، وعريفات ، وسماسرة لتحذير المغاربة في السر والعلن ، من عدم مشاركتهم بتلك الانتخابات أو الاستفتاءات ، حيث يلي العقاب كل من سولت له نفسه ، أن لا يشارك ، وهو ما يعد خرقا سافرا لحقوق الإنسان ، الذي لم يتحدث عنه أحد من المستفيدين من الوضع الفاسد ، وقد حصلت هذه التهديدات ما مرة ، كان أخرها حول الدستور الممنوح المفروض على الشعب بالقوة و الجبروت ، و الذي يفرض فيه على كل المنتمين للسلطة أن يصوتوا عليه بنعم ، فيما يمنع علي هؤلاء المشاركة في التصويت بالانتخابات ، وهو تناقض يوحي في جوهره ، إلى هيمنة الديكتاتورية على البلاد و العباد ، كما أن ذلك الدستور الممنوح ، قد تمت تزكيته من قبل المكونات السياسية رغم رفض بعضهم له ، وهي النقطة الأخيرة التي أظهرت فيها تلك المكونات مدى خطورتها على المجتمع ، ووصوليتها و انتهازيتها ، ونشرها لثقافة الاستسلام و الهزيمة ، ومحاربتها لثقافة النضال ، وهي العوامل التي زادت من تعنت الملكية ، وجعلها تنفرد بكل شيء ، بما فيها القضايا الوطنية كقضية الصحراء ، ومدينتي – سبتة - و - مليلية – والجزر المغربية ، ومنطقة – تندوف- ، وصولا حتى نهر السنغال ، في الوقت الذي أصيب فيه كل السياسيين ، والإعلاميين والمثقفين بالعمى السياسي ، ممتطيين مركبة الصمت في بحر المؤامرة ، بعدما تمكنت الملكية من شراء أمنها الداخلي و الخارجي ، و استقرارها في اتجاه استمراريتها في الحكم الملكي المطلق ، لاحتوائها للسياسيين و المثقفين ، والاقتصاديين ، و لبعض المحسوبين إلى وقت قريب على المناضلين ، عن طريق الرشوة كعادتها ، وهي أسلوبها في التعامل حتى مع الجهات الدولية لحثها على مساندة قضاياها الشخصية و الذاتية … إن وطنية ومواطنة الإنسان لا تكتمل إلا بمشاركته الفعالة ، في صنع واتخاذ القرار ، و استفادته من خيرات الوطن ، و تأثره و تفاعله بشكل مباشر مع مسرات و أحزان الوطن ، بإيجابيتها وبسلبيتها ، وهو الشيء الذي جعل الإنسان الغربي مواطنا حقيقيا بمعنى المواطنة ، لأن وزنه لا يقاس إلا بمدى جديته ، وصراحته و صرامته في العمل ، وهو يعرف حق المعرفة كل حقوقه وكل واجباته اتجاه نفسه ، واتجاه محيطه الاجتماعي ، واتجاه وطنه ، فهو بذلك عنصر فعال ، ومشارك في كل الاستحقاقات النزيهة التي يعرفها وطنه ، لأنه المساهم الرئيسي في تكوين دواليب الحكم بدءا بالمؤسسات المنتخبة ، وصولا حتى التحكم في السلطة التشريعية ، و التنفيذية ، والقضائية ، ومراقبتهم ، بل هي دولا حقيقية عملت في إطار ديمقراطيتها الحقيقية ، حتى على إشراك المهاجرين ، واعتبارهم مواطنين كغيرهم ، في مدة وجيزة لا تتجاوز خمسة سنوات ، بينما الإنسان المغربي لا يواجه إلا الإقصاء والإبعاد ، و الحرمان في بلده الأصلي ، ويتم معاملته بمنطق الراعي والراعية ، والسيد و المسود ، بل السيد و العبد ، مع فرض معادلة ثلاثية في الدستور مجسدة في الله – الوطن – الملك ، وهي معادلة لا توحي إلا لممارسة الملكية بالمغرب لسياسة العصر الحجري، و القرون الوسطى ، وتلك هي الحقيقة التي يرفض البعض الإيمان بها ، أو حتى الاستماع إليها ، فكيف إذن لا يمكن أن تظهر الخلايا الجهادية المتشبعة بالإيديولوجية الإسلامية ، لمواجهة طغيان الملكية ، ظهورا يانعا وفق متغيرات العالم حيث بروز الإسلاميين على الساحة الدولية عامة ، في صراعهم مع قوى الشر ، كما سبق وأن ظهرت الخلايا الثورية ، الاشتراكية و الشيوعية ، المتبنية للكفاح المسلح في العقود الماضية ، محاولة منها بذلك القضاء على الملكية ، وتماشيا كذلك مع الظرف الدولي ، حيث بروز الاشتراكية الشيوعية الثورية ، ومسألة القومية ، وبين كلا الحالتين من الحركتين المتناقضتين ، ما بين السلفية الإسلامية ، والتقدمية الشيوعية ، تعمل الملكية كل ما بوسعها لتفرز دائما عملاء من الخونة المنددين ، و المستنكرين ، والرافضين لعمل من أعمال تلك الحركتين ، فيما أن هؤلاء الخونة من المحرضين يخفون في نفوسهم عكس ما يقولون ، حيث أن باطنهم مع أحداث تلك الحركتين المتناقضتين الهادفتين معا للقضاء على الملكية ، وظاهرهم ضدها ، لا لشيء إلا لكسبهم المزيد من التقرب للملكية ، قصد العطف عليهم ومنحهم فرصة كي يزاولوا عملية النهب ، والاختلاس ، والسطو على الأموال العامة ، وحتى لو حصل وانتصرت حركة من الحركتين على الملكية ، سيكون حينها الخونة الحاليين هم أول من يقدم الولاء ، و الطاعة لتلك الحركة المنتصرة ، محاولين اظهار أنفسهم مجرد ضحايا لتلك الملكية المنهزمة ، لأنه لا أحد من المغاربة يفضل الحكم الملكي على الحكم الجمهوري الرأسي ، و تلك هي الحقيقة التي يخشون النطق بها ، ولد يتوجب على المناضلين الحقيقيين الصادقين قولها مهما كان ثمن ذلك إنها حقيقة يرفضها البعض من المستفيدين من الوضع الفاسد بالمغرب ، فيما جهر بها البعض من أبناء الشعب من المناضلين الذين استشهدوا على إثرها في ساحة المواجهة مع أجهزة سلطة الملكية ، أو اختطفوا ، وقتلوا رميا بالرصاص ، أو تحت التعذيب ، ومنهم من لم تظهر رفاتهم بعد ، ومنهم من ألقي به في السجن ، لمواجهة برودة وعزلة الزنازين ، ومختلف وسائل التعذيب القاسية ، التي مورست عليهم ، وعلى عائلاتهم ، وأهلهم ، من قبل السلطة الملكية المتكونة من العملاء ، و المجرمين ، والخونة ، بل هناك من قضى نحبه في السجون أو على أسرة المستشفيات ، وهو مضرب عن الطعام ، ومنهم من ظل في غياهب السجون و المعتقلات ، وكان من حظه أن غادرها شائبا يكسوا البياض رأسه ، بعدما تم تدمير صحته ، و قمع رأيه ، و القضاء على أفكاره البناءة من قبل أصحاب الأفكار الهدامة ، ومع احترامنا لهؤلاء فإن ما يروجه البعض منهم حول مسألة ما أطلق عليه الإنصاف و المصالحة ، فهي مسألة تثير الانتباه ، و الشكوك ، والغضب ، والحيرة لأنها تموه الحقائق ، وتربك الخيوط لدى الرأي العام خارج المغرب وداخله ، وتدفع بالمعنيين و المهتمين إلى المزيد من الانتباه و الحذر ، بوضع أسئلة كبرى قوامها : ما هي شروط تلك المصالحة ؟ ومع من تمت تلك المصالحة ؟ وكيف تمت تلك المصالحة ؟ وما هي الدوافع التي دفعت لعقد تلك المصالحة ؟ ما هي المكاسب المحققة وراء تلك المصالحة ؟ و ماذا تغير يا ترى في المغرب كي تتم تلك المصالحة ؟ ما هي المقاييس التي اعتمدت عليها تلك المصالحة ؟ ومن رتب لتلك المصالحة ؟ وعلى حساب من تمت تلك المصالحة ؟ وما هي الأطراف المستفيدة من تلك المصالحة ؟ و أين هي طموحات ومطالب الشعب من وراء تلك المصالحة ؟ وهي نفس الأسئلة المحيرة التي يمكن طرحها حول مسألة الإنصاف بدءا من : من أنصف من ؟ ومن له الحق في إنصاف الأخر ؟ وكيف ، وعلى حساب من تم ذلك الإنصاف؟ وما هي خسائر و أرباح الشعب المغربي من خلال تلك المصالحة و الإنصاف ؟ إنها أسئلة عديدة سيكشف عن أسرارها التاريخ القريب أو البعيد بكونه المنصف الوحيد للجميع ، لأن الجواب عن سؤال واحد من تلك الأسئلة قد يظهر حقيقة مفادها : أنه لا جدوى من تلك المصالحة و الإنصاف ، و إنه من السابق لأوانه التحدث في تلك الإشكالية ، في ظل الوضع المغربي الفائت والحالي ، الذي ظل على حاله ، و لم يعرف تغييرا ، بالرغم مما أذاعته الأبواق الرسمية ، وما روج له الإعلام المسخر لتشويه الحقائق ، وتمويه الرأي العام المغربي ، و الدولي ، بشعارات جوفاء ، فارغة من أي محتوى كالديمقراطية ، والعهد الجديد ، و المفاهيم الجديدة للسلطة ، وملك الفقراء ، وما إلى غير ذلك من الأكاذيب والافتراءات ، الهدف منها مسح وغسل الذاكرة الشعبية ، لكن ذلك لن يتم مهما فعلت الملكية ، وسلطتها ، لأن الشعب المغربي يرفض بالسر والعلن تلك الملكية وحكمها المطلق ، والدليل هو أن لا أحد من أفراده يتنكر لتضحيات أولئك المناضلين المخلصين لقضايا الشعب ، من المعتقلين ، والمغتربين والمغتالين، والمختطفين، ولأفكارهم المعارضة للملكية ، و الهادفة إلى بناء مغرب حر وديمقراطي ، وتقدمي يقطع مع كل أشكال الفساد ، ومخلفات الملكية ، ويتسع لجميع أبناءه بدون ميز عنصري ، أو طبقي ، أو عرقي ، أو قبلي ، أو ديني عقائدي ، أو اثني ، و لا تمييز فيما بينهم ، وهناك من الفعاليات التي تدرك ، وتعي أن تلك الأهداف النبيلة لن تتحقق إلا بالقضاء على الملكية ، وتصحيح الانزلاق الذي عرفته كل المجالات ، وعلى رأسها المجال السياسي ، والإعلامي ، والاقتصادي ، والقانوني ، والاجتماعي ، والثقافي ، و الحقوقي …إلخ ، وهو الهدف والمبتغى في تحركات المناضلين ، من أصحاب تلك القناعات ، ولهم الحق في العمل ، والتخطيط ، وتنظيم أنفسهم في خلايا سرية جهادية كانت ، وفق التصور السلفي الإسلامي ، أو كفاحية وفق الرؤية الاشتراكية و الشيوعية التقدمية ، وعندما سيتم الحسم مع الملكية كالعدو اللدود الأول و الخطير على الشعب ، وعلى مستقبل أبناءه ، سيكون هناك موعد مع الشعب ليختار بشكل حر ونزيه وديمقراطي ، من سيدافع حقا على مصالحه ، ومن سيمثله ، من بين تلك الإيديولوجيتين المتناقضتين ، ومن هو التوجه العادل الذي سيحظى بدعم الشعب . وهذا ما يجب التفكير فيه و الاستعداد له ، لأن نهاية الملكية على الأبواب ، حينها لن يجد المنافقون من المدافعين عنها مكانا لهم بين الشعب ، وسيكونون بذلك هم الخاسرون …علي لهروشيمواطن مغربي مع وقف التنفيذأمستردام- هولندا0031618797058alilahrouchi@hotmail.com



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن